كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 20 سنة .. المنتخب المغربي ينهزم في النهائي أمام نظيره الجنوب إفريقي    .    النصيري يسكت صافرات استهجان    ارتفاع حركة المسافرين بمطار الحسيمة بنسبة 19% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    وزيرة ثقافة فرنسا تزور جناح المغرب في مهرجان "كان" السينمائي    توقيف شخصين بفاس والبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    "حماة الوطن عيون لا تنام".. شريط فيديو يستعرض دور الأمن الوطني في حماية الوطن والمواطنين (فيديو)    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    نهائي "كان" أقل من 20 سنة.. المغرب يخسر أمام جنوب إفريقيا بهدف دون رد    جنوب إفريقيا تحرم "أشبال الأطلس" من التتويج وتخطف لقب كأس إفريقيا للشباب    إسرائيل تدعي جلب "الأرشيف السوري" لأشهر جواسيسها بدمشق    إسبانيا تدين تصاعد العدوان الإسرائيلي بغزة    اتحاد يعقوب المنصور يحقق إنجازا تاريخيا بالصعود للقسم الأول لأول مرة    ملتقى طنجة يدعو إلى فلاحة ذكية وترشيد مياه السقي بجهة الشمال    جنوب إفريقيا تنجح في هزم المغرب والفوز بكأس إفريقيا لأقل من 20 سنة    ابتداء من 25 مليون.. فرصة ذهبية لامتلاك سكن بمواصفات عالية في الناظور    انقلاب حافلة محملة بكمية كبيرة من مخدر الشيرا (صور)    أسعار الفواكه الموسمية تلتهب في الأسواق الوطنية والناظور تسجل أرقاما قياسية    الجواز المغربي في المرتبة 67 عالميا.. وهذه قائمة الدول التي يمكن دخولها    إحباط محاولات اقتحام جماعية لمدينة سبتة    الجيش يبصم على إنجاز في كرة اليد    عروض تفضيلية لموظفي الأمن الوطني لشراء السيارات بموجب اتفاقية جديدة مع رونو المغرب    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    أنظمة مراقبة تتعطل بمطار "أورلي"    المغرب يعيد فتح سفارته في سوريا.. نظام أحمد الشرع يستعد للاعتراف بمغربية الصحراء    مع انطلاق مهامه رسميا ...بابا الفاتيكان الجديد يبدأ بانتقاد تجاوزات النظام الرأسمالي    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أين بدأ غيرنا في الإصلاح؟
نشر في هسبريس يوم 05 - 01 - 2014

لقد خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وأحسن صورة، وأمره سبحانه وتعالى بالاستمرار في الصلاح والإصلاح الفردي والجماعي، كما تشير العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلى الترغيب بل والتأكيد على أهمية الإصلاح في المجتمع وفي الكون بشكل عام، لكن جهل الإنسان بالأمر الرباني أدى به إلى النزوع نحو الفساد.
وبالرجوع مضمون الإصلاح كما هو وارد في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية فإنه يتسم بالشمولية والملائمة لضبط وتدبير المعاقد الكبرى للحياة البشرية إلى الأبد، مما يجعل الحديث عن الإصلاح المجتمعي تتسم بوجود تراكم على مستوى الإطار المنهجي والعملي الذي كان حاضرا طيلة الصيرورة التاريخية لبناء المجتمع الإنساني، والذي عرف حقبة إسلامية كلبنة جد مهمة في هذا البناء المجتمعي والتي انطلقت مع البعثة المحمدية ، كما يعود الفضل لهذه الحقبة في وضع أسس بناء مجتمعي مستوحاة شروطه من المنهج الرباني .
