بمشاركة 30 دولة... منتدى مراكش البرلماني يختتم أشغاله بالدعوة إلى الحد من مخاطر التوترات التجارية    الملك محمد السادس يستقبل الولاة والعمال الجدد المعينين بالإدارة الترابية والمركزية    مهرجان "ماطا الدولي" يحتفي في دورته 13 بربع قرن من الازدهار والتنمية في عهد جلالة الملك    رسميا..الوداد يحسم تعاقده مع نور الدين أمرابط لموسم واحد    خبيرة من منظمة التعاون الاقتصادي تحذر من مخاطر حوادث الذكاء الاصطناعي    انقطاع واسع للكهرباء في جنوب شرق فرنسا بسبب حريق مشبوه    عطل عالمي يضرب منصة "إكس"    مصب واد درعة بطانطان: مناورات عسكرية مغربية أمريكية واسعة النطاق في ختام تمرين "الأسد الإفريقي2025"    انخراط المغرب في الدينامية الأطلسية سيساهم في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي (ولعلو)    مدرب بركان: جاهزون لحسم اللقب    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    توقيف شخصين بشبهة تورطهما في قضية تتعلق بالسرقة باستعمال الكسر بمكناس    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    تصرف مفاجئ من لامين يامال تجاه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي    كأس العرب 2025 ومونديال أقل من 17 عاما.. إجراء القرعة غدا الأحد بالدوحة    من سواحل الناظور إلى شواطئ إسبانيا.. تفكيك شبكة لتهريب البشر    نور الدين أمرابط يصل إلى الدار البيضاء تمهيدا لانضمامه إلى الوداد الرياضي    استعدادات الوكالة الوطنية للمياه والغابات لموسم الحرائق: جهود حثيثة للوقاية والتوعية    هونغ كونغ ترحب ب"الطلاب الممنوعين" في أمريكا    حجز آلاف حبوب الهلوسة بباب سبتة    إنقاذ شخص من سيول بإقليم الدريوش    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    الفنان عبد الرحمان بورحيم في ذمة الله    وفاة المخرج الجزائري لخضر حمينة عن 95 عاما    تداولات بورصة الدار البيضاء تتجاوز 2 مليار درهم في أسبوع    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    جامعة هارفارد: القضاء الأمريكي يعلق العمل بقرار منع تسجيل الطلبة الدوليين    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    ألمانيا تحذر من صعود جماعات شبابية يمينية إجرامية    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    أبو زيد: "الاتحاد الاشتراكي" تحول إلى عقيدة "المناولة" وقيادته تسخره في أعمال التحايل الممتهن سياسا وأخلاقيا    لجنة التقنيات والعمليات السيبرانية بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    نيجيريا تعلن عن خطوات جديدة في مشروع أنبوب الغاز الرابط مع المغرب    هل يدخل الرجاء عصر الخصخصة بثقة: مؤسسات ملاحية عملاقة تفتح أفقًا جديدًا للنادي    تيمور الشرقية... المنتخبة غلة باهيا تسلط الضوء على التحول التنموي العميق في الصحراء المغربية    كيوسك السبت | المغرب يعتزم القضاء على الأمية بحلول 2029    نهاية 2024: الصين تتصدر العالم ببناء أكثر من 94 ألف سد وقدرات كهرومائية غير مسبوقة    كريستيانو رونالدو على وشك توقيع عقد القرن … !    الاستثمار الصيني في المغرب: بطاريات المستقبل تنبض من طنجة نحو أسواق العالم    بوريطة يمثل جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس الإكوادور وسط تقارب دبلوماسي متزايد    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    خبر تهريب 2,5 طن من الشيرا من شاطئ "طالع القرع"… يستنفر المصالح المختصة    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الأزمي «البليكيه»    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    









الوزير الرميد وشبهة التأثير في السلطة القضائية
نشر في شمالي يوم 02 - 01 - 2019


باحث في القانون العام
