انعقاد مجلس الحكومة الخميس المقبل    مندوبية التخطيط : ارتفاع ملحوظ للناتج الداخلي الإجمالي وتوزيع الدخل في المملكة    المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الخريفية بالرباط    "أسد" .. تميمة كأس إفريقيا بالمغرب    اللاعب الدولي الهولندي السابق إبراهيم أفيلاي: المغرب "لن يرضى بأقل من لقب كأس إفريقيا"    الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة    سليلة تارجيست سهام حبان تنال الدكتوراه في القانون بميزة "مشرف جدا" مع توصية بالنشر    كان 2025 .. الموزمبيق تكشف عن قائمة لاعبيها ال 25    عروض دولية ووطنية متنوعة بمهرجان النون الدولي للمسرح بالفقيه بن صالح    من أجل كرامة مغاربة الخارج... برشلونة تستقبل فعاليات الجالية المغربية بأوروبا    رسميًا.. الشروع في اعتماد البطاقة الوطنية لتبليغ المتقاضين بالإجراءات القضائية    الدار البيضاء… افتتاح معرض الفنون التشكيلية ضمن فعاليات مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير    أسطول جديد لكسر حصار غزة يبدأ الإبحار في أبريل 2026    المنتخب الوطني الرديف على المحك أمام السعودية في الجولة الأخيرة لكأس العرب        الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 03/23 ورهان صون الحقوق والحريات    مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    المغرب لن يكون كما نحب    ضمنها المغرب.. تقرير يكشف تعرض شمال إفريقيا لاحترار غير مسبوق    مولودية وجدة يحسم الديربي لصالحه ويعزز موقعه في الصدارة    أولمبياد لوس انجلوس.. لقجع يكشف اسم مدرب المنتخب الأولمبي    غضب وانقسام داخل ريال مدريد بعد الهزيمة... وتصريح يكشف تفاصيل صادمة من غرفة الملابس        مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    قتيل وجرحى في حادثة سير باشتوكة أيت باها    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    فرنسا.. تسرب مياه بمتحف اللوفر يتسبب في إتلاف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية    مجلس المنافسة يفاجئ فاعلين في قطاع الدواجن بزيارة ميدانية    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    رياض الأطفال بوابة جديدة لتمكين النساء اقتصاديا وابن يحيى تكشف أرقاما غير مسبوقة    عزوف الشباب عن العمل يدفع لندن لإلغاء إعانات البطالة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        لفتيت يستبق انتخابات 2026 بحركة تنقيلات واسعة لضبط الإدارة الترابية    النفط يصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    الاتحاد المغربي للشغل يخلّد الذكرى ال73 لانتفاضة 8 دجنبر 1952    ساركوزي يكشف: الملك محمد السادس أول من اتصل بي بعد الحكم علي بالسجن.. كان متأثّراً وصوته يرتجف من الصدمة    اغتيال "شاهد" بجنوب إفريقيا يحيي السجال حول مسألة حماية المبلغين    كاتبة إيطالية تعرّض لحادثٍ مروّع أثناء زيارتها إلى مراكش تنشر شهادتها عن تجربة إنسانية غير متوقعة    كيوسك الاثنين | الاجتماع المغربي – الإسباني يؤكد انتعاشا اقتصاديا    "إيكواس" تشر قوات احتياطية في بنين    المغرب ضد السعودية.. نهائي قبل الأوان في سباق الصدارة            اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك    ثورة في عالم الطب .. علاج جديد يقضي على سرطان الدم تمامًا    إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    التكنولوجيا وتحولات الفعل السياسي في المغرب: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع    تتالي الصفعات لنظام الكابرانات!    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية وبناء الذات المغربية
نشر في هسبريس يوم 24 - 12 - 2015

ما زالت كتب التاريخ، في المغرب، تتحدث للتلميذ المغربي عن الفترة الفينيقية والرومانية والوندالية والبيزنطية والأموية والعثمانية. وكأنها تريد، وفعلا تنجح، في أن تقنعه بأن التأريخ للمغرب هو غير التأريخ لسكانه عبر العصور!
إن هذه المقاربة الغيرية لوجود المغاربة تحتاج إلى نقد عميق للسياسات التعليمية المتعاقبة على تدبير التعلمات المتعلقة بالهوية وتأثيرها السلبي على كل التعلمات. وتحتاج إلى نقد ذاتي واضح من طرف الدولة. لأن ذلك هو وحده السبيل القادر على استرجاع المغاربة للصورة «الموضوعية» لذواتهم والاعتزاز بإنجازاتهم التاريخية ليستطيعوا القيام باجتهادات وإبداعات في الظرفية الحالية، ضمن المجتمع الدولي دون تبعية أو شعور بالنقص أو استعلاء موهوم.
من هذا المدخل البسيط، ونحن في يم النقاش حول القوانين التنظيمية المفعلة للتحول الرسمي للأمازيغية، يمكن أن نرى كل الاختلالات و«اللاعاديات»، التي صارت بحكم «السيف» و«الفلقة» أمورا عادية! يلقنها الجامعي للطلبة؛ ويدخل بها الطلبة إلى مراكز التكوين؛ ويدرسها المتخرجون للتلاميذ. والنتيجة نمو الأطفال المغاربة في كنف غيرهم من اللغات والثقافات والقيم والتطلعات.
