بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    القباج والعوني خارج جائزة للا مريم لكرة المضرب    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المسطرة الجنائية    اعتقال رئيس سابق لجماعة بني ملال ومتهمين آخرين باختلاس أموال عمومية    المغرب يمنح أول ترخيص لشركة خاصة بخدمات الطاقة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجدد دعوتها لإحياء "سامير" وتحذر من خطر وطني بسبب تعطيل المصفاة    حجيرة: أمريكا الوجهة الأولى لصادرات الصناعة التقليدية المغربية    "سي.إن.إن": معلومات أمريكية تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية    اجتماع الرباط يعزز الزخم الدولي بشأن حل الدولتين    مجلس المستشارين يعقد الثلاثاء المقبل جلسة مساءلة أخنوش    الوداد ينفصل عن المدرب الجنوب إفريقي موكوينا    طائرة خاصة تقل نهضة بركان إلى تنزانيا لملاقاة سيمبا في النهائي    وزارة التربية تطلق برنامجا لتكوين مدرسي الهيب هوب والبريك دانس بالمؤسسات التعليمية    توقيف ثلاثيني للاشتباه في التغرير بقاصرات ومحاولة الاعتداء الجنسي    نقابة أساتذة ابن زهر: حملة مغرضة تستهدف الجامعة وما حصل من فساد كنا قد حذرنا منه لسنوات    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية بالرباط    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    تعاون مغربي-أمريكي يجسد الجاهزية العسكرية خلال مناورات الأسد الإفريقي 2025    زيدان: "ماسترات قيلش" لا تمثل التعليم.. وحكومة أخنوش الأعلى مردودية    الدفع بالبطاقات البنكية يتفوق على الدفع النقدي في أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    لقاء دبلوماسي بطابع ودي جمع ولي العهد المغربي آنذاك وسفير الصين سنة 1992    حكيمي ضمن تشكيلة الموسم في أوروبا    هذه تفاصيل إجتماع المجلس الاستشاري مع المكتب الحالي للرجاء بخصوص إنشاء شركة رياضية للنادي    المغرب يعزز التعاون مع بوركينا فاسو في مجال الأمن العسكري    الإماراتية ترسل مساعدات لقطاع غزة    سطات.. "بزناسة" يطلقون الرصاص على الأمن    العثور على جثة امرأة في ثانوية والتحقيق يقود إلى اعتقال الزوج    إنذار رسمي لأرباب المقاهي بالناظور.. الأرصفة يجب أن تفرغ قبل الخميس    إيداع رئيس جماعة بني ملال السابق سجن "عكاشة" رفقة مقاول ومهندس    إصلاح الجامعة ضرورة ملحة    ألمانيا تفكك خلية إرهابية متطرفة    واشنطن تُعيد رسم سياستها تجاه سوريا: دعم مشروط ولقاءات رفيعة المستوى تمهد لمرحلة جديدة    ترامب يعلن بناء الولايات المتحدة درعا صاروخية تحت مسمى "القبة الذهبية"    الأمن المغربي يكشف عن سيارة ذكية تتعرف على الوجوه وتلاحق المبحوث عنهم في الميدان    مرصد: النسيج المقاولاتي يستعيد ديناميته بإحداث نحو 24 ألف مقاولة سنويا    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    ناصر بوريطة: البعض يزايد باسم فلسطين دون أن يقدّم حتى كيس أرز    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    حديث الصمت    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    نقل إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى زنجبار    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولاءات السياسية ومناصب المسؤولية
نشر في هسبريس يوم 17 - 10 - 2014

توصل المركز المغربي لحقوق الإنسان بجملة من التظلمات، تهم تضييقات وإقصاء وتصفية حسابات يتعرض لها بعض أطر مؤسسات عمومية، علاوة على ما يتم نشره بين الفينة والأخرى، عبر وسائل الإعلام من عزل وإقصاء، خاصة في مسألة تقديم الترشيحات للتعيين في المناصب السامية.
وبعد تقييم أولي لما يجري في بعض المؤسسات الحكومية خاصة الوزارية منها، يجدر بنا، من منطلق المسؤولية، وتفعيلا لدورنا في المساهمة في تشخيص الوضع، من خلال مبدأ الديمقراطية التشاركية، إبداء رأينا في جملة من الممارسات، قد تزيد من حدة الأزمة التي تعرفها مؤسسات الدولة، تجعلها بعيدة كل البعد عن منطق الإصلاح ومحاربة الفساد.
من خلال ما تعرفه القطاعات الحكومية، مع تباين شديد حسب شخصية من يتولى الحقيبة الوزارية، يبدو أنه، ومنذ عقود خلت، خاصة خلال العقد السابق، أن مناصب المسؤولية تمنح باعتماد معايير ليست بالضرورة مهنية، بل يطغى عليها شرط الولاءات، وأهمها الولاء الحزبي، ثم الولاء المصالحي، الذي قد يستتبعه فيما بعد ولاء القرابة أو الحزب أو هما معا.
