حين خرجَ الإسلاميُّون من محراب المسجد قبل " ثلاثَة أعوام إلى مضمار السلطَة، خالَ كثيرُون أنَّ الاستبداد الذي جثم بالأمس، سيتراجعُ شيئًا مَا، وأنَّ النقدَ سيجدُ صدرًا رحبًا، بعدمَا لقي كثيرًا من الضيق، على اعتبار أنَّ مَا حملَ "الحكام الجدد"؛ هُو ظمأ الناس إلى الحريَّة، وخروجهم إلى الشوارعْ يدفعونَ ثمنًا من دمائهم، في تونس كمَا في القاهرة وصنعاء. إسلاميُّونَا كانُوا من المضيقِ عليهم، لا مراء في ذلك، وبقدرة قادر نجوْا من "الحل"، بعدما حمِّلُوا المسئوليَّة المعنويَّة لهجمات 16 مَايْ، فِي إحدَى الصور المغربيَّة لإقصاء المخالف وتصفيته، ولأنَّ الأيام دولُ، ستحمل رياح الشارع إسلاميينا كما يعلمُ الجميع، رغم تواريهمْ لحظة الحراك، إلى "الحكم"، ليتحولُوا إلى "أعوان سلطة"، (رئيس الحكومة قالَ إنه جاء ليعين)، يوزعُونَ شهادات حسن السلوك، علَى منْ يشتغلُ باستقامَة، وفقَ منظورهم، وتوبيخات لمنْ أوكلتْ إليهم مهمَّة التشويش. لكلِّ حزبٍ يقودُ ائتلافًا حكوميًّا، معارضون؛ سواء لأنَّ من ظلُّوا خارج الحكم مختلفون مع من هم في داخله حول طريقة التدبير، أوْ لأنَّ هناكَ جهاتٍ لا تريدُ للملتحِين تحقيقَ شيء يرفعُ من شعبيتهم ويزاحمُ الأدوات التقليديَّة في السلطة، تبعًا لذلك، كان طبيعيًّا أنْ يوجهَ النقدُ إلى العدالَة والتنميَة وقدْ باشر ملفاتٍ ملغومة، وما دامَ وافدًا غير مرغوب فيه من قبل الكثيرين ! ولأنَّ الإعلامَ يواكبُ عملَ الحكومة باليومِ كمَا بالساعَة، بولاء من البعض، أوْ باستقلال قدْ يتحوَّلُ إلى تحاملٍ في لحظاتٍ أخرى، لدى البعض الآخر، ما كانَ لصاحبة الجلالة أنْ تروقَ لبنكيران، فآثر "الرجل" أنْ ينصرفَ إلى فضائيَّات عربيَّة لا يشاهدهُ فيها أحد، وأخذ يتبخترُ أمام الصحفيين متَى ما لاحقوهُ إلى بابِ قاعة أوْ وزارة، بعدمَا كان إخوانه يبحثُون بحثًا مضنيًا، أيَّام المعارضة، عنْ منبرٍ يصرفُون عبره مواقفهم. "أنت مجرد صحفِي"، ذاك ما قالهُ بنكيران للإعلامي أحمد منصور، لمَّا كان يسأله في "بلا حدود". وحينَ كان يعنُّ لبنكيرانْ أنْ يقول شيئًا للمغاربَة، كما في لقاءيه إثر الزيادة في المحروقات وترميم حكومته، كانَ يدعُو الصحفيِّين إليه، ويقعدهم أمامه، بمجرد ما يسأله الواحد منهم بما لا يرضى، حتى يضحِي كمنْ ينهرُ تلامذةً أوْ أطفالًا فِي روض! أوْ كفلاحٍ باغته الدرك! بنكيران يرَى أنَّ ثمَّة من يستهدفهُ، وفي ذاك الاستهداف المفترض تنشطُ "كتائبه الإلكترونيَّة" كخلايا نحل، وإنْ كانَ النحلُ أكثر حكمةً، بإدراكهِ الوجهات الأدق، فيمَا يخبطُ "مسخرُوه" خبطَ عشواء، دون التمييز بينَ معارضٍ لهُ مآربه وأجندته، ومواطنٍ مغربِي، لا يرضَى عمَّا قامتْ به الحكومة، في صورةٍ طبيعيَّة لحقِّ بشرِي في النقد، وإلَّا كان مجلس بنكيران مباركًا "لحمهُ مسمومٌ" يأثمُ منْ يأتِي على ذكره. جزءٌ كبير من الإشكال الذِي يحوِّلُ الإسلاميِّين إلى مؤلهِين لساستهم، حتَّى بات هناك منْ يلحقُ "رضي الله عنه" بأفتاتِي ويصلِّي ويسلمُ على بنكيران (نشطاء من البيجيدي ذكرُوها في حساباتهم على فيسبوك)؛ هُو أنَّهم ينطلقُون من مرجعيَّة شبه مطلقة، يسبغُون بها طهرانيَّة مفرطَة على أنفسهم، مقابل النظر إلى خصومهم كفلول"، وإلى من ينتقدُ مسخرًا مدفوع الأجر، أوْ قصير نظر عنْ إدراك الحكمة "البنكيرانيَّة"، في أحسن الأحوال. بنكِيران الذِي يتحدثُ عنْ "بيع الماتشْ"، ربمَا لمْ يعدْ منذ مدة إلى جليسًا إلى "السِّي مزوَار "يحتسِي شايَ رمضان في بيته، بعدمَا كالَ له ما لمْ يقله مالكٌ في الخمر، أو ربمَا نسيَ أنَّ أنفه تمرغَ في التنازلات والتزلف ورسائل الاعتذار إلى محيط الملك، كيْ ينعم بالزنجبيل الشهير، وربمَا نسيَ أيضًا كيفَ استحالَ إلى محاربٍ شرسٍ ليصلَ الطالبِي العلمِي إلى رئاسة مجلس النواب، ضدَّ غلاب الذي وصفَ بمرشح الدولة العميقة، وكأنَّ رشيد بات مناضلًا من مناضلِي سنوات الرصاص ! مناصرُو بنكيران يقولوُن "ذرُوا الرجل يشتغل"، دون أن يعلمُوا أنَّ الرجل لا يسوقُ قطيعًا ولا هُو يديرُ مقاولةً ل"جافيل" الذي راكمَ فيها التجربة، ودون أن يدرُوا أنَّهمْ إذَا كانُوا ينظرون إلى الأمُور من زاويَة الذات، ثمَّة من ينظرُ من الخارج، ويرَى فداحَة العبوديَّة التِي شهد عليها شاهدٌ من أهلها، لمَّا دعا الدكتور العثمانِي شبيبة "البيجيدي" إلى الكفِّ عنْ التمجيد. حينَ أتذكرُ كيفَ أنَّ شيخًا مصريًّا كان معتصمًا بميدان رابعة، العام الماضي، في القاهرة، يقول للإخوان إنَّ جبريل هبطَ لمساندة شرعية مرسي، لا أستبعدُ أنْ يأتِي يومٌ على "أتباع" البجيدي، يحجُّون إلى كْعْبَة (الكعبة بتسكين الكاف والمعنى الدارج)، "نبيهم" في الليمون وهو يخطبُ فيهمْ : تركتكم على المحجَّة البيضاء لا يزيغُ عنهَا إلَّا مشوش..وكادَتْ بعضُ السياسة أنْ يكونَ شركًا !