"عطيني صاكي.. باغية نماكي".."إنت باغية واحد".."ضرب الشيشة وصبح منك".."خويا حك لي نيفي"، هي عناوين أغاني مغربية تحتل بعض جنبات "اليوتيوب" الذي لم يتحوّل فقط إلى أشهر تلفزيون في العالم، بل صار كذلك أشهر قناة مخصصة للأغاني باحتضانه آلاف المقطوعات الموسيقية. غير أن المثير في الأمر ليست العناوين المذكورة في حد ذاتها، بل نسب المشاهدة التي تسير نحو أرقام مهمة. هكذا يظهر الإقبال الكبير على الاستماع لمثل هذه الأغاني، مقابل إقبال أضعف على أغاني أخرى يصفها المتتبعون بالأكثر التزاماً والأكثر احتراماً لأساسيات الموسيقى، رغم انتساب أصحابها وصاحباتها إلى الجيل الحالي، الأمر الذي قد يطرح الكثير من الأسئلة عن تحوّلات جوهرية في الأذواق الموسيقية للمغاربة. من الأغاني التي حازت مؤخراً على نسب مشاهدة عالية، تلك المعنونة ب"خويا حك لي نيفي"، التي تؤديها مجموعة تسمى "Barbapappa"، والتي تدخل في إطار ما يعرف في ب"Parodie"، وهو مصطلح يعني إعادة عمل فني بطريقة كوميدية ساخرة. في هذا الإطار، يُرجع حمزة الماليكي، عضو المجموعة، اختيار هذا النوع الفني إلى المزج بين موسيقى ثقافات متعددة كالأمازيغية والدقة المراكشية والهندية والإفريقية، وتقديمها للمشاهد بشكل ساخر يندر في "اليوتيوب" المغربي. لكن ماذا عن الانتقادات التي قد توّجه لمثل هذه الأغاني التي تستعمل معجماً غير مألوف في المجال الغنائي؟ يجيب حمزة بأن المزج بين الموسيقى المغربية وأنواع أخرى من ثقافات متعددة بطريقة كوميدية يعدّ "نوعاً من الانفتاح على فنون الشعوب الأخرى بطريقة سلسة"، مضيفاً أن اختيارهم لكلمات الأغنية، يعود أولاً إلى تطابقها من ناحية النطق مع كلمات الأغنيات الأخرى، وثانياً إلى كميّة الكوميديا التي توّفرها. في الجانب الآخر، يعترف عبد القادر بوجندار، أستاذ التربية الموسيقية بإعدادية يوسف بن تاشفين بالخميسات، بتغيّر أذواق المستمعين المغاربة، وبأن الأغنية المغربية كانت تقدم سابقاً بالألوان الموسيقية المحليّة أو الشرقية، أما الآن فقد دخلت عليها ألوان موسيقية غربية صارت "تهدد الإيقاع المغربي بالاندثار". ويضيف بوجندار أن المغرب كان يتميز بتنوّع موسيقاه خاصة مع اعتزاز كل منطقة داخله بموروثها الفني، أما الآن فقد "تحوّلت الأغنية المغربية من شكلها المعروف إلى شكل بالغ البساطة، بطريقة صارت تعتمد فيها على مقامات بسيطة لا تتناسب مع طابعها"، مشيراً إلى أن الانترنت وشركات الانتاج "غلّبا ثقافة العين على ثقافة الأذن، لدرجة أن معيار "النجاح" كثيراً ما صار يلتصق بالفيديو كليب، بينما كانت إمكانيات المغني الصوتية هي ما يصنع نجاحه سابقاً". ويستطرد أستاذ التربية الموسيقية:" التلفزيون كان يقدم المقاطع الغنائية بشكل مؤطر، أما الآن، فقد صار الانترنت يمكّن الشباب من الاستماع لما يريد. لذلك يجب توجيه الجيل الحالي إلى الاستماع لما هو راقي في الموسيقى، وبعد ذلك يمنح حرية الاختيار في الاستماع لما يشاء، لأن المطلوب حالياً هو أن يعلم الشباب المغربي بوجود أنواع موسيقية أكثر إبداعاً ممّا ينتشر بشكل مهول في الانترنت". وتطرح مسألة الأذواق الموسيقية عند الشباب المغاربة سؤالاً يتعلّق بتمييزنا للذوق الجميل من الذوق الرديئ، خاصة وأننا ألفنا استعمال عبارة "الأذواق لا تناقش". حول هذه الجزئية، يقول مصطفى الصلامور، استناداً إلى فن "الصلام" الذي يمارسه، إنّ الفرد لا يمكن له أن يتعامل بحيادية عندما يصف نوعاً موسيقياً بالراقي وآخر بالرديء، ف"لكل واحد معاييره الخاصة التي تتأثر بكثير من العوامل، منها التربية، مسار الحياة، نوعية الإعلام الذي يشاهده، المحيط، التأثر بعمليات التسويق.. وما إلى ذلك" يقول المتحدث. ويمضي مصطفى في الشرح أكثر ب"ضرورة وضع الموسيقى الشعبية المغربية في سياقها، خاصة مع ما تثيره من جدل في ألحانها وكلماتها، فغالبية فناني الشعبي لم يدرسوا الغناء ومنهم من لم يكمل حتى دراسته، بينما في الجانب الآخر، لم يتشبع عموم المغاربة بآليات التذوق الموسيقي". زد على ذلك أن " المنتجين يبحثون عن الربح أوّلاً، وهمهم صناعة نجوم يخلقون ضجة إعلامية حتى لو مرّ ذلك عبر أساليب غريبة " يستطرد مصطفى. ويطرح مصطفى بعض الأفكار للحفاظ على كميات الإبداع في الموسيقى، ومن ذلك قيام الإعلام بدوره في التأطير، تعميم التربية الموسيقية على كلّ المؤسسات التعليمية، توجيه الأسرة، تقوية المراكز الثقافية، استراتيجيات حكومية تعنى بالموسيقى، مجتمع مدني نشيط في الميدان الفني.. وغيرها من الأفكار التي قد تغلق الأبواب أمام رياح "تسمية أيّ شيء بالموسيقى لمجرّد الربح المادي".