البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    اختناق جماعي داخل وحدة صناعية.. نقل 145 عاملاً إلى المستشفى    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    "الاستقلال" يشكو أوزين إلى العلمي    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    نقل عاملات استنشقن غازا ساما إلى المستعجلات بالقنيطرة وحالة أربعة منهن خطيرة    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تصدر تحذيرا من برمجية خبيثة تستهدف أجهزة أندرويد    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    كوبونات الخصم: مزاياها وكيفية استخدامها عند التسوق اونلاين    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الغزيون في مواجهة سلاحي الجوع والعطش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    باريس.. الوجه الآخر    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    المغربي "الهيشو" يسقط في قبضة العدالة الإسبانية بعد 15 شهرا من التخفي    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لكيْ لاَ ننسىَ..مِحْنَة المُوريسكيّين الشَّتات
نشر في لكم يوم 08 - 05 - 2019


للعِبْرَة والتَّاريخ
جدير بنا التذكير قبل الخوض فى هذا الموضوع الشائك المثير أنّ البرلمان الإسباني كان قد صادق بتاريخ 11 يونيو 2011 على مشروع القانون المعدّل للفصلين 21 و23 من مدوّنة القانون المدني الإسباني (الحالة المدنية الإسبانية) ، بهدف ردّ الإعتبار لذاكرة اليهود الإسبان (السيفاراديم) الذين طردوا من إسبانيا ضمن عملية الطرد الجماعية النهائية التي كانت قد شملت سائر الموريسكييّن (من مسلمين، ويهود، وبعض النصارى) وذلك عندما خشي الحكّام الكاثوليك الإسبان على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ، تحت ذريعة حجّة واهية وهي الخطر الذي كان يشكّله هؤلاء – حسب زعمهم – على العرش الإسباني فى ذلك الإبّان ،حيث قرّر الملك فيليبّي الثالث بعد أن أصدر ظهيراً أومرسوماً بين1609-1614 بطرد آخر الموريسكيين من إسبانيا، الذين يُطلِق عليهم بعض الباحثين والمؤرّخين مصطلح : الموريسك "المُنصَّرين " أو " المُهجَّرين قهراً وقسراً وعنوةً .
المُوريسكيّون والتشريع الإسباني
لم يعر القانون الإسباني الآنف الذكر أيّ إهتمام أو إعتبار أو عناية لذاكرة الموريسكيين المسلمين الأندلسيين الذين شملهم هذا الطرد كذلك،فى نفس الظروف والملابسات التاريخية ،وبنفس القوانين الإسبانية عند بداية القرن السابع عشر بل إنهم كانوا هم المعنيّون بالأمر فى المقام الأوّل فى هذه النازلة، كما أنّهم كانوا الأكثرَ عدداً ممّن لحقَ وحاقَ بهم هذا الحيف والشطط، والتجنّي الظالم .
وأشير فى هذا القبيل أنه على إثر المصادقة على هذا القانون كانت وسائل الإعلام الدولية والإسبانية والمغربية قد تعرّضت لهذا الموضوع المُجحف، وإستنكر غيرُ قليل من المثقفين، والمفكرين، والفاعلين، الجمعويين ، وكذا بعض الجمعيات والمؤسّسات التي تُعنى بتاريخ إسبانيا وبالأندلس على وجه الخصوص، وفي طليعتها " مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" التي يوجد مقرّها بالرباط والتي يرأسها الصّديق الباحث الدكتور محمد نجيب لوباريس ( الذي تنحدر جذورُه وأهله من أصول موريسكية أندلسيّة ) الذين إستقرّوا فى مدينة الرباط، فقد كانت هذه المؤسّسة قد بادرت للبحث عن أنجع الوسائل للدفاع عن حقوق هؤلاء الموريسكيين المسلمين المطرودين الذين تجاهلهم القانون الإسباني الجديد. وعقدت هذه المؤسّسة العزم على البحث عن العناصر القانونية التي ينبغي أن تعتدّ بها لردّ الإعتبار حيال السلطات الإسبانية لذاكرة هؤلاء الموريسكيين،وإنصافهم أسوة بذاكرة اليهود السيفاراديم أمام المشرّع الإسباني ذلك أن كلاً من االموريسكين المسلمين ،والسيفارديم اليهود كانوا – خلال عملية الطرد– رعايا الدولة الإسبانية فى ذلك الإبّان، والمسلمون الموريسكيون يقومون بهذه المساعي دونما أيّ شكوى، أو صياح، أو عويل .
