مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    ولد الرشيد يبرز بإسلام آباد جهود المغرب بقيادة الملك في مجال تعزيز السلم والأمن والتنمية    كأس العالم 2026 لكرة القدم/الملحق الإفريقي .. المغرب مسرح آخر المواجهات لبلوغ الحلم المونديالي    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    أمطار متوقعة غدا الخميس بالمغرب    50 ‬مليار ‬درهم ‬لتقليص ‬الفوارق ‬المجالية.. ‬إنجاز ‬26 ‬ألف ‬كيلومتر ‬من ‬الطرق ‬وآلاف ‬المشاريع ‬الاجتماعية    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    أزمة "النظام الأساسي" تدفع موظفي الجماعات الترابية إلى الإضراب    بورصة الدار البيضاء تفتتح على ارتفاع    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    لجنة المالية بمجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    منتخب جهوي بكلميم يندد ب"تبديد" 1000 مليار سنتيم دون تحسين الخدمات الصحية في الجهة    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    ليلة الذبح العظيم..    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    مأساة بخريبكة.. وفاة خمسة أشخاص من عائلة واحدة غرقا داخل صهريج مائي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر دولي بطنجة يزيح السّتار عن فصل مؤلم لمحنة الموريسكييّن
نشر في هسبريس يوم 13 - 04 - 2014

إنعقد بمدينة طنجة من 4 إلى 10 أبريل( نيسان) الجاري 2014 تحت الرّعاية السّامية لصاحب الجلالة الملك محمّد السادس " بقاعة ابن بطّوطة بمقر الجماعة الحضرية لمدينة البوغاز، المؤتمر الدّولي الأوّل "أعقاب الأندلسيين المهجّرين والمنصّرين بالمغرب وإسبانيا والبرتغال" المعروفين باسم " الموريسكيّين". وقد شارك فى هذا المؤتمر العديد من الباحثين، والدارسين، والأساتذة الجامعيين من ذوي الإختصاص من مختلف أنحاء العالم،من كلّ من المغرب، وإسبانيا، والبرتغال، وفرنسا، وإنجلترا، وتونس، وموريطانيا، وجمهورية مصر العربية، وهولاندا، وسويسرا وعدّة بلدان أخرى.
وقد أشرف على تنظيم هذا المؤتمر العالمي كلّ من مؤسّسة الإدريسي المغربية- الإسبانية للبحث التاريخي والأثري،والمعماري،، ومنظمة اليونسكو العالمية، والمركز الثقافي الإسلامي لمدينة بلنسية الإسبانية ، ونادي اليونسكو بطنجة، وعدّة جهات وهيئات أخرى،
ومن الأساتذة والباحثين الذين شاركوا فى هذا المؤتمر الهام الدكاترة : أحمد الطاهري (رئيس جمعية الإدريسي الإسبانية- المغربية ، والكولونيل محمّد الخامس بركاش من الأكاديمية العلمية لعلم الأنساب، ومن جمعية ذاكرة الأندلسيين من الرباط، ومصطفى مشيش العلمي من مؤسّسة سيدي مشيش العلمي بالقنيطرة، ومحمّد محمّد خطّابي(سفيرصاحب الجلالة سابقا فى كولومبيا ،وبعدد من بلدان فى أمريكا اللاّتينية الأخرى ،وأستاذ زائر فى الجامعات العربية، والأوربية، وأمريكا اللاتينية ،" (كاتب هذه السطور) و محمد نجيب لبريس من جمعية ذاكرة الأندلسيين، وعزّ المغرب معنينو من جامعة محمّد الخامس الرباط ،وحمزة بن على الكتاني صيدلي، وباحث بجامعة محمّد الخامس ، وياسمينة الحداد من جامعة أمستردام بهولاندا،ومحمود إسماعيل من جامعة عين شمس بالقاهرة،وصلاح خليل سلام من جامعة حلوان ،وإيناس سحابو من جامعة باجة بتونس، ونيكول الصباغ السرفاتي من جامعة باريس، ونصيرة مريمي أستاذة باحثة بجامعة باريس ، والأساتذة : رشيد العفاقي باحث بمركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث، وفاطمة الزهراء إيتوتوهن التمسماني باحثة ومهندسة معمارية مختصّة فى ترميم المآثرالإسلامية من مؤسسة الإدريسي المغربية-الاسبانية ،وحفيظة محمد بن الصديق البغلولي أستاذة باحثة من المجمع العلمي لمدينة طنجة، ويحيى ولد سيدي أحمدعبدي من موريتانيا ، وسواهم من الباحثين،والدارسين الأجانب من مختلف أرجاء المعمور .