تتعارض الخطابات بخلفياتها السياسية والفكرية، وتتصارع بشكل تضيع معه الرؤية الموضوعية، وتتوارى الحقيقة تحت وقع القضايا الكبرى التي يتم تداولها. وعلى رأسها استقلال السلطة القضائية، وتهديد الامن القضائي، والتأثير في القضاء ….إلى غير ذلك من الصياغات التي صارت تشد الانتباه. وقد ارتأيت أن أناقش موضوع التأثير في السلطة القضائية، بما تيسر من وجهة نظر بعيدة عن اللغط الذي تتحكم فيه الاجندات السياسية والخصومة الفكرية. لقد حسم الفصل السابع من الدستور المغربي في أن “السلطة القضائية مستقلة، عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية” و أن “الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية”. وعليه تبقى فصول الباب السابع المخصص للسلطة القضائية تفصيلا لهذا المبدأ العام الذي يجعل القضاء مستقلا بضمانة ملكية سامية تحصنه ضد الانحرافات التي من شأنها أن تمس الامن القضائي للمواطن. وبالنظر إلى الدستور نجد أن الحالات التي حظيت بضمانات ملكية هي حالات جد محدودة، لكنها ذات أهمية جوهرية بالنسبة للإنسان والوطن. فالملك، حسب نص الدستور، يضمن:
* “حرية ممارسة الشؤون الدينية” (الفصل 41)
* ” دوام الدولة واستمرارها” (الفصل 42)
* ” استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة” (الفصل 42)
* “استقلال السلطة القضائية” (الفصل 107 )
أما ماعدا ذلك، فإنه يخضع لضمانات الدولة، أو القانون، أو السلطات العمومية. ويترتب على هذه الضمانة الملكية التي يحظى بها القضاء في المعمار الدستوري ، أن ترديد أقوال التأثير في القضاء واستسهالها، والتسليم بها على نطاق واسع، فيه الكثير من التبسيط الذي لا يساعد على تثبيت المكتسبات الحقوقية التي جاء بها دستور البلاد وفي مقدمتها حرية التعبير. وفي مقابل ذلك جاء الفصل 109 من الدستور واضحا في منع أي تدخل أو تأثير غير مشروع في القضاء، تحت طائلة المتابعة القضائية. كما أن القاضي الذي يرى أن ” استقلاله مهدد”، يمكنه ” أن يحيل الامر إلى المجلس الاعلى للسلطة القضائية”، وهي آلية دستورية جديدة ترفع الحرج عن القاضي الذي يستشعر إمكانية فقدان الاستقلالية بصرف النظر عن مصدر ذلك. وتبدو الفقرة الاخيرة من هذا الفصل أكثر دلالة في سياق هذا الحديث بسبب تنصيصها مباشرة على أنه
” يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القضاء بكيفية غير مشروعة”. وبالتوقف عند هذه الفقرة نستخلص أن منع التأثير في القضاء لم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا بالكيفية “غير المشروعة” التي يرد عليها، وهي صيغة تمنح الكثير من المرونة في تأويل هذه الافعال والأقوال بشكل ينسجم مع التوجهات الحقوقية للدستور، في ظل وجود حيثيات وسياقات تجعل بعض الافعال والاقوال يصعب الحسم في تجريمها والقول بمنعها كالتظاهر والمسيرات والوقفات الاحتجاجية، ومقالات الرأي والتصريحات الصحفية، والمقالات العلمية التي تتناول القضايا المشابهة…..إلخ.
التفسير النصي الضيق للدستور قد يسير في هذا الاتجاه، فيعتبر كل تصريح في شأن أي قضية معروضة على القضاء هو محاولة تأثير “على القضاء بكيفية غير مشروعة “، ويجب أن تطوله المتابعة طبقا لمقتضيات الفصل 266 من القانون الجنائي المغربي الذي نص على :
« يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 263 على:
أ – الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما.
ب – الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله».
وإذا عدنا إلى التاريخ السياسي المغربي الحديث نجد أن هناك قضايا سياسية كانت تعرض على القضاء، وكان يتم فيها أخذ ورد، ونقاش قانوني، وتنظم بسببها وقفات احتجاجية، وتعطى تصريحات تعبر عن قناعات أصحابها ، دون أن تتم متابعة أي شخص بسبب ذلك. ويمثل هذا التوجه، في اعتقادي الشخصي، خيارا صحيا وايجابيا يثري النقاش القانوني ويغني القناعات ويبدلها على أساس علمي سليم، (مع حرصي الشديد على التمييز بين الرأي و الاتهام أو أي توصيف قيمي). في هذا السياق يمكن فهم مقتضيات الفصل 111 من الدستور الذي منح للقضاة حق حرية التعبير والانخراط في الجمعيات المهنية، إذ لا يعقل أن تعطى للقاضي حرية التعبير دون أن يكون الشأن السياسي والقضائي من مشمولات هذه الحرية، إلا أن يكون هناك فهم آخر، جد مقيد، يحصره في الرياضة والفن وغيرهما مما لا صلة له بالشأن العام، وهو أمر لا يقبله عقل. فإذا كان الامر كذلك، ومن باب أولى، فمن حق رجل السياسة، كيفما كان موقعه، أن يدلي برأيه، بإحدى الطرق المذكورة أعلاه، في الشأن القضائي للاعتبارات التالية :
1. إبداء الرأي ليس، بالضرورة، تأثيرا في القضاء بكيفية “غير مشروعة”،
2. ليس هناك نص قانوني يحدد بمعنى حاسم “الكيفيات غير المشروعة” وإلا فسنكون أمام لائحة من الافعال والاقوال التي تجرم لهذا السبب.
