ما هي إلا أشهر قليلة على الخطاب الملكي الذي دعا إلى ضرورة إعطاء نفس جديد للمراكز القنصلية للمغرب، والتحسين من أدائها، حتى أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا سنويا، شمل افتحاص طريقة تدبير هذه المراكز، ما كشف العديد من الاختلالات، سواء في صرف الأموال المرصودة لها، أو حتى تدبير مواردها البشرية، وخصوصا الأعوان المحليون. وتبلغ الاعتمادات المالية التي تفوضها وزارة الخارجية للمراكز الدبلوماسية والقنصلية حوالي مليار و150 مليون درهم، وهو ما يمثل 46 في المائة من ميزانية الوزارة. ورغم أهمية الاعتمادات المالية المرصودة لهذه المراكز إلا أن صرفها يعرف مجموعة من الاختلالات، من بينها الحجم الكبير لترحيل اعتمادات الاستثمار من سنة لأخرى، ما جعل بعضها لدى بعض المراكز يتم تأخيرها لأكثر من أربع سنوات، الأمر الذي يجعلها مهددة بالإلغاء حسب القانون. ويؤدي تأخير هذه الاستثمارات إلى حرمان مغاربة العالم من تحسين جودة وأداء المراكز القنصلية، ومع ذلك فالعديد منها تصر على تأخير أو ترحيل هذه الاستثمارات. وكشف المجلس المذكور أن الأعوان المعينين في المراكز الدبلوماسية والقنصلية يستفيدون من سعر تفضيلي للأجور وللتعويض اليومي على الإقامة، يفوق السعر المحدد في القانون. وفسر المجلس هذا الفرق بوجود فرق كبير بين معدلات الصرف الحقيقية ومعدلات الصرف التفضيلية التي تسمى "معدل البعثة"، الذي يبلغ ضعف المعدل الحقيقي للصرف. سوء التعامل مع الموارد المالية يصاحبه، حسب المجلس الأعلى للحسابات، سوء تدبير القنصليات لمواردها البشرية، خصوصا في ما يتعلق بالأعوان المحليين، إذ لا توجد إلى حد الآن أي مسطرة قانونية خاصة بتوظيفهم، علما أنهم يمثلون 46 في المائة من الأعوان الدبلوماسيين والقنصليين، وتبلغ الاعتمادات المرصودة لهم حوالي 338 مليون درهم. ورصد قضاء المجلس خللا كبيرا على مستوى أجور المستخدمين الذين تتعاقد معهم القنصليات والمراكز الدبلوماسية، من بينها أنه لم يتم احترام المذكرة الصادرة سنة 1995، التي تنص على تحيين أجور الأعوان المحليين، التي بقيت مجمدة وبدون تغيير. كما انتقد المجلس كيف أن عونين محليين في الوظيفة نفسها وفي المركز القنصلي أو الدبلوماسي نفسه، ومع ذلك يتقاضيان أجرين مختلفين بدون أي مبرر منطقي. ومن بين المفارقات التي صاغها المجلس في تقريره أن بعض الأعوان يتقاضون أجورا أعلى من أعوان إداريين يتوفرون على تأهيل ودبلوم عال. ورجح التقرير أن جل العاملين لا يستفيدون من التغطية الاجتماعية، بسبب أن القنصليات لا تقوم بالاقتطاع من الأجر بخصوص حصة العامل، أو لا تؤدي حصة المشغل، أو أنها تقوم باقتطاع حصة العامل بالنسبة لبعض الأعوان ولا تقوم بذلك مع آخرين. بيد أن الملاحظة الأخطر في هذا الصدد هي ترجيح المجلس كون بعض القنصليات تقوم باقتطاع حصة المأجور ولا تدفعها للصناديق المعنية، ما جعل المتأخرات المتعلقة بالتغطية الاجتماعية للأعوان المحليين تفوق 42 مليون درهم. وتهم هذه المتأخرات في مجموعها حصة المشغل أي الدولة.