هجوم إسرائيلي واسع يستهدف طهران.. مقتل قائد الحرس الثوري وتكهنات بتصفية كبار المسؤولين    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بدعم أمريكي..إسرائيل تشن هجوما واسعا على إيران يؤدي إلى مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين    إسرائيل تعلن مهاجمة أهداف نووية وعسكرية في إيران ونتانياهو يقول إن العملية ستستمر لأيام    القوات الجوية الإسرائيلية تهاجم إيران    أنباء عن اغتيال القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي وعلماء كبار في البرنامج النووي    ضربة إسرائيل ترفع أسعار النفط    إسرائيل تقصف مواقع حساسة داخل إيران وطهران تتوعد بردّ قوي    عاجل: إسرائيل تٌعلن شن هجوم على إيران    ميلاد الندوة الدولية -الدورة الأولى- مغاربة العالم وقضايا الوطن    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصادق على لائحة جديدة من التعيينات في مناصب المسؤولية القضائية    ميناء طنجة المتوسط.. توقيف "مقدم" متلبسًا بمحاولة تهريب الشيرا نحو إسبانيا    المجموعات الغنائية بحلة أركسترالية بالبيضاء.. 50 عازفا موسيقيا لأول مرة بالهواء الطلق ضمن "أرواح غيوانية"    عاجل : طوارئ بإسرائيل .. وانفجارات قوبة تهز إيران    توقيع اتفاقيتين لتمويل مشروعين لتوسعة وإعادة تأهيل المعهدين المتخصصين في فنون الصناعة التقليدية بالرباط وفاس    مخرجات "اجتماع مكافحة الفساد في القطاع المالي" تقصد قطاع التأمينات    أربع حكمات مغربيات في كأس أمم إفريقيا للسيدات    توقيف مشتبه به في سرقة موثقة بفيديو بالدار البيضاء        الوداد يكتسح فريقا كنديا بسباعية    بوريطة يتباحث بالرباط مع رئيس مجموعة الصداقة فرنسا-المغرب بمجلس الشيوخ الفرنسي    رسميًا.. نابولي يعلن التعاقد مع كيفين دي بروين في صفقة انتقال حر    شهادات مرضى وأسرهم..    بعيوي ينفي أي صلة له ب"إسكوبار الصحراء" ويصفه ب"النصاب والمبتز"        ضجة بعد انتشار فيديو لحمير داخل مركز صحي.. والمندوبية توضح    الحكومة تصادق على مرسوم لتحسين وضعية المهندسين بوزارة العدل    عجز الميزانية ناهز 23 مليار درهم خلال 5 أشهر    الملك محمد السادس يهنئ الرئيس بوتين    "لبؤات الأطلس" يثبتن بتصنيف "الفيفا"    الأهلي القطري يجدد الثقة في فتوحي    تقرير: الدار البيضاء ضمن قائمة 40 أفضل وجهة للمواهب التكنولوجية العالمية    بايتاس ينفي الاعتراض على إحالة قانون المسطرة الجنائية للقضاء الدستوري    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    رسائل تودع مؤسس "بيتش بويز" براين ويلسن    الغلوسي: الاتهامات بالابتزاز "تسطيح للنقاش" وهروب من مواجهة الفساد    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    أمام لجنة ال24 التابعة للأمم المتحدة : المغرب يدين تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية على حساب الاستقرار الإقليمي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    فيديو "حمارين داخل مركز صحي" يثير الجدل.. ومندوبية الصحة بالخميسات توضح    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    تحطم طائرة في الهند على متنها 242 شخصا    "350 فنانا و54 حفلة في الدورة السادسة والعشرين لمهرجان كناوة الصويرة"    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب            أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    كأس العالم للأندية.. فيفا: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من شهرين    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    المنتخب النسوي يستعد لكأس إفريقيا في تجمع بسلا من 11 إلى 19 يونيو    اجتماع طارئ .. هل بدأ لقجع يشكك في اختيارات الركراكي؟    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    









الطريق الساحلي بين الناظور والحسيمة والرَّاكِضُونَ نَحْوَ "التَّهْلُكَة" ..