3. القاضي يفترض فيه أنه يعمل سلطاته التقديرية وضميره ويتحمل وحده مسؤولية ما يقرر ولا يجب أن يكون للأقوال أو الافعال أي تأثير عليه، مهما تعددت مصادرها.
4. الوزير يمثل مؤسسة مستقلة، قد يبدي رأيا يختلف فيه مع مؤسسة أخرى، بضمانات الفصل 42 من الدستور الذي ينص على أن الملك « هو رئيس الدولة وممثلها الاسمى ورمز وحدة الامة، وضامن الدولة واستمرارها، و الحكم الاسمى بين مؤسساتها… ». وفي التجارب المقارنة، تابع الراي العام العالمي، في بداية السنة الماضية، الانتقادات اللاذعة التي وجهها الرئيس الامريكي ترامب للقاضي الفيدرالي في سياتل “جيمس روبرت” الذي علق مرسوما رئاسيا يحظر مؤقتا مواطني سبع دول إسلامية من دخول التراب الامريكي، ووصف قراره ب”السخيف” قائلا: « رأي هذا الذي يسمى قاضيا، الذي يحرم بلدنا من تطبيق القانون، أمر سخيف وسيتم إلغاؤه». وفي دولة ديموقراطية مثل أمريكا، لم نجد من يتهم الرئيس بالتأثير في القضاء أو بتحقير مقرراته، لأن احترام القضاء وتقدير أدواره، لا يمكن أن يكون متعارضا مع المكتسبات الكونية في مجال الحريات والحقوق الاساسية. وقد أعاد الرئيس ترامب الأمر نفسه مرة أخرى، حينما اتهم أحد القضاة بأنه “قاضي أوباما”، دون أن يحتاج هذا الاتهام إلى أكثر من رد من القاضي نفسه، على شكل بيان ينفي التهمة ويعتز بفريقه القضائي، ودون أن تترتب على ذلك أية متابعة، لأن القضاء أكبر من أن تؤثر فيه تصريحات هنا أو هناك كيفما كان نوعها.
إن مثل هذه المواقف تعبر عن التوجه الحقيقي لما ينبغي أن يكون عليه الامر في بلادنا. ويؤكده الواقع اليوم بكل وضوح. فهناك قضاة كتبوا مقالات ، عن قضايا معروضة على أنظار القضاء ، كما أن هناك محامين وسياسيين ووزراء أبدوا مواقفهم من هذه القضايا. فإذا أخذنا بمبدأ وجوب الامساك عن إبداء الرأي في القضايا الرائجة أمام القضاء، فسيكون على النيابة العامة متابعة كل الذين تحدثوا علنا، في هذه القضية، لا فرق بين مؤيد أو معارض لقرار قاضي التحقيق، طالما أن المشرع تحدث عن التأثير “على قرارات رجال القضاء” بصرف النظر عن طبيعة هذا التاثير، وهو أمر لا يستقيم، مما يرجح القراءة الحقوقية التي تجعل الفصل 266 من القانون الجنائي المغربي، دون قيمة النص الدستوري و لا يواكب التحول الحقوقي بالمغرب، مما يتوجب معه إعادة النظر في هذا القانون إما بتضييق تفسيره، أو بإعادة النظر في دستورية الفقرة الاولى منه، وتضييق تفسير الفقرة الثانية انسجاما مع المكتسبات الدستورية في مجال الحقوق والحريات التي ارتقى بها الدستور المغربي، ولأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية، إلى مرتبة الثوابت، طبقا لمقتضيات الفصل 175 الذي ينص على أن مراجعة الدستور لا يمكن أن تتناول « الأحكام المتعلقة بالدين الاسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديموقراطي للامة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الاساسية المنصوص عليها في هذا الدستور». إن هذا المقتضى الحقوقي يمثل إنجازا دستوريا نوعيا يحفظ للمغرب مكانته في المؤسسات الحقوقية الدولية، ويحملنا جميعا مسؤولية الارتقاء بالشأن الحقوقي في بلادنا ، ورفع تحدي التنمية، من أجل وطن مستقر يستشرف المستقبل بكل أبنائه، وعلى أساس قيم المواطنة وأخلاق العيش المشترك، قبل أي رهان سياسي يختزل المشهد في هذا الاختيار أو ذاك. ولعل في رسالة جلالة الملك، إلى حفل تخليد الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نظمته وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط، قبل أيام، الكثير من هذه القيم الحقوقية التي يجب على الجميع تمثلها بوعي ومسؤولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.