و معروف أنّ الأحزاب السياسية الإسبانية فى المعارضة لم تصوّت لصالح هذا القانون ، بل إنها عارضته وتوخّت إصلاحه، أو إضافة العناصر التي تخوّل للموريسكيين المسلمين التمتّع بنفس المزايا والصلاحيات التي منحت لليهود إلاّ أنّ "الحزب الشعبي الإسباني" الذي كان يمسك بزمام الأمور فى البلاد أمكنه أن يمرّر هذا القانون بحكم الأغلبية السّاحقة التي كان يتمتّع بها أو يتوفّر عليها إبانئذٍ فى البرلمان الإسباني.
مواضيع الندوة ومضامينها
من البحوث والمحاضرات التي تمّ معالجتها خلال هذه الندوة من إسبانيا : " نحو مطبقة قانونية لأعقاب الموريسكيين– الأندلسيين فى القانون المدني الإسباني" للدكتور أنطونيو مانويل رودريغيس راموس(جامعة قرطبة) ،و"الذاكرة التاريخية وطرد الموريسكيين حيال القانون الإسباني والوضع الحالي لمسلمي إسبانيا " للدكتورة أمبارو سانشيس روسيل،(من مدينة بلنسية) و" المسيحيون الجدد للمنطقة الشرقية لمملكة غرناطة القديمة فى القرن السادس عشر" للدكتورة ماريا دولثي أركاس كامبوي ،و"الموريسكيون فى مفترق الطرق السياسية والعلمية فى أوربا الحديثة وإشكالية إستمراية الحياة لدى أقليّة" للدكتورة مارافيّاس أغيلار،(كلتاهما من جامعة لاغونا تينيريفي الخالدات) ( و"إستراتيجية لإعادة الإعتبار التاريخي لأعقاب الموريسكيين المطرودين من إسبانيا فى القرن السابع عشر" للدكتورة باربارا رويث بيخارانو.(من جامعة أليكانتي). ومن البرتغال : " الموروس والموريسكييون فى البرتغال (فى القرنين السابع عشر والثامن عشر)، لللدكتور أنطونيو خوسّيه دا سيلبا (من جامعة لشبةتة الجديدة ) . ومن مصر : " صورة الأندلسي فى الأدب الإسباني الحديث" للدكتور جمال عبد الرحمن. ( جامعة الأزهلر الشريف). ومن المغرب : "الموريسكيون ومحاكم التفتيش: تأصيل فقهي" للدكتور محمد رزوق، (كلية الآداب الدار البيضاء) و"الأندلس : مساواة فى المعرفة وإشراك فى التدبير" للدكتور أحمد شحلان،(جامعة محمد الخامس الرباط). و"الروابط الموسيقية كشاهد على مدى التأثير الموريسكي فى المجتمع الإسباني " للأستاذ عبد العزيز بنعبد الجليل،( باحث فى علم الموسيقى مكناس) و" إشكاية الإعتراف بحقوق أحفاد السيفاراديم المطرودين من الأندلس ،والذين أسلموا بعد الطرد" للدكتور حمزة الكتابي،(باحث جامعي الرباط) و" قراءة فى كتاب رودريغو دي ثاياس" (الموريسكيون وعنصرية الدولة ،الظهوروالإضطهاد،والترحيل-1499-1612 ) للدكتورة كوثر العمري(عن معهد الدراسات الإسبانية– البرتغالية) جامعة محمد الخامس الرباط.و" الفونتي : أسرة موريسكية فى الرّيف ، الماضي – والحاضر" للأستاذ عمر ددّوح الفونتي.وأخيراً : " الإشعاع الحضاري الأندلسي: عِقد من جُمان يزيّن جيدَ الزّمان" للدكتور محمّد محمّد الخطّابي (سفير سابق، وباحث ،وكاتب، ومترجم مدريدالحسيمة).