وكما نعلم جميعا، إلى أية درجة يرهن القطاع أو المؤسسة أو أية وحدة مؤسساتية مهما صغرت أو كبرت، إلى الشخص الذي يوضع على رأسها، سواء في أدائها ومهامها، وفي تطورها، نظرا للدور الثانوي الذي لا زالت تلعبه ضوابط الاشتغال وآلية تدبير الاختصاصات، التي تكون غائبة، أو تظل حبرا على ورق لدى غالبية المؤسسات.
ففي معرض نقاشاتي خلال اللقاءات الشخصية مع المتظلمين، من أجل استجلاء حقيقة ما يجري في عملية الترشيحات لمناصب المسؤولية، بحثا عن العامل المشترك بينهم، يبدو أن ما يشتكون منه، بصرف النظر عن مدى مصداقيةتظلمهم من عدمه، تدفعنا إلى الاعتراف، بما لا يدع مجالا للشك، بأن عامل الولاء الحزبي والمصالحي وارد بقوة في عملية الانتقاء، بل قد يتبوأ المرتبة الأولى، إضافة إلى شرط آخر، لا يقل خطورة في وأد مبدأ الاستحقاق الديمقراطي، والمتعلق برضا الأجهزة على الأسماء المقترحة، حيث لا تخلو المسألة من اختلالات وحيف في مجمل الأحوال.
لقد تطبعت كثير من المؤسسات العمومية على هذا المنوال، حيث باتت الولاءات الحزبية أولوية قصوى، حيث تشعبت أغصان وجذور بارونات المواقع، وأضحت الكفاءة والإبداع والإلمام في نظرهم عدو وجب التحوط منه.
فكثيرة هي مظاهر الفساد، التي تسببت فيها هذه المقاربة التسييسية لمناصب المسؤولية، ويمكن أن نكتفي بأهمها على الشكل التالي :
بعدما يحقق السياسيون مسعاهم في بسط نفوذهم في القطاع الذي يتولونه، من خلال الدفع بمواليهم نحو تبوأ المسؤولية والمناصب السامية، تتركز أهداف من ظفروا بها إلى تأمين مصالحهم ومصالح أولياء نعمتهم، وتصبح هذه الهواجس عنوان سلوكهم بشكل تلقائي، ومن هنا، يصبح سعيهم الحثيث نحو إقصاء مناوئيهم، والزج بهم في ثلاجات التجميد، وربما تتخذ أشكال الانتقام ما هو أسوأ، كتنقيلهم بطريقة تعسفية نحو نقط متضادة جغرافيا، أو إجبارهم على القيام بمهام خارج نطاق تخصصهم، أو تلفيقهم تهما واهية لإضعاف معنوياتهم ووضع يافطة ''منبوذ'' على جباههم، فتصبح الكفاءة المهنية آخر هم يسترعي اهتمام هؤلاء، بل الأسوأ أن كثيرا من المؤسسات الحكومية باتت غير قادرة على تقييم الكفاءات، بسبب غياب أم الكفاءات، بل أضحت الكفاءة لدى الكثير منهم بضاعة يمكن استئجارها من خلال صفقات مربحة في كل الاتجاهات، فتنفق ملايير الدراهم على دراسات واستشارات، غالبا ما تجد بالكاد مكانها بين رفوف المكاتب أو في الأرشيف، دون أن تجد مكانتها على أرض الواقع، علما أن أنجع وسيلة في مجال التنظيم وتدبير المهام وتطوير الأداء، واستشراف الخطط الاستراتيجية الناجعة، هو الاعتماد على كفاءات الداخل وإدماج أكثرها إبداعا في مهمة التفكير والتصور، وهم الذين يستوعبون لغة المؤسسة، ويقدرون حجم التحديات، ويدركون المسالك الكفيلة بالإصلاح، بعد توفير فرص الاطلاع على النماذج النظرية في البناء المؤسساتي السليم.
وبصرف النظر عن موضوع مكاتب الاستشارات، الذي يلزم مقالا خاصا به، لإماطة اللثام عن وجه من أوجه الفساد، فإن العديد من أصحاب مناصب المسؤولية، يكونون بأنفسهم ضحية معادلة المصالح والمنافع بشكل اضطراري، حين يجبرون أو يدفعون بحوافز جذابة، على توقيع صفقات أو إتاوات أو منح أو مزادات، يأكلون منها نصيبا من فتات، فيما يرجع الجزء الأكبر من الغنيمة لأطراف أخرى، لا تخرج بطبيعة الحال عن نطاق الحساب الحزبي والسياسي، والخاسر الأكبر هو المال العام، والخاسر الأكبر هي ميزانية الدولة، والخاسر الأكبر هي خدمة المرفق العام، الموجهة إلى المواطن المغلوب على أمره، الذي ليس له منفذ سوى الاحتجاج، لينتظر لعبة تأديبه عن همجية صراخه، والطرق عديدة بعدد الطرق المؤدية إلى روما.
