مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون متعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض قدمه الوزير آيت الطالب    على غرار الأشهر الماضية.. لا زيادة في سعر "البوطا"    وزارة الفلاحة تتوّج أجود منتجي زيوت الزيتون البكر    المغرب يعرب عن استنكاره الشديد لاقتحام متطرفين لباحات المسجد الأقصى    بايتاس: الحكومة تثمن التعاطي الإيجابي للنقابات.. والنقاش يشمل جميع الملفات    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت الوصاية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الجماعات الترابية تحقق 7,9 مليار درهم من الضرائب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    الرباط.. ندوة علمية تناقش النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (صور)    من بينها رحلات للمغرب.. إلغاء آلاف الرحلات في فرنسا بسبب إضراب للمراقبين الجويين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غمارة معقل العلم و الجهاد و التصوف
نشر في شورى بريس يوم 13 - 03 - 2016

التعريف بالتراث الضخم لغمارة الكبرى يشكل جسرا لحوار حقيقي بين الثقافات وتعايشا عادلا بين الحضارات
ولتأكيد أهمية المنطقة من النواحي المختلفة فقد أفرد لها المؤرخون والكتاب حيزا هاما وعلى رأسهم ابن خلدون، وذلك لما لها من شأن عظيم في ميادين الجهاد والعلم والتصوف خاصة، ويعزز هذه الحقيقة القولة المثيرة: « إن تربة أرض غمارة ممزوجة برميم الأولياء»، وعلامة ذلك تظهر على ألسنة أهالي المنطقة في لغتهم ولهجتهم التي تشبه «قاموسا صوفيا»، ففي ربوع غمارة يتناجى الغماريون ويتنادون في كل حين صائحين: «أولايلاه» أي يا أولياء الله.. وفي كل مشكل أو نزاع ينشب بين اثنين أو أكثر يدعى إلى استحضار والاستغاثة ب«الولي الفلاني» أو «الشيخ الفلاني» حيا كان أو ميتا.. وكذلك القسم والحلف. وقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المنطقة كلها، ومما يضفي على المنطقة طابعها التاريخي في مجال التصوف. كثرة الأضرحة التي تأوي أرواح سالكين وعارفين بالله ذاع صيتهم، منهم الشيخ الإمام سيدي محمد بن أحمد البوزيدي السلماني الغماري، الشريف الحسني، وضريحه مشهور ببني زيات التيجساسية، حيث يوجد على مرتفع بين قريتي اسطيحات وتزمورت، في موقع جميل وجذاب مطل علىالبحر وعلى أراضي سقوية شاسعة تظل مخضرة طيلة السنة وتحتوي (الأراضي) على غدران وعيون مائية عذبة.
وشيخنا هذا (سيدي البوزيدي) تفرغ أولا لحفظ القرآن الكريم وتجويده، ثم تجرد للسياحة والعبادة سنين. فلقي بعض الصالحين فقال له: حاجتك بفاس عند مولاي العربي الدرقاوي، فقصده وأحذ عنه، وبقي في خدمته وتحت تربيته نحو ستة عشر سنة، ثم أطلقه من الحجر وأمره بتربية غيره، وشهد له بالخلافة. وقال الشيخ في حق مريده (سيدي البوزيدي): «هو خليفتي حيا وميتا»، وكتب رسالة في شأنه ينوه بقدره، ويحض على تعظيمه ومعرفة قدره، ونصها حسب ما أورده الشيخ أحمد بن عجيبة في «شرح تائية البوزيدي في الخمرة الأزلية»: «إلى كافة إخواننا أهل التجريد الظاهر أهل فاس وغيرهم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فإياكم ثم إياكم من قلب الحقائق، والله ما هي خدمة محمد بن أحمد البوزيدي الغماري لنا إلا لله، والله ما هو عمله إلا لله، ولو كان لغير الله حتى يحيى منها، والله ما خدمنا الله عشر العشر من خدمته، والله ما هو إلا سيدنا كلنا، صغيرنا وكبيرنا أحبننا أم كرهنا، والله لا يتكلم فيه بالسوء إلا فاسق أو منافق، أو مخدوع أو حاسد، أو راض عن نفسه، أو من فيه دعوة نافذة، اللهم ازرقنا ما أعطيته من النية والمحبة والصدق، وبارك في عمره يارب، وارزقنا وإياه الأدب على الأدب حتى نلقاك، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب (سبع مرات)». ووقع الشيخ رسالته قائلا «وقد كتبه أفقر الورى إلى رحمة مولاه محمد العربي الدرقاوي تاب الله عليه».
