صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    الدفاع المدني ينعى قتلى بقطاع غزة    فيلدا يثني على أداء المنتخب ورباح تبرز الروح القتالية للبؤات الأطلس    أزيد من 311 ألف ناجح في البكالوريا برسم دورة 2025 بنسبة نجاح بلغت 83.3%    هذه توقعات أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    غرق شاب بشاطئ تمرسات بالبركانيين وعملية البحث عن جثته متواصلة    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    حادث خطير داخل "الفيريا" بمرتيل يُخلّف إصابات ويثير مخاوف الزوار    حزب الاستقلال يُراهن على استقطاب الشباب لإعادة تشكيل المشهد السياسي    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا    فيلدا: فخور بأداء "اللبؤات" أمام السنغال    طقس الأحد في المغرب بين الحار والرياح القوية        كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سيدات.. المنتخب المغربي يتأهل إلى دور الربع نهائي بعد فوزه على نظيره السنغالي (1-0)    الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة.. مقتل 100 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر السبت    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    بنسعيد: "البام" آلية لحل الإشكاليات .. والتحدي الحقيقي في التفكير المستقبلي    أثنار: جاك شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلة إلى المغرب سنة 2002    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    المفوضية الأوروبية تنتقد رسوم ترامب    نسبة النجاح في البكالوريا تتجاوز 83 %    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"        المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية الصحافة في الميزان
نشر في هسبريس يوم 09 - 06 - 2009

أصدرت أمنستي تقريرها السنوي وتطرقت في فقرة منه للصحافة مذكرة بالقبض على بعض الصحفيين ومتابعتهم بتهم جنائية بسبب مقالات اعتُبر أنها تنطوي على تهديد للأمن القومي أو زعزعة للحكم الملكي. ولا شك أن هذه مناسبة أخرى تدق ناقوس الخطر على وضع حرية الصحافة في بلادنا، وفرصة أخرى للوقوف على المفارقة بين الخطاب الرسمي والواقع العملي. ""
والواقع أن هذه التقارير لا تنقل إلا جزءا من الحقيقة، فالصحافة اليوم في بلادنا تعاني أكثر من أي وقت مضى لأسباب عديدة منها أنها لم تكن تجد في الماضي صعوبة لإقناع الرأي العام بالتضييق الذي يطالها والقمع الذي يلحق الصحفيين لأن وسائل التضييق كانت حينها بدائية ومكشوفة؛ ولأن المهام الملقاة على عاتقها اليوم صارت ثقيلة، فقد تحولت الصحافة، بدون إرادتها، إلى صف معارضة الفساد وفتح ملفات الماضي واقتحام بعض الخطوط الحمراء بسبب الفراغ الحاصل وانبطاح أغلب الفاعلين السياسيين؛ كما أنها أصبحت اليوم وحيدة في الميدان دون حماية من السياسيين الذين أصبحت لهم حسابات خاصة، إن لم نقل باتوا يضيقون ذرعا بعملها وجرأتها.
لقد كان المغرب سباقا لسن قانون منفتح ومتطور للصحافة منذ 15 نونبر 1958 ولكنه ظل متخلفا في الممارسة حيث لم يحل النص القانوني دون التضييق العملي، ثم ما لبثت السلطة أن ضاقت ذرعا بهذا القانون فأخضتعه لمجموعة تعديلات شكلت تراجعا حقيقيا. وهكذا لم يساهم القانون في ضمان حرية الصحافة وحماية الصحفيين، ليتأكد أن الترسانة القانونية ليست كفيلة وحدها بضمان حرية الصحافة في دولة لا تعطي السيادة إلا للتعليمات وتكيف القانون على هوى الحاكم، وليتأكد بأن اختزال حرية الصحافة في نص قانوني جيد مقاربةٌُ تبسيطية وتسطيحية لن تؤتي أكلها ما لم يرافق ذلك قضاء مستقل وسلطة محايدة تحترم القانون نصا وروحا.
لكن الملاحظ أن بعض المسؤولين لم تكفهم هذه النصوص المصوغة على مقاسهم فتفننوا في إبداع أساليب جديدة للتضييق على حرية الصحافة للالتواء على هذا النوع من التقارير، وهذه بعض الأمثلة:
-سلاح الدعم: فالدولة تقدم الدعم لصحف دون أخرى وتتخذ منه وسيلة للتحكم في خطها التحريري ومكافأة المقربين منها والانتقام ممن يرفض أن يكون بوقا دعائيا لها. ونظرة بسيطة على المبالغ المنشورة في المجال تزكي هذا الاقتناع.
-التحكم في سوق الإشهار: وهو لا يخضع لمعايير موضوعية ومنطق مقبول، مثل حجم الانتشار أو التوزيع أو التخصص، فهناك صحف تستفيد من مداخيل خيالية رغم محدودية انتشارها، مقابل صحف محرومة منه رغم سعة الانتشار. بل هناك ضغط على بعض رجال الأعمال حتى لا يتعاملوا مع جرائد بعينها. وليست هناك حاجة للتأكيد بأن مداخيل الإشهار صارت تشكل موردا مهما لاستمرار الجرائد الورقية في زمن الفضائيات والأنترنيت والجرائد المجانية.