الأندلس ..عِقدٌ من جُمَان يُرصِّعُ جِيدَ الزّمَان
تدعونا محاضرة الباحث د. محمّد محمّد خطّابي (صاحب هذا المقال) التي تحت عنوان: " الإشعاع الأندلسي : عقدٌ من جُمان يُرصّع جيدَ الزّمان" للقيام برحلة عبر ربوع،ومدن، وحواضر تلك الأصقاع الغالية علينا جميعا ،النائية عنّا فى الزمان والمكان ،والقريبة منّا فى الذاكرة والعقل والوجدان ، وهي أرض الاندلس الفيحاء، رحلة تسلّط الأضواء على بعض المظاهر الحضارية العربية والأمازيغية التي تألقت وازدهرت، وأشعّت على العالم المعروف في ذلك الإبّان، وأنارت دياجي الظلام في أوربّا التي كانت لمّا تزلْ دهرئذٍ غارقة في سبات التأخّر وسديم الظلام ، بما قدّمته هذه الحضارة من عطاءات خصبة ثرّةّ، و إبداعات مشرقة وضّاءة في مختلف حقول العلم والعرفان، ومناحي ومرافق الحياة بشكل عام. التراث الأندلسي بنصوصه، ووثائقه، وأمّهات كتبه ومخطوطاته، وأشعاره، وآدابه، وفنونه وعلومه إلى جانب معالم الأندلس التاريخية، ومآثرها العمرانية، وقلاعها الحصينة، ودُورها،وقصورها،وجوامعها، وصوامعها، وبساتينها، وحدائقها الغنّاء ، فضلاً عن التأثيرات اللغوية والثقافية، والعادات والتقاليد العربية الحميدة التي تأصّلت في الشعب الإسباني في مختلف مناحي الحياة،والتي نقلها الموريسكيون معهم فى رحلتهم القسرية بعد إبعادهم المُجحف غير المًنصف عن دورهم، وإنتشارهم،وإستقرارهم فى مختلف المدن والأصقاع، كلّ ذلك ما زال شاهداً إلى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري الأندلسي في شبه الجزيرة الإيبيرية على إمتداد الوجود الإسلامي بها. ثمانية عقود من جمان، تزيّن جيدَ الزمان وترصّع طوق التاريخ الاسباني بالوجود العربي في الأندلس،تجسّد لنا فى بهاء ورونق وإبهار ماضي هؤلاء الموريسكيين الذين ولدوا، ونشأوا، وترعررعوا، وأبدعوا فى هذه الجزيرة المحروسة، ويبيّن المحاضر كيف أنّ الإشعاع الذي خلّفه هؤلاء وأجدادهم أصبح اليوم الشغل الشاغل لغير قليل من الاسبان، وأمسى حديثَ الناس في كل منتدى و منبر ومحفل ودار ومدرج. وطفق الاهتمام بالإرث الحضاري العربي والإسلامي يتزايد ويتكاثر و ينمو في كل مكان من هذه الجزيرة المحروسة . لقد شكّلت إسبانيا في الفترة الممتدة بين القرن الثامن والقرن الثالث عشر الميلادي جسراً حضارياً إنتقل من خلاله هذا الثراء الهائل من المعارف و العلوم التي برع المسلمون في التبحّر فيها الى شعوب أروبية أخرى ذات "ثقافة لاتينية مغلقة" كما يصفها مننديث بيدال. يقوم المحاضر بجولة فى أهمّ الحواضر التي عرفت تألّقاً وإزدهاراً فى الأندلس أيام وجود المسلمين بها، مستشهداً بأقوال بعض المثقفين الإسبان، ومن أمريكا اللاتينية الكبار أمثال أمريكو كاسترو،وبيلاسكو إيبانييس، وغارسيا لوركا ،ولوبث بارالت، وخوان غويتيسولو، وأنطونيوغالا، ومانويل دي لا بارّا، وكارلوس فوينتيس، وأدالبرتو ريوس، وإكرام أنطاكي وسواهم، عن الأوج البعيد الذي أدركته الحضارة الإسلامية فى الأندلس، وعن قيمة وأهمية ما ورثه الإسبان عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية" ،وهم يجمعون فى هذا الصدد أنه يستحيل فهم الثقافة الاسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق دون إستيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة الإسلامية، واللغة العربية.