من هذا المدخل البسيط يمكن أن نفهم المفارقات التي نحيا بها دون حرج. وذلك من قبيل أن واقعنا الموضوعي، بالمعايير المتعارف عليها دوليا، الذي يدل على وجود فئة ما تحت عتبة الفقر بيننا بحجم غير مقبول، ونحن واهمون بأننا أخير الناس! كذلك يمكن أن نفهم كيف أن الفساد والرشوة والمحسوبية، ودائما بالمعايير الدولية، تنخر دواليب الأعمال والأفعال، ونحن واهمون في أن الآخرين هم الذين ذهبوا، لأن أخلاقهم ذهبت! كذلك يمكن أن نفهم كيف أن لغاتنا تنقرض وثقافتنا تحتضر تحت أنظارنا، ونعتز ب«لو تابي بيربير» أمام السواح! وكأننا حراس المتحف الذين يجهلون ما بجواه! لكننا لا نرى تناقضا بين كل ذلك والاعتزاز بأننا من أكثر الحضارات عراقة!
من هذا المدخل البسيط، أيضا، يمكن أن يرى الذي يمتلك قدرات وكفاءة «عادية»، المكانة المرموقة التي تحتلها الغربة الثقافية في مجالس «القراية» والتحنيط اللغوي في المجالس اللغوية والأمية العلمية عند الحاصلين على الباكالويا العلمية والغباء الأدبي والفني عند الحاصلين عليها في الآداب!
كيف يمكن، إذن، أن نتقدم إذا لم نطور معارفنا ونسلح عقولنا بالعلم والنظر النقدي والإبداعي؟ كيف يمكن أن يكون لنا هذا النظر ونحن لا نستخدم عقولنا في الروض (عندما يتوفر!) والمرحلة الابتدائية، لأننا مشغولون عنه بتعلم اللغة (بالتعريف)؟ كيف يمكن أن نتعلم اللغة (كيفما كانت!) ونحن نهمل لغاتنا ولا نعتبرها موضوعا للاكتساب والصقل وتحسين التفكير؟ كيف نريد كذا ... ونحن نعوقه بكذا ...؟
إن المنطق البسيط يؤكد أننا إذا تخلينا أو أهملنا ذواتنا اللغوية والثقافية، فإن من المستحيل (زعما impossible) أن نتطور! لأننا آنذاك سنكون أمام اختيارين لا ثالث لهما: إما أن نتدهور بتدهور مكوناتنا اللغوية والثقافية أو أن نتطور خارج مكوناتنا اللغوية والثقافية. والاستحالة تأتي من أن الذي يتطور في الاحتمال الثاني ليست ذواتنا بل ذوات غيرنا!
لقد عبر جيراننا وأشقائنا (بالمعنى البيولوجي) الإسبان عبر التصويت على بوديموس، التي تعني (نستطيع، وتذكرنا ب(Yes ! We can) التي أطلقها أوباما في ؤزا) عن رغبتهم في الحياة بالقدرة وليس بالتعجيز والتواكل، بعد أن حققوا الإطار، وما زال في طور التحسين، القادر على إغناء التفكير في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والمدنية والبيئية: يعني دولة الحق والقانون.
فهل يشكل القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي طاله الإهمال غير المبرر بداية مشوار ما نستطيع فعله كمغاربة؟ وهل يشكل القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي سبق صنوه الكبير دون مراعاة لقيم الاحترام والتراتبية القانونية، أن يشكل خطورة على طريق استبدال عقدة النقص، التي نعيشها، بالشعور بالنقص الذي يدفع إلى المزيد من التقدم والازدهار للذات المغربية الفعلية (تبعا للتمييز الذي وضحه أدلر بين عقدة النقص والشعور به)؟
إن التساؤل حول ما إذا كان المجلس والقانون التنظيمي سيمكننا من الخطوة الأولى على طريق تفعيل قدراتنا وكفاءاتنا، بهذه الصيغة، ما زال يحتفظ بتعلمات الاتكالية التي نجحت المدرسة في تقويتها. لذلك من الأفضل تعديل السؤال على الشكل التالي: هل يستطيع كل فرد أن يقوم بالخطوة الأولى على طريق تفعيل قدراته وكفاءاته بالتدريب على التمييز بين الصالح والطالح وتفعيل النقد، بالمعنى الذي تحدث عنه بلوم، وتقديم الاقتراحات البناءة واستجماع الأنفاس لتسييدها بالممارسة السياسية و\أو الاقتصادية والاجتماعية والمدنية؟
الجواب نعم ! ذلك لأننا إنسان، فإننا، كمغاربة أيضا، نستطيع! نستطيع أن نطور لغاتنا (بما فيها ديال الحياة د بصح) لأنها القنوات الضرورية لكل تطور معرفي، والذي دونه لا يمكن للتقدم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أن يكون. أو على الأقل، أن يكون بالوتيرة القادرة على مسايرة التنافسية في عصر مجتمعات المعرفة.
إنه تحدي عميق يحتاج إلى استراتيجية شاملة، تتدخل فيها السياسة التربوية والبرامج الدراسية والمهارات التعليمية والطرق البيداغوجية والمقاربات الديداكتيكية، من أجل إعادة الاعتبار للذات المغربية لتتمكن من الدخول إلى حلبة المنافسة الدولية بهوية غير مهزوزة وقابلة للتفاعل مع مختلف المكتسبات الإنسانية بعيدا عن كل شوفينية انكماشية أو عنصرية مدمرة. وهذا كله يحتاج إلى تأهيل تفكيري قادر على تنويع مداخل التحليل. ليس مدخل درس التاريخ هو المدخل الوحيد، بل هناك مداخل متعددة، تتضافر جميعها من أجل فهم ما يجري، لنعيد توجيهه نحو بناء الذات والتقدم وسعادة الإنسان.
*فاعل مدني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.