تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة الأراضي المنخفضة والملكة ماكسيما بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراة اتحاد العاصمة الجزائري    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    تعليمات خاصة من الكاف لمراقبة الصغيرة والكبيرة فديبلاصمون اتحاد العاصمة للمغرب تفاديا لتزوير الحقائق وكذوب الكابرانات    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    من بينهم الرجاء والوداد.. "الفيفا" تمنع 12 فريقا مغربيا من التعاقدات    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    طلبة الطب يقررون تعليق كل الخطوات الاحتجاجية وفسح المجال للحوار    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا" بالعرائش    أخنوش.. هذا ما يمنع الزيادة في أسعار "البوطاغاز"    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    زلزال استقالات يضرب الخارجية الأمريكية بسبب دعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    القبض على مطلوب في بلجيكا أثناء محاولته الفرار إلى المغرب عبر إسبانيا    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الملتقى الوطني الثاني حول اللغة العربية بفاس..اللغة العربية صمام أمان لحفظ الأمن الثقافي بالمغرب
نشر في التجديد يوم 08 - 03 - 2011

أكد متخصصون وأساتذة جامعيون، على أن اللغة العربية صمام أمان، لحفظ الأمن الثقافي بالمغرب، وخلصت توصيات الملتقى الوطني الثاني للغة العربية، الذي نظم الثلاثاء والأربعاء الماضيين بفاس، ونظمته الجمعية المغربية للغة العربية فرع فاس، بتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله، في موضوع ''دور اللغة العربية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب''، خلصت التوصيات- إلى دعوة المؤسسات التعليمية، وعلى رأسها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إلى اعتماد اللغة العربية، في جميع الوثائق الإدارية والتربوية، تفعيلا للمذكرات والقرارات الوزارية الصادرة في شأن تعريب الوثائق والمراسلات الوزارية، وكذا دعوة مجلس مدينة فاس، إلى تفعيل القرار الذي أعلن عنه السنة الماضية، القاضي باعتماد اللغة العربية في كل اللافتات والإعلانات واللوحات الإشهارية وواجهة المؤسسات والمحلات التجارية، وتوصيات أخرى.
نحو تأهيل اللغة العربية
أشغال الملتقى الوطني، شهدت أيضا إلقاء عرضا لموسى الشامي، رئيس الجمعة المغربية لحماية اللغة العربية، حول ''تأهيل اللغة العربية في ضوء التأمين الثقافي بالمغرب''، المتدخل انطلق من تحديد مفهوم للتأهيل، إذ اعتبر أن هاته العبارة تظل غامضة، وتحتاج إلى تفسير أو إلى توضيح أو إلى تأويل، وأن ''تأهيل'' اللغة العربية يعني أن شيئا ما ينقصها، وهذا الشيء هو الذي يعرقل تأديتها لمهامها، وبالتالي فهي حسب هذا التعبير، مشلولة لا تقوى الآن، في ذهن من يستعمل عبارة التأهيل، على القيام بما يمكن أن تقوم به إذا أهلت، أي إذا تغير شيء فيها، أو إذا غير أصحابها شيئا فيها، أو إذا هم غيروا بعض مواقفهم منها، يمكن أن تصبح لغة ذات حيوية''، ولفت موسى الشامي الانتباه إلى أن العبارة يمكن أن توحي أيضا بأن اللغة العربية لم تكن لها أي أهلية، ''قدرة، كفاءة، قوة...''