وقد عالج المؤتمرون العديد من القضايا، والمواضيع، والأبحاث التي لها صلة بهذا الفصل الحزين، والمؤلم، والمظلم، الذي يندى له الجبين فى تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال)،والذي ما زالت مأساته ماثلة نصب أعيننا إلى يومنا هذا المشهود ، ومن المواضيع التي تمّ تسليط الأضواء عليها خلال هذه الملتقى الدّولي: الغموض ونقص المعلومات عن الإسبان المنحدرين من الأندلسيين المنصّرين، محنة المطرودين من شبه الجزيرة الإيبيرية، ما يمكن قوله اليوم عن الأندلس المسلمة،والأسرى بتطوان وبادس خلال القرن السادس عشر،دراسة مقارنة للحضورالموريسكي بالمغرب وتونس،رواسب وأنسجة حية من تأثير المهجّرين الاندلسيين فى المجتمع الشنقيطي،من الجهاد البحري إلى الإندماج الإجتماعي ، عائلة لبريس نموذجا،مسار أسرة معنينو الاندلسية بين الرواية الأدبية والوثايق التاريخية،أندلسيّو فاس :جذورهم ومحافظتهم على هويتهم الاندلسية، الهجرات الأندلسية إلى طنجة، التشابه والإختلاف بين اليهود والمسلمين المنصّرين،ذاكرة أعقاب الموريسكيين الشفوية بالمغرب،أعقاب العرب والمسلمين فى المجتمع البرتغالي بين القرنين العاشر والسادس عشر،أعقاب الأندلسيين المهجّرين ببلاد الريف: بصمات ناطقة من تاريخ مبتور،الموريسكيون بغرب البرتغال،تراث اليهود والمسلمين المنصّرين فى الأدب المغربي الناطق بالإسبانية، التقية وردود الفعل السياسية والدينية للأندلسيين المنصّرين،تقديم مركز الدراسات الموريسكية بوادي رقوط،المثاقفة بين المسلمين والنصارى فى الأندلس بعد سقوط مملكة غرناطة،وسواها من البحوث والدراسات الأكاديمية الأخرى الهامة فى مختلف المجالات التي لها صلة وثقى بهذا الموضوع الحيوي .
فصل مؤلم من تاريخنا المشترك
ويشير الدكتور أحمد الطاهري أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسّسة الإدريسي المغربية- الإسبانية فى التمهيد الذي تصدّر الكتاب الضخم الجامع لمختلف المحاضرات،والبحوث، والدراسات، والمداخلات التي ألقيت خلال هذا المؤتمر،والذي صدر بهذه المناسبة ،يشير:" شكّل الاندلسيون المنصّرون بالسّيف المعروفون فى الوثائق الإسبانية والدراسات الأجنبية – طمسا لأصولهم الأندلسية- ب"الموريسكيين" موضوعا لآلاف الدراسات والأبحاث التي تندرج ضمن تاريخ اسبانيا الحديث،ومن المعلوم أنّ قسما كبيرا من أولئك الاندلسيين قد تعرّضوا للتهجير القسري من وطنهم فاستقرّوا بالمغرب حيث ظلوا إلى اليوم محتفظين بأنسابهم الأصلية ،ورغم مكانتهم فى نسيجه المجتمعي، ودورهم فى بلورة مظاهرمن حياته الثقافية والفنية،لم تحظ صورتهم بما تستحقّه من بيان ضمن صفحات تاريخ المغرب الحديث". ويضيف الدكتور الطاهري مشيرا فى نفس السياق: "ويبدو أنّ الوقت قد حان لتجاوز العوائق الفكرية التي كانت وراء إغراق هذا الموضوع فى التجاذبات الموروثة عن ظلمات القرون اللماضية، والشروع مجتمعين مغاربة وإسبانا وبرتغاليين فى إعادة صياغة هذا الفصل المؤلم من تاريخنا المشترك وفق قواعد البحث العلمي المتعارفة. وهو المشروع الذي إنطلق سنة 2009 بحلول المائوية الرابعة لطرد الأندلسيين من مملكة بلنسية التي إتخذتها مؤسّسة الإدريسي المغربية- الإسبانية والمركز الثقافي الإسلامي ببالتعاون مع جامعة بلنسية وهيئات أخرى محطة للتأمل، من خلال تنظيم مؤتمر دولي ببلنسية"، ويختم الأخ الطاهري تقديمه القيّم مشيرا:" إن أعقاب الأندلسيين المنصّرين الذين ظلوا مقيمين بشبه الجزيرة الإيبرية قد إضطرّوا إلى الإنسلاخ قسرا عن هويّتهم الأندلسية تحت طائلة محاكم التفتيش ، ثم الصّعوبات الجمّة التي تواجه أيّة محاولة لإنتشال أنسابهم من غياهب النسيان،أمّا إخوانهم المهجّرين إلى المغرب، فقد ظلّت سلاسل أنسابهم متعاقبة بعدد من كبريات االمدن التاريخية، ومتلاشية فى كثير من البوادي المغربية،وهو الموضوع الذي إنهمكت مجموعات البحث المتفرّعة عن المبادرات السابقة فى معالجة ما ترسّب فى أعماق مجتمعاتنا المتجاوزة من أنسجة حيّة، وهو ما تمخّض عن جملة من النتائج التي عرضت ضمن هذا المؤتمر الدّولي الذي إحتضنته مدينة طنجة حاضرة بحر المجاز بين العدوتين" .
