في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    الكاتب الأول إدريس لشكر في تظاهرة فاتح ماي بالدارالبيضاء : البلاد «سخفانة» سياسيا ولا بد لها من ملتمس رقابة لإنعاشها    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    ملعب "الحسن الثاني".. تفاصيل إطلاق "الأشغال الكبرى" ب3 مليارات درهم    اجتماع كبار ممثلي الأمن في دول "بريكس" بالبرازيل    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    علم إسرائيل يغضب نقابة بالمحمدية    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    حضور قوي للقضية الفلسطينية في احتجاجات فاتح ماي والنقابات تجدد التنديد بالإبادة والمطالبة بإسقاط التطبيع    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر تشن حربا اقتصادية متعمدة على المغرب
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2009

الحدود المغربية الجزائرية بين الإغلاق الرسمي والنشاط التجاري
حرب اقتصادية وسياسة متعمدة لإغراق السوق المغربية وتخريب اقتصاده
في الطريق من أي مدينة مغربية إلى الحدود المغربية الجزائرية بالجهة الشرقية من المملكة ، نلحظ جيوشا من الأطفال والشباب على طول الطريق ، وهم يشيرون بأصابع الابهام إلى الأرض في إشارة يفهمها مرتادو الطريق العام وتعني وجود وقود جزائري للبيع ، الشيء الذي يغري السائقين ليتوقفوا من أجل اقتناء الوقود الجزائري من البائع الذي يوحي مظهره الخارجي بأكثر من دلالة.
وعندما يطلب الزبون الوقود الجزائري بعد الاتفاق عن الثمن،يهرع المهرب في اتجاه أشجار ليأتي بعبوة بلاستيكية بسعة 30 لتر من البنزين الجزائري المهرب الذي يباع بأثمنة جد رخيصة بالمقارنة مع نظيره المغربي، ويواصل بعد ذلك السائق طريقه بينما تستمر رحلة الزمن عند أولئك الذين يزاولون نشاط بيع الوقود المهرب إلى ساعات طويلة دون كلل، فالواجبات الأسرية يقول أحدهم تحتم عليك البقاء مددا أطول في سبيل إطعام أفواه الكبار والصغار بما تيسر من قوت... فأمام تردي أوضاع الساكنة وتدني فرص العمل يتحتم على الكثير منهم الإقبال على هذا النشاط المفتوح على العديد من المخاطر ، وبالمقابل تخلوا محطات البنزين القانونية من الزبائن بينما تملأ رائحة وقود الديزل الجزائري الأرجاء ببلدة "بني ادرار" التي تبعد بكيلومترات قليلة عن مدينة مغنية الجزائرية، فسعر الثلاثين لتر من وقود الديزل الجزائري يقل بمائة درهم عن نظيره المغربي وكلما وجد هذا الفرق الا وشجع المستهلك على الشراء مما يزيد من نهم المهربين الى تكثيف رحلاتهم وتوريد وتزويد زبائنهم على مستوى الجهة الشرقية برمتها. ""
وفي الطريق من مدينة السعيدية نحو وجدة لا بد من مشاهدة العلم الجزائري يرفرف وبجانبه بعض شعارات الدولة الجزائرية على بعد عشرة أمتار من الطريق التي نسير فيها، ويظهر الطريق المؤدي إلى مدينة "مغنية" الجزائرية من النقطة الحدودية "جوج بغال" في منعرج يقابل الطريق الرابطة بين السعيدية ووجدة، وبين المحورين الطرقيين واد صغير إلى درجة يتخيل فيها الزائر لهذه المنطقة أنه لا وجود للحدود، لكن الواقع يعكس الحقيقة، وبعد تجاوز بلدة "بني ادرار" في اتجاه "جوج بغال" عبر طريق برية طويلة تذكرنا بتاريخ مشترك لا شك أنه أصبح متجاوزا بعض الشيء لاعتبارات متعددة وعلى رأسها السياسية التي فرقت بلدين جمعها التاريخ والجغرافية وبين هذا وذاك لا شك أن كثيرا من العوامل لا تزال ترخي بضلالها وتؤثر في علاقة البلدين...