، فوجب الاستدراك والعمل على أن تكون لغة قادرة على مواكبة التطور الحديث، ومن أجل تبيان إشكالية تحديد مفهوم ''التأهيل''، ويرى الشامي أنه يجب الرجوع بالضرورة إلى اللغة العربية كبنيان وككيان أو نظام قائم بذاته، وكذا إلى المحيط أو المناخ المادي والبشري الذي تعيش فيه هذه اللغة، من أجل ذلك، تساءل الشامي عن الغاية من الحديث عن تأهيل اللغة العربية، وأكد أن طرح السؤال يأتي على بينة من ''ضعفنا وتأخرنا مقارنة مع أمم أخرى، سبقتنا في التقدم بلغتها''، يضيف المتحدث، ''ونعتقد جازمين أن اللغة العربية هي سبب هذا الضعف، وفي نفس الوقت نهفو إلى أن نقود صراع التنمية ومعركة التطور والنماء بهذه اللغة، دون غيرها، لأننا نؤمن أننا نحن هم اللغة العربية واللغة العربية هي نحن''. من جهة أخرى، اعتبر الشامي أن واقع اللغة العربية يقول إنها، بعد أن كانت اللغة الأولى في العالم، فيما أسماه الغرب اعتباطا بالقرون الوسطى، وبعد دخول العالم العربي والإسلامي في سبات طويل وغيبوبة عميقة، ''استرجعت أنفاسها في أوائل القرن العشرين، وبعد فترة نقاهة، تجد نفسها اليوم تعاني من بعض بقايا هذه الغيبوبة الطويلة''، وذكر المتحدث بحادث سقوط غرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، إذ لم يكن العالم يعرف في ذلك الوقت لغة اسمها ''اللغة الفرنسية''، وهي اللغة التي يحاول البعض، يقول الشامي، ''إحلالها محل اللغة العربية في شمال إفريقيا، وهي التي لم يستقم عودها إلا في أوائل القرن السابع عشر، ولازالت اليوم تعاني من مشاكل، سواء في إملائها المعقد أو نحوها المتشعب''، بالمقابل يرى الشامي، أن ما تعرفه اللغة العربية من مشاكل، يمكن نعتها بالمشاكل ''الخارجة عنها''، أي أن مشاكلها غير متعلقة بها كلغة، ولا علاقة للغة بها، وتطرق الشامي إلى أربع عوائق تعرقل تقدم اللغة العربية، وهي ''عوائق خارجة عنها، ولا علاقة لها ببنية اللغة العربية''، وهاته العوائق هي الأمية والاتكالية في الحقل العلمي والنفوذ اللغوي الأجنبي والتيه السياسي لأصحاب الحل والعقد في العالم العربي، فبالنسبة للنفوذ الأجنبي، اعتبر المتحدث، أن هناك دور سلبي كبير تلعبه الدول الاستعمارية القديمة، والتي ''تأمل لأن تعود لغاتها إلى مستعمراتها السابقة، وتعمل جاهدة وبكل الوسائل من أجل ذلك، وترى في اللغة العربية منافسا شرسا لها''، وهو حال اللغة الفرنسية بالمغرب، يضيف الشامي، ''إذ أصبحت بسبب هيمنتها على جميع المجالات الحيوية، هي اللغة الرسمية الفعلية للبلاد، بينما تعتبر العربية لغة رسمية على الورق فقط، من أجل ذلك استعملت فرنسا كل ذكائها ونفوذها المالي لترسيخ لغتها في الواقع المغربي، حيث كونت في مدارسها نخبة مغربية فرانكفونية''.
وخلص رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، إلى أنه لا بد من انتفاضات لغوية، وحاجة إلى التنسيق بين علماء اللغة العربية، للضغط على أصحاب القرار، والدفع في اتجاه إنتاج المعرفة، وتأهيل الإنسان العربي أولا، وانتشاله من براثين الأمية المتفشية في العالم العربي، والتي هي العدو اللدود للغة العربية.