وفي ظل استمرارية البناء المجتمعي الذي يعرف بين الفينة والأخرى صراعات ايديلوجية وفكرية أحيانا حول عدم ملائمة الإطار العام المحدد لشروط قيام مجتمع كوني( نظرا للاختلاف المذهبي والعقائدي) ، وبسبب التدافع البشري بين مؤيد لاستمرارية الإصلاح ورافض له، ينبغي استحضار شمولية الخطاب الإصلاحي لجميع مكونات المجتمع دون إقصاء أي طرف من الإستفاذة من ثمرة الإصلاح حين تحققه، وكما يتحتم على الجميع تشطير مسؤولية إنجاح الإصلاح المستوحى من الفكر الإنساني المحظ، مع تحمل تبعاته إيجابية كانت او سلبية
ويتسم تاريخ الإصلاح في الدول الغربية بالانتقال من مرحلة التنظير والتأصيل إلى مرحلة التفعيل والتنزيل ، وذلك خلال سيرورة تاريخية اتسمت بالصراعات والمعارك بين الكنيسة وباقي مكونات المجتمع ، ذك أن الفكر الكنسي يرى الإصلاح من زاوية دينية صرفة في الوقت الذي ينادي فيه المفكرون والفلاسفة بضرورة شمولية الإصلاح بل وتحريره من قبضة رجال الدين الذين يمارسون وصاية على مضامينه وتوجهاته، واستمر الصراع بأوربا إلى حدود عصر الأنوار إذ ظهرت أفكار جديدة وأصوات تنادي بضرورة القطع مع التنظير والمثالية اليوتوبيا في الوقت الذي يعاني فيها المجتمع الأوربي مشاكل وقلاقل سياسية ، اجتماعية واقتصادية، تستدعي إيجاد حلول آنية مع فتح المجال لكل المواطنين الأوربيين للمساهمة في البناء المجتمعي بمقاربة تشاركية ومسؤولة قوامها وضع إستراتيجية متسمة بالاستمرارية لبلوغ مجتمعات تؤمن بالإصلاح كممارسة وكتجسيد قابل للرصد والمعاينة بعيدا عن الوصف والتمثلات الميتافيزيقية .
على خلاف البلدان المغاربية عموما ، والمغرب على وجه الخصوص ،الذي انخرط في التأصيل والتنظير للإصلاح مند الاستقلال إلى يومنا هذا،دون أي نتيجة تذكر او على الأقل تحسب للأحزاب السياسية ذات الباع الطويل في الخطابات ذات الحمولة الإصلاحية ( الحملات الانتخابية) ، إذ بمجرد ما تنتهي الحملة الانتخابية يتم الاستغناء عن الخطاب الإصلاحي ليتم الركون إلى تغليب المصالح الفردية والشخصية على حساب المصلحة العليا للوطن ، كما يوضح واقع بعض الأحزاب السياسية المغربية مدى البون الشاسع بين هم الإصلاح لدى هذه الأخيرة وبين الأحزاب السياسية بالغرب ، علما أن الخطاب الإصلاحي مصطلح دولي موحد وشامل بغض النظر عن الانتماء الجغرافي.
وإذا كانت الدول الديمقراطية قد استطاعت إرساء ثقافة الإصلاح من خلال الممارسة الفردية والجماعية من داخل المؤسسات أو خارجها، بل تقدم مثالا ونموذجا للإصلاح كمنهج حياة للمواطنين ، فإن ذلك لم يأتي من فراغ بل جاء من خلال اعتبار الفرد ( المواطن) محور الخطاب الإصلاحي، وتربيته على أنه فاعل ومسؤول عن نتائج الإصلاح و عن استمراريته .
فكم هو جميل أن يتلقى الإنسان منذ صغره دروس التربية والتلقين على تحمل المسؤولية والمشاركة في بناء مجتمعه الذي يعتبر في نظره الحاضن الثاني بعد الأم ، فكيف يمكن لمثل هذا المواطن أن لايقدم مصلحة وطنه على مصلحته الشخصية؟ .
إن المؤسف في المغرب كون بعض الأحزاب السياسية كانت قائمة والبعض الآخر في طور التكوين إبان شدة الصراع الفكري بأوربا حول تحديد ماهية وكيفية الإصلاح الفعلي والحقيقي - لكن أحزابنا لها توجهات وصراعات غير قابلة للحسم – مما نتج عنه جدل سياسي عقيم سئمنا من سماعه من قبل مختلف مكونات المشهد الحزبي بخصوص بعض الإشكالات البلاستيكية من قبيل ما الأسبق وجودا الدجاجة أم البيضة ؟ أو من قتل زيد ؟ وأدى استهلاك الوقت في نقاش هذه التفاهات إلى ضياع سنوات من التطور والتقدم على المغرب.
وبعد استعراض بعض ملامح السيرورة التاريخية لتحولات خطاب الإصلاح في البلدان الغربية، يتبادر إلى الدهن السؤال حول متى سينطلق قطار الإصلاح في بلدنا المغرب نحو محطة التفعيل والتجسيد الواقعي بدل النظريات والبرامج الحزبية التي تأتينا من مختبرات الآواني الفخارية ( مع كامل احترامنا لمهنة الفخارة)؟.