وبعيدا عن السياسة وقريبا من الأرض، بل وعليها تتحرك يوميا قوافل داخل شرايين الحياة الاقتصادية والاجتماعية فتنشط تبعا لذلك تجارة محظورة قانونيا تجلب لأصحابها أرباحا تختلف حسب نوع وكمية السلع المهربة، وقرب النقطة الحدودية "جو بغال" لا بد من تسريح البصر الى المساحات المترامية الأطراف الواسعة والتي أصبحت فرصة البعض لاستثمارها في مشاريع معينة عبر بناء فضاءات مخصصة للحفلات والأعراس وغيرها،... طريق برية طويلة لا يمكن لنا اتمامها، حيث أننا مجبرين على الوقوف في نقطة معينة تسمى "جوج بغال" لا يمكن أن نتجاوزها الا بعد الحصول على إذن مسبق يمر عبر اجراءات مسطرية معقدة تخص تأشيرة دخول التراب الزائري، فنحن أمام الحدود.
أغلقت الحدود المشتركة بين البلدين إثر أحداث فندق ايسني بمراكش بعد أحداث إطلاق رصاص بالمكان نفسه، مما فرض على البلدين اللجوء الى تطبيق قيود على منح التأشيرة فتناسلت بعد ذلك تبعات القرار على مواطني البلدين الذي تشترك فيه العديد من الأسر التي لها صلات قرابة.
هذا الوضع جر الكثير من المعانات النفسية لهؤلاء ويتعين أحيانا على الراغبين في زيارة ذويهم في التراب الجزائري أن يدفعوا للمهربين لنقلهم خلسة عبر البر ....
الحدود مغلقة رسميا بين البلدين وبقرارات عليا لكن على أرض الواقع توجد مختلف أنواع وأصناف السلع الجزائرية التي تأخذ طريقها إلى المستهلك المغربي بحكم سعرها الرخيص... غير أن العديد من هذه السلع تبقى غير صالحة للاستهلاك بحكم انتهاء مدة صلاحيتها أو بعوامل أخرى....
الأدوية والسجائر المهربة تدق ناقوس الخطر
تعتبر الأدوية المهربة أكثر المواد خطورة على صحة الإنسان نظرا لكونها قد انتهت صلاحيتها أو مزورة، هكذا يجد مواطنوا الجهة الشرقية في الأسواق أغلب أنواع الأدوية المهربة من الجزائر وبعضها من فرنسا واسبانيا عبر مدينة مليلية، وهكذا تزخر الأسواق بلائحة غنية من مئات الأسماء لمختلف الأدوية المهربة ،حسب الكتاب الذي أصدرته غرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة عن ظاهرة التهريب وانعكاساتها على اقتصاديات الجهة الشرقية،حيث جاء في الكتاب : " أن الجهة تزخر ب85 إسما من الأدوية المهربة من الجزائر و41 من فرنسا ...الخ" المهم ان المستهلك عند اقتنائه لتلك الأدوية المهربة يحقق تخفيضا تقدر قيمته ما بين 20 في المائة و80 في المائة، ولعل المواطن المعدم قد يعذر إذا ما فضل مادة مهربة عن منتوج وطني فوق طاقته، خصوصا إذا تعلق الأمر بصحته، وهكذا إذا كان الثمن العمومي بالمغرب لدواء "بلافيكس" محدد في 438 درهم فنفس الدواء المهرب لا يتجاوز 300 درهم، أي بتخفيض تقدر نسبته ب %46 ، كما يباع "بروزاك" الجزائري ب 100درهم مقابل 213 درهم الثمن الرسمي المغربي و "فانطولين" المهرب يباع ب 20 درهم مقابل 65،30 درهم بصيدليات المغرب.
