هدا مقال – مع بعض التعديلات - نشرته بعد انسحاب شباط من الحكومة و ما خلفه دلك الانسحاب من لغط في الوسط السياسي و الاعلامي ، و امام ما حصل مؤخرا من استقطاب على مستوى الفروع المحلية للأحزاب بإنزكان ، استقطابات جعلت بعض ممثلي هده الاحزاب اشبه بجامع القمامة ، مع الفرق من حيث الاهداف ، حيث ان ممثلي بعض الاحزاب بمدينة انزكان انما يريدون بهكذا تصرفات ان يبقى الوضع على ما عليه و تعود حليمة الى عهدها وشعارهم حق نريد به باطل . بينما يسعى جامع القمامة الى تنطيف المدينة من الازبال و القمامة و الالقاء بها بعيدا عن المدينة في المطرح بجانب مثيلها من قمامة المدن الاخرى لتتلاشى مع الطبيعة و عواملها ، و في احسن الاحوال يعاد تدويرها لتبقى صالحة للزينة فقط لأنه حسب المختصين في البيئة و الصحة من الصعب ان تعود مواد القمامة الى جودتها الاصلية ... هدا حينما نتحدث عن الاشياء داث الجودة في الاصل ، فكيف و الحال حين الحديث عن كائنات انتخابية تدخل ضمن القمامة السياسية مند نشأتها!!!؟ حيث ان هده الكائنات دخلت المجال السياسي كما تدخل السلع المهربة الى الاسواق – Contrebande- مستغلة غياب الجودة بسبب ضعف القدرة السياسية (العزوف السياسي) لأبناء هده المدينة جراء سياسة سنوات من تحكم ام الوزارات في المدينة و تشكيل لوبي عقاري انتهازي حول المدينة الى اسواق و راح كل شيء في المدينة يتم تقيمه بالمعيار التجاري الربحي (شحال كايسوا) حتى البشر . امام هدا الوضع المؤسف بمدينتنا انزكان ، و امام هدا التنافس بين اشباه المناضلين ( العاجزين عن توفير البديل داخل دكاكينهم الموسمية ) على جمع و استقطاب النفايات و القمامة السياسية التي يتفق الجميع ان رائحتها كريهة و تزكم الانوف وان صلاحيتها انتهت بعد فاتح يوليوز 2011 ... وهنا يحيلنا الحديث الى مساهمة هؤلاء المسؤولين المحلين للأحزاب بإنزكان في صناعة التماسيح و العفاريت التي تلتهم رزقهم و رزق أولادهم، وتقف في وجه أي إصلاح قد يمس مصالحها. و هنا لابد من الاشارة الى تلك النصيحة الابوية من جلالة الملك محمد السادس حينما قال في إحدى خطب العرش “فإن جعلتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم فلا تقبل منكم الشكايات، فأنتم المسؤولون على تدهور حقوقكم وحق بلدكم عليكم “ خلاصة الامر وامام مثل هده الاختيارات التي تنمي الهوة الفاصلة بين غالبية الشعب و بين الاحزاب السياسية ،و بين حكومة راهنت على محاربة الفساد والمفسدين، قبل أن تجد نفسها أمام إشكالية تغيير المنكر بأضعف الإيمان ،وكائن انتخابي يبحت عن ورقة سياسية يسعى من خلالها إلى مسح كل النكبات التي صنعها اتباع زاويته عبر التاريخ في معطف حكومة سلاحها مصباح ليس سحريا و كتاب مفتوح وشفاف ،عانى الاقصاء و التهميش من رفاقه و سنبلة تتأرجح بين هبات الرياح العكسية و الموسمية و حمامة دخلت بدورها الى القفص بعد طول انتظار... و في المقابل نجد من يمتهن البهرجة. بهرجة تفقد الثقة في الممارسة السياسية بشكل عام و تعرضها للمزيد من الإعطاب أهمها ضعف المشاركة بل ربما عدمها في المستقبل ، فلماذا تحدث مثل هذه الظواهر في مجتمعنا السياسي المغربي بصفة عاة و مدينة انزكان بصفة خاصة ، و الى متى سيبقى هدا المدينة /الوطن رهين صبيانية و انتهازية ساسته؟؟ حالة من الارتباك و الضبابية وعدم الفهم عمت المشهد السياسي الوطني مؤخرا مند إعلان الحكومة عن رزنامة الاستحقاقات المقبلة ... رزنامة قوبلة بحملة التحاق افواج من الكائنات الانتخابية (الاعيان)من حزب الى اخر ، فيما يمكن ان يصطلح عليه بموسم الترحال السياسي. لقد صار الجميع يتساءل عن وجود أزمة سياسية من عدمها، وطرحت أسئلة حول حقيقتها ، اسبابها وصانعيها . و حتى لا أحمل القارئ لمقالي هذا عبء المقدمات سأدخل مباشرة إلى صلب الموضوع ألا وهو ازمة الجسم السياسي .. ففي اعتقادي ان جوهر ازمة الجسم السياسي الانزكاني/ الوطني تكمن فيما يشبه مرض الأنوركسيا Anorexie . و الانوركسيا هاته تعرف على أنها: «نقص أو توقف التغذية بسبب فقدان الشهية أو رفض التغذية ،وعلى هذا المنوال يمكن تعريف الأنوركسيا السياسية على أنها: "نقص أو توقف التغذية السياسية فكريا وثقافيا نظريا وعمليا بسبب فقدان الشهية للعمل السياسي أو رفض التغذية المعرفية السياسية". و الأنوركسيا السياسية مرض يبدو متجذرا في جسد المجتمع السياسي الانزكاني بصفة خاصة و المغربي بصفة عامة إذ يعاني هذا الجسد من نقص حاد في التغذية السياسية وتنعدم لديه الشهية لتناول الأطعمة الشعاراتيةّ لكل الزوايا السياسية المتواجدة بالساحة التي اضحت تعرف بتقديم الخطابات -الوجبات المجمدة أعدت منذ وقت سحيق تجاوزه العقل ،فكل الخطابات السياسية اليوم فقدت صلاحيتها الزمنية و المكانية و لم تعد تحتفظ بطراوتها ومذاقها. امام هدا الوضع اصبح الطباخ السياسي المراهق فاسدا و كريه الرائحة و معه و بطريقة ميكانيكية فسد الطعام السياسي وأصبحت نكهته مقرفة ولن يفيد في شيء رغم عديد المحاولة لإضافة بعض التوابل و التغليف " Emballage " التسويفية إليه . و هنا يجب اليوم على كل هذه الزوايا السياسية تطوير نفسها و القيام بإعداد وجبات أخرى لهذا الشعب ،وصفات من الضروري اليوم ان تتماشى مع المتغيرات المحلية بعد حراك 20 فبراير و ما نتج عنه من وثيقة دستورية جديدة للبلاد ثم بزوغ نجم الزاوية السياسية الاسلاموية و وصولها الى الحكم بالطبع بعد تحالف مع مجموعة من الاحزاب من اليمين الى اليسار الى الوسط ، مما يوحي الى ازمة قيم و اخلاق سياسية قد تؤدي لا قدر الله الى سكتة قلبية سياسية ستعصف بالأخضر و اليابس ، و هنا بات من المفروض دون تأخر و اليوم قبل الغد على كل التنظيمات – الزوايا - السياسية الانكباب على اعداد وصفات شعبية و محلية و بداخل البيت المحلي بإمكانياته المتوفرة ، بعيدا عن الاستيراد كما جرة العادة مند مصيبة الاصلاح الهيكلي . وصفات غنية ببروتينات النمو الاقتصادي وفيتامينات العدالة الاجتماعية والأملاح المعدنية الديموقراطية الحقيقة و اوكسيجين الراي و الراي الاخر .... ولعل فقدان الشهية السياسية هو عرض مرضي لاختلال جهاز الهضم الادراكي الذي لم تعد له القابلية لتقبل أطعمة تم إعدادها في مطابخ مغلقة من طرف طباخين هواة وانتهازيين بدعم من بعض قيادات الزوايا السياسية الجهوية و الوطنية التي الفت مثل هده الوجبات السريعة ، وحتى تلك التي تدعي الذكاء السياسي – العياقة السياسية – و تتخذ موقف الكرسي الفارغ احيانا و المعارضة من اجل المعارضة حينا اخر ، فهي الاخرى لا تقل ضرارا على المجتمع الانزكاني بصفة خاصة و المغربي بصفة عامة المغربي حيث لا تزال تعتمد على بعض الأطعمة التي انتهت صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستهلاك السياسي في زمن الحداثة و التطور التقني و البشري و زمن الدستور الجديد . انها