يتجدّد موعد شوارع سلا العتيقة مع احتفال خاص بذكرى المولد النبوي، بموكب للشموع يمزج بين الاحتفاء بالعائلة الملكية و"بركة محمد"، الكلمتين اللتين حضرتا عبر القرون في مبانٍ تاريخية، ونقوش تبرّكية، وتستمر في أوساطٍ صوفية وجماهيرية ممثلة لاستمرار "التبرك بخاتم الأنبياء". خالد بلكبير، صانع شموع ومحام، قال لهسبريس إن "مدينة سلا تتفرد بالاحتفال بمولد خير الأنام بطريقة مختلفة عن بقية المدن المغربية، عبر موكب الشعوب، وهو تظاهرة تقام في المولد النبوي باثنتي عشرة شمعة". ووضح المنتمي إلى العائلة المشرفة على صناعة شموع الاحتفال أنها "شموع مصنوعة من الخشب، ومزركشة بالشمع، بمختلف الألوان، برعاية ملكية سامية، وهي ضاربة في تاريخ يصل إلى خمسمائة سنة"، مردفا: "عائلتي تقوم بالزركشة كل سنة، بأشكال هندسية مستوحاة من التراث الإنساني، وفيها شمعة ترمز لملك البلاد، والشمعة التي تتميز فيها 'بركة محمد' وتحتفي ببركة خير الأنام. وشموعنا تودع بضريح عبد الله بن حسون، وقبلها كانت تودع بدارنا الكبيرة، وقبل شهرين تعاد زركشتها من جديد، وهو عمل نقوم به، ونوصي أبناءنا وأحفادنا به". محمد الحيمر، مشارك في موكب الشموع، يمثل استمرارا عبر الأجيال يصون هذا الاحتفال، وهو ما قال عنه لهسبريس إن "هذا الموكب تتميز به مدينة سلا منذ القدم"، وزاد: "حمل الشموع عمل عُرف به المشتغلون في نقل الناس عبر القوارب بين العدوتين سلا والرباط، وأبي كان من هؤلاء، وأمينا لهم، وأسّس جمعيتهم". وواصل الحيمر: "المشتغلون في مهنة النقل البحري، نظرا لبسطة جسمهم وقدرتهم على الاشتغال في الشمس والبرد، كانوا في الغالب يتكفلون بحمل هذه الشموع الكبيرة. وجدي كان من حملة الشموع، وأبي كذلك، ولو أني لا أشتغل بالنقل عبر القوارب فإني أشتغل في التنقل بين العدوتين عبر 'الطرام'، وبدأت حمل الشموع الصغيرة، وتوفي والدي هذه السنة بعدما كنت أحمل معه الشمعة الكبيرة لسنوات، وأستمر في الموكب بعد وفاته، ولله ما أعطى وله ما أخذ". وحول تاريخ هذا الاحتفال يقول عبد المجيد الحسوني، نقيب "الشرفاء الحسونيين"، إن "العادة جرت كل ليلة مولد نبوي شريف باحتفال سلا بموكب الشموع، منذ ما يقرب خمسة قرون، منذ الدولة السعدية إلى اليوم، مع وجود فترات لم يتم فيها الاحتفال، مثل محطة الجهاد البحري عند انحطاط الدولة السعدية؛ لكن مع بدء الدولة العلوية الشريفة بدأ الاحتفال بموكب في عيد المولد النبوي الشريف، خاصة في عهد السلطان مولاي رشيد". ووضح الحسوني أن الاحتفال "استمر وصولا إلى سنة 1953 عند نفي جلالة المغفور له محمد الخامس، فقرر الوطنيون عدم الاحتفال بأي عيد"، مردفا: "عند سلطنة ابن عرفة أرادت سلطات الحماية الاحتفال بالموكب، واستدعت الشرفاء الحسونيين، فاشترطوا للاحتفال رد الملك محمد الخامس إلى عرشه، فقوبلوا باستهزاء مراقب الحماية"، وتابع: "رغم ذلك استدعت الحماية بعض الأعيان وأمِر بعض صناع الشموع بصناعة شموع الاحتفال، وجرت جميع الترتيبات؛ لكن اجتمع بعض الشرفاء الحسونيين مع مقاومين فأحرقوا الشموع يوما قبل الموكب، ولم يتم حتى جاء جلالة المغفور له منتصرا من منفاه".