التأثير الحضاري– الإسلامي فى أمريكا اللاّتينية عبر شبه الجزيرة الإيبيرية
وعالج الباحث محمّد محمّد خطّابي خلال مداخلته فى هذه الملتقى االدّولي الهام ،(باللغة الإسبانية) ضمن موضوع " التأثيرالحضاري، العربي، الإسلامي، الأندلسي فى أمريكا اللاّتينية عبر شبه الجزيرة الإيبيرية بعض مظاهر التأثيرات الحضارية ، والثقافية العربية والأمازيغية الإسلامية فى بلدان أمريكا اللاتينية عبر شبه الجزيرة الإيبيرية ( إسبانيا والبرتغال) فى الأندلس. وتطرقت هذه التأثيرات إلى العديد من المرافق،والقطاعات، والمجالات، والحقول الثقافية، الأدبية ،واللغوية، والعمرانية، والمعمارية، والملاحية، والموسيقية، وفنون البستنة، والطبخ وسواها من أوجه الحياة العامة فى هذا الصّقع النائي من العالم الجديد الذي أطلق عليه فيما بعد (أمريكا) ، والذي يحمل إسم واضع خريطة هذه القارة البكر الإيطالي" أمريكو بيسكوثيو"، دون " مكتشفها "عام1492 كرستوفر كولومبوس .
الإشعاع الذي عرفته الحضارة الإسلامية فى شبه الجزيرة الإيبيرية كان إشعاعا فريدا فى بابه ، نظرا لأجواء التعايش، والتفاهم ،والتسامح ،التي وفّرتها ،وأشاعتها إبّانئذ هذه الحضارة المشعّة والمتألقة فى كلّ من إسبانيا والبرتغال، حيث عاشت الأديان السّماوية الثلاثة الإسلام، والمسيحية، واليهودية فى وئام، وتآلف ،وتناغم وإنسجام ، هذه التأثيرات ستصل بعد ذلك إلى مختلف البلدان الأوربية، وبعد ذلك إلى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية بعد سقوط غرناطة آخر المعاقل الإسلامية فى إسبانيا 1492. هذا الزّخم الحضاري المتنوّع الذي إتّسم بالتعددية، والإنفتاح ،والتسامح، والتعايش، والتثاقف، والإبتكار كان له تأثير بليغ كذلك على العقل الأوربي، والتفكير المسيحي فى مختلف ربوع القارة العجوز .
في القرن الثامن الميلادي ظهرت،وترعرت ،وسادت وتألقت –كما هو معروف- حضارة راقية أشعّت على العالم المعروف فى ذلك الإبّان الذي كانت معظم أرجائه لا تزال تغطّ فى دهاليز التأخّر، وتتخبّط فى متاهات التزمّت والجمود. وقد ألقت هذه المداخلة الأضواء الكاشفة كذلك على بعض الأساليب المعمارية، واللغوية على وجه الخصوص التي وصلت إلى العالم الجديد مع الإسبان والبرتغاليين ، هذه التأثيرات بصفة عامة فتحت المجال لظهور وإنتشار مصطلح جديد له صلة وثقى بها على إختلاف مشاربها ومرافقها ،وهو مصطلح" الثقافة الثالثة" متمثّلا فى الثقافة الإسلامية إلى جانب الثقافتين الإيبيرية (الإسبانية والبرتغالية) والهندية الأصلية.