هذه فقط نماذج مصغرة للسلع المهربة والواقع أكبر بكثير، ونشير إلى أن العديد من الأدوية التي تباع خارج الصيدليات سواءا أكانت مهربة أو وطنية غير قانونية وغير مراقبة، يمكن أن تكون مدة صلاحيتها منتهية، بل هناك من الأدوية ما يتم تغيير مدة صلاحيتها كما أنها لا تخضع لشروط الحفظ والتبريد وتتعرض لأشعة الشمس والغبار والرياح وغير ذلك ، الأمر الذي يجعلها تفقد فعاليتها، إن لم نقل بأنها تتحول في كثير من الأحيان إلى سموم قد تصيب مستهلكيها بأمراض خطيرة، ورغم كل هذا يجد كل من البائع والمشتري مأربه.
وفي هذا السياق كتبت إحدى اليوميات الجزائرية حول ظاهرة التهريب وقالت بأن أطنان كثيرة من الأدوية تدخل إلى التراب المغربي عبر الحدود بطريقة غير شرعية وأشارت اليومية الجزائرية إلى أن جزءا من هذه الأطنان سيعرف طريقه إلى أفواه وأجساد المغاربة المنخورة بالأمراض والفقر ....كما تعرف كميات هائلة من مواد الجراحة المهربة من الجزائر طريقها إلى المدن الداخلية بطريقة أو بأخرى، وكانت النقابة الجهوية للصيادلة فرع وجدة قد وجهت في بداية السنة الماضية 2007 رسالة إلى السلطات المعنية في موضوع استفحال تجارة الأدوية المهربة من الجزائر أكدت فيها على أن هذه الظاهرة تتسم بالخطورة بسبب احتوائها على الأقراص الطبية المخدرة التي تتسبب في ارتفاع نسبة الجنوح والجريمة، وحملت الرسالة المسؤولية للجميع. "بتشجيع من البعض ومشاركتهم في هذه العمليات وسكوت البعض الأخر يجعلنا كلنا مسؤولين...إن هذا الوضع يمس بشكل مهول اقتصاد الجهة ويضع مهنة الصيدلة في خطر ...."- مقتطف من الرسالة-.
ومن جهة أخرى نجد ان السجائر المهربة لا تنقص خطورة عن الأدوية ، فالخطر في هذه السجائر المهربة يمكن في تلك المنتهية صلاحيتها حيث كانت محجوزة في البلدان الأصل وموجهة للاتلاف فتم تهريبها ، أو تلك الممنوحة لبعض البلدان الافريقية وطال تخزينها في ظروف غير تلك المتعارف عليها أو تم نقلها بعد تصنيعها بصفة غير قانونية في وحدات متمركزة ببعض البلدان الإفريقية عبر المسافات الطويلة الفاصلة تحت حر الصحراء بين مكان تواجدها والأسواق التي من المفروض ان تباع فيها، بحيث يجف التبغ ويفقد رطوبته ونكهته وتتفاعل مكوناته لتتحول إلى مادة سامة، ويرى ذلك بالعين المجردة حيث تبرز نقط وبقع صفراء تميل إلى السواد بالورق الأبيض الملفوف فيه، ثم عند تدخينه يحسن المدخن بجفافه وبحرقة من أول جرعة تصل إلى الحلقوم وتثير لديه حساسية يصاب على إثراها بسعال وصعوبة في التنفس وباختناق في بعض الأحيان، خصوصا عند الذين غير معتادين على استهلاك هذا النوع من السجائر، وتباع أغلب السجائر المهربة والمنتهية صلاحيتها غالبا بدرهمين أو ثلاثة دراهم اقل من الثمن المتداول،وفي هذا الصدد يقول احد المختصين في أمراض الجهاز التنفسي وداء السل وأمراض الحساسية والضيقة : "إن القطران المتواجد بالسجائر سام وخطير على الجهاز التنفسي وتتضاعف خطورته بانتهاء مدة صلاحيته، و ترتفع نسبة الإصابة بالسرطان مما قد يسرع وتيرة تطوره في الحلق والقصبة الهوائية والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي".