كنّا إثنين فرحيْن بالإستماع إلى باقة من الأغاني القديمة التي تنبعث من ثنايا الأقراص المُدمجة والتي تعود بنا نغماتها الرّخيمة ،وكلماتها الطليّة الزمانَ القهقرى، وتردّنا فى لمحٍ من العين إلى عهود الزّمن الجميل الذي ولّى، ومضى ،إنقضى، وذهب لحال سبيله، كنّا جذلين كذلك بالإستمتاع بهذا المولود الجديد الذي ولد منذ بضع سنوات قليلة بعد مخاض عسير، والذي إستبشرنا به خيراً عميماً عند إفتتاحه ..الطريق شبه السيّار أو الطريق السّاحلي الرّابط بين مدينتي الحسيمة والناظور، المدينتان التّوأم اللتان يربطهما هذا الطريق الأفعوان الذي ينساب، ويشقّ طريقه بين التضاريس الوعرة، والمنعرجات الخطيرة، والمنعطفات الضيّقة، والآكام الشاهقة، والهضاب المنحدرة، والسهول النضرة، والسهوب المترامية الأطراف، والمناظر الخلاّبة، والجبال الكلسيّة المتآكلة التي نحتها التحاتّ بفعل التقادم، وعوامل التعرية، ورذاذ البحر ورطوبته الناتئة المتسلّطة على هذه اليابسة الناعسة فى سكون أبدي، وركود سرمدي منذ أقدم العهود السحيقة التي لا يتذكّرها أحد، ولا يذكرها أحد، هذا الطريق الذي جمع بين المدينتين الجميلتين بعد طول إنتظار وإنفصال ،وكأنّه حبل سُرّي أعاد لهما الحياة والحيوية، والإنتعاش والرّواج من جديد لإحياء صلة الرّحم بين هاتين الحاضرتين المتقاربتين طوراً، والمتباعدتين أطواراً.
فى العَجلة النّدامَة..
لا تعجبوا.. فليس هذا عنوان شريط سينمائي درامي جديد،وهو ليس رواية تراجيدية من روايات ألبير كامو، أوفرانز كافكا، أوميلان كونديرا، أو خوليو كورطاثار،أو غابرييل غارسيا مركيز.. وإنّما هو إنطباع، أوإنعكاس، أو رجعُ صَدىً لما يجري، ولما تراه العين فى بلادنا عبر الطرقات السيّارة منها،ونصف السيّارة، والرئيسيّة، والمعبّدة،والسواحلية، والثانويّة،والجانبيّة،والهامشيّة والمهمّشة..!
كنّا نتحدّث عن الحياة، وجمال الطبيعة الخلاّبة ، والبحر الأبيض المتوسّط الجميل الممتدّ على جانبنا على مدى مرمى العين، تنكسر لججُه المُزبدة على سواحلَ السّواني السّاحرة،وتعانق مياهه اللاّزوردية الشواطئ الإسبانية عند الآفاق المقابلة لنا التي نزل فيها ذات يوم عبد الرّحمن الدّاخل هارباً فاراً من بطش العبّاسييّن. وقبله نزل فيها الفارسُ المغوار طارق ابن زياد والقوط يفرّون مذعورين تحت سنابك خيوله المسوّمة، وتحت هدير صِفاحه، وحدّ أسيافه ،كنّا نستمتع بإشراقة الشمس السّاطعة بعد أيّام مُمطرة، وليالٍ مُكفهرّة. كنّا نتحدّث عن الحضارات التي ظهرت، وتألّقت، وسادت، ثم بادت ، وعن الثقافات التي تمازجت، وتجانست،وأينعت، وأثمرت فى هذا الشقّ المنسيّ الجميل من الوطن الغالي، حيث أقيمت إمارة النكور أو إمارة بني صالح ، التي كانت أوّلَ إمارة إسلامية ظهرت فى المغرب سنة 710م ببلاد الرّيف ، كنّا نتحدّث عن الماضي العتيد، والحاضر العنيد، والمستقبل الواعد، وساقنا الحديث،وهو ذو شجون إلى المنافع والخدمات التي يجنيها إنسانُ العصر من هذه المُخترعات العجيبة ، وبالذات من هذه الآلة التي أطلق عليها اللّغويون مع فجر إنبلاج المدنيّة الغربية، وتفتّق التقدّم التكنلوجي إسم " السيّارة" (من الكواكب السيّارة)،هذه الآلة التي تقرّب المسافات، أو تلك التي تنوب مناب الإنسان فى المصانع، والمطابع، والمخادع،والمعامل ..إلخ.
