سلط باحثون وخبراء من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، في ندوة نظمت أخيرا بجامعة القاضي عياض، من طرف مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية، على تجارب العدالة الانتقالية في الدول المغاربية". وتم افتتاح الجلسات العلمية بمداخلة أحمد شوقي بنيوب، الخبير الدولي في قضايا العدالة الانتقالية، والعضو السابق في هيئة الإنصاف والمصالحة، تطرق من خلالها إلى مسار العدالة الانتقالية في مجموعة من الدول المغاربية. وأكد بنيوب أن حسن استثمار السياق مكن نخبة العدالة الانتقالية من أن تحرز مكاسب هامة بالمغرب، أبرزها تمكن الهيئة من صياغة نظامها الأساسي، ومن بلورة قوة اقتراحية وتوصيات ستتم دسترتها فيما بعد. وتحدث محمد النشناش، العضو السابق في هيئة المصالحة والإنصاف ورئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، عن تجربته الميدانية في إطار جبر الضرر، وعن المعاناة النفسية التي كابدها ضحايا الانتهاكات الجسيمة، موصيا بضرورة المتابعة النفسية للضحايا ما بعد الإنصاف والمصالحة". وخصصت الجلسة العلمية الأولى التي ترأستها الدكتورة فاطمة غلمان، عضو مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، للإطار المفاهيمي والتاريخي للعدالة الانتقالية. وقدم المداخلة الثانية الدكتور محمد البزاز، الأستاذ بكلية الحقوق في مكناس، تحت عنوان "العدالة الانتقالية وجبر الضرر: تحديد المفاهيم والالتزامات" ضمن مقاربة قانونية، حيث عمل على توضيح جبر الضرر، من خلال التركيز على عناصر أساسية في علاقتها بمفهوم وشروط وأشكال جبر الضرر. وقدم المداخلة الثالثة الدكتور إدريس اسوكام، أستاذ القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي، تحت عنوان: "العدالة الانتقالية :التحدي والأهمية لتحقيق سلم مستدام"، وسلط الضوء على مسألة العدالة الانتقالية وكيفية تحقّقها، وسبل إرساء سلم مستدام. وناقشت الجلسة العلمية الثانية "العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي": بمداخلتين قدم الأولى الخبير في مجال حقوق الإنسان والمساهم في إعداد التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، عبد الرزاق روان، حول دور العدالة الانتقالية في التحول الديمقراطي. وأكد روان على وجود علاقة وطيدة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأجمل المكونات الأساسية للعدالة الانتقالية في خمس هي: الكشف عن الحقائق والأسباب التي أدت إلى الانتهاكات والاعتراف الرسمي وحفظ الذاكرة وجبر الضرر. وتناولت مداخلة الدكتور ادريس آيت الحو، الأستاذ بكلية الآداب في مراكش، تقييم سوسيولوجي سياسي للعدالة الانتقالية، من خلال تحليل سياقها، ورصد مختلف التحولات التي عرفها العالم، وساهمت في نشر ثقافة وقيم جديدة في عالم الحداثة المتقدة". وخصصت جلسة علمية رابعة للحديث عن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، من خلال مداخلات تناولت هذه التجربة بالتحليل، فقدم د.يوسف البحيري، عميد كلية الحقوق بمراكش، مداخلة عن صيرورة مسلسل العدالة الانتقالية بالمغرب منذ إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي مداخلة مشتركة للأستاذين بكلية الحقوق في مراكش د.محمد الغالي ود.الحسين اعبوشي؛ في موضوع دسترة توصيات هيئة المصالحة و الإنصاف، تم التأكيد على أن التوصيات التي خلصت إليها الهيئة يعتبر من أهم تراكمات الهيئة، باعتبارها كفيلة بتجاوز حدوث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستقبلا. ورصد د.العربي بلا، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق مراكش، تجربة العدالة الانتقالية في جنوب إفريقيا، حيث قام الباحث بتقييم التجربة من خلال الوقوف على السياق التاريخي المؤدي لبروز التجربة والتكوين والاختصاصات والدروس المستفادة من التجربة. وفي ختام الندوة أشار مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية، د.إدريس لكريني، إلى أنه تم استدعاء باحثين من ليبيا لكن الظروف حالت دون حضورهم؛ وأكد على أن أشغال الندوة ستعرف طريقها للنشر قريبا ضمن مؤلف جماعي؛ مشيرا إلى جدية الأوراق المقدمة ومتانتها، وإلى المناقشات المتميزة التي أعقبتها. وانتهت أشغال الندوة المغاربية بطرح مجموعة من التوصيات والخلاصات: تفعيل دور الجامعات في تقييم تجارب العدالة الانتقالية ومتابعة آثارها في المنطقة، وتنظيم أيام دراسية حول الحكامة الأمنية نظرا للأهمية التي أصبحت تحتلها في الظرفية الحالية، والدعوة إلى فتح الحدود المغربية الجزائرية.