عندما ينتحر الشاعر! يموت الشعراء فتنبت أزهار سوداء في الحقول

عندما يموت الشاعر، يبكيه كل أصدقائه
كلهم يبكونه
عندما يموت الشاعر العالم كله يبكي

هكذا غنى المغني الفرنسي جيلبير بيكو
لكن الشعراء ينتحرون أيضا
وأغرب ما يمكن أن يحدث هو أن ينتحر شاعر
أن يذهب إلى الموت

وهذا يحدث كثيرا
كأن وضع حد للحياة هو القصيدة الكبرى
وكأن لا شيء يتفوق على الموت
لا الكلمات
ولا الحب
ولا الورد
ولا الأمل

وعندما ينتحر شاعر فهو لا يطلب من أن أحد أن يبكيه
ولا تعنيه تلك الأغنية الجميلة

وقبل ثلاثة أيام انتحر الشاعر المغربي عبد القادر حاوفي
وترك رسالة ليقرأها الأحياء
وليعتذر لهم
رغم أن لا أحد يستوعب أن يقدم شاعر على الانتحار
لكنهم يفعلونها
ويكون انتحارهم مفزعا

لأن لا أحد يتوقع أن كائنات تبحث عن حياة ثانية أجمل يمكنها أن تشبع من الحياة العادية
أن كائنا لا يقنعه الواقع ويريد المزيد ويحلم يمكنه أن يستسلم للواقع بهذه السهولة
لقد جمعتهم الشاعرة جمانة حداد في كتاب
جمعت معظم الشعراء المنتحرين
لكن يبدو أن كتابها سيظل مفتوحا إلى الأبد وغير مكتمل

قبل أن أطلع على الخبر في موقع كود، كنت أقرأ سيرة الشاعر الفرنسي نيكولا شامفور
كنت أقرأ أكبر تجسيد للفشل في تاريخ الأدب
وأعظم رغبة في الانتحار دون أن يتحقق له ذلك
كان شامفور يريد أن يكون كاتبا ففشل
وكان يريد أن يكون شاعرا ففشل
وكلما انكب على تأليف كتاب أصابه المرض وتوقف
وكان يريد أن يصبح فيلسوفا ولم يصبح فيلسوفا
توقف عن الدراسة
وتوقف عن العمل
وفشل في العمل

وكان قويا ومثيرا تعشقه النساء وفشل في أن يبقى قويا ومثيرا تعشقه النساء
وكانت تحبه الكونتيسات من أجل ذلك الكتاب الذي لم يكتبه
ومن أجل أن يجد المال ويشتهر كان يكتب كتبا من أجل الجوائز وكان يمدح موليير ولافونتين
وعاش هكذا
مريضا
وساخرا
ومتهكما
وسينيكيا
وصحفيا أيضا
وفاشلا
ومشاركا في الثورة ومبتعدا عنها
كل ما كان يريد تحقيقه لم يحققه
كان أمله أكبر
وفي النهاية قرر هو الآخر أن ينتحر
لكنه فشل في الانتحار أيضا

جرب في المرة الأولى ولم ينجح وتم إنقاذه
وفي المرة الثانية سدد طلقة نارية إلى وجهه، فأصابت أنفه
ومهما حاول فإنه لم يتمكن من وضع حد لحياته
وفي المرة الثالثة أخذ مقصا لتقطيع الورق ولم ينجح في ذبح نفسه
ثم غرس المقص في صدره ولم يمت
غرق في بركة دمه ولم يمت
وفي كل مرة كان لا يموت
وكانوا ينقذونه
وفي النهاية مات دون أن ينتحر
مات مريضا
وهناك من يحكي أنه انتحر

يغني جيلبير بيكو
عندما يموت الشاعر
يدفنون نجمته
في حقل شاسع
في حقل قمح شاسع
ولهذا نعثر في هذا الحقل الشاسع
على زهر توت بري
ولذلك لا تصدقوا موتهم

الشعراء لا يموتون
ولا ينتحرون
وعبثا يحاولون ذلك
وإذا انتحروا
وماتوا
ينبتون قصائد في الحقول
وأزهارا وفاكهة سوداء.