تعودنا منذ عقود على مسألتين اثنين عند قراءة التقارير والمواثيق ومشاريع الإصلاح المتعلقة بالمنظومة التربوية هما : المقدمات المدبجة بالكلام المنمق، والعبارات الأدبية الرنانة والفضفاضة، المشفوعة بالتزكيات القبلية والمجانية. (أنظر على سبيل المثال مقدمة الميثاق الوطني الأخير 99-2009. 2-الاهتمام بالمشكلات المتعلقة بالمهارات البيداغوجية والقضايا التربوية الشكلية وغض الطرف عن القضايا الجوهرية المتعلقة بالقيم الوطنية والأخلاقية الكبرى التي تصنع الإنسان وتصون المجتمع وترتقي بالأمة.د والمواطنون اليوم، والآباء والتلاميذ والطلاب يتطلعون إلى برامج عملية حقيقية وواقعية تعالج الأزمة التعليمية من داخلها. وتستمد قوتها بمواجهة المشاكل المزمنة وليس المشاكل الجانية. ومن أهم المشاكل المزمنة ما يلي: 1-التبعية المؤلمة المفروضة على الدول المتخلفة من قبل الغرب الذي نجح في استبدال الاستعمار السياسي والعسكري بالاستعمار الاقتصادي والثقافي، وقد انتبه إلى ذلك بعض رواد الحركات التحررية في إفريقيا والعالم الثالث. ومنهم جوليوس نيريري الذي قال:"أشك أحيانا في أهداف التعليم ونجاحه بالنسبة الينا في إفريقيا، وقد يكون الهدف الخفي هو أن يحولنا إلى أوروبيين سود أو أمريكيين سود... الخ. 2-إقرار الفرتكفونية في برامج التعليم، وهي مأساة التعليم في المغرب. 3-سيطرة فكر النخبة بالرجوع إلى مكونات الشعب المغربي، وقد نجح الاستعمار الفرنسي أيضا في بث النعرات بين هذه الطوائف الامازيغية، والعروبية، والموديسكية وذلك بواسطة المناهج التعليمية والثقافية الرائجة في المجتمع المغربي. 4-الخضوع للتوافقات العقلية بين الأطراف الحزبية والنقابية وبعض الفعاليات المدنية. 5-الاعتماد المتواصل على توصيات صندوق النقد الدولي الذي يخدم مصالح الدول الغربية المانحة للمساعدات المالية والقنية من منظوره البراغماتي على حساب مصلحة الدول المتخلفة. 6-الاعتماد على مكاتب الدراسات والخبرات الأجنبية، وإهمال الطاقات الوطنية. هذه بعض العوامل المساهمة في استمرار مشكل التربية والتكوين في بلادنا ولا يمكن جل مشكلات التعليم إلا بحل هذه المعضلات والمعوقات الجوهرية ولنا في التجربة التركية والماليزية والبرازيلية أحسن مثال للانتقال من التخلف إلى مجال التنمية الواسع عندما أنهت هذه الدول علاقات التبعية للغرب واعتمدت على مواردها وقدراتها البشرية والاقتصادية والثقافية. فينبغي إذن: التحرر من الهيمنة الاستعمارية ورد الاعتبار للشخصية الوطنية ولو أدى الأمر إلا الزهد في بعض مظاهر الترف الحضاري الغربي. 2-استبدال السياسية التعليمية والثقافية الفرنكفونية باللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية، والاعتماد على اللغة الانكليزية المنتشرة عالميا في تلقين العلوم والتكنولوجيا في إطارها الوظيفي وليس التكويني الثقافي واللغوي، والانكلوفونية أهون بالنسبة الينا من الفرنكفونية. ثم مقاومة التيارات المتطرفة الداعية إلى استبدال اللغة العربية باللهجات الدارجة والأمازيغية التي تحطب في حبل الفرنكفونية. 3-قطع الطريق أمام الفئوية والحزبية الضيقة التي ما تزال تنخر هذا القطاع الحيوي. 4-رفض التوافقات المبنية على النفاق والمحاباة وجبر خواطر هذه الجهة أو تلك، والاحتكام إلى الموضوعية في تنزيل القوانين ووضع الأحكام وإصدار التقارير. فلا يوجد طريق لحل أي مشكل سوى بالتزام الحق والعدل والمصلحة العليا للوطن بواسطة التعليل العلمي والمنطقي للأشياء والوصول إلى قناعات محددة ومضبوطة. 5-الاعتماد على الخبرات الوطنية والأطر الإدارية والتربوية المغربية عوض مكاتب الدراسات والخبرات الأجنبية التي تتفق عليها الدولة أموالا طائلة والانطلاق في نفس الوقت من الواقع المغربي والأرضية التي يعيش فيها المواطن والتلميذ والطالب والأستاذ وأولياء التلاميذ وعدم اللجوء إلى إسقاط التجارب التربوية المستوردة على واقع لا يمت إليها بصلة والتي يفرضها البنك الدولي أو يقترحها تبعا لمصالح الدول الكبرى. تلك بعض الحيثيات التي تبحث في الجذور العميقة للإصلاح اكتفينا بالإشارة إليها فقط. أما الفروع، والقضايا التربوية والإدارية وتصحيح الهياكل الإدارية والتربوية، والتوازن بين التكوين الروحي والمادي والبرامج والمناهج الدراسية ولغة التدريس وتدريس اللغات. وطرق تطوير اللغة العربية، وإعطاء اللغات الأجنبية حجمها الطبيعي في المدرسة المغربية، وتشجيع التعليم العمومي ومراقبة التعليم الخصوصي ومدارس البعثات الأجنبية التي يتعلم فيها أبناء المغاربة ومشكلة التعليم القروي والهدر المدرسي والتكوين المستمر وغيرها من الموضوعات ذات الطابع البيداغوجي فإنما يمكن حلها بسهولة عند معالجة الاشكالات العميقة التي أشرنا إليها لأنها ليست أسبابا كما يعتقد المسؤولون ولنا عودة إن شاء الله إلى هذه القضايا الفرعية. -جامعة محمد الأول _ وجدة