التأثير اللغوي عمّ مختلف مناحي الحياة
و أوضح محمّد محمّد خطّابي فى هذا الصدد كيف أنّ المستشرق الكبير" أمريكو كاسترو" يرى أنّ معظم الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ، والقياس، والأكل ،والسّقي ،أو الريّ،والبناء،كلها من أصل عربي ، وبعضها الآخر من أصل بربري، فمن يبني البناء ؟ العريف (هذه الكلمة تنطق فى الإسبانية " ألاريفي" ) أيّ المهندس المعماري ومنها( جنّة العريف الموجودة بمحاذاة قصر الحمراء) بغرناطة، وألبانييل(بالإسبانية)وهو البنّاء ،وماذا يبني؟ القصر، القبّة، السّطح أوالسّقف (وهي بالتوالي فى الإسبانية : ألكاسر، ألكوبّا، أسوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرض؟ بالسّاقية، والجبّ، ألخيبي،و(بالأمازيغية: "الجوب") وألبركة (وهي فى الإسبانية نفسها فى العربية): (ألبيركا) والسّاقية وهي فى الإسبانية (أسيكيا)،.وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّر، الأرز،النارنج،الليمون ، الخرشف، السّلق،السبانخ،الترمس (وهي فى الإسبانية: أرّوث، نارانخا، الليمون، ألكاشوفا، أسيلغا، إيسبيناكاس،ألترامويثس). والزغّاية وهو رمح كبير يؤكّد المسستشرق الهولاندي الكبير(دوزي) أنها كلمة من أصل بربري (تازغّايث)، (وقد إستعملها كولومبوس فى مذكراته كما هي) ،فضلا عن كلمات بربرية أخرى مثل " آش" بمعنى القرن، (ومنها مدينة الشّاون المغربية وهي جمع آش) ،وأبرقاش وهو إسم عائلي موجود فى إسبانيا وببعض المدن المغربية والرّيف إلى يومنا هذا، وهكذا الأمر مع العديد من الأسماء المتعلقة بالأماكن، والصنائع، وبالمنتوجات، التي أدخلها المسلمون إلى أوربا" . ويصل كاسترو إلى نتيجة طريفة، ومثيرة فى آن واحد وهي" أنّ فضائل الأثر والعمل عند والمسلمين ،والثراء الإقتصادي الذي كان يعنيه هذا العمل وهذا الأثر، كلّ ذلك قدّم قربانا وضحيةً من طرف الحكّام الكاثوليك والإسبان". ويختم "كاسترو" ساخرا :"فذلك الثراء ، وذلك الرّخاء ، لم يكونا يساويان شيئا إزاء الشرف الوطني" ..!
الثقافة الثالثة
وإستدلّ المحاضر بما ساقته الكاتبة المكسيكية العربية الأصل إكرام أنطاكي فى كتاب لها بعنوان"الثقافة العربية أو الثقافة الثالثة" مدى تأثير الحضارة الإسلامية فى عملية إكتشاف العالم الجديد.وهي تسمّي هذا الجانب المؤثّر ب "الثقافة الثالثة"وتعني بها الثقافة العربية الإسلامية التي تعتبر من مكوّنات شعوب أمريكا اللاتينية. تشير الباحثة فى هذا الموضوع بالحرف الواحد:"إنّ المكتشفين وصلوا إلى المكسيك( وباقي بلدان هذه القارّة) مستحضرين معهم ثمانية قرون من الوجود العربي، والبربري، والتأثير الإسلامي فى إسبانيا، وإنه فى كل لحظة كانوا يستعملون الكلمات العربية أو التي هي من أصل عربي، وهي ما زالت موجودة ومنتشرة فى هذه الربوع إلى الآن".