التحصين سبيل تحقيق الأمن الثقافي
اعتبر عبد الحي بنعمور، رئيس المجلس العلمي المحلي بفاس، أن انعقاد الملتقى الوطني من لدن مؤسسات علمية وثقافية، لمناقشة دور اللغة العربية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب، يعني أن المهتمين بالشأن الثقافي يريدون من جديد أن يعبروا عن واقع اللغة والثقافة العربية وما تجتازه من أزمة تهدد هوية الأمة في بعض مقوماتها، ويعلنوا عن التذمر والرفض لهذا الواقع المرير الذي آلت إليه اللغة والثقافة العربية، والتي اعتبرها لغة الوحي والتراث والفكر، وهو الواقع الذي أصبح يهدد الأمن الثقافي والوجود الحضاري للأمة، واعتبر رئيس المجلس العلمي أن مفهوم الأمن الوطني لأمة من الأمم، أصبح يتشكل اليوم من منظومة مترابطة يتداخل فيها الغذائي مع الأمني، والاجتماعي مع السياسي، وكذا اللغوي والثقافي والحضاري، الذي يعتبر حجر الزاوية في بناء شخصية الأمة، والحفاظ على هويتها وقيمها الدينية ومثلها الأخلاقية، وأكد المتحدث أن التفريط في حفظ الأمن الثقافي الذي سبيله لغة الأمة، ووعاؤها الديني والفكري والتراثي، يعتبر تهديدا لأمنها العام، وانتكاسة خطيرة لقيم الوحدة وعرى التآلف والائتلاف. من جهة أخرى، تحدث عبد الحي عمور عن الاختراق اللغوي والثقافي والديني للأمة العربية وللمغرب كجزء من هاته الأمة، وشدد على أن هذا الاختراق يهدف إلى تمزيق وحدة الأمة لأغراض تنصيرية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية توسعية، ''بحكم أن الأمة وأعداءها والمستلبين من بعض أبنائها، يعرفون أن سبيل تحقيق الهيمنة وتمزيق الوحدة، وإبعاد الأمة عن دينها وقيمها، هو ثقافي لغوي''، وأضاف المتحدث قائلا ''إنهم يعملون جاهدين لغزونا لغويا وثقافيا، وإن هذه الاختراقات تجاوزت مراكز دفاعنا في أكثر من جهة، وأن بعض مؤسساتنا وراء المنظمات الفرنكفونية، ففسحت المجال لأنشطتنا الثقافية واللغوية، بحجة التفاعل الثقافي والتفاهم الحضاري، مع انعدام التكافؤ والقدرات والإمكانيات والوسائل ووسائط الاتصال والتأثير''. وخلال نفس المداخلة، اعتبر عمور، أن الحديث عن ضرورة عولمة القيم والثقافة والحضارة، يندرج في المخططات الهادفة لصهر الثقافة والقيم والهوية المغربية، في النموذج الحضاري الغربي الذي سينتهي، حسب المتحدث، إذا لم يقع تحصين الأمة بأمنها الثقافي واللغوي، إلى ''احتلال العقل العربي الإسلامي وإفراغه من تراثه ومكتسباته العقدية والثقافية، وتعبيد الطريق أمام الإستراتيجية الجديدة للهيمنة على المقدرات، وتذويب الخصوصيات، والتحكم اللغوي والثقافي في مسار الأمة. واعتبر رئيس المجلس العلمي المحلي بفاس، أن خطابات العولمة والعلمنة التي يروج لها بالمغرب، من أجل الانخراط في الكونية الحضارية العالمية القائمة على الفلسفات الوضعية والتيارات المادية، إذا لم يتم التعامل معها بكثير من الحذر والانتقاء، ''سوف تذيب قيمنا وتراثنا الديني وثقافتنا''، مؤكدا على أنه لا يجب إنكار ما للحضارة الغربية وعلومها وثقافتها من فضل على الثقافة والفكر، وإنما ''لا ينبغي أن يكون على حساب وحدة الأمة وأمنها الثقافي''. واختتم عبد الحي عمور مداخلته بالإشارة إلى أن الأمن الثقافي، يقتضي تنمية ثقافة كل أمة بلغتها وخطابها، بما يفسح لها مجال النماء والإبداع أمام عقول أبنائها ومثقفيها وعلمائها، للإسهام في صناعة الفكر الإنساني والعلمي والحضاري، من منطلقاتها وتصوراتها ومرجعياتها، ''الأمر الذي يفرض حمايتها من الارتهان والتبعية لثقافة الآخرين''، يضيف المتحدث، ''والعيش على نتاجهم العلمي والثقافي والفكري، والسقوط في نزعة الاستهلاك بدل الإنتاج والابتداع، والذلية والذوبان، بدل الإسهام والبناء''.