قلت لصاحبي، هذه حقائق لا يمكن نكرانها ،ولكن هناك ويلات قد تلحق بالإنسان فى بعض الأحيان من جرّاء هذه الآلة اللعينة، بحيث أصبحت حياة الإنسان فى هذا العصر المتطوّرحياة معقّدة صعبة ،محفوفة بشتى أنواع المخاطر، والأهوال التي تواجهه،والتي ينبغي عليه أن يعيشها بحذر وحيطة، لئلاّ تنزلق قدماه إلى هاوية الموت السّحيقة فى رمشةِ عينٍ أو فى لمحٍ من البصر، وكأنّها الصّراط فى دار البقاء الذي نتحدّث عنه قبل الممات فى دار الفناء.
وتطير من أفواهنا الكلمات طيّعة مِطواعة، سَلسة مُنسابة، حاملة معها فلسفتنا البسيطة ، والسيّارة تسير بسرعة معتدلة مخافة المجهول من أيّ إنزلاق مفاجئ،أو تزلّجٍ مباغت، خاصّة بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت بدون إنقطاع ليلة الأمس وقبله، على الرّغم من أنّ الجوّ كان صحواً ورائعاً...فبعد العاصفة يأتي الهدوء..!
سيارات تنهبُ الأرضَ نهباً
على الجانب الأيسر منّا كنا نلمح بين الفينة والأخرى ظلالاً تمرّ مرّ البرق فلا نتبيّن ما عساها أن تكون ...حتى تتراءى لنا من بعيد، فندرك أنها سيارات تنهب الأرضَ المعبّدة نهباً،وكأنّها فى سباق مع الزّمن ، وكنّا لا نحمد عاقبة هذه السّرعة الجنونيّة المفرطة التي يفقد معها الإنسانُ توازنَ وجوده فى الحياة،وكأنّ قلوبنا كانت على علم بالغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله، فذات مساءٍ فى يوم من أيام الله المشهودة الذي كان يومَ الأربعاء 30 سبتمبر الفارط، ما أن دنونا من موضع الحادث بالقرب من جماعة تروكوت على الطريق السّاحلي الرابط بين مدينتي الحسيمة والناظور، وما هي إلاّ لحظة حتى رأينا حشوداً من الناس مجتمعين ، ولقد إصطفّت العديد من السيارات على جانبي الطريق ،فخيّل إلينا أوّل الأمر أنّ هناك سوقاً، أوسمكاً، أو سلعةً أوخُضراً أو فواكه موسمية،أو بضاعة معروضة للبيع أو ما شابه ذلك، وتباطأنا قليلاً فى سيرنا حتى وصلنا إلى عين المكان ، فإذا بمجزرة رهيبة كان ضحاياها أناس آدميون، وعلى حافة الطريق ببضع أمتار عن الأسفلت رأينا سيارتين ملتحمتين، متلاصقتين وكأنهما أصبحتا شقفة، أو كتلة، أو كومة واحدة من حديد معوجّ فاقد الشكل ، ضحيتان بريئتان فارقتا الحياة على الفور – كما أُخْبِرْنا- مجندلتان،مُسجيتان، طريحتان على الأرض بلا حراك، ،إنفطرت قلوبنا للمنظر الفظيع ، وإصفرّت معها وجوهنا،وزادت دقّات قلوبنا.
