التهراوي يعلن تعيينات غير مسبوقة للأطباء وخريطة جديدة لمواجهة الخصاص    التهراوي: أسعار الأدوية تمثل عبئا حقيقيا على الأسر ومنظومة الحماية الاجتماعية    غوتيريش: "آخر شرايين الحياة" لسكان قطاع غزة على شفا الانهيار    وفاة وعدة جرحى في حادث مأساوي خلال موكب زفاف بإقليم الدريوش    وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    النقابة الوطنية للصحافة تطالب برفع تمثيلية المهنيين في "المجلس الوطني"    أوضاع غزة تقلق مثقفين في المغرب    فيلدا: نملك إرادة كبيرة لتجاوز غانا    بوريطة: بفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك، المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي    توقيف شبكة تهريب مخدرات بطاطا    درك الحسيمة يفك لغز العثور على جثة قرب شاطئ السواني    والي بنك المغرب: المنصات التكنولوجية العالمية تهدد أنظمة الدفع الوطنية    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدين الاعتداءات العنصرية على المغاربة في إسبانيا    منشور للحكومة يدعو إلى تسريع تفعيل العقوبات البديلة    تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية لغزة    احتضن فعاليته المخيم الحضري الأميرة لالة مريم بعين الذياب .. أطفال جمعية «أمل لذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية» يودعون منتداهم الصيفي المنظم في الدارالبيضاء    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    الطالب الباحث سمير عثمان يناقش أطروحة الدكتوراه حول أثر اعتماد معايير IFRS في السياق المغربي    في بيان الدار البيضاء للمسرح الجامعي .. «قصص رائعة لبقية الحياة» لأكاديمية الفنون المسرحية من إيطاليا تفوز بالجائزة الكبرى    الأرجنتين تؤكد أن المغرب يتموقع ك»سوق استراتيجية» لتدويل منتجاتها    ضمنهم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.. أكثر من 24 دولة يدعون إلى إنهاء الحرب في غزة "فورا"    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع ارتفاع طفيف    توقيع اتفاقية لتعزيز التحليل الإحصائي للجريمة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الملك محمد السادس يهنئ عاهلي بلجيكا بمناسبة العيد الوطني لبلدهما    البنك الإفريقي للتنمية يمنح المغرب قرضا بقيمة 116 مليون دولار لدعم الزراعة المستدامة    مرصد: أزيد من 11,88 مليون ليلة مبيت في الفنادق المغربية المصنفة حتى ماي 2025    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    المصلحة البيطرية بتازة تكشف حقيقة "هياكل الحمير" بواد أمليل    البيضاء.. الأمن يُطيح بمشتبه به في قضية ضرب وجرح خطيرة بسلاح أبيض    العرائش تخرج عن بكرة أبيها… وتصرخ: "أعيدوا لنا شرفتنا!"    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح            اتحاد يعقوب المنصور يعلن عن تعاقده مع 6 لاعبين    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة    غدا، الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان        مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات        دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترحيل الشباب خلف فتيات بدون زواج وأراضي فلاحية بدون مزارعين..

قصائد النساء والفتيات تغنت بفحولة المقبولين للرحيل ونقصت من قيمة المرفوضين
ما تزال الذاكرة الجماعية بكل من سوس والأطلس تحتفظ باسم «موغا»، الشخص الذي انتدبته الدولة الفرنسية في ستينيات القرن الماضي من أجل اختيار زمرة من الشباب للعمل بمناجم الفحم الحجري بشمال فرنسا، الاختيار وقع على المناطق النائية من سوس والأطلس، بحكم أن «فليكس موغا» خبر أهلها عندما كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالمغرب. قليلون اليوم يعرفون تفاصيل تلك الرحلة التي قطعها آلاف من المغاربة الذين أراد منهم «موغا» أن يكونوا مجرد عضلات بكماء لا تسمع ولا ترى ولا تطالب بمجرد قطعة فحم للتدفئة؟ في هذه السلسلة سنحكي، على لسان هؤلاء المغاربة وبعض الباحثين الذين نبشوا في تاريخ هذه الحقبة من تاريخ المغرب الحديث، رحلة أصحاب «السحنات السوداء» الذي ذهبوا منحنين وعادوا مرفوعي الرأس بعد أن ربحوا دعوى التعويض عن سنوات القهر ضد الدولة الفرنسية.
كان حلم فرنسا «الجنة» يداعب مخيلة العديد من الشباب في بوادي سوس وقراها النائية، التي وصلها خبر «موغا» الذي جاء ليختار الرجال لكي يذهبوا هناك خلف البحار حيث تكمن الجنة «الموعودة»، فقد اجتهد الشيوخ والمقدمين في إيصال الخبر إلى الجميع عبر الأسواق في كل المناسبات. وكان خبر وصول «موغا» إلى بلدة من البلدات ينتشر كالنار في الهشيم في باقي البلدات المجاورة، فيتجمع الشباب زرافات ووحدانا قاصدين مكاتب الانتقاء التي كان يشرف عليها «فيليكس موغا».
كانت المعايير التي يعتمد عليها «موغا» في الاختيار هي السن وبنية عضلية قوية، يحكي عبد الله صمات أن «موغا» صافحه بحرارة وربت على كتفه، وظن عبد الله صمات أن هذا السلوك كان تفضلا من «موغا» إلا أنه بعد مدة اكتشف أن إمساك موغا بكفه بحرارة كان فقط ليختبر مدى صلابة يديه، وعندما ربت على كتفه اليسرى كان يريد اختبار امتلائها بالعضلات، وهي نفس الحركات التي كررها مع الآلاف من الشبان الذين شحنهم في أقبية السفن إلى فرنسا للعمل هناك في أعماق مناجم الفحم الحجري.