اللغة العربية وسؤالُ المعرفَة
في مداخلة له حول ''اللغة العربية وسؤال المعرفة في سياق تحقيق الأمن الثقافي''، اعتبر عبد الرحمن بودرع، الأستاذ بكلية الآداب بتطوان، أن سؤال المعرفة وأثرها في التّنمية وتحقيق الأمن الثقافي للبلاد، يعد سؤالا مركزيا في صميم الحديث عن التنمية البشرية، وذلك لوجود علاقة جدلية بين نسقِ المعرفة وسياقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأكد على أنه لا يمكن النهوض بلغة من اللغات الطبيعية، إلا ضمن ثقافة الأمة التي تتداول هذه اللغة، وأضاف قائلا ''لا يمكن النهوض بالعربية إلا ضمن الخلفية الثقافية للأمة العربية الإسلامية، باعتبار هذه الخلفية محورا أساسا تدور حولَه التنمية، وتتبوأ اللغة الموقع المركزي في المنظومة الثقافية لارتباطها بالفكر والإبداع والعقيدة والتراث''، وأكد بودرع أن هناك مسوغات للحديث عن علاقة المعرفة بالتنمية، منها ما يحصل من تحولات اقتصادية في العالَم الراهن، وما عرفه ميدان تكنولوجيا المعلومات والتواصل من تقدم هائل، ومن المسوغات أيضا، بزوغ نوع جديد من الاقتصاد، وهو الاقتصاد المبني على المعرفة، وما تستطيع المعرفة أن تسديه للاقتصاد من حركة وتنمية وإنعاش.
من جهة أخرى، تحدث المتدخل عن موقع اللغة من اقتصاد المعرفة، إذ اعتبر أن ''المعرفة ترتبط بالاقتصاد الراهن ارتباطا وثيقا، لأنها تتعلق بمعرفة المعلومات المتداولَة في عالَم الاقتصاد''، ولأن تطوير الإنتاج الاقتصادي، رهين بما يُخطط من مشاريع علمية معرفية، واستعرض المتحدث وجهين لعلاقة اللّغة بالاقتصاد، أولها أن الكلمة في ميدانِ اللغة كالمالِ في ميدانِ الاقتصاد، وبهذا الخصوص قال بودرع ''لا شك أن الكلمات تصاغ كما تصك العملات، وتظل متداولَة ما دامت سارية المفعولِ''، أما الوجه الثاني لهذه العلاقَة، فتتمثل في كون ''الوظيفة الاقتصادية للغة تتركز في استعمالها في المجالات الاقتصادية بكفاءة عالية''، وانتقل بعد ذلك المحاضر إلى تبيان موقع اللغة العربية من مجالات الاستثمار، إذ لاحظ أن هناك ''ضعف اقتصاد المعرفة في الوطن العربي''، وهو ما أرجعه إلى قلة استثمار المعرفة اللغوية العربية في مجال إعداد البرمجيات والبرامج الإلكترونية، والبرامج التعليمية ومعالجة النصوص، والترجمة الفورية والذكاء الاصطناعي، وغيرها من مجالات استثمار المعرفة اللغوية. وخلص المتدخل بعد عرضه لعلاقة اللغة العربية بالتنمية المعرفية، إلى ضرورة تعميق الشعور لدى الطلاب والباحثين بمركزية اللّغة في إقامة مجتمع المعرفة، وأهمية اللغة في معادلة: اللغة العربية والتنمية البشرية، والاجتهاد المستَدام لجعلِ اللغة العربية، لغةَ التفكير والتعبير والتنمية الثقافية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، وأكد بودرع أنه لن يتم استشعار هذه الأهمية إلا بحركة تعريبية شاملة تحقِّق للأمة نهضتها، ولا تقف عند مجرد إحلالِ العربيّة محل