وكتب أيضا رسالة أخرى في شأن مريده البوزيدي الغماري المتميز الساطع نجمه، وردت في نفس المصدر، ونصها:
«إلى كافة من بفاس من إخواننا المتعلقين بنا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد أجزنا محمد بن أحمد البوزيدي الشريف، فاحترموه وعظموه، ووقروه، وزوروه، واسمعو له إذ هو خليفتنا في حياتنا وبعد مماتنا، رغم أنفسنا، والله ما علمت أحدا من فقراء الوقت يعرف طريق القوم مثله، وأنتم وأنا في أثره لأن شمس سعادته وصلت إلى وسط السماء، وشمسنا وراءه، وقد أحبننا لا بأنفسنا بل بربنا أن يقدم إلى بلده (بني سلمان من غمارة) يذكر عباد الله كسيدي الشاذلي، والله يبارك فيه وفيكم إلى يوم القيامة، وعليكم بالتخلق بالرحمة على الدوام، رزقنا الله ذلك بجاه النبي عليه السلام».
ووقع الشيخ رسالته بقوله: وكتب عبد ربه العربي الشريف الدرقاوي لطف الله به.
وأرسل له رسالة أخرى (انظر نفس المرجع ص 15)، قال في أولها: «بعد الحمد لله والتصلية، اعلم يا أخي البوزيدي أن الله قد أعطاك عطاء كبيرا، حيث فقهك في طريق أوليائه، وجعلك من ورثة أنبيائه، صلوات الله عليهم أجمعين، فاشكره». إلى أن قال في آخرها: «وقد أحببنا بحب الله سيدي محمد البوزيدي أن يتهيأ لزيارة والدته وأهله وبلده، وأن يكون على بصيرة في القدوم على أهله، ليقيم بها يذكر عباد الله، والله يا سيدي محمد بن أحمد البوزيدي ما علمت بقيت لك عندي ولا عند غيري ولنا عندك حوائج، بارك الله فيك وفي حوائجك إلى يوم القيامة».
وقال في وسطها: «اعلم يا سيدي (البوزيدي) أن الله علمك علما لدينا إلى يوم القيامة، وعلم أولادك وأحبابك وأهل وقتك على يدك وعلى يد أولادك، وأولادهم وأولاد أولادهم إلى يوم القيامة..».
ولقد شهد مولاي العربي الدرقاوي لمريده «الشيخ» البوزيدي بالفردانية، ققال: «مقام سيدي محمد البوزيدي مقام الأفراد» ص 16 من نفس المرجع. والفرد كما هو معلوم عند أهل الباطن أكمل من القطب في العلم بالله.
بعد نيله شهادات الاستحقاق وأوسمة الامتياز، وهب سيدي البوزيدي نفسه لدعوة الخلق الغافلين إلى طريق الرحمان وسلك أهل العرفان، وكتب في هذا السياق لمريده أحمد بن عجيبة (دفين الزميج بخميس أنجرة)، قائلا: «إن أردت مفاتيح العلم ومخازن الفهوم، فعليك بالقدوم». يقصد القدوم لديه إلى بني سلمان من تراب غمارة.
ومن أولياء الله المشاهير بأرض غمارة، الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، القادم حسب عدة روايات من تافيلالت جنوب المغرب، وحكى لي الأستاذ أحمد الأزرق (رجل تعليم ورئيس أسبق لجماعة اسطيحات) أن قدوم سيدي الفيلالي إلى غمارة كان بإشارة غيبية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقصد سيدي الفيلالي فجا عميقا يسمى «اللجوج» بإحدى قمم بني بوزرة.
