دعم "حزب زوما" لمغربية الصحراء يهز المواقف التقليدية لجنوب إفريقيا    بنسعيد يبرز أهمية تطوير نموذج اقتصادي ملائم للمقاولات الإعلامية المجتهدة    وفد فرنسي يطلع على دينامية التنمية بجهة الداخلة وادي الذهب    في المؤتمر الإقليمي الخامس بالناظور.. إدريس لشكر الكاتب الأول: حزبنا بيت الديمقراطية، والعدالة المجالية مدخلٌ للتنمية ومصالحة الوطن مع أطرافه    إسرائيل تتوعد سوريا بضربات موجعة    أخبار الساحة    المغرب يوقف فرنسّيا ملاحقا دوليا    النقابة المهنية لحماية ودعم الفنان تنتفض ضد إقصاء الفنانين وتجاهل حقوقهم في مهرجانات الشواطىء    رحلة إلى قلب الفلامنكو في مسرح رياض السلطان بطنجة    خواطر وهمسات على أديم الفضاء الأزرق    المساعدات العالمية لقطاع الصحة تدخل عصرا من التقشف الشديد    الحشرة القرمزية تعود لتهدد حقول الصبار بالمغرب    هل تكتب أو تنشر أو ترسم للأطفال؟..الجائزة الدولية لأدب الطفل ترحّب بالمواهب المغربية والعربية.    الجديدة أولى محطات مهرجان ''العيطة المرساوية'' .. قبل أن يحط الرحال بمديونة والبيضاء    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    التقدم والاشتراكية: احتجاج آيت بوكماز تأكيد على ضرورة النهوض بالعدالة المجالية والاجتماعية    وزارة الثقافة الفرنسية: المغرب خزان فني في ازدهار مستمر    إحداث نحو 49 ألف مقاولة بالمغرب مع نهاية ماي منها أزيد من 15 ألفا في البيضاء    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء طنجة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يكشف عن برنامج بيع تذاكر كأس العالم 2026    أحزاب إسبانية تقاضي زعيم "فوكس" بتهمة التحريض على الكراهية ضد المهاجرين المغاربة    بينهم أطفال.. إسرائيل تقتل 13 فلسطينيا بغزة منذ فجر الأربعاء    خامنئي: هدف الحرب إسقاط النظام    اختتام برنامج "تجديد المعارف" لفائدة الأطر الحاصلين على رخصة "كاف برو"    رسميا.. ريال مدريد يعلن رحيل لوكاس فاسكيز وإقامة حفل وداع خاص بحضور بيريز    إسرائيل تقصف رئاسة الأركان السورية    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    القضاء الكندي ينتصر لمحام مغربي في مواجهة "تيكتوكر" متهم بالتشهير    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    هيئة أطباء الأسنان الوطنية تدعو إلى تعزيز الثقة في ممارسة المهنة        لامين يامال يواجه عاصفة حقوقية في إسبانيا بعد حفل عيد ميلاده ال18    ارتفاع جديد في اسعار المحروقات في محطات البنزين بالمغرب    مشروع القرن ينطلق من المغرب: الأنبوب العملاق يربط الطاقة بالتنمية الإفريقية    مقتل مهاجر مغربي طعنًا في اسبانيا    قمة أورومتوسطية مرتقبة في المغرب.. نحو شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي        "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبعون يوما من الحرب..
نشر في الجديدة 24 يوم 24 - 12 - 2023

سبعون يوماً تلاشت الأشلاء البشرية هنا وهناك كشظايا الزجاج المكسور بجل شوارع وأحياء غزة الصامدة، أتعرف معنى أشلاء؟ معنى أن تموت غير مكتمل الأطراف؟ ولربنا تدفن بطرف أو اثنين ؟ من يتعرف عليك ؟ من يعرفك إن لم يتمزق ذراعك الذي به اسمك كعلامة منك عليك ؟ لقد وصلنا إلى هذه الدرجة من عدم احترام الموتى، من أن لايحق أن يكون لك قبر ، فقط لأنك فلسطيني، لأنك غزاوي، فهذا طفل عرف من وثمة على ساعده، وهذه رجل مجهولة الهوية، وهذان أختنان جمعت أشلاءهما في كفن واحد .. !
