عبد اللطيف الزرايدي، فنان تشكيلي من مواليد 1960 بمدينة وزان، شمال المغرب، تخرج من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان، ليشق بعدها مساره الفني أثناء مدة عيش بالعاصمة الإدارية للمملكة، وجولات قادته إلى دولة اللوكسمبورغ، ثم الاستقرار بمدينة Mulhouse بفرنسا. ولعبت طفولة عبد اللطيف الزرايدي دورا محوريا في صقل مواهبه، وجعلته يقترب، شيئا فشيئا، من عالم الفن؛ فنهل من علوم الأدب والفن كفراشة تحوم فوق حقول الورد البديعة. ولشدة ولعه بالريشة والصباغة يبدع الزرايدي ضمن لوحات تشكيلية يشع بريقها وسط العواصم الأوروبية، مساهما بذلك في التعريف بالهوية المغربية وسط معارض أوروبية وثقافات مختلفة بلمسته الخاصة المراكمة لعقدين من التجربة؛ عاملا على نقل انفعال في علاقة الذوق بكل من الهوية والذاكرة وسط إبداعاته الفنية التي توثق الزمكانية. ويبدع عبد اللطيف في صنف الانطباعي عبر انغماسه شبه الكلي في التجربة الانطباعية بألوانها العالية الحارة، ولماساتها التقريرية التي تمنح الفن التشكيلي مشروعية النفاذ إلى رؤية فنية خاصة، عبر خلخلة مفهومي المكان والزمن، وفق تعبيره . وبالنسبة للفنان الزرايدي، فالاشتغال وفق هذا الأسلوب الفني أمر طبيعي جداً، باعتباره خريجا لمدرسة تطوان الجميلة، التي أفرزت أسماء كبيرة في مجال التجربة الانطباعية بالمغرب، باعتبارها "أي مدرسة الفنون الجميلة لتطوان" الوعاء الفني الذي اكتسب داخلها مهارات وقدرات نمت ملكتي الرسم والإبداع عنده، وإن كانت مدرسة "ديجون" الفرنسية مكنته في مرحلة لاحقة من اكتساب مهارات تقنية لا يستهان بها، غير أن هوسه بهذا الاتجاه مكنه من دخول غمار تجارب أخرى، حتى وإن اختلفت من حيث الشكل، إلا أنها تبقى وفية للصنف والنمط الانطباعي؛ لذلك فهو يضمن لوحاته "التشخيصية" الهوس نفسه بألوان داكنة إلى حد "الاستفزاز"، مطلقا بعد ذلك العنان لنوستالجيا دفينة تستخرج من أعماق الذاكرة صورا بديعة لمسجد الزاوية الوزاني، وأمكنة أخرى صادفته خلال مراحل متقطعة خلال تجواله بحثا عن الذات ولقمة العيش داخل وخارج أرض الوطن. وإيمانا منه بكون الإبداع يولد من رحم المعاناة، وتجسيدا لحياة وعلاقات ومواقف عاشها الفنان وظلت مخزنة في ذاكرته، من خلال مواضيع وشخصيات صادفته في فترات متفرقة من حياته، لاسيما وأنه هاجر وتنقل بحثا عن موطئ قدم بعد وفاة والده، عمل على نقل ما يخالجه من أحاسيس ومشاعر، ساعيا إلى مزج الثقافة المغربية الأصيلة بالثقافات الأوروبية في "طابلوات" عنوانها والحرية والتسامح. ويعتز الزرايدي بكونه استطاع عبر هذا التوظيف التلقائي لمخزون الذاكرة أن ينقل الهوية المغربية إلى قلب أوروبا.. "ولا غرابة في ذلك، فقد علمتني الغربة أن أعشق بلدي عشقا جنونيا، وأن أرى ضوءه وألوانه حيثما أقمت"، يقول عبد اللطيف، مبديا رغبته في العودة إلى دفء الوطن الذي هجره وافتقد مجتمعه وتقاليده، ودفع الثمن بفقدانه لمنزله الكائن بحي القشريين في مدينة وزان.