السّرعة المُفرطة
وعندما توقفنا لنتفقّد الأمر، ونسأل إذا ما كان فى إمكاننا تقديم أي خدمة،أو مساعدة ،وبينما كان رجال الدرك والإنقاذ يقومون بواجبهم من إنتشال الضحيتين الإثنتين، وتقديم الإسعافات الأوّلية للمصابين الأربعة الذين طالتهم جراحٌ خطيرة فى هذا الحادث المؤسف والمؤلم للغاية،، إنتهت إلينا التعاليق التي كانت تنثال،وتتسابق، وتتلاحق، وتترى بين الناس الذين تجمهروا حول مكان الحادث والتي كانت تخرج من أفواههم كالشّرر المتطاير فى غضب، وعصبيّة، وتشنّج وإنفعال: إنّها السّرعة المفرطة ولا شكّ ، التي كانت تسير بها السيارة المرقمة بالديار الفرنسية، ، مما أدّى إلى إصطدامها بعنف بسيارة من نوع "مرسيديس 240"، مرقمة بالمغرب، قال قائل : إنّ السيارة التي كانت تحمل أرقاماً فرنسية لم تكن تسير على الأرض من فرط السّرعة ، بل لقد رأيتها وكأنّها قد علت من على أديم الثّرى، وكأنها كانت تطير فى الهواء، وقال آخر : لقد رأيت ذات السيارة تتجاوزني بسرعة جنونية قبيل الحادث، وقال ثالث: لا إنها الطريق التي تمّ إنجازها بسرعة فائقة ،مع نقص وخصاص فى بعض الآليات، والمعايير الضرورية اللاّزمة من وضع إشارات تنبيهيّة ، وعلامات الخطر، والمطبّات ،والأشغال وعدم وضع الشِّبَاك المعدنيّة لتفادي تساقط الأحجار، أوتثبيت صُوىً أو صُوّات أو يافطات لتحديد المسافات التي ينبغي أن تفصل بين السيارات ...إلخ ، وقال رابع : ألم تر كيف أنّ الطريق ضيّقة، ويتوسّطها خطّ أبيض متّصل يحظر التجاوز نظراً لكثرة المنعطفات، والمنعرجات،والإلتواءات التي لا تنتهي، ويكاد هذا الخطّ أن يظلّ متّصلاً ومتواصلاً بدون إنقطاع لمسافات بعيدة. عدنا إلى سيارتنا وفرائصنا ترتعش، وأسناننا تصطكّ من هول ما رأيناه، وعندما إنطلقت بنا السيارة من جديد بحذر شديد وببطء أقلّ من السابق،قلت لصاحبي: لم يكن هذا إلّا نتيجة السّرعة المفرطة، والتهوّر الجنوني اللّامسؤول ولا شكّ، وإلّا لما حدث ما حدث، وظلّت صورة الضحيتين عالقةً نصب أعيننا، وتابعنا المسير،وتأكّد لنا فعلاً إستكمالاً لحديثنا السّابق أنّ الإنسان المعاصر يعيش على حافة الموت، وهو يطلّ باستمرار على جرف التهلكة على مختلف الواجهات، وبين ثانيةٍ وأخرى يكون قد إنتقل إلى دار البقاء..!
وبعد أن نأينا عن مكان الحادث،وبعدنا عن الكوكبة أو " الحلقة" من الفضوليين من المسافرين، الذين تجمهروا حوله وأصبحنا على مشارف حاضرة أجدير، وطفقت مدينة الحسيمة تتراءى لنا من بعيد، وبعد صمت قصير، إستأنفتُ الحديث من جديد فقلت لصاحبي: قطعاً هناك من سيقول أنّ ذلك من صنع القدر، فإذا إنقضّ فلا مردّ له..! إلاّ أنّ صديقي أردف قائلاً على الفور: ولكن ينبغي ألاّ ننسى فى الوقت ذاته أنّ الله تعالى يأمرنا بأن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، ويوصينا الرّسول الأكرم بأن نعقل الناقة قبل أن نتوكّل.. خاصّة وأنّنا نعرف مسبّقا أنّ السّرعة المفرطة تفضي إلى " التهلكة " المحقّقة لا محالة، وهي خطر حقيقي داهم مُحدّق بنا لا ريب .
مهلاً يا أيّها السّادة المسافرون .. ويا أيتها السيّدات المسافرات مهلاً ..فى سياقتكم (نّ) حتى تقوا وتحفظوا أنفسَكم(نّ) ،ومَنْ معكم (نّ)،و تقوا الغير، وتذكّروا (ن) دائما أنّ كلّ مَنْ ركب " سيّارة" منكم (نّ) كأنّه وضع قدماً من قدميه فى الدّنيا، وأخرى فى الآخرة ..ولا تنسوا أبداً وهذا هو الأهمّ.. (التذكير) دائماً جهاراً بالقولة الشّهيرة المأثورة التي نراها وتقابلنا فى مختلف الطرقات السيّارة وغير السيّارة : فى التأنّي السّلامة وفى العجلة الندامة...!.
محمد محمد الخطابي / عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم- بوغوطا- (كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.