لأول مرة أشاهد بقوة هذه المشاهد المفجعة، صور المخضبون بالدماء ومبتوري الأطراف، صور الأطفال الذين حلقت أرواحهم في السماء، مقاطعهم قبل الحرب، أحلامهم وحركاتهم قبل أن يرتقوا .
وصور الشهداء الذين تم إخراجهم من تحت ركام الأنقاض، و صوت الثكالى واليتامى والشيوخ والصغار وهو يناشد العالم البئيس تارة، ويلقننا دروسا في الصبر والثبات واليقين تارة أخرى .
لقد قرأنا التاريخ،الذي كتب كثير منه لمرتزقة على دماء الفلسطينين، والذي بثنا متيقنين من زيفه، التاريخ الذي صوروه لنا والآن نحن نشهد بأم أعيننا التاريخ الذي سيروى لأطفالنا، للأحفاد من بعدنا، لكن كيف سييروى ؟ كيف سيُحكى ؟ وهل يكون لنا نصيب منه ؟
هل يُصور كمشاهد صبرا وشاتيلا التي جرت فيها دماء المسلمين شلالا يهضر ؟ أم كحرب العراق التي غدا فيها دم المسلمين نهرا ؟ أم بالإبادات الجماعية التي شهدتها بلد المليون شهيد ؟ أي تاريخ وبأي حقائق يا ترى.. ؟
لقد سرقوا منا تاريخا كاملا،و كذبوا علينا بحقوق الإنسان و المرأة والاطفال..
الاطفال نفسهم الذين يُتم المئات منهم بين ليلة وضحاها بغزة، الذين قتل آلافهم بدم صهيوني بارد دون أن يرف للعالم جفن، و الذين أصيب العشرات منهم بإعاقات وعاهات مستديمة .. حتى خيل للإنسان أنه في هول من أهوال الآخرة من عظم ما رأى من مجازر ومذابح و صرخات ودموع ومعاناة جسدية .. لكن ماذا عن المعاناة النفسية ؟
من يضمد جراح هؤلاء اليتامى؟ من يسكت الصوت في أذن الطفل الذي ظل آخر ما سمعه من أخيه سكرات الموت تتدحرج؟ من يعيد لجوليا حضن والديها؟ من يحمل عبئ الأمومة عن الفتاة ذات 15 ربيعا التي بقيت وحيدة مع إخوتها بعد ان ارتقى والديها وجدتها ؟ من ومن من ؟
من يعيد لهؤلاء الأطفال حياتهم الطبيعية، من يأويهم ويآزرهم وينتصر لهم كما ينتصر الغرب المنافق لأطفال أمريكا وأوربا والخارج، من يجعلهم سواسية مع الآخرين وإن كانوا عربا لا غربا .. ؟
من يهبهم الشعور بالأمان والدفئ، و حضن الأم والابن ؟
أمام هذه المأساة، نتساءل عن قوة هذا الشعب، ثم نعود ونأكد أنه شعب لا خيار له غير الصمود، لكننا على يقين تام بأنه لولا الإيمان واليقين في موعود الله لجن الإنسان من فظاعة ما يرى !
لولا التربية التي تلقاها هؤلاء لإرتموا في أحضان الاحتلال بكل وقاحة مخافة من الدمار، من الموت الذي سيدركهم، لكن بدا جليا أن الأهم في عقيدة المسلم التي كان الفلسطيني دائما خير نموذج لها هو أن الموت بشرف وعزة، أن تموت رجلا وإن مزقت أشلاءًا.
