تعتبر عملية سن التشريعات المتعلقة بالقطاع الأمني عملية ليست بالسهلة، فهي معقدة ومركبة. ولهذا تعمل المؤسسات التشريعية للعديد من الدول على استيراد ونسخ التشريعات من دول أخرى. وهذا ما ما يجعل القوانين المتعلقة بهذا القطاع خاصة المنسوخة منها قديمة قبل أن تدخل حيز التنفيذ، فلا هي تتماشى والمعايير الدولية ولا هي تحقق الأهداف السياسية والاجتماعية المرسومة. من المعلوم أن الأجهزة الأمنية كالمديرية العامة للأمن الوطني، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، فضلا عن المكتب المركزي للأبحاث القضائية وغيرها من أجهزة تضطلع بأدوار حاسمة من أحل حماية المواطنين وتحقيق الأمن الوطني ببلادنا ودعم سيادة القانون. ولعل الوسيلة الأساسية الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف هي جمع وتحليل وتقديم المعلومات التي تساعد الفاعلين في رسم السياسات الأمنية في اتخاذ مختلف التدابير والإجراءات لأمننة الوطن وحماية الأفراد والممتلكات. من هذا المنطلق، وكنتيجة لطبيعة العمليات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية ببلادنا، وتكريسا لدولة القانون التي تفيد سيادة القاعدة القانونية، تختص المؤسسة التشريعية بموجب الفصل السبعون – 70 - من الدستور بمجموعة من الاختصاصات كما يلي: - الوظيفة التشريعية من خلال وضع القوانين والتصويت عليها. - مراقبة الحكومة من خلال مسؤولية الحكومة أمام البرلمان. - تقييم السياسات العمومية التي من خلالها يمكن تحديد وقياس مدى فعالية ونجاعة السياسات التي تتخذها الدولة في قطاع معين كالقطاع الأمني. علاوة على هذه الاختصاصات، وبالوقوف على الفصل الواحد والسبعون من دستور، يختص البرلمان بالتشريع فيما يلي: - الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير. - المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية. - الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين. - نظام مصالح وقوات حفظ الأمن. من هنا يظهر أن البرلمان يمكن له أن يلعب دورا مهما في الارتقاء بالمنظومة القانونية والتنظيمية الأمنية من خلال قيامه بالتوفيق ما بين مسألة الأمن والنظام العام وكذا حماية الحقوق والحريات. وتتجلى هذه الوظيفة التوفيقية من خلال اعتبار الحكومة ) كسلطة تنفيذية ( هي التي تشرف على الأجهزة الأمنية، حيث تعتبر وزارة الداخلية ووزارة العدل والحريات هما الوزارتان اللتان تشرفان على معظم هذه الأجهزة. كذلك تتجلى هذه العلاقة من خلال مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، حيث يراقب البرلمان السلطة التنفيذية من خلال مساءلته لها، في هذا الصدد نذكر وزير العدل والحريات ، ووزير الداخلية. هكذا يمكن تبيان السلطة التي يتمتع بها البرلمان على الحكومة، وبالتالي ففي إطار الوظيفة البرلمانية في المجال المتعلق بمراقبة العمل الأمني، يمكن للبرلمان : أ- مساءلة الحكومة يفيذ السؤال في الفقه الدستوري " الإجراء الذي يتقدم به عضو من البرلمان إلى الوزير المختص-أو إلى غيره من أعضاء الحكومة ممن تجيز له اللائحة توجيه السؤال إليهم- بطلب الاستفسار عن أمر ، يدخل في نشاط الوزارة التي يرأسها هذا الوزير )كوزبر العدل والحريات ووزير الداخلية(" . فهو عملية تمكن من التحقق من حصول واقعة، أو الاستعلام عن نية الحكومة في مجال أمني معين. وتنقسم الأسئلة هنا إلى نوعين الأسئلة الشفوية والأسئلة الكتابية. فمن خلال هذه الأسئلة ، يتمكن نواب الأمة من الحصول على معلومات و إيضاحات، بحيث أنها تشكل طريقة مهمة للاستفسار عن الأوضاع والعمليات الأمنية ، فضلا على أنها وسيلة تمكن من تتبع السياسات الأمنية ، وتكشف عن المخالفات والتجاوزات التي تخلفها القرارات الحكومية المتعلقة بالمجالات النظام والأمن ، خاصة وأن الدستور ينص على تخصيص جلسة شهرية لمساءلة الحكومة عن السياسات المتبعة. ب- لجان تقصي الحقائق تعرف لجان تقصي الحقائق بأنها " لجان مؤقتة يشكلها البرلمان بهدف التحقيق في أمر أو سياسة معنية ترتبط بتنفيذ السياسات العامة بشكل عام ، من أجل الكشف عن العيوب و التجاوزات ، و قد تنتهي إلى طلب مؤاخذة أحد الوزراء أو أكثر ، وبالتالي فهي وسيلة رقابية هامة وخطيرة في يد المجالس النيابية". تشكل هذه اللجان بناءا على طلب من الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، بقصد تقصي الحقائق بجمع المعلومات والبحث والتأكد من وقائع معينة. وتنتهي أعمال هذه اللجان فور إيداعها التقرير المتعلق بالغرض الذي أنشأت من أجله. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز تشكيل لجان تقصي الحقائق بشأُن الأحداث والوقائع التي تكون موضوع متابعات قضائية، وهذا ما يكرس مبدأ استقلالية السلطة القضائية. هذا ولقد تشكلت بالمغرب ستة لجان لتقصي الحقائق طيلة خمسين سنة ، الأولى سنة 1979 حول تسرب امتحانات الباكالوريا ، والثانية حول أحداث 14 دجنبر 1990 ، والثالثة حول المخدرات سنة 1995 ، والرابعة حول مؤسسة القرض العقاري والسياحي سنة 2000 من قبل مجلس النواب ، و الخامسة حول صندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2001 من قبل مجلس المستشارين ، أما السادسة فقد أحدثت من قبل مجلس النواب للتحقيق في أحداث التي شهدتها مدينة سيدي إفني. ت- ملتمس الرقابة يعتبر ملتمس الرقابة وسيلة هامة لتحريك مسئولية الحكومة، باعتبار أنه ينبني على مبادرة من البرلمان، ويمكن إثارته في أي وقت إذا توفرت شروط نجاحه ، وهي وسيلة تلجأ إليها المعارضة داخل البرلمان أثناء مرور البلاد بأزمة معينة، الهدف منها إسقاط الحكومة بعد نزع الثقة منها. ينص الفصل 105 من دستور 2011 ، على أن لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسئولياتها من خلال التصويت على ملتمس الرقابة ، بأن يوقعه على الأقل خمس أعضاء المجلس ، ولا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء، الذي لا يقع إلا بعد مرور ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس ، وتؤدي الموافقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية. المسؤولية الحكومية في المجال الأمني تقوم هذه المسؤولية على قاعدة " الحكومة مسئولة بشكل تضامني " عن العمليات الأمنية وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلزامها بإخبار المواطنين والبرلمان بأية أحداث تتطلب وتحتم استعمال القوة العمومية، وبمجريات التحقيقات الضرورية، وكذا بالعمليات الأمنية ونتائجها والمسؤوليات وما قد يتخذ من التدابير التصحيحية من أجل ذلك. خاتمة تقدم هذه الورقة مجموعة من الوسائل والسبل التي يمكن من خلالها للبرلمان مراقبة وتتبع وتقييم القطاع الأمني ببلادنا، بشكل يمكن من دمقرطة la Démocratisation هذا المجال الحيوي الذي يعتبر هدفا وغاية تنشدها جميع الدول الديمقراطية. فلما كانت العلميات الأمنية تهدف إلى تحقيق الأمن العام والنظام العام، وبحكم أن هذه العمليات لها ارتباط مباشر بحقوق وحريات الأفراد، فإنه لمن الطبيعي أن يقوم البرلمان على غرار برلمانات الدول الديمقراطية الأخرى – بفرض رقابة على المؤسسات والأجهزة العاملة في القطاع الأمني، خاصة إذا ما تبث أن هنالك انتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته. *باحث بسلك الدكتوراه تخصص القانون العام والعلوم السياسية - كلية الحقوق سطات