إن الإجابة عن التساؤل يقتضي قراءة متأنية لمضامين خطابات الأحزاب السياسية المغربية،وحتى تكتمل العناصر الأولية للإجابة لابد من إبداء بعض الملاحظات حول الصيرورة التاريخية لأدوار الحزب للوقوف على مساهمته- إن وجدت- في تأصيل الإصلاح عمليا وواقعيا .
أولا : أدوار الحزب في المشهد السياسي المغربي
إذا كان تعريف الديمقراطية بأنها " حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب" فإن تقمص الأحزاب السياسية دور الشعب لم يكن في محله في تنزيل مضمون هذا التعريف على أرض الواقع مما أسقط الشطر الأخير من التعريف " .. من أجل الشعب" ليصبح التعريف " حكم الشعب بالشعب من أجل مصالح الحزب الضيقة"، ويمكن تلخيص الأدوار الأساسية للأحزاب السياسية في ما يلي :
1- التأطير والتنشئة السياسية :
يعتبر التأطير والتنشئة السياسية من أهم الأدوار المجتمعية والسياسية المفروضة على الأحزاب القيام بها ، خصوصا لفائدة الفئات المجتمعية الغير منظوية تحت لواء أي لون سياسي، قصد مصالحتها مع الحياة السياسية وإخراجها من حكم المتفرج المفعول به إلى فاعل أساسي ومحوري في الفكر السياسي المغربي ، لكن غياب الإستراتيجيات والبرامج ذات الطابع الإجتماعي والفكري سواء على المدى المتوسط أو البعيد لدى الأطياف السياسية جعل المواطن يتعامل بنوع من اللامبالاة مع المشهد السياسي برمته بل لا يعترف بوجوده أصلا وهذا واقع المجتمع المغربي خصوصا في العشرية الأخيرة بعدما وصلت الممارسة الحزبية إلى مستوى العبث السياسي .
وإذا كانت الدولة تقدم دعما ماديا للأحزاب السياسية من خزينة الدولة - والذي هو عبارة في أصله عن ضرائب مستخلصة من جيوب المواطنين- ، فإن رداءة أحوال المشهد الحزبي تستوجب مراجعة شاملة لهذا الدعم سواء فيما يخص مقداره أو تحديد الحزب المستحق له من خلال ربط الدعم بأداء الأدوار المنوطة والهادفة ( تأطير، تنشئة اجتماعية، المساهمة في بناء المجتمع...) إذ كيف يمكن لحزب سياسي همه الوحيد هو البقاء في السلطة والاستفادة من الامتيازات أن يكترث بتأطير الشباب والمساهمة في بناء هذا الوطن؟ ؟ ثم هل سبق لأي حزب سياسي مغربي القيام بالنقد الذاتي لمنهجه ولمذهبه وأفكاره الموجهة للتأطير والتنشئة الهادفة إلى بناء المجتمع بعيدا عن المزايدات السياسوية والإنتخابوية؟
لاشك أن الجواب عن الأسئلة السالف ذكرها لا يحتاج منا إلى مزيد من البحث والتفكير فتاريخ الأحزاب السياسية كفيل بالإجابة ، إذ مند الاستقلال إلى يومنا هذا لم يجرؤ ولو حزب وحيد على وضع استراتيجية مستقبلية واضحة المعالم والأهداف بغض النظر عن الخطابات اليوتوبيا والإغرائية التي جردت مختلف الأحزاب من هويتها السياسية .
2- المساهمة في بناء المجتمع :
لقد شكل بناء المجتمع أو بالأحرى استكمال بنائه،من بين المهام الملقاة على عاتق الأحزاب التي تعتبر نفسها ممثلا للشعب في وضع السياسات العامة وتدبير الشأن العام، لكن تراجع دورها الأساسي وانخراطها في المعارك السياسية الجانبية أدى إلى الوصول لمرحلة من " العبث السياسي " كنتاج للأنانية الحزبية بل واستعراض كل مكون سياسي لعضلاته على المكونات الأخرى مما ضيع بل ومازال يضيع على المغرب الوقت للانخراط في استكمال بناء المجتمع .