السلع الموسمية
إلى جانب الأدوية والمواد الغذائية تباع بمدينة وضواحيها مختلف أنواع السلع الجزائرية سواءا بشكل موسمي أو بشكل دائم، وهكذا تشهد فترة الدخول المدرسي رواج السلع الجزائرية المرتبطة بهذه الفترة كالملابس وأدوات التمدرس (محفظات، أقلام، دفاتر، علب الصباغة، وحتى بعض الكتب الخاصة للتعليم الأولي) وتعرض بثمن بخس، وفي شهر رمضان تعرف المدينة إنزال شحنات كبيرة من التمور تعرض بأثمنة تتراوح بين 20 و 27 درهم للكيلوغرام حسب الجودة، وكذلك الحليب ومشتقاته...
أما في فترة العيد فتنتشر الألبسة المهربة بكثرة فملابس الرضع تباع ابتداء من 40 درهم لجزئين وابتداء من 50 درهم لأربعة أجزاء.
وتباع الملابس بكثرة في هذه الفترة (فترة العيد) فمثلا قميص رجالي يتراوح بين 50 و 60 درهم والأحذية يتراوح سعرها حسب السن والصنف من 35 إلى 120 درهم.
وخلال العامين الأخيرين تغير اتجاه التهريب. فقد تراجع دور مدينة مليلية في تزويد الأسواق المغربية بالسلع المهربة لفائدة الجزائر، وتراجع دور مدينة الناظور كمركز استقبال وإعادة توزيع هذه السلع داخل المغرب لفائدة مدينة وجدة وضواحيها. ومع هذا التحول تم إغلاق العديد من المحلات التجارية في الناظور ومليلية، ونقل العديد من التجار نشاطهم من مدينة الناظور إلى مدينة وجدة حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل صاروخي في أسواقها التي اكتسحتها السلع المهربة من الجزائر، مثل سوق الفلاح، وسوق مليلية، وقيسارية "أنجاد" ، وسوق الطلحاوي، وسوق طنجة، والأحياء المحيطة بهذه الأسواق التي بدأت تظهر فيها المراكز التجارية العصرية ومتعددة الطوابق، مثل الفطر. وأصبحت الطريق الرئيسية رقم 6 الرابطة بين الدار البيضاء ووجدة عبر مدينة فاس الشريان الرئيسي لهذه التجارة المزدهرة.
وقدرت دراسة ميدانية أنجزتها غرفة التجارة والصناعة لمدينة وجدة عدد السلع المهربة المتداولة في أسواق وجدة بنحو 422 بضاعة مختلفة، مصنعة في أوروبا وآسيا وبعضها مصنع في الجزائر. وكشفت الدراسة أن 100% من قطع غيار السيارات المروجة بهذه الأسواق مقبلة من الجزائر، وكذلك 91.4% من الأجهزة المنزلية و73.4% من الأدوية و72.7% من المنتجات الكهربائية، و71% من المواد الغذائية المصنعة و68.4% من مواد التجميل و40% من الملبوسات والأنسجة. والحصة الباقية مصدرها بالطبع مدينة مليلية التي ما زالت تحفتظ بحصة كبيرة من السوق بالنسبة للعقاقير الفولاذية (84.6%) والتجهيزات الصحية كالحنفيات والحمامات المنزلية (75%) رغم المنافسة الصاعدة للجزائر.
بني دولار
في مدن وجدة وتاوريرت وبني ادرار وبركان أصبح نشاط السوق السوداء يمارس علانية وبشكل سافر وجريء وأخذ يكتسح كل جوانب الحياة الاقتصادية معرضا مكونات الاقتصاد المصنف لمنافسة كبيرة وغير متكافئة.
ويمكن للمتجول في شارع محمد الخامس بمدينة وجدة أن يلاحظ ازدحام سماسرة العملة الصعبة في السوق السوداء أمام أبواب الوكالات المصرفية، وكيف يعترضون سبيل الزبائن على عتبة الوكالات ليعرضوا عليهم خدمات الصرف بشروط أفضل من تلك التي تتعامل بها الوكالات المصرفية المرخصة. كما تمكن ملاحظة هؤلاء السماسرة وهم يتهافتون في مفترقات الشوارع وعند إشارات المرور على السيارات المرقمة بالخارج لعرض شراء العملات الصعبة التي يدخلها أبناء المنطقة العاملون بأوروبا، والذين لم يعد وجودهم بالمنطقة يقتصر على فصل الصيف نتيجة النظام الجديد للعطل في الدول الأوروبية والذي يعطي حق الاستمتاع بالعطلة السنوية في الصيف للعائلات ويفرض على العزاب الاستمتاع بعطلهم في باقي الفصول.