أخذ الشيخ أحمد الفيلالي طريق السلوك إلى الله عن شيخه أبي محمد سيدي عبدالله الغزواني دفين مراكش، ويروى أن هذا الشيخ (الغزواني) عندما قدم إليه أحمد الفيلالي ليلقنه الورد وأصول الطريقة، قال: «لا إلاه إلا الله سيدي أحمد الفيلالي، نحن أكبر منه سنا وهو أكبر منا فضلا» (انظر الروض المنيف).
وضريح سيدي أحمد الفيلالي مشهور ببني بوزرة الغمارية، حيث وفى سكان القبيلة بوصيته التي أكد لهم فيها على دفنه على رأس قبة جبل مرتفع ليرى ضريحه برا وبحرا.
وقد حضر لجنازته عدد كبير جدا من المشيعين، وصلى عليه الولي الصالح سيدي محمد بن سيدي عبدالله الهبطي ورابط على قبره أسبوعا كاملا، يتلو القرآن ويذكر الله ويصلي على النبي، وقبل مغادرته قبر أحمد الفيلالي خطب في الناس قائلا: «أسعدكم الله يا غمارة بهذا الولي الكريم»، ونظرا لمكانة سيدي الفيلالي في قلوب أهل غمارة، فقد ذبحت في جنازته مائة من الثيران والعجول، ومن المعز والغنم ما يزيد على الألف. انظر مخطوط (الروض المنيف. ص 287). وقد وفر الأهالي لهذه الذبائح ما يلزم من مواد غذائية ونحو ذلك مما يحتاجه الناس.
كانت جنازته رضي الله عنه ك«لمة» أو «موسم» اجتمع فيهما القوم لذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على النبي والتخشع والمديح.
ومن الصوفيات البارز بقبيلة غمارة الكبرى، بنت القطب الأشهر مولاي التهامي (مول السوق الحامي) المتوفاة سنة إحدى وخمسين ومائة وألف 1151، ودفنت بالروضة المنيفة الشريفة الخاصة بأبناء أخيها مولاي علي الكبير مؤسس زاوية دار الضمانة بغمارة.
قضت للا الهاشمية حياتها عابدة زاهدة إلى أن قبض الله روحها وهي عازبة لأنها لم ترغب في الزواج مخافة أن يلفتها عن سلوك مسلك أهل اليقين، رغم تهافت أبناء علية القوم والأعيان على خطبتها، ودفن إلى جانبها ابن أخيها سيدي العربي.
ومن المشهور عنها تشبثها في مذهب التصوف السني والسلوك إلى الله بمنهج أبيها ومنهج العارفة بالله رابعة العدوية، وبفضل ذلك نور الله حياتها بكرامات وخوارق لازال السكان الأمناء الثقاة يروون بعضها.
وكان سبب قدوم للا الهاشمية إلى غمارة وبالضبط إلى بواحمد التيجيساسية واجب صلة الرحم، ثم أقبل عليها الناس من كل حدب وصوب، يرجون بركتها ويلتمسون دعاءها، فشاءت الأقدار أن تدفن بين أحضان محبيها بتلك الأرض الطاهرة، ليصبح بعد ذلك ضريحها مزارة شهيرة يقصدها الخاص من محبي العترة النبوية، والعام من المتوسلين، لحد الآن.
ويوجد بمدشر «أشتى» قريبا من «بني بحلو» ببني سلمان ضريح الولي الصالح حفيد مولاي علي الكبير، «سيدي التهامي»، وله في قلوب الغماريين السلمانيين والمطراسيين وغيرهم مكانة خاصة. وأسس بنو عمومة مولاي علي الكبير «ببني بارون» فرعا لزاويتهم الطيبية على يد صاحب «الروض المنيف» سيدي عبدالله بن الطيب، وبعد ذلك انتقل نسبهم إلى «بني خالد» في شخص سيدي التهامي أب سيدي المكي، وانتقل نسبهم أيضا إلى «قاع أسراس» الشاطئية في شخص سيدي محمد زين العابدين، وأسس بها النواة الأولى للزاوية الطيبية، وخلفه من بعده ابنه الشريف سيدي الطيب المزداد سنة 1915م ب«بني بارون» والمتوفى سنة 1993 بقاع أسراس، وبها دفن، وقبره معروف لدى أهل غمارة.