وأشار المحاضر فى نفس السياق أنّ كتاب "الثقافة الثالثة" الآنف الذكر يعالج تأثير الحضارة الإسلامية فى المكسيك وبالتالي فى باقي بلدان أمريكا اللاتينية بالخصوص فى ميدان المعمار،ومختلف مظاهر الحياة الأخرى ،وتقول المؤلفة فى ذلك:"الحديث لا ينقطع عن التأثير الإسباني المكسيكي ويكاد لا يذكر شئ عن الجذور الإسلامية العربية التي هي فى الواقع أصل هذا التأثير".وتؤكّد الكاتبة أيضا أنّ "اللقاء" الذي تمّ فى العالم الجديد (أمريكا) عام 1492 لم يكن بين ثقافتين إثنتين وهي الإسبانية- البرتغالية والهندية الأصلية وحسب، كما يقال من باب الحيف،والخطأ، والشطط ، بل كان بين ثقافات ثلاث مضافا إليها الثقافة العربية الإسلامية الأندلسية كذلك.
وتؤكّد إكرام أنطاكي أنّ الذين قدموا من إسبانيا ليستوطنوا المكسيك بعد وصول كولومبوس إلى العالم الجديد كانوا بعيدين عن الحضارة ، وكانوا أقرب إلى الوحشية والهمجية ،وأنّ الجانب المشرق الوحيد الذي جاءوا به معهم هو الإرث العربي الإسلامي،وقد طّعّم التأثير الإسلامي فى المكسيك بالهجرات العربية المتوالية التي حدثت فيما بعد حيث إستقرّت العديد من الأسر المسلمة المترحّلة فى هذا البلد، وما فتئ أجداد، وآباء، وأولاد وأحفاد هؤلاء يرجعون بأبصارهم، وأفئدتهم وضمائرهم إلى ماضيهم وأجدادهم وكلهم فخر وإعجاب بهذا الماضي العريق.
ويشير الباحث المكسيكي" أدالبيرتو ريّوس" فى نفس الإتّجاه :"أنه من العبث التأكيد على مصطلح"لقاء عالمين"أو ثقافتين إذ تبقى إفرقيا وآسيا بذلك خارج هذا المفهوم وهما شريكان فى هذا الموضوع تاريخيا".ويضيف: "من الصّعوبة أن يفهم الإسبان لماذا لا تزال تلهمنا مواضيع الغزو، وهم يزعمون أنّه ليس لهم أمثال شبيهة بما حدث مع الرّومان والعرب بالنسبة لإسبانيا نفسها، ويجهلون أو يتجاهلون أنّ التاريخ الذي بدأ منذ خمسمائة سنة له معنى تراجيدي فى حياتنا ".
ويؤكّد الكاتب المكسيكي الكبير الرّاحل كارلوس فوينتيس من جهته فى كتابه"سيرفانتيس أو نقد القراءة" فى مجال التأثير العربي والإسلامي فى إسبانيا والذي إنتقل بشكل أو بآخر إلى القارة الجديدة :" أنهّ من العجب أن نتذكّر أنّ الثقافة الهيلينية وكبار المفكرين الرّومان الضالعين عمليا فى المناطق الأوربية إستعادوا مواقعهم، وحفظت أعمالهم بفضل ترجمتها إلى اللغة العربية ،فضلا عن العديد من الإبتكارات العلمية والطبية فى الوقت الذي كانت فيه أوربا مريضة ويتمّ علاجها بواسطة التعزيم والرقيّة والتعويذ والتمائم " .ويضيف:" فعن طريق إسبانيا المسلمة أدخلت إلى أوربا العديد من أوجه التأثيرات الهندسية المعمارية الموريسكية حيث أصبحت فيما بعد من العناصر المميّزة لخصائص الهندسة القوطية" .
ومن المواضيع العديدة والمختلفة الأخرى التي تمّ بسطها فى هذه المداخلة كذلك إلقاء الضّوء على أوّل رحّالة عربي زار هذه القارة النائية عام 1668 ( أيّ 176 عاما بعد رحلة كرسطوبال كولومبوس إلى العالم الجديد) وهو إلياس الموصلي الخوري الكلداني الذي إستغرقت رحلته فيها حوالي عشرين سنة، فضلا عن مواضيع متعدّدة مثيرة أخرى ذات الصّلة بهذا الموضوع.( أنظر مقالي بعنوان (إلياس الموصلي..أوّل رحّالة إلى القارة الأمريكية )المنشور فى " القدس العربي" عدد 7508 بتاريخ الخميس 8 أغسطس (آب) 2013 ) . ومقالي فى " القدس العربي" كذلك بعنوان ( فى ذكرى'إكتشاف' كريستوفر كولومبوس للعالم الجديد ) المنشور بتاريخ 16 – 10- 2012 .
* عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم (كولومبيا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.