ويمكن تفسير ظاهرة الربيع العربي بمثابة الفشل الدريع لمختلف البرامج السياسية التي توضع بناءا على منطلقات لا تلامس هموم المواطن المغاربي ، فغالبا ما تتم برمجة سياسات عمومية ذات حمولة ايديلوجية قصد تنزيل الحزب قلبا وقالبا على المجتمع برمته من خلال إستراتيجية تدبيرية بخلفية أنانية حزبية صرفة، مما جعل سيرورة برامج السياسات العمومية في المغرب لم يكتب لها التمام والكمال مادام أن منطق التحالفات هو المتحكم في إعداد هذه البرامج ، مما عطل قطار التنمية في المغرب ومازال معطلا مادام المنطق السائد في تدبير الشأن العام هو " الحزب أولا ثم أهل الحزب فالوطن" .
وقد يعبر التشنج الحزبي بالمغرب عن قصور الرؤى وغياب بعد النظر لدى الجيل الثاني من زعماء الأحزاب ، هؤلاء وضعوا المصلحة الوطنية جانبا وانشغلوا بالتفاهات وبالشعبوية كمنهج سياسي في القرن الواحد والعشرون وهذا ما أسبغ صفة الشواد على الممارسة السياسية في صفوف الأحزاب المغربية ،مما أدى و باستمرار إلى عزوف الشباب بل حتى المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية وفي الانتخابات التشريعية .
ومما لاشك فيه أن رغبة المشرع المغربي في تصحيح الوضع الحزبي المعتل أدت إلى الاستعانة بخدمات المجتمع المدني بل وحتى المواطن البسيط من خلال مقتضيات الفصول 12 و 13 ،14 و15 من دستور 2011، إذ تشير هذه الفصول إلى إمكانية مساهمة النسيج الجمعوي في وضع وتنفيذ بله تقييم السياسات العمومية ، ونفس الدور أعطي للمواطنين في تقديم العرائض مباشرة للبرلمان . إن هذا التحول نحو سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب السياسية يشكل مؤشر قوي على فشل الديمقراطية في صيغتها المعتمدة على الأحزاب كفاعلين في المشهد السياسي المغربي بل والعربي على العموم ، كما يشكل إشادة قوية بدور النسيج الجمعوي في تسلم مشعل بناء المجتمع من الأحزاب السياسية أضف إلى ذلك الرغبة في إزالة الجمود الفكري والسياسي لهذه الأحزاب المتشبتة بالإيديولوجية القديمة رغم تجاوزها من طرف معظم التنظيمات الحزبية في العالم ، لعدم مسايرتها للفكر السياسي بكل تجلياته المتجددة باستمرار وبسرعة فكرية لا متناهية .
ثانيا : مستقبل الأحزاب السياسية في ظل الديمقراطية التشاركية
عرف المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة ، ومند تولي جلالة الملك للحكم عدة إصلاحات شملت مختلف الميادين مما خلق ديناميكية سياسية ، اقتصادية واجتماعية على الصعيدين المركزي والمحلي، وفي قراءة مبسطة لمختلف الإصلاحات التي أعطت صورة مغايرة للمغرب سواء لدى العالم أو لدى المغاربة أنفسهم فإنها عبارة عن اختصاصات كانت مسندة إلى مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة ، التي تناوب على تدبير شؤونها مختلف الأحزاب السياسية مند الاستقلال إلى يومنا هذا وطيلة هذه المرحلة بمجموع حكوماتها ووزرائها لم يحققوا ولو خمس ما تم تحقيقه وإنجازه طيلة فترة حكم جلالة الملك رغم قصر عمرها، مما يفسر أن الشعارات الحزبية بشأن الإصلاح لم تكن في يوم من الأيام من أجل المصلحة العليا للوطن بقدر ما هي موجهة للتنابز والعراك السياسي البئيس ، أضف إلى ذلك أن الأوراش الجديدة التي أعطى انطلاقها جلالة الملك مازالت تحتاج في مسايرتها وتفعيلها إلى مواكبة جلالته رغم كونها من صميم اختصاص مكونات السلطة التنفيذية ، وهذا ما يعطي انطباعا آخر عن عدم قدرة أحزابنا على التخطيط والتدبير سواء من داخل الحكومة او في المعارضة، ولعل فشل الحكومة الحالية في تدبير الأوراش الكبرى لدليل ساطع على كون أحزابنا لم تعد مؤهلة لحمل هم هذا الوطن ، وربما هذا الوضع هو الذي فتح المجال للمجتمع المدني لكي يقوم باستكمال مسيرة بناء المجتمع المغربي من خلال تحمل مسؤولية تأطير المواطنين وطي صفحة العبث السياسي والانفتاح على مستقبل لمغرب يتسع للجميع .