بخلاصة عامة احد اوجه الخلل في الجسم السياسي المغربي ، انه مرض الأنوركسيا السياسية التي يعاني منها الجسد السياسي الوطني رغم كل التطورات المحلية و الاقليمية و الدولية ،والتي لا يحاول أولئك الذين يدعون كونهم " زعماء و حكماء و قيادات " التجربة السياسية المغربية إيجاد علاج مناسب لها مضاعفات مرضية عديدة كفقر الدم السياسي الناجم عن عدم سريان الكريات الشبابية الحمراء بشكل كاف في أوردت الزوايا " الاحزاب " و " الدكاكين " الادارات العمومية و الحكومية و الوزارات ...و الخطير في الامر هو انه و مع استمرار هذا الوضع الانوركسي السياسي ، فالجسم بأكمله معرض للإصابة بترقق العظام وهو ما يسببه الاستمرار ولمدة طويلة في تقديم الايديولوجيات العتيقة والوصفات الديماغوجية والشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع. و لا قدر الله الفشل الكلوي السياسي العام و حينها يكون لزاما علينا ان نكون رهيني اليات تصفية الدم Dialyse politique في انتظار رحيلنا النهائي و نهايتنا السياسية . انه يستحيل أن ينمو أي جسم سياسي بدون برنامج تشاركي ايديولوجي محلي و موضوعي متوازن فكريا وسياسيا واقتصاديا، ما يتطلب تتبع وصفات حوارية، وعلاج فكري- معرفي يكون غنيا بالجدل الخلاق.. إن جسدا سياسيا أنوركسيا مثل الحاصل في بلدنا المغرب ،هو جسد ضعيف وواه ومعرض باستمرار لتدخل المبضع الأنتهازي ،ليجرب في جسدنا السياسي والمجتمعي أدوية وعمليات قسرية- وبهدف قد لا يكون هو العلاج- والتي قد تكون أثارها وخيمة جدا. و لعل تجارب ليبيا و مصر و فلسطين و العراق و لبنان و افغانستان و اليمن اليوم خير دليل على قولنا هدا ، ففي مصر تدخل العسكر بدعم من اموال البتر ودولارات لتستغل الازمة الاقتصادية و الاحتقان الشعبي لترسم للشعب المصري خارطة طريق على المقاس و حسب الحاجة و تقوم بدلك بوضع نهاية مأساوية لتجربة شعبية ديمقراطية جنينية كان لابد فيها من أخطاء تقديرية في بدايتها و من الاخطاء هاته يصنع الحراك المجتمعي الديمقراطي و تصنع معه عديد الأطعمة السياسية و الاقتصادية ، ينمو الحراك تختمر الافكار و تتلقح التجارب و معها يستطيع المصريون اكتشاف الطريق الحقيقي ، الطريق المستقبلي الزاهر و القوي المتسم في الدرجة الاولى في قوة الجسم السياسي المصري و استقلاله و مناعته و هي امور لا يريدها البعض الدي استثمر في إسقاط المنهجية الديمقراطية و شرعية الصناديق و ليس كما يعتقد " نظام الاخوان " ، و كل دلك خدمة لأجندة محلية و اقليمية خوفا من مصر قوية و مستقلة ... و نفس التحليل يسقط على الجسم السياسي الفلسطيني و اللبناني و العراقي و الليبي و اليمني ... خلاصة الكلام و من كل ما اشير اليه ، دعوة الى الجسم السياسي الانزكاني بصفة خاصة و الوطني بصفة عامة الى صرخة ضمير و وقفة تصحيح للمسار و تعقل في التعامل مع المستقبل. اما الشباب فهي دعوة عامة لهم للخروج من قاعة الصمت و لغة الخشب الى ساحة المعركة و التضحية بالحقوق الذاتية لفائدة الحقوق الوطنية على اعتبار انا اكبر اشكالية يعيشها الجسم السياسي المغربي اليوم هو انه متشكل ليس بإرادة شعبية خالصة ، بل هناك اطراف و جهات دخلت معنا في تشكيله خدمات لأجندة شخصية انتهازية ولوبيات فئوية تسعى لفرض سيطرتها الثقافية و اللغوية و الاقتصادية و السياسية .... *عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم و الاشتراكية