إكرام أنطاكي والثقافة الثالثة
ويبيّن المحاضر كيف أن لقاء العالمين الإسباني والسكان الأصليين فى القارة البكر ينبغي أن يضاف إليه عنصر ثالث هام وهو الحضارة الإسلامية،أيّ أنّ هذا اللقاء بعد ما أطلق عليه " الإكتشاف" لم يكن بين ثقافتين إثنتين وحسب وهي الإسبانية والهندية الأصلية للهنود، بل ينبغي أن يضاف لها عنصر آخر أسمته الباحثة المكسيكية الرّاحلة إكرام أنطاكي (من أصل سوري) بالثقافة الثالثة، إذ بعد تاريخ 12 إكتوبر 1492 لم تكن الرقعة الجغرافية الإسبانية خالية من العرب والبربر المسلمين، فمنهم من هاجر وفرّ بجلده ،وهناك من آثر البقاء متظاهراً بإعتناق الكاثوليكية ،والذين نجوا وبقوا سمّوا بالموريسكيين ،فقد كان منهم أمهر الصنّاع والمهندسين والعلماء والمعلمين وخبراء الرّي والفلاحة ، بل لقد ظلت مسألة تسيير العديد من المرافق الحيوية فى البلاد ليس فى الأندلس وحسب (جنوب إسبانيا) بل وفى مناطق أخرى من شبه الجزيرة الإيبيرية خاصة فى شمالها الشرقي بيد المسلمين. فكيف والحالة هذه ألاّ يحمل الإسبان الذين هاجروا إلى العالم الجديد معهم هذا"التأثير"..؟ بل إنّ هناك من المسلمين المغلوبين على أمرهم من الموريسكيين مَنْ هاجر مع أفواج المهاجرين الإسبان ، وإلاّ من أين جاءت هذه الدُّور،والقصور ذات الباحات والنافورات العربية التي بنيت فى العديد من مدن أمريكا اللاتينية ..؟ ومن أين هذه الأقبية والأقواس والعقود والشبابيك العربية؟ بل والأبعد من ذلك حتى الكنائس التي كانوا يبنونهاغداة وصولهم كان يظهر فيها الأثر العربي والإسلامي بوضوح ،وإستعمل بعضهم الخطّ العربي المحتوي على أشعار وحكم وآيات قرآنية إعتقاداً منهم أنه كان من علامات الزينة فى البيوتات الكبرى فى إسبانيا.
أدب المنفى داخل الوطن المبتور
ويسلط المحاضر الأضواء على الأدب السرّى أو ما كان يُطلق عليه ب "أدب المنفى داخل الوطن" الذي كان عند هؤلاء الموريسكيين وهو أدب مؤثّر وبليغ يُسمّى باللغة الإسبانية الخاميادة أوالخاميادو أو الخامية بمعنى (العجمية)، وقد أطلق عليه هذا النعت لأنه أدب مكتوب إنطلاقا من اللغة الإسبانية ولكنه يستعمل حروفاً عربية ،وكان الإسبان من ناحيتهم يطلقون هذا اللفظ على اللغة القشتالية المحرّفة بمزجها بكلمات عربية، وكان يتكلّم بها عرب إسبانيا فى آخر عهدهم بالأندلس ،ولمّا خشي الحكّام الكاثوليك على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ قرّر الملك فيليبّي الثالث بعد أن أصدر ظهيراً أو مرسوماً بين1609-1614 بطرد آخر المسلمين من إسبانيا . ويشير الباحث "لوبث بارالت":" أنّ هذا القرار الدرامي المُجحف الذي إتّخذه فليبي الثالث كان سبباً فى إثارة جدل هائج ما زال يُسمع صداه حتّى اليوم." وإذا كان هذا يحدث فى القرن السابع عشر (1614) أي 122 سنة من وصول الإسبان إلى"العالم الجديد" (1492) فإنّ ذلك يدلّ الدلالة القاطعة على أنّ إسبانيا عندما "إكتُشِفت " أمريكا كانت لمّا تزل واقعة تحت التأثير العربي الإسلامي الموريسكي، وأنّ العادات والتقاليد وفنون المعمار وأسماء الحرف والمهن والصناعات والإبتكارات والآلات البحرية، والعسكرية والفلاحية وعشرات الآلاف من المسمّيات كانت عربية أو على الأقل من جذر أو أصل أو أثل عربي،وهي التي استعملت فى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية وظلّت مستعملة بها ولا تزال إلى يومنا هذا.