وقد تشكل الديمقراطية التشاركية فضاءا جديدا مختلف تماما عن فضاء الديمقراطية التمثيلية ذلك أن الأولى تتسم بإقحام وافد جديد في عالم السياسة العمومية مركزيا ومحليا إنه الحركة المدنية بمختلف مكوناتها وهذا ما يمكن اعتباره ثورة تشريعية فاقت تصورات الأحزاب التي صفقت كثيرا بل بحرارة لمضامين 9 مارس 2011 عندما أعطى جلالة الملك الإطار العام للإصلاح ،كما يمكن أن يشكل وجود المجتمع المدني جنبا إلى جانب مع الأحزاب السياسية بمثابة المراقب قبل الرفيق في التدبير ، ولعل هذه التوليفة الثنائية ستدفع بمدبري الشأن العام إلى العمل تحت أنظار المواطن البسيط عبر قنوات النسيج الجمعوي .
أما بخصوص الديمقراطية التمثيلية فيبدو أن سيرورة الديمقراطية أفرزت سياق أدى إلى تجاوز " التمثيلية" كجزء من النظام الديمقراطي فضلا عن كون اللحظة التاريخية من البناء المجتمعي تستدعي مشاركة جميع المكونات بغض النظر عن تموقعها.
إن إدماج المجتمع المدني في الحياة السياسية لم يكن وليد الصدفة بل جاء بعد مرحلة نضالية للحركة المدنية وتراكمات إيجابية في جميع المجالات وطنيا ودوليا مما خلق شبكة المجتمع المدني العالمي العابر للقارات ، ويبدو أن تجاوب الدول الديمقراطية مع هذا المعطى من خلال نهج مقاربة تشاركية اجتماعية أدى إلى نتائج مهمة في تدبير الشأن العام .
وتعتبر المقاربة التشاركية المدخل الوحيد لتقريب الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية من خلال القبول بالآخر كشريك بغض النظر عن مكامن الإختلاف مادام هذا الأخير لا يشكل عائقا أمام سيرورة المجتمعات مما سيقلص من حدة العنف الفكري والإرهاب بكل أشكاله سواء الصعيد الوطني أو الدولي .
و من بين الأسباب كذلك التي أدت إلى اقحام المجتمع المدني في تدبير الشأن العام بالمغرب فتح اوراش ووضع استراتيجيات قطاعية تتسم بالإستدامة في الزمن مما سيجعل التناوب على تدبيرها من طرف مختلف الأحزاب السياسية غير ذي جدوى ويكفي استحضار مآل المشاريع والأوراش الإصلاحية المسندة إلى هذه الأخيرة وعلى الخصوص المكلفة بتدبير الشأن العام والتي انتهت بالفشل، كما أن المجتمع المدني كفيل باعتماد مراقبة القرب على المشاريع والمخططات السالف ذكرها ، هذه المراقبة تبدو مستعصية هي الأخرى على مختلف مكونات المشهد الحزبي .
وأخيرا، وبعد استعراض حيثيات اعتماد المجتمع المدني كفاعل جديد في تدبير الشأن العام وطنيا ومحليا خصوصا بعد دستور 2011 ، وتزامنا مع متطلبات المرحلة الراهنة لمقومات لا تتوفر في الأحزاب التي أوصلت الفكر السياسي المغربي إلى مرحلة " مأسسة العبث السياسي" .
وختاما، يمكن القول أن المفهوم التقليدي للحزب السياسي لم يعد مقبولا في القرن الواحد والعشرون إذ تحتم الديمقراطية التشاركية إشراك كافة الفئات والأطياف الاجتماعية في إعادة نحث مجتمع الغد قوامه تدبير العيش في سياق تتقاطع فيه وجهات نظر مختلفة . كما أن الديمقراطية المبنية على الأحزاب السياسية لم تعد مجدية في تدبير الشأن العام خصوصا في ظل الطفرة التكنلوجية والتي جعلت من العالم قرية مصغرة ، مما مهد الطريق لظهور معطيات جديدة مؤثرة في الديمقراطية كنمط حكم وتدبير .
*باحث وفاعل جمعوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.