وعرفت قبيلة غمارة الكبرى في شخص النسب الأحمدوني (آل أحمدون) بالطب النادر، حيث تميزت هذه الأسرة بمهارة وحكمة قل نظيرها في هذا المجال، كمعالجة الفك والكسور والحروق والرضوض وأمراض أخرى مختلفة، وكانت الشهرة في هذا العلم لهذا النسب دون سواه.
تأسست الزاوية «الأحمدونية» أواخر القرن العاشر الهجري (16م)، ومن أشهر أطبائها محمد أحمدون وهو الذي حول مركزها من مدشر «أتليغا» إلى قرية «ترزات»، وكان خليفته في مهنة الطب ابنه الحسن أحمدون، ثم تواتر سرهم في المهنة من أب إلى ابن إلى حفيد حتى وصلت إلى الحاج الصديق، وكان لهذه الأسرة شهرة واسعة، ليس فقط على مستوى قبيلة غمارة فحسب، بل على مستوى منطقة الريف ومناطق أخرى متباعدة.
هاجر آل أحمدون إلى مدينة تطاون حاملين إليها مهنتهم الشريفة النادرة سنة 1897 - 1315. وعلى رأسهم محمد بن المكي أحمدون والزبير بن المكي والمختار بن عبدالخالق أحمدون.
وكان لنفس الأسرة مكانة لدى العامة والخاصة في ميدان مكافحة المستعمر وأعوانه، وفي هذا ضرب السيد لحسن أحمدون المثل والقدوة، حيث كان أحد مستشاري محمد بن عبدالكريم الخطابي في منطقة غمارة، فاعتقله إثر ذلك أحد الزعماء الموالين للمستعمر، المناوئ لثورة «أمير الريف وغمارة»، وظل سبع سنوات في زنزانة منفردة، برنامجه اليومي كثرة الذكر والدعاء، فرفع الحارس أمره الغريب إلى الزعيم المذكور ناصحا إياه بالتخلص منه فورا، فملئ قلب الزعيم رعبا وأطلق سراحه مكرها مع إبقائه تحت مراقبة وترصد المخبرين والوشاة.
فلجأ المعتقل المفرج عنه مباشرة إلى دار الضمانة ببواحمد وآواه أهل زاويتها وأكرموه ووفروا له المأوى والمؤونة والأمان. ومكث مكرما معززا بالزاوية بصفته لاجئا سياسيا إلى أن وافته المنية بنفس القرية، ودفن بمقبرة سيدي «اكحل العيون»، وقبره معروف بها يقصد للزيارة والتبرك.
ومن العلامات التاريخية البارزة، الدالة على وجاهة ومكانة سكان غمارة ذوي الأصول المختلفة ودورهم الفاعل في الدفاع عن الدين والوطن، تعدد المقابر والروضات المسماة «المجاهدين»، في تربتها دفنت جثامين المجاهدين الطاهرة بعد سقوطهم شهداء برصاص ومدافع المستعمر البرتغالي والإسباني.
هذه المقابر في حاجة ماسة إلى التدخل العاجل قصد ترميمها والاعتناء بها، وبناء نصب تذكارية تعرف بقيمة المبادئ التي ضحى من أجلها أبناء المنطقة، وتؤرخ لفترات غابرة من تاريخنا العظيم. وتتألف تلك الكتائب والمجموعات الجهادية في معظمها من السكان الغماريين، ومنهم أيضا إخوانهم الأندلسيون الذين هجروا من إسبانيا بعد أن نقضت الملكة إيسابيل والملك فيرناندو العهد والقسم الذين قطعاه على نفسيهما تجاه المسلمين فأصدر ت Isabel La Catolica يوم 6 شعبان 907، الموافق ل 14 فبراير 1502 مرسوما مشؤوما يقضي بطرد جميع أبناء المسلمين بنية استئصالهم. فاستقروا في شواطئ شمال المغرب، وأقاموا بها قواعد ورباطات للاستعداد لمجابهة المد العنصري الإسباني. ولازال أحفادهم مقيمين بغمارة، مميزين عن غيرهم بألقابهم وأخلاقهم، وعلى رأس النقط الشاطئية التي استقر الأندلسيون بها، شواطئ غمارة الكبرى: كالجبهة وتاغصة وتيكساس وترغة وقاع أسراس.. ومن أهم آثارهم بتيجيساس المسجد الجامع بقرية «كلدت» من بني زيات.