-التدخل في القضاء: حيث يزج بالقضاء للتضييق على حرية الصحافة من خلال المبالغة في الغرامات التي صار هدفها إعدام الجريدة وليس رد الاعتبار. وهناك أكثر من سابقة في هذا الباب تؤكد أن الأمر مرتبط بخطة ومنهجية وليس مجرد مصادفة.
- الحق في الخبر: حيث تتعامل مؤسسات الدولة بانتقائية مع وسائل الإعلام على أساس الولاء، فتمكن صحفا مقربة منها من المعلومة وتمنحها سبقا أو انفرادا، وتمتنع بالمقابل عن تزويد باقي الصحف بالأخبار؛ بل إنها في أحيان كثيرة تمارس عليها أنواعا من الضغط والتعتيم والتضييق على كل من يتعامل معها من الموظفين وما شابه ذلك.
-الانتقائية: حتى الهامش الضيق الذي استطاع مناضلون انتزاعه بعد تضحيات جسام لا يستفيد منه الجميع على قدم المساواة، فهناك نفس الرأي أو الخبر يغض الطرف عنه في جريدة مقربة من السلطة وتحاسب عليه جريدة أخرى ترى فيها السلطة مصدر إزعاج.
-الدعاوي القضائية الفردية: فمنذ القرار المشؤوم الذي كان أصدره عبد الرحمن اليوسفي بإيقاف ثلاث جرائد دفعة واحدة وما رافق ذلك من حملة ضد المغرب بدأت السلطة تنهج خيارا آخر حيث تقف على الحياد، ما أمكنها، وتدعم في الخفاء أشخاصا لرفع دعاوي ضد جرائد مزعجة، ثم يكمل القضاء المهمة بإنزال أقصى العقوبة على الجريدة. وهذا ما يصعب المهمة على الهيئات الحقوقية وخاصة حين تدعي السلطة أن النزاع بين أشخاص وأن لا دخل لها فيه وأن الحكم صادر عن جهاز القضاء الذي يجب احترام استقلاليته!!!.
- المكافأة التلفزية: وهي الحلقة الأخرى لمسلسل التضييق، حيث هناك تحكم في الوجوه الصحفية المدعوة للبرامج الحوارية، وتضخم في الدعاية لمنابر بعينها، وخاصة في فقرة قراءة في الصحف، وتشويه أو اختزال لمضامين صحف أخرى أو تهميش لها. والأدهى والأمر هو التحكم في ضيوف البرامج التلفزية حيث ما زالت المكالمات الهاتفية سيدة الموقف في اختيار هذا الموضوع وتفضيل هذا الضيف على ذاك، ويتعامل مع الصحفي المنشط كأجير ليس له إلا السمع والطاعة. ولهذا فالتلفزة إلى اليوم محرمة على بعض الوجوه، ومنهم ساسة ومثقفون وفنانون وصحفيون. والمواطن للأسف، وهو ممول هذه التلفزة، ممنوع من مشاهدة ما يريد.
بل إن التحكم اتسع ليشمل قنوات أجنبية تهدد بالمنع من البث إن لم تتراجع عن الموضوع الفلاني أو تلغي دعوة فلان، أو تستبدل فقرة بأخرى. وكل هذا يجعل التحرير المتحدث عنه للقطاع السمعي البصري فارغا من أي مضمون.
- إغراء الصحفيين: وهذا أسلوب تلجأ إليه السلطة أحيانا حيث يتم إغراء صحفيي مؤسسات مزعجة مع وعدهم بامتيازات أكثر وأجور أعلى للتأثير على أداء هذه الصحف، وجعلها تتخبط دائما في بدايات التأسيس.
- تشتيت الجسم الصحفي: وذلك بتسليط الصحفيين بعضهم على بعض لتنفير القارئ وتسطيح الأداء المهني، بل قد تتدخل جهات خفية لإحداث جرائد ضرار لإسقاط أخرى قائمة. وتقف السلطة موقف المتفرج.
هذه بعض من تدابير التضييق على حرية الصحافة والتحايل على المنظمات الدولية نرى ضرورة التذكير بها موازاة مع تقرير أمنستي الأخير الذي رصد، رغم ذلك، بعضا منها.
وبالطبع فمن لم تنفع معه هذه الوسائل الحديثة فالقديم منها موعده. ونعني بها الحجز والإيقاف والسجن وتهديد المطابع وشركات التوزيع وغير ذلك من الوسائل الممجوجة. لذلك لا نستغرب تشبث واضعي المشروع الجديد لقانون الصحافة بالعقوبات السالبة للحرية وللحجز الإداري للصحف لأنه سلاح يحتاجونه بين الفينة والأخرى.
ولكن المطمئن هو خط الاستمرارية الذي يطبع مسار العديد من الصحف والصحفيين الأوفياء لمبادئهم والمخلصين لمبادئ مهنتهم، وكذا تجاوب القراء مع هذه الصحف. هذا ما يبشر بخير.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.