أثارت قضية طالب اللجوء علي هلماس، البالغ من العمر 42 عاما، اهتماما كبيرا داخل الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية في النرويج، التي يعيش فيها منذ مدة طويلة بدون إقامة قانونية، نتيجة رفض السلطات منحه اللجوء بسبب تقديمه معلومات غير دقيقة بشأن بلده الأصلي قبل 26 عاما، حين نصحه بعض طالبي اللجوء الآخرين آنذاك بتحديد العراق بدل المغرب، بهدف زيادة فرصه في الحصول على الإقامة، قبل أن يعترف لاحقا بالكذب على السلطات النرويجية. وتعود تفاصيل القضية إلى وصول المعني بالأمر إلى الأراضي النرويجية في أواخر التسعينيات حين كان عمره 16 سنة، وكذب على سلطات الهجرة واللجوء في هذا البلد الإسكندنافي بشأن بلده الأصلي لتسريع إجراءات حصوله على اللجوء، قبل أن يتراجع عن تصريحاته لاحقا ويقر بأنه جاء من المغرب، حيث كان يعيش "مشردا في الشوارع" بحثا عن حياة أفضل؛ وهو ما اعتبرته السلطات مبررا لعدم منحه الإقامة واللجوء. ورغم رفض طلبه، لم يُرحل المعني بالأمر، الذي حصل على دبلوم في "السباكة" في النرويج، إلى المملكة المغربية التي لم تعترف به كمواطن وترفض استقباله بسبب عدم وجود اسمه في قاعدة بيانات المواطنين، حسب وسائل إعلام نرويجية. كما لم يسمح له بالعمل في النرويج رغم حصوله على عروض عمل متعددة، بموجب القواعد الجديدة التي تم تطبيقها في هذا البلد قبل سنوات عديدة، والتي تحظر تشغيل المقيمين بشكل غير قانوني في النرويج. وحسب وسائل الإعلام ذاتها، رفضت سلطات الهجرة واللجوء في البلاد مؤخرا طلبا جديدا تقدم به الرجل، الذي يعيش حاليا في مدينة "هادسل" بمنطقة "فيستيرولين"، كما قدم طلبا آخر للجوء لأسباب إنسانية بعد تشخيص إصابته بورم دماغي؛ وهو ما دفع عددا من الفعاليات الحقوقية والمدنية النرويجية إلى إطلاق حملة لجمع التبرعات لتمويل دعوى قضائية للطعن في رفض السلطات لطلب اللجوء الخاص به. وانتقدت فعاليات سياسية في البلاد، من ضمنها مجلس "فيستيرولن"، وهو مجلس سياسي مشترك بين بلديات نرويجية عديدة، تعامل السلطات مع قضية علي هلماس، معتبرة أن هذا التعامل يعكس إخفاقات في النظام الإداري لسياسة اللجوء، مؤكدة أن المعني بالأمر أصبح مندمجا في المجتمع المحلي ويستحق تدخل الحكومة من أجل الحسم النهائي في قضيته؛ فيما طالبت المؤسسة الوطنية النرويجية لحقوق الإنسان (NIM) بإقرار حقوق أوضح لفائدة الأشخاص المصنفين كعديمي الجنسية. وفي مقال له حول الموضوع نشرته صحفية "فول" المحلية، قال السياسي النرويجي اليساري تارجاي سفالبجورغ: "علي هلماس هرب إلى النرويج وهو طفل، ومنذ عام 1999 وهو يعيش في فيستيرولين، حيث تعلم اللغة وحصل على التعليم وأصبح جزءا من المجتمع. ومع ذلك، لم يحصل أبدا على إقامة أو تصريح عمل؛ لأنه كطفل كذب بشأن البلد الذي جاء منه، فهو بلا أوراق ولا يمكن ترحيله"، لافتا إلى أن "الرجل أصيب في سنة 2021 بورم في المخ وقدم طلب إقامة مرة أخرى؛ لكن مرت سنوات وما زالت قضيته لم تُعالج". وأضاف السياسي النرويجي ذاته: "معاملة البشر بهذه الطريقة مرفوضة أخلاقيا.. ونحن في حزب اليسار نضع الفرد فوق النظام؛ فالمجتمعات الصغيرة لا تستطيع تحمل فقدان أشخاص مثل علي. وللأسف، هذه ليست حالات فردية أو أخطاء إدارية، إنها سياسة مقصودة وقاسية بلا قلب من حكومة حزب العمال. فليفهم ذلك من يستطيع". من جهتها، اعتبرت توين سي. سانيس، سياسية عن الحزب الأخضر النرويجي، في تدوينة لها: "من الجيد أن نتوحد في الدفاع عن إنسان آخر عالق بشكل غير عادل ووحشي في نظام اللجوء النرويجي غير الإنساني، لكن للأسف، هناك الكثيرون مثل علي في هذا البلد، إذ ليس من السهل تحديد عدد من يعانون من المصير نفسه؛ لكن تشير تقديرات وحدة الهجرة التابعة للشرطة في مارس 2022 إلى أن العدد يبلغ حوالي 1650 شخصا". وتابعت: "قبل عامين، اقترحت ستة أحزاب في البرلمان، منها الحزب الأخضر، حلا لمرة واحدة لمنح هذه المجموعة فرصة البقاء في النرويج على أي حال. ولم يحظَ المقترح إلا بأصوات الأحزاب الستة التي قدمت المقترح"، مشددة على أن "مصائر الأفراد تؤثر علينا جميعا، أكثر من مجرد أرقام في إحصائية. ونأمل أن يخلق الانخراط الجيد لرؤساء بلديات منطقة فيستيرولن في هذه القضية نقاشا مهما حول كيفية تعاملنا مع مصائر من يُشبه مصير علي هلماس، وأن يتمكنوا من الاستفادة من ذلك لدفع أحزابهم نحو مسار إيجابي".