النقابة الوطنية للصحافة المغربية تستنكر بشدة ممارسات بالمجلس الوطني للصحافة وتطالب بفتح تحقيق    مراكش تحتضن أقوى تجمع أمني عالمي    نفاذ تذاكر حفل «بودشارت» بتطوان بعد طرحها بنصف ساعة فقط    انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان خلال شهر أكتوبر    "المعدن الأصفر" يلهب الأسواق.. المغرب يتبوأ المركز 63 في احتياطيات الذهب    أكادير.. الدريوش تزور عددا من الوحدات الصناعية البحرية وورشين لبناء السفن بجهة سوس–ماسة    بيلد: "يويفا" يوقف دياز 3 مباريات    الجيش الملكي يتوج بلقب دوري أبطال إفريقيا للسيدات    وزارة الأوقاف تعلن السبت أول أيام جمادى الآخرة في المغرب    العيون.. توقيع اتفاقية إطار للتعاون بين مجلس المستشارين وشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية        لفتيت يحذر المشبوهين بالابتعاد عن الانتخابات وإلا سيتم إبعادهم    القضاء المغربي يدين مغني الراب حمزة رائد على خلفية احتجاجات جيل زد    إحباط محاولة تهريب 10 كيلوغرامات من الشيرا بمطار طنجة ابن بطوطة    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025)..طارق السكتيوي: "سنخوض المنافسة ونحن عازمون على التتويج وتشريف المغرب"    توقيف التيكتوكر مولينيكس بمطار مراكش ونقله إلى طنجة للتحقيق    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    وزارة التربية الوطنية تحدد المناطق النائية ... و"اللجنة" تواصل دراسة التقليص    السكتيوي يتفادى نقاش استبعاد زياش    "العدالة والتنمية" يرفع مقترحاته لتحديث مبادرة الحكم الذاتي للصحراء    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    الحسيمة.. فتح تحقيق أمني بعد سماع دوي طلق ناري في بني بوعياش    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    الداخلة: المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال يوقع أربع مذكرات تفاهم مع مؤسسات إفريقية لمكافحة تجنيد الأطفال    الاتحاد الأوروبي يصفع دعاة الانفصال ويجدد عدم الاعتراف بالكيان الوهمي        يونيسف تحصي مقتل طفلين فلسطينيين على الأقل يوميا في غزة منذ وقف إطلاق النار    صاحبة الجلالة أم "صاحبة جلال"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الساكنة السجنية" في زمن إصلاح السجون المغربية
نشر في هسبريس يوم 05 - 02 - 2017

في مداخلته بمناسبة انطلاق الدورة الأولى للجامعة الصيفية لنزلاء المؤسسات السجنية، شهرا قبل نهاية سنة 2016 عبر محمد صالح التامك عن استيائه من ارتفاع معدل المعتقلين احتياطيا الذي يشكل نسبة 42 % عند متم كل شهر، وأنه يتم الإفراج عن 20 % منهم سنويا، بمقررات قضائية موجبة للإفراج، ومنها البراءة، ويتجاوز عدد المفرج عنهم بموجبها 3000 سجين، مشددا على ضرورة إعمال بدائل للعقوبات السالبة للحرية في شأن الجنح التي تستوجب إدانة بعقوبات حبسية تقل عن سنتين، وهو ما سيمكن معه تفادي الزج بكل المعتقلين داخل السجون، مما سيخفف من حدة الاكتظاظ الذي تعانيه جل المؤسسات السجنية، وما يترتب عنه من «آثار سلبية وناسفة» لكل جهود الإصلاح المبذولة خدمة للسجناء.
وبخصوص المعطيات الجنائية للسجناء، أوضح أنه من خلال الاحصائيات المتوفرة لدى المندوبية العامة حول المحكومين منهم نهائيا، أن 50 % منهم تمت إدانتهم بعقوبات حبسية تقل عن سنتين ما يشكل تقريبا 21000 سجين، كما أن 30 % منهم أدينوا بعقوبات حبسية تقل عن سنة واحدة وعددهم 12000 سجين.
لم ينتبه التامك، وهو ينادي ببدائل الاعتقال الاحتياطي، أن أغلب القضايا التي يتم فيها الاعتقال تكون عقوبتها تتجاوز السنتين، وأن العمل القضائي، وقناعة القاضي، والظروف الاجتماعية... ووو، هي التي تجعل أن عددا كبيرا من الأحكام في قضايا الجنح التلبسية تقل عن سنة أو سنتين.
ولم ينتبه التامك إلى أنه لا يجوز ربط نسبة المفرج عنهم، والذين يكون أغلبهم بسبب تفريد العقوبة التي يقضيها المتهم قبل صيرورة الحكم نهائيا فيغادر المؤسسة السجنية، للقول بعدم جدية الاعتقال، لأنه كان جديرا به الوقوف على نوعية الجرائم التي تحدث عن أصحابها، ليجد أكبر نسبة منهم قد توبعوا من أجل السرقة أو النصب أو الاتجار في نوع من أنواع المخدرات؛ والتي ستصبح قريبا بحكم التطبيع معها جرائم عادية جدا لتنحوا هي الأخرى منحى جرائم سابقة كجريمة الفساد مثلا؛ ليحدد بعد ذلك باستحضار ثقافة المجتمع ومنغصات حياة هذا المجتمع من تلك الآفات/الجرائم، قبل الحديث عن استحقاق عدم الاعتقال، وأنا على يقين أنه لو فعل لما قال ما قال.
ولو أتيحت للتامك فرصة العمل لأسبوع فقط بمصلحة التقديم بأية نيابة عامة بمحاكم المغرب،أو مارسة مهنة المحاماة ليوم واحد بذات المصلحة، لعلم أن نسبة المعتقلين لا تجاوز على الإطلاق 10 بالمائة من مجموع المقدمين، وأن الأغلبية الساحقة إنما تتابع في حالة سراح.