ويستشهد المحاضر فى هذا القبيل بأقوال العديد من المثقفين الإسبان وغير الإسبان الذين يؤكّدون هذه الحقيقة التاريخية التي لا مراء فيها.كما يثبت عدداً هائلاً من الكلمات الإسبانية من أصل عربي وأمازيغي التي إستقدمها الموريسكيون معهم وإستعملوها ، وجاءت هذه الحقيقة على لسان أحد جهابذة الإستشراق الإسباني وهو " أمريكو كاسترو". و يتساءل المحاضر فى ختام عرضه: بعد كلّ هذا، أيحقّ لنا أن نسمّي الأندلس "بالفردوس المفقود"..؟! ويسارع بالإجابة فى نصّ شاعريّ حالم : لقد سمّوه فعلاً فردوساً، ولكنّه ليس مفقوداً كما وُهِمُوا،إنّه هنا حاضر الكيان،قائم الذات،إنّه هنا بسيره وأسواره،وبقاياه وآثاره،وعمرانه، ونفائسه، وذخائره، بعاداته وطبائعه، فى عوائده وأهوائه،إنّه هنا فى البريق المُشعّ، فى المدائن،والضّيع، والوديان، فى اللغة والشّعر، والعِلم والأدب،والشّعر والموسيقى، فى لهجة القرويّ النائي، والفلاّح المغمور، فى الكرم العربي،والإباء الأمازيغي، والحزازات القديمة،التي ما فتئت تفعل فى ذويها فعلَ العُجب .
إبعاد قسريّ وإقصاء تعسّفيّ
هذه الندوة الدولية أزاحت الستار، وأماطت اللثام عن غير قليل من مظاهر التظلم ،والإجحاف، والتطاول، الذي طال الموريسكيين فى الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد ، وإبعاد وإقصاء وتهجير قسري، وتعسفي من مَواطنهم وأراضيهم ودورهم ، وكلّ ما تلا ذلك من تظلم وحيف وتمييز حاق، ولحق بهؤلاء المُهجّرين الذين كان لهم إسهام وافر ومميّز فى نشر المعارف، والثقافة، والعلوم،فى البلدان التي نزلوا فيها، أو نزحوا إليها، بما حملوه معهم من تراث زاخر، وثقافة مميّزة، وموروثات معمارية فريدة ، وتأثيرات لغوية، وأدبية، وموسيقية، وفى مجال الفلاحة، والبستنة، وفنون الطبخ،واللباس وسواها من العادات الأندلسية المرهفة فى مختلف مرافق الحياة العامة، والذين إستقرّوا فى سائر المدن،والحواضر، والقرى والمداشر فى المغرب، وفى الجزائر، وتونس، وليبيا، وفى أماكن أخرى فى المشرق العربي التي كانت واقعة تحت النفوذ العثماني. وأصبحت هذه المناطق والجهات مرتعاً، وموطناً،ومنزلاً، ومعقلاً، ومهبطاً، ومقرّاً، ومستقرّاً لأحفاد أحفاد هؤلاء الموريسكيين الذين أقصُوا عن ديارهم فى الأندلس فى ظروف تاريخية صعبة، وملابسات عويصة لا تخفى على أحد، وما زالت العديد من المباني والقصور والدور ذات الطابع الأندلسي الأصيل تقف شامخة شاهدة على عطاءاتهم الثرة فى إضفاء طابعهم عليها،وهم ما إنفكّوا بالنسبة للمغرب يعيشون بين ظهرانينا فى العديد من المدن العريقة الكبرى وأرباضها، ونواحيها، وفى سواحل الرّيف المتراميّة الأطراف حيث توجد بها مجموعات سكنية إثنية متعدّدة تنحدر من الأندلس منها فرقة مشهورة تُسمّى : "إندروسن" أيّ فرقة "الأندلسيين" الذين هاجروا من الأندلس كذلك، واستقروا في منطقة بني ورياغل، فى منطقة بالقرب من مدينة أجدير( الحسيمة) .
