محمد لكموش : باحث في العلوم السياسية إذا كانت المشاركة السياسية من منظور علم السياسة هي مجموع النشاطات الجماعية،التي يقوم بها المحكومون وتكون قابلة لأن تعطيهم تأثيرا على سير عمل المنظومة السياسية.ويقترن هذا المعيار في النظم الديمقراطية التي تعتبر فيها قيمة أساسية بمفهوم المواطنة. لذا يعد التصويت والترشيح للإنتخاب أحد أهم مقومات المشاركة السياسية ، هذا إلى جانب عناصر أخرى منها الإهتمام بالشأن العام ( قراءات ومناقشات..)، أو الإنتساب إلى منظات إجتماعية أو سياسية، زيادة على المشاركة في الإضرابات والمظاهرات، أو حتى العنف الذي صنف بشكل من الأشكال ضمن المشاركة السياسية، إذ قال أندريه هوريو بفظاظة (إننا نعد الأصوات لكي نتجنب اللجوء لتكسير الرؤوس). غير أنه في النموذج المغربي نجد المشاركة السياسية في الإنتخابات دائما تقترن بالعزوف السياسي، ففي دراسة أنجزت من طرف الباحث أحمد ويحمان قبيل الإنتخابات التي عرفها المغرب سنة 2007، توصل الباحث إلى أن العملية الإنتخابية عديمة الجدوى ولا فائدة منها ، ما دام صنع القرار هو بأياد لا علاقة لها بصناديق الإقتراع المتمثلة في التقنقراط ، ووزراء السيادة والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى الولاة والعمال، كما لاحظ أن البرنامج الملكي هو المطبق وليس الحزبي ،كما توصل إلى أن هناك سخط من النخب الحزبية التي أصبحت رديفة المراوغة والمناورة،كما ساهم في ضعف المشاركة السياسية ضعف مجموعة من المؤسسات التي هي معنية بتأهيل الحقل السياسي ، منها ضعف المؤسسة البرلمانية مقابل سمو المؤسسة الملكية، علاوة على ضعف التأطير الحزبي من خلال ضعف التواصل السياسي بين الفاعل الحزبي والجماهير، وفي مقارنته بين المشاركة في الإنتخابات التي تمت سنة2002 والتي كانت مرتقبة سنة2007 توصل الباحث على أن نسبة المشاركة كانت في انحدار، وتفسيراته في ذلك يعود إلى انعدام الثقة بالأحزاب السياسية وكذا المترشحين،بل وفي العملية الإنتخابية برمتها*. غير أنه وإن كانت الدساتير السابقة تؤكد على دور الأحزاب السياسية في تأطير وتمثيل المواطنين ،فإنه مع دستور2011 المصادق عليه عبر استفتاء شعبي،تم التنصيص في المادة السابعة منه على دورها في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي،وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، بل وأضاف إليها *- أحمد ويحمان ،العزوف السياسي بالمغرب، سلسلة شروق، العدد الاول،ماي،2009،ص. دور تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة الامر الذي يطرح عليها تحديات على ضوء الدستور الجديد ، مقارنة مع ما كان في السابق حيث كان دورها يقتصرعلى اسقطاب أطر لتطبيق برنامج محدد سلفا، كما كان أغلبها لا يهتم إلا بوظيفة التمثيل وليس التأطير الأمرالذي انعكس على عملية التواصل السياسي. لذا فإن الأحزاب السياسية امام امتحان صعب، وذلك من زاويتين :الأولى من زاوية تنزيل المقتضيات الدستورية من خلال العمل على تحمل مسؤوليتها على مستوى تعبئة الجماهيرقصد الوصول للمشاركة في ممارسة السلطة،غير أن ذلك لن يتاتى إلا بممارسة الديمقراطية الداخلية داخل هياكلها ،وذلك بالنظر إلى أن منسوب المشاركة السياسية يرتبط مع منسوب الديمقراطية في شموليتها، والثانية تتعلق بمسؤوليتها في وضع برامج انتخابية واقعية بعيدا عن الخطابات الشعبوية ، تستطيع من خلالها اسقطاب عموم الناخبين للتصويت عليها ،وذلك باعتبار البرنامج الإنتخابي هو البوابة نحو الوصول لممارسة السلطة، وذلك في سياق تنزيل المقتضيات الدستورية التي تنص على أن رئيس الحكومة يعين من الحزب الفائز في الإنتخابات التشريعية ، وبالتالي فإن الحكومة المشكلة ستكون مسؤولة سياسيا أمام البرلمان. وهو الأمر الذي أكد عليه الملك في خطاب العرش ل 30 يوليوز 2011 من أن أي تأويل يتنافى مع الخيار الديمقراطي بمثابة خرق لمقتضيات الدستور الجديد ويتجلى مثال ذلك : اعتبار صناديق الإقتراع هي مصدر المشروعية(الفصل11 من الدستور)، وكذا اعتبار سلطة البرلمان وسلطة الحكومة معبرتين عن الإرادة الشعبية ومنبثقتين منهما ، وذلك لتحقيق مبدأ فصل السلطات. يمكن القول إجمالا بأن المغرب مقبل على مرحلة تاريخية جديدة ،إما أن يربح رهان التجديد السياسي والمؤسساتي أو سيخضع لفعل التكرار لنماذج سابقة ستكون انعكاساتها وخيمة ليس على المجتمع فقط ،بل على سيرورة الدولة والنظام بأسره،خاصة مع استحظار التفاعلات الدولية والإقليمية التي بدأت القوى الدولية تعطي الاولوية لمصالح الشعوب بدل تحالفاتها مع الأنظمة العربية.