يستعد المخرج "يوسف المُدَّخِرْ" لتقديم العرض ما قبل الأول للفيلم السينمائي الكوميدي المغربي «زّازْ»، يوم الاثنين 3 نونبر 2025 بسينما ميغاراما بالدار البيضاء، بحضور ممثلي وسائل الإعلام والفنانين والمهتمين بالشأن السينمائي. فيما ستنطلق العروض الرسمية للفيلم ابتداء من 5 نونبر 2025 في مختلف القاعات السينمائية بالمملكة المغربية. تدور أحداث الفيلم حول شخصية "زَّازْ"، الرجل البسيط الذي يجد نفسه فجأة في قلب أحداث غير متوقعة، بعد انتشار مقطع فيديو قصير على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه "زّازْ" وهو يوجّه انتقادا ساخرا لبرلماني، وسرعان ما يتحول الفيديو إلى نقطة فاصلة في حياته، إذ يصبح مشهورا بين ليلة وضحاها ويلتحق بعالم الدعاية والمؤثرين. إلا أن هذه الشهرة السريعة تجلب معها صراعات مع أقرب الناس إليه، قبل أن يجد نفسه متورطا في قضية خطيرة مع عصابة إجرامية. حسب قصة الفيلم، تتغير شخصية زاز تدريجيا بفعل الشهرة، حيث يصبح أكثر جرأة ويسعى لجذب اهتمام المتابعين، ثم يغوص في عالم الإعلانات ويحاول منافسة المؤثرين في مجال لا يفقه فيه شيئا، لتتحول تفاعلاته اليومية إلى صراعات ومفارقات مرتبطة بعالم الشهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الفيلم يتجاوز الكوميديا التقليدية القائمة على "الضحك لأجل الإضحاك"، ليصبح نصا وصورة وفرجة يمكن قراءتها من منظور فلسفي وسوسيولوجي. المفكر الفرنسي "جي دوبور" في كتابه «مجتمع الفرجة : الإنسان المعاصر في مجتمع الاستعراض» (1967)، وضح أن الإنسان المعاصر لم يعد يعيش الواقع مباشرة، بل يستهلكه عبر الصور والشاشات والإعلانات. شخصية "زاز" مثال حي على هذا الطرح، فهو لم يسعَ للشهرة، لكن صورته الرقمية أصبحت أكثر تأثيرا من ماضيه وأفعاله وسلوكاته في الحاضر، ما يعكس كيفية تحوّل القيمة الاجتماعية إلى الظهور الرقمي، والوجود إلى صورة مشاعة تفوق الحقيقة. من جانبه، يقدم عالم الاجتماع "جان بودريار" في كتابه (Simulacres et Simulation)، ويترجم أحيانا عنوان هذا الكتاب بعبارة «الصورة الزائفة والمحاكاة» أو «النسخ الزائفة والمحاكاة»، لكنها أقل دقة فلسفيا، ذلك أن الترجمة الرسمية والمعتمدة أكاديميا هي «المحاكيات والمحاكاة»، لأنها تعكس المفهوم الذي يطرحه "بودريار" عن التمثيل الزائف للواقع والواقع الفائق (Hyperréalité)، حيث تصبح النسخ أو الصور أكثر تأثيرا من الواقع نفسه. الكتاب المذكور هو مصنف فلسفي مهم للكاتب "بودريار"، يتناول العلاقة بين الواقع والرموز والثقافة و وسائل الإعلام، ويشرح أننا نعيش في عالم تتزايد فيه المحاكاة (نسخ الأشياء التي ليس لها أصل أو لم يعد لها أصل)، لدرجة أن الواقع يصبح مبالغا فيه وغير قابل للتمييز عن النسخ، مما يؤدي إلى ما يسمى "الواقع المفرط". يستعرض "بودريار" تطور المحاكاة من التزييف في عصر النهضة إلى "المُنتجْ" في العصر الصناعي وصولا إلى "النموذج"، يرى "بودريار" أن المحاكاة تتطور من التزييف في عصر النهضة (نسخ الواقع) إلى المُنتج في العصر الصناعي (نسخة تصبح سلعة)، ثم إلى النموذج "le modèle"، بمعنى (نسخة تفوق الواقع في التأثير)، مُبرزا أن وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة تخلق وهم الواقع عبر تقديم نسخ مزيفة أو محسّنة لكنها بعيدة عن الحقيقة، كما يحدث في الإعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي، إذ تصبح هذه النسخ أكثر تأثيرا من الواقع نفسه. ولا يمكن الاستدلال أو الاستئناس بطرح ومضامين كتاب "بودريار" عن المحاكاة دون شرح المفهوم، إذ أن المحاكاة، باليونانية Mimesis، تعني التقليد أو التشبُّه أو "إعادة التمثيل"، وتشير في الفكر الفني والفلسفي إلى محاولة الإنسان تمثيل الواقع أو الطبيعة أو الأفعال البشرية عبر وسائل متعددة مثل الرسم، الشعر، المسرح، وغيرها. ولا يمكن أن نتطرق للمحكاة كمفهوم، دون استحضار فكر أرسطو وأفلاطون، إذ أن المحاكاة عند أرسطو، هي فعل إبداعي يقوم على إعادة صياغة الواقع لا نسخه، أي أن الفنان لا يكرر ما يراه أو يشعر به، بل يعيد خلقه وفق رؤيته الجمالية والفكرية. وعند أفلاطون، المحاكاة هي نسخة عن نسخة من الحقيقة، لأنها تقلد العالم الحسي الذي هو ظل لعالم المُثُل _ بضم الميم والثاء المعجمة _. و"المُثُل" هو مفهوم يشير إلى عالم غير مادي وفوقي يحتوي على النماذج المثالية للأشياء والقيم، ومن بينها : الخير والعدالة والجمال، وهي عند أفلاطون ثابتة وأبدية، بعكس العالم الحسي الزائل. وعودة لموضوع المقال الأصلي .. فإن المحاكاة في الفيلم السينمائي «زّازْ»، ليست مجرد تقليد سطحي للواقع، بل وسيلة لفهم الجوهر الإنساني وتحليل العلاقات الاجتماعية والنفسية، التي تفرضها الشهرة الرقمية والانغماس في استهلاك الصورة، عبر الإبحار في أمواج العالم الافتراضي. يغوص السرد البصري للفيلم أيضا في أبعاد وتطور شخصية حليمة، زوجة "زّازْ"، إذ تجسد الضغوط الاجتماعية الناتجة عن الشهرة المفاجئة، وتأثيرها على الأسرة والعلاقات الزوجية، وتكشف صعوبة التوازن بين الحياة الواقعية والصورة الرقمية المعروضة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع إبراز التحديات التي تواجه الأفراد العاديين أمام سلطة الصورة الرقمية. الكوميديا في «زّازْ» تتجاوز التسلية لتصبح أداة تحليلية تكشف المفارقات الاجتماعية والفلسفية، وتوضح كيف يصبح الفرد موضوع استهلاك إعلامي وجماهيري رغم عدم سعيه لذلك، مع إبراز التناقض بين الصورة الرقمية المفروضة والهوية الحقيقية. يقدم فيلم «زّازْ» قراءة نقدية لمجتمع الاستعراض و«الفرط الواقعية» أو «الواقع الفائق»، حيث تتحول الكوميديا إلى أداة لتحليل ثنائيات : الهوية والصورة، الفرد والمجتمع، الحقيقة والتمثيل الرقمي. ويجمع هذا العمل السينمائي بين الترفيه والسخرية، بين الضحك والتأمل الاجتماعي، ليقدم تجربة غنية تدفع المشاهد للتفكير في انعكاسات الحياة الرقمية المعاصرة على الذات والعلاقات الإنسانية. لا يقتصر الفيلم على تقديم سرد بصري لحكاية رجل بسيط تصفعه شهرة عابرة، بل يكشف عن مرآة لمجتمع يعيش على إيقاع الصورة والفرجة الرقمية، حيث يتحول الإنسان من فاعل إلى «مؤثر» ومن ذات إلى «واجهة»، إذ من خلال مزج الكوميديا بالدراما والسخرية بالفرجة والتشويق، يثير الفيلم أسئلة عميقة حول معنى الوجود في زمن افتراضي مطبوع بالتمثيل وسرعة الانتشار، مؤكدا أن الضحك الساخر يمكن أن يكون أصدق أشكال النقد الاجتماعي وأبلغ مرآة للواقع المعاصر.