أما في مدينة بني درار الصغيرة الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة وجدة، فإن الأهالي أصبحوا يطلقون عليها اسم مدينة "بني دولار" بسبب موقعها البارز في تجارة البترول المهرب من الجزائر وفي تجارة العملة وتخصصها في صرف الدينار الجزائري مقابل الدرهم المغربي، خاصة وأن العملة الجزائرية غير قابلة للتحويل في المصارف المغربية.
ويعكس هذا النشاط المالي واقع استفحال التهريب من الجزائر إلى المغرب عبر الحدود، والذي أصبح يضم كل أنواع السلع، حتى تلك التي كانت في السابق تصدر من المغرب إلى الجزائر، مما دفع بعض الأوساط الاقتصادية والسياسية بالمغرب للحديث عن حرب اقتصادية وعن سياسة متعمدة لإغراق السوق المغربية وتخريب اقتصاده، فيما يرى آخرون أن السبب الرئيسي لتنامي الظاهرة هو كونها مصدرا للعملة الصعبة بالنسبة للجهات الجزائرية التي تقف وراءها.
فمن قبل كان التهريب من الجزائر يقتصر على بعض المنتجات المدعومة من طرف الدولة الجزائرية، وعلى رأسها الوقود. وكان الأداء يتم في الغالب عن طريق المقايضة بمنتجات مغربية أو سلع مهربة من مدينة مليلية المحتلة، مثل الخضر والفواكه المجففة والتوابل والملبوسات والسجائر والمشروبات الغازية والكحولية، كما تشير تقارير الجمارك والدرك حول العمليات التي يتم ضبطها في الحدود. أما الآن ومنذ سنتين تقريبا فقد أصبح الأداء بالعملات الصعبة وأصبح التهريب من الجزائر يشمل عددا كبيرا ومتنوعا من المواد المستوردة من عدة دول والتي يعاد تصديرها إلى المغرب.
ففي مدخل سوق الفلاح بمدينة وجدة يمكن شراء، بالقطعة أو بالجملة، نحو 72 صنفا من الأدوية ضمنها مواد خطرة ومحظورة، وبأسعار تقل بنحو 40% إلى 80% عن أسعارها في الصيدليات المصنفة. ويقف عشرات من السماسرة، رجالا ونساء، وسط الممر الضيق لمدخل السوق أو يجلسون على السور، يعترضون سبيل زوار السوق ويسألونهم إن كانوا يبحثون عن أدوية، وعندما يتفاهم السمسار مع الزبون حول نوعية الدواء والكمية والسعر يطلب منه الانتظار ويختفي للحظات في زحمة السوق ليعود ومعه التلبية.
ومن غريب مفارقات هذه السوق إمكانية شراء أكياس من الدقيق الجزائري لا يتجاوز الفرق بين تاريخ عرضها في أسواق وجدة وبني درار وتاريخ تعبئتها في الجزائر، يومين أو ثلاثة، مما يؤشر على أنها جاءت مباشرة من المصنع الجزائري إلى السوق المغربية.
وفي الآونة الأخيرة أعاد الإجراء المغربي أحادي الجانب بإلغاء تأشيرة الدخول للجزائريين، الأمل في إمكانية إحراز تقدم في مسار الاتحاد المغاربي لما فيه مصلحة شعوب المنطقة التواقة لتحقيق النماء والتكامل والازدهار المشترك. ويبقى تجسيد هذا الأمل رهينا بمدى التقدم في مسار الحل السياسي لقضية الصحراء التي تشكل حجرة عثرة في العلاقات السياسية الجزائرية المغربية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.