الأجنبية في الإدارة والتعليم والاقتصاد، بل تتعدى ''تعريب التعبير''، إلى ''تعريب التّفكير''، ويقصد المتدخل بتعريب التّفكير، ''ممارسة التّفكير بطريقة تراعي خصائص المجتمع العربي برمته، وتقوي الشعور بالانتماء إليه بدلا من الانحصار في دائرة القومية الضيقة، ذات النزعة الانفصالية''، وأضاف قائلا ''التعريب المرجو أيضا، هو الذي يخلص الأمة من الاتباع الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي للغرب، ويضمن لها خصوصيتها وتفردها و إثبات ذاتها، ويتيح لها حرية التصرف والانفتاح على الآخر في إطار المثاقفة والتبادلِ، لاختيار ما ينفعها ويناسبها، من دونِ فرض ولا إكراه''. ليخلص إلى أن العربيّة مؤهلة لأن تتبوأَ مكانتها في مضمار تعريب العلوم وتداولها، أكثر من غيرها، وخاصة أنها كانت في عهد تاريخي غير بعيد، إحدى اللّغات القليلة لمن أراد أن يتعلم العلوم، وسيلة للانفتاح على العالَم، كما قدم خطوات عملية في طريق تحقيقِ التنمية المعرفية في المجتمعات العربية، ونشر العلم والمعرفة باللسان العربي المبين، وتمكينِ العربية من أن تصبح أداةَ تداولِ المعلومات الحديثة، في المجتمع الحديث، مجتمع المعرفة والعلوم.
عنصر توحيد المغاربة
بدوره، اعتبر أحمد العلوي العبدلاوي، رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، فرع فاس، أن اللغة العربية تحتل مكانة متميزة في النصوص التشريعية المغربية، وكانت لها مرجعيات دينية وثقافية وفكرية باعتبارها لغة القرآن الكريم، ولغة الحضارة الإسلامية العربية الزاهرة، ولغة الفكر العلمي والفلسفي في عصور ازدهار الثقافة والعلوم والفنون الإسلامية بالمغرب وخارجه، مؤكدا أنه ''لاشك، تعتبر العربية أيضا أهم مكون يحفظ للمغاربة أمنهم الثقافي، وانسجامهم الفكري، وتآلفهم الاجتماعي، وتاريخهم الحضاري، في ظل مجتمع متعدد الثقافات، معتز بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية واللغوية''، وأفاد المتحدث بأن ''اللغة العربية كانت وما تزال، إلى جانب الدين الإسلامي، عنصر توحيد المغاربة منذ اثني عشر قرنا''، وطالب العبدلاوي، بالمضي أكثر من أي وقت مضى، في الحفاظ على هذه الوحدة وهذا الترابط، حماية لهذا المكتسب الحضاري الذي ''شملته يد الإقصاء والتهميش، وحيكت ضده أنواع من التجاوزات المشينة، فغيب عن دائرة التواصل الرسمي، وقزم هامش اعتماده في المناهج التعليمية، وكذا في وسائل الإعلام المختلفة''، يضيف المتحدث، وذلك ب''تهاون فئة من المسؤولين على الشأن اللغوي بالمغرب، وبعض النخب المثقفة التي تنصلت للغتها، واعتمدت مكانها لغة المستعمر، وأكد العبدلاوي، أن هناك حاجة إلى وقفة تأمل، وإلى مراجعة الذات، بتحصينها عن طريق تمكينها من لغة صحيحة سليمة قوية، وبمساءلتها، عن الذي يجب فعله، لاستعادة اللغة العربية مكانتها الطبيعية، لغةً للتخاطب الرسمي، ولغة تضمن للمغاربة وحدتهم الوطنية وأمنهم الثقافي.