تصريح قصبة رباط الفتح
تجدر الاشارة الى أنّ "مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" كانت قد نظّمت يوميْ 22 و23 أبريل من عام 2016 بالرباط ملتقىً دولياً كبيراً تحت عنوان (القضيّة الموريسكية فى ضوء التشريع الإسباني ومنظومة حقوق الإنسان) ،بمشاركة نخبة من الباحثين، والخبراء المتخصّصين من المغرب، ومصر، وإسبانيا ،والبرتغال .
ويشير المشرفون على "مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" أنه بهدف تسليط الأضواء الكاشفة على هذا الموضوع من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية إرتأت تنظيم هذه الندوة العلمية الحقوقية تحت الشّعار المشار إليه أعلاه، للإنكباب على دراسة مختلف الجوانب التاريخية والقانونية، ورصد كل العناصر التي لها صلة بهذا الموضوع أيّ فيما أصبح يُعرف ب " القضيّة الموريسكية" وذلك على ضوء التعديل القانوني الإسباني الأخير عبر مقتضيات الدستور الإسباني، ومنظومة حقوق الإنسان الدولية ،وتحفيز الجهات الإسبانية المعنية، والرّأي العام فى كلّ من المغرب وإسبانيا وعلى الصعيد الدّولي حيال الحقوق التاريخية لهؤلاء الموريسكيين أسوةً بما حدث مع اليهود السيفاراديم. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً اليهود (السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه العاهل الإسباني الحالي فليبّي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين.يُضاف إلى ذلك أنّ القانون الإسباني الجديد المتعلّق بالحالة المدنية قد خوّل لما ينيف على 4500 من اليهود السيفاراديم الحصول على الجنسية الإسبانية حتى الآن فى ظروف جدّ مُيسّرة .
توصيّات لها دلالاتها وأبعادها
وجدير بنا كذلك فى ختام هذه العجالة أن نذكّر بالتوصيات الهامة التي كانت كان قد صدرت عن هذه الندوة – بعد إنتهاء أشغالها ضمن بيانها الختامي باللغتين العربية والإسبانية نذكر منها: –تأسيس مجمع للتوثيق و الدراسات حول ذاكرة الأندلس،والشتات الموريسكي، للإبراز المعنوي للتراث الثقافي، وللبصمة الموريسكية الأندلسية فى الهوية الإسبانية– البرتغالية وفى بلدان البحر الأبيض المتوسّط . –المساواة بين الموريسكيين والسيفاراديم فى القانون المدني الإسباني إحتراماً لمقتضيات الدستور الإسباني 1978.-الدّفع لمزيد من الحوار الحضاري لتجنّب الإقصاء، والإقصاء المضاد الذي يعارض المبادئ الديمقراطية ،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. –تكثيف الجهود لتنظيم ندوات للتعريف بالقضية الموريسكية ثقافياً ،وإجتماعياً ،وحقوقيّاً على الصعيدْين المحلّي والدولي. –دعوة السلطات الإسبانية للإعتراف بالحقوق الموريسكية وإحداث مرصد لذاكرة الأندلسيين فى الأوساط التعليمية والثقافية الإسبانية –تكليف مؤسّسة ذاكرة الأنلسيين بالنهوض بترشيح " عقب الموريسكيين الأنلسيين" لجائزة أميرة أستورياس للإتفاق والإنسجام والوفاق. – وأخيراً قيام إسبانيا بواجب حفظ وصوْن الذاكرة نحو الموريسكيين، وسنّ قانون لهذه الذاكرة من أجل تفعيل كلّ هذه التوصيات، وإقتراح يوم 9 أبريل من كلّ سنة يوماً وطنياً لذاكرة الموريسكيّين.
* عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا– (كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.