كان الاختبار يشمل الاطلاع على أسنان المرشح وعينيه وشعره وعضلاته وعموده الفقري، كما يتم ترك المرشحين تحت حرارة الشمس لأزيد من أربع ساعات لاختبار قدرتهم على التحمل، كل هؤلاء الشباب مروا من يد «موغا» كالبطاطس يتفحص أبسط جزئيات قدرتهم على التحمل.
وقد ذكر أن موغا قال في أحد التصريحات المنسوبة إليه: «فعلا لقد مر الجميع بين يدي ومنذ سنة 1956 قصدت سهل سوس وقد قمت بانتقاء ما يفوق 66 ألف مرشح للعمل..».
بعد عملية الانتقاء الأولي يتم أخذ صورة للمرشح رفقة رقم ويتم وضع طابع أخضر على صدر الأفراد الذين تم قبولهم وطابع أحمر على صدر الأفراد الذين تم رفضهم بسبب فشلهم في الاختبار أو لعلة يشكون منها. ومن الروايات الطريفة، التي تداولتها الألسن خلال تلك الفترة، أن بعضهم عمد إلى تزوير الطابع الأخضر، بحيث استعملوا قطع البطاطس لنسخ الطابع من على صدر شخص إلى صدر شخص آخر، وبعد اكتشاف هذه الخدعة من طرف «موغا» تم اعتماد مداد غير قابل للمحو.
الاختبار الأولي اعتمد على مهارة «موغا» ومعرفته الدقيقة بأبناء هذه البوادي، حيث استهدف الفئات الفقيرة والشباب الذين لم يحظوا بأي قدر من التعليم ومن الأسر المحافظة التي لا تعرف من الحياة إلا العمل، لقد كان موغا لا يبحث عن آدميين، حسب بعض الكتابات التي تناولت الموضوع، بل كان يبحث عن «عضلات» لاستخراج الفحم الحجري من مناجم فرنسا، بل إن بعض الروايات قالت إن مجرد الجهل باللغة الفرنسية كان عنصرا يساعد على اجتياز المرشح، فقد كان «موغا» يريد أشخاصا لا يتكلمون ولا يتألمون، بل مجرد عضلات وكفى.
بعد الانتقاء الأولي والمهم يأتي دور الفحص الصحي حيث ينتقل الشباب إلى مدينة أكادير حاضرة سوس من أجل الفحص الطبي الأول، وبعد تجاوز هذا الفحص بنجاح يتم إجراء اختبار طبي آخر بعين برجة بالدار البيضاء، يتضمن الفحص أخذ عينة من الدم والبول وفحصا شاملا على القلب وغيره من الأعضاء والجهاز التنفسي، بحيث يتم إقصاء المرشح بمجرد اكتشاف أي من الأمراض المعدية أو غيرها، فقد كانت الشروط جد متشددة، لأنهم يريدون «عضلات» سليمة من كل العيوب الخلقية أو الطارئة.
في أحد الأشرطة الوثائقية، التي أعدتها إحدى القنوات الفرنسية، والتي وثقت لزيارة حديثة ل«موغا» متفقدا المناطق التي كان يزورها لاختيار المرشحين، كان «موغا» مزهوا بعمله الذي يبدو في نظره عملا تاريخيا، كان يقول إنه استطاع أن يحول شبابا كانوا مجرد رعاة منتشرين في هذه البوادي النائية إلى رجال يقطعون البحار ويجلبون لأهلهم العملة الصعبة، بل إن بعضهم حسب الشريط ذاته أصبحوا مقاولين وأنجزوا مشاريع ناجحة بقراهم واستقروا بها بعد العودة من فرنسا. لكن أبياتا من الشعر تداولها الناس في تلك الفترة وضعت موغا بأنه بائع رقيق كان يبيع الرجال ويذهب بهم بعيدا إلى بطن الأرض.
عملية الانتقاء التي قام بها موغا خلفت وراءها مآسي نفسية في صفوف آلاف الشباب الذين تم إقصاؤهم بشكل من الأشكال، بحيث أصبحوا منبوذين من طرف الجميع، بل كانوا ينعتون بأنهم ناقصو الرجولة لذلك لم يقم «موغا» باختيارهم، لكن الأشعار التي تم نظمها ساعتها من طرف النساء والفتيات كانت أشد وقعا على نفوس هؤلاء الذين لم يتم اختيارهم، خاصة عندما شبهت إحدى القصائد الذين اختارهم موغا بالفحول والمقصيين بالنعاج والحثالة التي لا حاجة لأحد إليها.
كانت مأساة مزدوجة سواء لأولئك «المحظوظين» الذين تم اختيارهم أو لأولئك الذين لم يحالفهم الحظ للمرور من مصفاة «موغا» وآلته الصارمة في الانتقاء، لقد ترك موغا القرى والبوادي بدون شباب منتج والفتيات بدون أزواج وآخرين معقدين من نظرة محيطهم إليهم.
تجربة انتقاء اليد العاملة المغربية بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، في حين تحدثت روايات عن وجود من التحق بمناجم فرنسا منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، والتركيز على البوادي جاء بعد فشل التجربة الأولى التي بدأت في الخمسينيات والتي بدأت من مراكش حيث رفض البعض العمل في المناجم بعد اكتشافهم للظروف الخطيرة التي يتم فيها العمل، كما سجلت حسب بعض الروايات حالات من الرفض بداية الستينيات وتم نقل هؤلاء الرافضين إلى مواقع أخرى من أجل شراء صمتهم حتى لا تنتشر موجة الرفض في صفوف المهجرين المغاربة الذين كان الفرنسيون يدركون قدرتهم على التحمل والعمل بحيث كانوا مشهورين بهذه الخاصية ويتميزون بها عن باقي الجاليات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.