الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيس جمهورية بولندا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    حزب أخنوش يدين استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة    ضربة أمنية قوية بضواحي أولاد تايمة.. حجز أزيد من 4 أطنان من الشيرا وتوقيف مشتبه به في شبكة دولية للتهريب    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    "الأحرار" يطلق جولة تواصلية جديدة ويشيد بالحوار الاجتماعي وبمكتسبات الشغيلة    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    إسرائيل تقحم نفسها في اشتباكات بين السلطات السورية والدروز    استقدمها من علبة ليلية بأكادير.. توقيف شخص اعتدى على فتاة جنسيا باستعمال الضرب والجرح بسكين    فريق طبي مغربي يجري أول عملية استئصال للبروستاتا بالروبوت عن بعد بمسافة تجاوزت 1100 كلم    تنظيم يوم وطني لخدمات الأرصاد الجوية والمناخية الاثنين المقبل بالرباط    لماذا أصبحت فلسطين أخطر مكان في العالم على الصحفيين ؟    ألمانيا تهتز على وقع حادث دموي في شتوتغارت.. سيارة تدهس حشداً وتصيب 8 أشخاص    الحكم بالسجن 34 سنة في حق رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض    كبرى المرافئ الأميركية تعاني من حرب ترامب التجارية    تونس تسجن رئيس الوزراء السابق العريض 34 عاما بتهمة تسهيل سفر جهاديين لسوريا    أجواء حارة مرتقبة اليوم السبت بعدة أقاليم    كيوسك السبت | الحكومة تكشف بالأرقام تفاصيل دعم صغار الفلاحين و"الكسابة"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الموت يغيّب المنتج المصري وليد مصطفى    قصف منزل يخلف 11 قتيلا في غزة    زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت تعزز "العلاقات الممتازة" بين الولايات المتحدة والمغرب (الميداوي)    إسرائيل تهاجم بنيات عسكرية سورية    الأميرة للا أسماء تترأس بواشنطن حفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وجامعة غالوديت    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    إجهاض محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز طنين من الشيرا بمعبر الكركارات    تعاف قوي لصادرات المندرين المغربي بعد سنوات الجفاف.. وروسيا في صدارة المستوردين    قيادات "الأحرار" تلتئم بالداخلة.. تنويه بمنجزات الصحراء وحصيلة الحوار الاجتماعي    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    رئيس برلمان دول الأنديز : أحب المغرب .. رسالة مؤثرة من قلب مراكش إلى العالم    الدار البيضاء تطلق قطبا تكنولوجيا جديدا بسيدي عثمان    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    لهذه الأسباب سيغيب الدولي المغربي مزراوي عن فريقه … !    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقلانية الغائبة في خطاب الحداثيين
نشر في هسبريس يوم 11 - 07 - 2023

إذا كانت نخبة الفلاسفة والمفكرين في عصر النهضة قد أبدعت في تشريح واقع أوروبا وإعطاء البدائل المجتمعية، فإن طائفة من المثقفين تصف نفسها بالحداثية تنتمي لمملكتنا السعيدة، لا تطرح أفكارا ولا ثقافة بديلة، وإنما هي طائفة لا تملك سوى خطاب مشحون بالعناوين التي تُطرب السامعين، من قبيل العقلانية والحداثة والتجارب العلمية. امتلكت أوروبا في عصر النهضة فكرا وفلسفة، فيما لا يملك حداثيونا سوى خطاب فاقد للعقلانية.
ومن الملاحظ أن هذه الطائفة تحرص على وصف نفسها بالحداثية وتركز بشكل غير مفهوم على كون خطابها عقلانيا ويستند إلى العلم. لكن حينما نتفحص أفكار هذه الطائفة، المحظوظة في وسائل الإعلام، نجده خطابا لا يخرج عن دائرة الأفكار التي يروجها الإعلام الغربي. وحتى ذاك الجهد البسيط لتوليف تلك الأفكار مع واقعنا المغربي لا تستطيع أن تقوم به، وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤالين التاليين: هل هذه الطائفة تملك فعلا مقومات الفكر الحداثي؟ وهل تملك أدوات الخطاب العقلاني؟
نظمت مدينة طنجة مؤخرا مهرجان "ثويزا" في نسخته 17؛ أحد الضيوف تحدث عن بعض البلدان التي حققت طفرتها التنموية وأعطى المثال بسنغافورة. ويبدو أن هذا الضيف لا يعرف شيئا عن تجربة هذا البلد التنموية، اللهم كونه بلدا متقدما وناميا، وهو أمر يعرفه القاصي والداني. وسبب هذا الكلام هو أن تجربة سنغافورة في واد، والأفكار التي يروج لها الضيف في واد لا علاقة له بواقع المجتمع السنغافوري المتمسك بتاريخه وثقافته وتراثه.