***
توصيات
كانت أشغال الملتقى، افتتحت مساء الثلاثاء الماضي، بدرس افتتاحي، حول أهمية اللغة العربية في تحقيق التنمية الشمولية والأمن الثقافي، ألقاه عبد العالي الودغيري، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بالرباط، حيث اعتبر أن الأمن اللغوي يتحقق بالتنمية اللغوية، وحماية اللغة الوطنية مما يهددها داخليا وخارجيا، كما أكد أن الأمن الثقافي يحتاج إلى التنمية الثقافية، وبالتالي إلى لغة وطنية، ويحتاج أيضا إلى التحرر من التبعية، وإلى الحفاظ على مكونات الهوية، التي تعتبر اللغة الوطنية إحدى ركائزها الأساسية، كما شهدت أشغال الملتقى عرضا حول ''مكانة اللغة العربية بمواقع الشابكة''، إذ اعتبر الأستاذ خالد اليعبودي، أن الشابكة غدت ''ضرورة ملحّة بغاية جمع المعلومات وتوثيقها وتخزينها واسترجاعها ونشرها، مسايرة لمتطلبات العصر المتنوعة، والمتغيرات المتلاحقة في جميع مناحي الحياة''، كما اعتبرها المتحدث الوسيلة المثلى للتنمية الحضارية والتواصل الثقافي، إلا أن المتحدث يرى أن اللغة العربية تجتاز امتحانا عسيرا، فيما يتصل باستعمالها في الشابكة، إذ أفاد بأن عدد المستخدمين العرب لهذه الوسيلة التقنية في تزايد مستمرّ، في حين تلاحظ ضحالة إسهام اللغة العربية في المحتوى الرقمي، وتحدث اليعبودي عن مشاكل تهدد مستقبل العربية في العصر الرقمي، منها تفضيل العديد من الأكاديميين العرب نشر أبحاثهم باللغات الأجنبية توْقا إلى العالمية، وكذا الكتابة في المواقع والمنتديات العربية باللهجات العامية، ثم تدوين كلمات اللغة العربية في صفحات الشابكة باستخدام الحروف اللاتينية. ودعا المشاركون في الملتقى الثاني حول اللغة العربية، مجلس مدينة فاس، إلى تفعيل القرار القاضي باعتماد اللغة العربية في كل اللافتات والإعلانات واللوحات الإشهارية وواجهة المؤسسات والمحلات التجارية.
وخلصت التوصيات إلى دعوة المؤسسات التعليمية، وعلى رأسها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إلى اعتماد اللغة العربية، في جميع الوثائق الإدارية والتربوية، تفعيلا للمذكرات والقرارات الوزارية الصادرة في شأن تعريب الوثائق والمراسلات الوزارية، بالإضافة إلى دعوة الأساتذة والمربين في المؤسسات التعليمية والتربوية إلى اعتماد اللغة العربية الفصحى بدل العامية، والدعوة إلى تفعيل القرارات الوزارية الرسمية ذات الصلة باللغة العربية، وفي مقدمة ذلك، أكاديمية محمد السادس للغة العربية، وتعميم الوعي وإشعار الإدارات بأهمية استعمال اللغة العربية في الوثائق التي توجه للمواطنين، لما في ذلك من أهمية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب، ودعت التوصيات أيضا، الغيورين على اللغة العربية، من علماء ومثقفين ومربين وإداريين، إلى الإسهام في نشر الوعي بأهمية استعمال اللغة العربية في كل تواصل يستهدف الجمهور، وتحدثت التوصيات عن تشجيع الأبحاث الميدانية التي تساهم في تشخيص واقع اللغة العربية في مختلف التخصصات، وتشجيع إنجاز أبحاث علمية تسهم في تيسير وتطوير طرق تلقين اللغة العربية، ودعوة وسائل الإعلام إلى اعتماد اللغة العربية في خطاب الجمهور وتجنب كل ما يمكن أن يشوش على وضوح الخطاب اللغوي وصفائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.