تتراكم الأفعال والممارسات، لأن عامل الزمن محدد دراماتيكي في معادلة الفساد، بل موجه لها بامتياز، فنجد أنفسنا أمام جيش أخطبوطي من بارونات المصالح في مؤسسات الدولة، ليتطور إلى ورم سرطاني متحكم في المرافق وفي دوائر صنع القرار، والطامة، حين تسعى إلى استئصاله، بنهج ذات المقاربة، أي بإقصاء المناوئ سياسيا، ويوضع مكانه واحدا من الموالين، وإن لم يكن موجودا، تضطر إلى جلبه من مواقع خارج المؤسسة، ولا ضير في ذلك، ما دام وضع مواصفات يستجيب لها العرض المستهدف كفيل بتحقيق ذلك.
من جهة أخرى، باتت تعيش العديد من المؤسسات العمومية على إيقاع المشاحنات والاحتقان، الآخذان في التزايد، وأدى ذلك إلى مزيد من التقويض في النفوس، وإشاعة حالة من تبادل أوصاف الاحتقار وتمييع التواصل المهني، فضلا عن عزوف العديد من الكفاءات، وهروب الكثير من المتورطين في صفقات مشبوهة، وإذا كنا نشكو من قبل مظاهر نهب المال العام، فإننا اليوم، بدل التصدي له وتجفيف منابعه، بطرق قانونية وديمقراطية، أصبحنا نسمع عن صنف جديد من معاناة الأطر وكفاءات الوظيفة العمومية، وهو ما نطلق عليه بالعامية "التمكريه"، فلا نحن استطعنا محاربة الفساد، وإحالة ناهبي المال العام على القضاء ليقول كلمته فيهم، ولا نحن وفرنا بموضوعية ومسؤولية وحسن نية،للكفاءات والمهارات حق إبراز قدراتها وخدمة وطنها.
لقد أضحت أفاعيل السياسيين في مؤسسات الدولة، التي تقوم بدور من أدوار المرفق العام في خدمة المواطن، سببا مباشرا في الفساد المستشري، فلا معنى لشعار محاربة الفساد والاستبداد، إذا ما كنا سنقوم بنفس العملية، أي وضع الموالين بدل المناوئين. والأدهى أن هؤلاء السياسيين، يفقدون البوصلة السليمة في تقييم الكفاءات بشكل صحيح، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.
كما أن مواطن مغرب اليوم، لم يعد يقبل بسياسة عفى الله عما سلف، لأن حجم النهب يتجاوز الخيال، وضمان منابع الإثراء، عبر تسليم المناصب بمعيار الولاءات السياسية، باتت عنوان العشر سنوات الماضية بامتياز، وحين كان المثل الفرنسي يقول "toutes choses égales par ailleurs" فإن سواعد كفاءات وهمم باتت في مقابل هذا الوضع على ضفاف الحرمان والأفول، المفضيين إلى البؤس والجحيم.
إننا ننبه سياسيينا بأن مؤسسات الأمة، التي تعتمد على الكفاءات المهنية خط أحمر، كما يتوجب على من يتبوؤون مناصب المسؤولية أن يكون ولاءهم لخدمة الوطن والمواطنين، وأن يضعوا قناعاتهم السياسية جانبا، وليتهم يبتعدون عنها ابتعادا، لأن خدمة المصالح المتبادلة من مواقع المسؤولية جريمة في حق الديمقراطية ووأد لمبدأ تكافؤ الفرص، وعلى السياسيين أن يدركوا بأن ربط المسؤولية بالمحاسبة تعني اعتماد عنصر الشفافية، والكفاءة والاستحقاق وتوفير أجواء العمل المعطاء والمبدع، فلا خير في بلد يطفئ في نفوس رجاله ونسائه شعلة الانتاج والعمل المثمر، فقد أصبح الجميع يدرك جحيم الفساد الذي بات ينخر بلادنا بسبب تفشي ظاهرة "السمسرة والتشلهيب والتبانديت" في حراكنا السياسي، وبتنا نرى أشخاصا لا يفقهون في معنى السلطة التشريعية يمتهنون منذ عشرات السنين مهنة "برلماني"، فماذا ننتظر من هؤلاء، سوى تبخيس روح المسؤولية واحتقار الهمم، والبيع والشراء في الذمم.
*رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.