يطرح ضيف "ثويزا" أطروحة نبذ التراث وإعدام التقاليد من أجل حداثة لا يعرف هو نفسه ما هي عناصرها ولا مقوماتها، اللهم الترويج لكلمات تُطرب السامعين من قبيل العقلانية والفكر الحداثي والتحليل العلمي. ضيف "ثويزا" ربما لا يعرف أن سنغافورة هي النموذج المخالف للتجربة الغربية التي يدعو هو لاستنساخها في مجتمعنا المغربي. النموذج السنغافوري اعتمد على موروثه الديني والثقافي لتحقيق طفرته التنموية، ولم يتنكر لتاريخه ولهويته. ومما يميز سنغافورة أنها تعاملت مع حقوق الإنسان بما ينسجم مع ثقافتها وتاريخها، وليس وفق المنظور الغربي. ربما لا يعرف ضيف "ثويزا" أن مجرد ضبط كمية صغيرة من المخدرات للاستهلاك تُعرِّض صاحبها للسجن دون محاكمة، وربما للإعدام إذا ثبُت تورطه في المتاجرة بها. ربما ضيف "ثويزا" لا يعرف أن المنتوجات التي لا تفيد المجتمع وتتسبب في أضرار للمال العام يتم ببساطة منعها وتغريم كل من يخالف المنع، فحرية الفرد تقف عند مصلحة المجتمع. فالعلكة (شوينغوم) ممنوعة في سنغافورة، وكل من رمى بها في الشارع العام يتم تغريمه 340 دولارا أمريكيا، والسيجارة الإلكترونية ممنوعة هي الأخرى، وكل من استعملها يتم تغريمه 7000 دولار، ولا مجال لتبرير ذلك بالحرية الفردية والحرية في الجسد. كما أن التدخين في الشارع العام ممنوع، ولا يُعتبر ذلك في سنغافورة حرية شخصية. وكل من أراد أن يدخن عليه الالتزام بالأماكن القليلة والضيقة المعدة للتدخين. تربية القطط في المساكن ممنوعة بقوة القانون حتى وأنت تملك منزلك. ربما لا يعرف "ضيف تويزا" الحداثي والعقلاني أن في سنغافورة لا تملك الحرية المطلقة حتى وأنت في بيتك. فالتجول في شقتك عاريا بدون ملابس داخلية ممنوع في سنغافورة، وإذا رآك جارك من النافذة عاريا وأبلغ الشرطة، فمصيرك ثلاثة أشهر حبسا وغرامة 1500 دولار أمريكي؛ لأن الفعل يعتبر إخلالا بالحياء حتى وأنت داخل شقتك.
القوانين المتشددة في سنغافورة أنتجت مجتمعا متقدما ومتفوقا على ما هو موجود في المجتمعات الغربية، وتتحدد شرعية تلك القوانين في تاريخ البلاد. فبعد استقلال سنغافورة عن الاستعمار البريطاني سنة 1959 وانفصالها عن الاتحاد الماليزي في 1965، وجدت نفسها في مواجهة حملة للترويج للمخدرات مدعومة من طرف المستعمر البريطاني. البلاد في حالة من الفقر الشديد وعمل كبير ينتظر المجتمع من أجل التنمية والتقدم. اختارت سنغافورة التشدد في مواجهة المخدرات ووصلت إلى ما هي عليه الآن، فيما تهاونت الفلبين في الأمر وكلنا نعرف الفقر الذي يعاني منه المجتمع الفليبيني وكيف يسيطر بارونات المخدرات على دواليب السياسة والاقتصاد. والآن تخطط سنغافورة لتكون أذكى مجتمع في العالم، فيما نسمع أن الفليبينيات يبحثن عن عمل كخادمات في البيوت.
ما تُروج له تلك الطائفة من الحداثيين، في وسائل الإعلام المفتوحة على مصراعيها لهم، من أفكار تفيد بالتنكر للتاريخ وهدم الموروث الثقافي للسير نحو المستقبل، سيجعل المغرب في مسار الفلبين وليس في مسار سنغافورة. إن الترويج لأفكار الغير دون مراعاة الموروث الثقافي وعناصر التاريخ، لن يخلق مجتمعا متقدما في مستوى أوروبا، وإنما سيخلق مجتمعا يُصدر نساءه للعمل في البيوت. تلك هي النتيجة الحتمية لحداثة فاقدة للعقلانية.
أن يكون لك مقعد دائم أمام الكاميرات وفي استوديوهات الإعلام، لا يعني أن خطابك عقلاني وحداثي، ولكن مضمون الخطاب وعمق الأفكار والاطلاع الواسع على التجارب، هو الذي يحدد الخطاب الحداثي القائم على العقلانية.
ليست الحداثة عنوانا نُطرب به أسماع الناس، والعقلانية ليست مصطلحا نُخفي به ضعف أفكارنا، وإنما الحداثة منظومة لها عناصر ومقومات مرتبطة بثقافة المجتمع وتاريخ الأمة. كما أنها فن التعامل الجيد مع الثقافة والتاريخ والأعراف من أجل التطور والتقدم. والعقلانية طريقة في التفكير تستعمل المنطق والمعرفة العلمية في تشريح الواقع وطرح البدائل. لو اطَّلَعَت تلك الطائفة من الحداثيين على فلسفة نيتشه، لأدركت أن فيلسوف عصر النهضة لا يمكن اختزال فكره في الإلحاد كما تفهم تلك الطائفة. وإنما هو مفكر يطرح منظومة متكاملة بحيث حين فنَّد أخلاق المسكنة والضعف والخنوع التي تروج لها الكنيسة، تَنبَّه إلى أن إلغاء تلك الأخلاق سينتج عنه الفراغ الذي سيحطم المجتمع، لذلك أبدع في فكرة إرادة القوة كبديل للفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الكلي للكنيسة من الحياة اليومية كما ينادي به الفيلسوف. لكن غياب العقلانية في خطاب طائفة الحداثيين جعلهم يتنكرون لثقافة المجتمع ولتاريخ الأمة دون قدرتهم على طريح البديل، اللهم نسخة مشوهة من المجتمعات الغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.