لقد تأملت كذا مرة إبني الرضيع وأنا أتابع الأحداث، ثم حاولت فقط أن أتخيل كيف تصبر هاته النساء على فقدان فلذة الكبدة بين عشية وضحاها، الليالي التي سهرتها الأم كي يهدأ، اللحظات الجميلة التي هدهدته فيها حتى رأت ضحكاته، صوته بأرجاء البيت، كلماته الأولى، خطواته و كل جميل صنعته بقلبها وروحها وكل كيانها يوما عن يوم، ليأخذ منها على حين غرة، تقول بعدها بمنتهى الثبات " يارب تكون راضي " كما قالت أحد الفلسطينيات وهي تودع إبنها الصغير وأخواته الثلاث توائم. في لحظة مهيبة لا تكف فيها عن ذكر الله سبحانه، أي عظمة وأي اصطفاء هذا .. ؟ نحن الأمهات وإن كان عهدنا بالأمومة حديث بثنا نعلم ولو نسبيا معنى إبن، معنى كبدي، وتأن قلوبنا من تعب يطال صغارنا فما بالك بالموت ... ؟
من يكتب الدواوين بلا مغالاة، و أي مغالاة بعد كل ما شاهدناه، كل كتابة هي لا تساوي ذرة من هول المناظر !
لكن من يكتب بعد أن رحلت هبة أبو ندى الشاعرة الغزاوية، و كثير من على شاكلتها، من يكتب من خضم المعاناة والحسرة، من يكتب من قلب الحدث، من خضم الألم، لأننا لم نعد نثق في كتاب دواوينا وتاريخنا .. !
من يكتب بلا طباق أو جناس.. ؟
بل فيما تنفع الكتابة أمام عالم مليئ بالنفاق والزيف والصمت، أمام حكام عانقوا الكيان المحتل وقادته دون أن ترسم أمام أعينهم صور الأطفال التي تهشم القلوب، أمام شعوب باعت دينها مقابل دنياها، وأمام أناس بات قول الحق جريمة يعاقب عليها.
عشرات الأسئلة تطرح في بالي بعلامة إستفهام حمراء، بإجابات مختلفة لكنها كاملة ومكتملة في أغلب الأحيان، بثقة كاملة في موعود الله الذي يصنع الرجال، بيقين تام في حكمة الرحمان سبحانه، و بأن النصر ليس صنيع ساعة، بل هو صبر سنين و تضحيات عظام، وأرواح قدمت في سبيل العقيدة، وإيمان بالله وقدره وقضاءه، و بثبات على الحق والثغور يقودهما حسن الظن بالله والصبر والصمود لا الإنبطاح والتطبيع والسلام الذي لا أساس له مع العدو.
و لأننا مؤمنين بقضيتنا و ديننا، سيتعافى أطفالنا، سيكبرون غدا و يكونون أسوياء نفسيا، سيصنعون لنا مجدا تليدا يداس فيه الاحتلال الصهيوني تحت نعال أصغر رضيع في غزة، ستبتسم الأمهات من جديد، سيلدن مجددا، لأنهن بنات الأرض الوَلادة كأرحامهن، سيخلفن للعدو جيلا مرعبا ترتعد تحته فرائس بني صهيون، جيلا يؤمن أن الأرض له مهما طال الاحتلال ..
سيعانقن طيورهن التي ارتقت غدا في الجنان وسيشفع للعرائس في خدرهن أزواجهم الشهداء، سيلتقي الأحبة جميعهن فوق السماء، بلا وداع ولا بكاء ولا صمت قاهر و لا غصة أو ندبة قلب ..
و سنكتب الحقائق عن هذه الأرض دوما، لنا ولأطفالنا، للأجيال بعدنا، سنعلمهم الخرائط والحدود التي لا أصل لها، ونلقنهم أن تلك أرض الميعاد، وأن الموعد حق، وأن النصر آت لامحالة، وإنه لجهاد نصر أو إستشهاد..
فاللهم هذه نياتنا، وأمانينا، فاكتبها لها سواء حيينا أو متنا .. و أعنا ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.