تنفيذا للتوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الأخير للملك بمناسبة عيد العرش، دعا عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات إلى الشروع، "في أقرب الآجال"، في إطلاق سلسلة من المشاورات مع مختلف الفاعلين المعنيين على مستوى دوائرهم الترابية من أجل إعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة. وأكد لفتيت، في مراسلة إلى المسؤولين الترابيين المذكورين، أن "هذه البرامج ينبغي أن تقوم على تضافر جهود جميع المتدخلين، وأن تُبنى على أولويات محددة بوضوح ومشاريع ذات أثر ملموس تشمل بالأساس تعزيز التشغيل من خلال إجراءات ومشاريع تلائم المؤهلات الاقتصادية وخصوصيات كل مجال ترابي، وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية لا سيما من خلال تحسين قطاعات التعليم والتدريس والولوج للرعاية الصحية، كذا التدبير الاستباقي والمستدام للموارد المائية. وأوضح المسؤول الحكومي عينه أن هذا المسار ينبغي أن يستند إلى مقاربة تشاركية ومجالية؛ من خلال عقد لقاءات تواصلية ومشاورات مع الفاعلين الترابيين المعنيين (المنتخبون، المصالح اللاممركزة للدولة، المؤسسات العمومية، المقاولات العمومية، الجامعات...)، بهدف تحفيزهم وإشراكهم في فهم منهجية إعداد هذه البرامج، وإدراك الرهانات المرتبطة بتنفيذها. وبحكم اندراج هذا "الورش الاستراتيجي" في سياق سوسيو- سياسي وزمني خاص يسبق الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، فقد دعا لفتيت إلى احترام عدد من القواعد والضوابط؛ ضمنها إعداد هذه البرامج الجديدة بما يتماشى والتوجيهات الملكية، مع الحرص على اتساقها مع النموذج التنموي الجديد، وأن يتم ذلك على مستوى العمالة أو الإقليم "بحكم موقعهما المحوري في التنظيم الترابي". وشدد على أنه "يتعين تعبئة وانخراط جميع الفاعلين المحليين المعنيين، بشكل نشيط ومتواصل (المصالح الخارجية، المنتخبون، الفاعلون الجمعويون، الفاعلون الاقتصاديون، إلخ)، مع الحرص في الوقت نفسه على تفادي أية محاولة محتملة لاستغلال هذه البرامج لأغراض سياسية أو انتخابوية ضيقة". وذكرت المراسلة، أيضا، أنه "يتوجب على هذه البرامج أن تعتمد استهدافا دقيقا للفئات السكانية، استنادًا إلى تشخيص ترابي محين (مونوغرافيا محينة، مؤشرات رئيسية، مستوى التنمية، استهداف الفئات، المؤهلات الاقتصادية، تحديد الحاجيات)". وأكد على ضرورة "إيلاء اهتمام خاص للمناطق القروية التي لا تزال تعاني من أشكال الفقر والهشاشة، نتيجة لضعف البنيات التحتية ونقص التجهيزات الأساسية". تنزيل توجيهات أعلن الملك محمد السادس، في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2025، أنه وجه الحكومة إلى "اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية". وينبغي أن تقوم هذه البرامج، وفق الملك، "على توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات تأثير ملموس". عبد الفتاح الثقة، دكتور باحث في الحكامة الترابية، أكد أن "مراسلة وزير الداخلية إلى الولاة والعمال تأتي تماشيا مع التوجيهات الملكية، وتحدد خطة طريق للمضي قدما في تنزيلها". وأضاف الثقة، في تصريح لهسبريس، أن "التوجيه باعتماد التخطيط لبرامج التنمية المندمجة على مستوى كل عمالة على حدة يهدف إلى ضمان أن تكون هذه البرامج قريبة من احتياجات المواطنين"، مفيدا بأن "الاشتغال بهذا الشكل يعد بتشخيص محلي وميداني مضبوط لكل ما تحتاجه الساكنة المحلية على صعيد قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل". ولفت الباحث نفسه إلى أن "التخطيط على المستوى الجهوي أثبت أنه يهمل في كثير من الأحيان الخصوصيات المحلية للأقاليم"، مردفا أن "العمل على الصعيد المحلي تبرز أهميته البالغة إذا ما استحضرنا مطالب آيت بوكماز مثلا، التي قد تظهر لنا بأنها بسيطة؛ ولكنها ضرورية ومحورية بالنسبة للساكنة". حاجة ملحة عزيزة العواد، خبيرة معتمدة في التنمية الاقتصادية والبشرية، قالت إن "المغرب بدأ بالجهوية المتقدمة التي خصّها الملك بالذكر في أكثر من 40 خطابا، كخطوة كبيرة قلّصت عدد الجهات من 16 إلى 12′′، موضحة أنه "رغم الصلاحيات الموسعة التي منحت لهذه الوحدات الترابية، فإن مناطق عديدة ما زالت لا تصلها التنمية بفعل خصوصياتها المحلية كآيت بوكماز والحوز مثلا". وأضافت العواد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "زلزال الحوز، مثلا، بيّن أن ساكنة القرى والمراكز الحضرية بهذا الإقليم لم تصلها التنمية، رغم أن السلطات كانت تأخذها بعين الاعتبار في الاستراتيجيات والتحركات الجهوية". وشددت الخبيرة المعتمدة في التنمية الاقتصادية والبشرية على "ضرورة سنّ سياسات عمومية ذات طبيعة إقليمية، إلى جانب الجهوية والمركزية"، لافتة إلى أن "هذا كان منظور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك اللجان الإقليمية والمحلية للتنمية التي لا تهدف فقط محاربة الفقر بل تحقيق التنمية". وأبرزت المتحدثة عينها أن "هذا التوجه يجب أن يحكم كل عمالة وإقليم، موازاة مع توجيه السياسات العمومية نحو إعطاء نظرة شاملة على الأولويات، واستحضارها لاحتياجات كل مجال ترابي محلي مغربي".