وحازت غمارة الكبرى على نصيبها من حكمة وحكم شرفاء الدولة الإدريسية بعدما فتحوا المغرب الأقصى فكانوا كما يقول عبدالباري الطيار في كتابه «ثوار وأنبياء من غمارة» «يبعثون الفقهاء إلى القبائل ليلقنوهم تعاليم الدين الأساسية ويحفظونهم القرآن الكريم، وسيحقق الإسلام انتصاره الحاسم والنهائي في غمارة على يد عمر بن ادريس الثاني عاملا على تيجيساس وبنيه، حيث سيتعلق الناس بهم وسيخضعون لهم خضوعا مطلقا. ونتيجة لذلك، خاض عمر بن مولاي إدريس الثاني حروبا كثيرة انتصروا فيها انتصارا ساحقا. ومنذ ذلك الحين، أي منذ العقود الأولى من القرن الثالث الهجري، تبنى الغماريون قضية الأدارسة وأصبحوا جنودهم وخدامهم، وعبروا لهم عبر التاريخ كله عن ولاء ومحبة لا حدود لهما وهذا يؤكد الكاتب باعتراف جميع المؤرخين. ولا شك أنهم فعلوا ذلك لعدالة الأمراء الأدارسة مقارنة مع غيرهم ولأنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم»(ص 16).
وسيدي عمر بن مولاي إدريس الثاني، حاكم تيجيساس، هو مؤسس الجامع العتيق (الإحسان) بتندمان، الذي درس فيه سابقا المرحوم الفقيه الصوفي المقتدر العياشي أعراب حفيد المجاهد سيدي يحيى أعراب، ويدرس فيه حاليا الفقيه المحترم عبدالله الميموني. وعلى مرتفعة قريبة من هذا الجامع الإدريسي العتيق دفن سيدي أحمد بن عمر بن مولاي إديس الثاني، وضريحه مزارة مشهورة عند أهل غمارة وتيجيساس وغيرهم.
إن خلاصة ما كتبناه وهو جزء يسير من التاريخ الموثق والشفهي، عبارة عن استقراءات شخصية منتقاة، ناشئة عن تأمل الأحوال الثقافية والتاريخية الخاصة بمنطقة «مظلومة» لم تكتشف بعد، التي نسجت ذهنيات وتراث أهلها ثقافات مختلفة وحضارات متعاقبة، نهلت جلها من الفتح الإسلامي وتأثرت بحملات صليبية واستعمارية متتالية.
في فترة تتكاثر فيها «الأيادي السوداء» الملطخة بغبار التدمير الذي تمارسه على مآثر ومعالم وأرشيف غمارة الكبرى بغية تعريض أهلها لعملية محو وتشويه ما «بذاكرتهم الجماعية»،يتعين على كل المثقفين والمؤرخين ومن لهم بصيص غيرة على وطنهم، تحمل كامل المسؤولية فيما ترتب أو سيترتب عن السياسة الممنهجة التي تمارسها الأيادي السيئة الذكر، على الأجيال الصاعدة والمستقبلية من جهل ونكران للحقائق التاريخية، ذلك بالتعريف بها وبتراثها وبمآثرها وبأعلامها، وتخصيص قراءات فيما كتب عن المنطقة، ونشره على أوسع نطاق وبكل الوسائل الحديثة المتاحة لتقريبه من التلميذ والطالب (والأمي). وجعل كل ذلك التراث الضخم لغمارة الكبرى جسرا لحوار حقيقي بين الثقافات، وتعايشا عادلا بين الحضارات
بقلم عبد الإله الوزاني التهامي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.