نظم المجلس العلمي الأعلى مساء أمس الخميس ندوة علمية بمدينة الرباط تمحور موضوعها حول السلفية تحقيق المفهوم وبيان الموضوع. هذه الندوة العلمية التي نظمت بالرباط حضرها ما يناهز 800 شخص من علماء ينتمون للمجالس العلمية المحلية وأئمة ومرشدون من بينهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف ومصطفى بن حمزة عضو المجلس العلمي الأعلى. تأتي هذه الندوة بعد حصول المجلس العلمي الأعلى إذنا ملكيا بتنظيمها إذ اعتبر من خلالها أحمد توفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن "السلف عرفتهم الأمة على أنهم الجماعة التي تعني الأغلبية" في المقابل "الأقلية متى تجلت في فئات من خارج الجماعة" كفرق الشيعة والخوارج. وأكد التوفيق في قوله إن" المغاربة سلفيون على قدر متفاوت بينهم في الإتباع"لكنه فاجأ الجميع حينما اعتبر الندوة "مناسبة لتوجيه تحية إكبار للجماعات التي تعمل على التمسك بالثوابت الدينية للملكة ولا يظهر عليها زيغ ولا تكبر ،والاعتزاز بالثقافة المغربية". وقال محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي على أنه "عندما تتعرض الحقائق أيا كان سبيلها للانتهاك والتحريف وسوء التوظيف ولاسيما من جنس ما يتأذى بتحريفه وتزويره إيمان المؤمنين وورع المتقين وينساق دهماء الناس وغوغائيهم وراء كل ناعق به فإن الخائفين على عقد الأمة من الانتثار ينتفضون غيرة ويغضبون حمية وانتصارا للشرعية وتحقيق الحق وإزهاق الباطل ودرءا للمفاسد واستجلابا للمصالح ، بالتربية والتهذيب والتقويم حينا، بالحجة الدامغة والحكمة البالغة حينا آخر تذكيرا وتبصيرا وتنويرا وتوجيها وتفقيها" ويبدو أن محمد يسف فضل التلميح أكثر من التصريح حيث قال إن مفهوم السلفية يتعرض لخلط عجيب وللانتهاك والتحريف وسوء التوظيف الشيء الذي أوقع الناس في حيرة من أمرهم بسبب اختلاط الحابل بالنابل والحق بالباطل دون أن يشر في هذا الصدد لأي جهة معينة وقال في إشارة منه إن شعار السلفية في أصله بريء كل البراءة من أية شبهة في إحالة ضمنية إلى صورة الرعيل الأول التقي النقي في عقيدته وعبادته ومعاملته إلى أن تم تخصيص المفهوم من فريق اعتمد الدليل ألنقلي في مناظرات خصومه في مقابل الخلف الذي اعتمد الدليل العقلي في مرافعاته وبينهما ولد تيار جديد أصبح يدعي المذهب الأشعري الذي تصدى للاعتزال بآلياته السلطوية خاصة حين وصل إلى السلطة أواخر الدولة العباسية. وأوضح يسف بنفس المناسبة أن موضوع السلفية الذي كان بردا وسلاما على القلوب المؤمنة عاد اليوم غولا مفترسا وكائنا غريبا له تشكلات وتمثلات لا يدرك كنهها ولا يحصى عددها ولا يدري أحد عاقبة أمرها ووقع الناس بسببها في حرج كبير يتساءلون عن ماهيتها وحقيقة أمرها وأين هو الحق منها حتى يمكن إتباعه؟ وأين هو الباطل حتى يتأتى اجتنابه؟ يتساءل محمد يسف في نفس السياق. وكشف مصطفى بن حمزة عضو المجلس العلمي الأعلى بعضا من خلفيات الخطوة المفاجئة للمجلس العلمي الأعلى حيث قال إن الحرب الدائرة حاليا في اليمن أعادت الأمة إلى ما كانت عليه في القرن الأول حيث كل فرق السنة في مواجهة جميع فرق الشيعة بينما الخوارج في عمان يقفون على الحياد. واعتبر بنحمزة أن الانتساب للسلفية أمر جامع وانتماء مشتركا بين جميع أهل السنة والجماعة على ٌدر التساوي والتواطؤ لا على قدر التشكيك والتفاوت كما يقو المناطقة مضيفا في نفس السياق على أن ليس هناك تفاضل بين أهل السنة في الانتساب إلى السلفية مثلما لا يتفاضلون في الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وقال بنحمزة في سياق متصل إن السلف "هم السواد الأعظم من الأمة" ولم تصبح السلفية فئة لها شروط الانتماء إليها إلا في القرن الثامن الهجري ومنها ما تعتمده بعض الفئات إلى اليوم. وبخصوص النموذج المغربي للسلفية شدد مصطفى بن حمزة أن هذا النموذج لم ينقطع منذ أن حسم المغرب الموقف مع كثير من المذاهب العقدية إلى أن وجدت لها موطأ قدم في المغرب ومنها مذهب الخوارج والشيعة والمعتزلة فتم ذلك بعد جهد علمي قوي ليصبح مذهب المغاربة مذهبا سنيا أشعريا مالكيا، فلم يبق مدخلا للابتداع العقدي موضحا في هذا الصدد أن خلال العصور الحديثة انبعثت السلفية في المغرب قاصدة غلى مواجهة كل مظاهر الابتداع والشذوذ وعاملة على رد المجتمع إلى الكتاب والسنة في نصاعتهما وعاملة على تحرير الإنسان والأرض من سلطة الاستعمار فكانت سلفية المغرب سلفية علمية وعملية ونضالية جامعة حريصة على التجميع والتأليف. وختم بن حمزة بدعوة العلماء الذين حضروا الندوة من المغرب كله إلى فهم المرحلة الحالية التي" ابتلينا فيها بأناس يستحلون الدماء والأعراض منا" وعندما "لا يواجهون في الوقت المناسب يصبحون تحديا أمنيا".