ولقد نسي التامك، وهو يدغدغ مشاعر السجناء، أنه خلال منتصف نفس السنة 2016، كتب ردا على تقرير أنجزته كتابة للدولة الأمريكية انتقد ظاهرة الاكتظاظ بالسجون المغربية، جاء فيه بالحرف، كون التقرير «يدين ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها سجون المملكة، بيد أنه لا يقدم حججا وأدلة كافية حول حقيقة هذه الظاهرة، إذ أنها لا تهم سوى عدد محدود من السجون”، مشيرا إلى أن المندوبية العامة قامت بإعداد برنامج خاص يهدف إلى تجديد وتوسيع حظيرة السجون، وذلك بإغلاق السجون القديمة واستبدالها بمؤسسات سجنية جديدة، حيث أصبحت السجون الجديدة تستقبل النزلاء في حدود الأسرة المتوفرة بها، و”لا يمكن في هذه الحالة الحديث عن معايير دولية ومحلية لإيواء السجناء، لأن كل بلد معاييره الخاصة في ما يخص إيواء السجناء».
وبعدما تحدث عن مجهوداته في الموضوع كان قال أنه “بتحديدها لعدد الأسرة التي توفرها بكل مؤسسة سجنية جديدة، فإن المندوبية العامة تكون قد استجابت لحاجياتها الخاصة في ما يخص معالجة مشكل الاكتظاظ وبالاعتماد على معاييرها الخاصة”. وأشار إلى أنه في سنة 2015، تم افتتاح عشرة سجون بطاقة استيعابية تقدر ب 9000 سريرا، كما سيتم افتتاح ثلاثة سجون أخرى في غضون شهر يوليوز القادم بطاقة استيعابية تقدر ب 4013 سريرا. هذا بالإضافة إلى خمس مؤسسات سجنية أخرى في طور البناء بطاقة استيعابية تبلغ 5916 سريرا.
وعلاوة على ذلك، وضعت المندوبية العامة برنامجا لبناء خمسة وأربعين سجنا بطاقة استيعابية تقدر ب 55572 سريرا سينجز في الفترة الممتدة ما بين 2016-2020.
ستة أشهر من رد التامك الوردي على التقرير الأمريكي، بدأ يتحدث عن الاكتظاظ والدعوة للإعمال غير المعقلن لبدائل الاعتقال الاحتياطي.
وأوضح التامك مرة أخرى وهو يتحدث عن الوضعية الاجتماعية والنفسية للساكنة السجنية، أنها تتسم بالضعف والهشاشة على جميع المستويات، إذ أن أكثر من 80 % من السجناء يقل مستواهم التعليمي عن الإعدادي بالإضافة إلى أن أكثر من 70 % إما عاطلون أو يمتهنون حرفا ومهنا بسيطة لا تكفل الاستقرار المادي والاجتماعي لهم، فضلا عن حاجة جلهم إلى المصاحبة النفسية والاجتماعية على قدر وازن من الاحترافية والتخصص.
وإذا علمنا أن هذه الشريحة من نزلاء السجون المغربية، التي دغدغ مرة أخرى السيد المنذوب السامي مشاعرها، وسماها « ساكنة سجنية» تعيش أغلبها البؤس خارج أسوار السجن، ويسكن أغلبها رفقة أسرهم بسكن اقتصادي مساحته تبتدئ من 36 مترا مربعا، أو ببيوت مشتركة غير لائقة عبارة عن غرف، أو بأحياء صفيحية تتوالد يوما عن يوم، وعلمنا أيضا أن السيد التامك يسعى إلى اعتماد المعاير الفرنسية والوصول لتحقيق معدل 11 متر لكل سجين، سنعرف أن نزلاء السجن فعلا سيصبحون « ساكنة سجنية» مقاربة مع عائلاتهم « النزلاء غير السجنيين» وهو ما سيدفع لا محالة إلى الاكتظاظ المستمر والدائم في سجن يستحق أن يكون فضاء لاستجمام فئة معينة من المجتمع.
لم يصب التامك ومنذوبيته كبد الحقيقة، عندما لم يعطي إحصائيات دقيقة عن عدد نزلاء السجون الذين يغادرون ويعودون للسجن، ويقارنه بالنزلاء الموجودين حاليا لأول مرة، ويميز بين نسبة السجناء الذين خرجوا من السجن ولم يعودوا، وأولئك الذين يرتادونه باستمرار، ولا يكادون يخرجون حتى يعودوا لأماكنهم التي تركوها تحت رعاية أحد أصدقائهم بؤسسات التامك. لنعلم جميعا أن سبب اكتضاض السجون هو فشل السياسة العقابية، وتفشي الرشوة والفساد التدبيري، وفقدان حس الانضباط المتأسس على الوضعية الاعتبارية للإطار السجني لذا السجين.
باعتماد مصطلح « الساكنة السجنية» التي تفيد الاستمرار والدوام، في مقابل لفظة « نزلاء السجون» والتي تفيد صفة مؤقتة وغير مستمرة، سنعي بأن جوهر المشكل أيضا، كون السياسة المتبعة في إصلاح منظومة السجن بالمغرب لا تعتمد على خلفيات منهجية متينة، إنها فلسفة إصلاح تصنع للسجن زبناء، وساكنة، يمكن أن تتطور لتصبح كثلة استهلاكية، لمنتوجات خاصة، أو ستجعلها إرادة معينة من خلال ثقافة مقبول وممنوع، كذلك، ما دمنا نسعى إلى جعل حياتهم السجنية اكثر متعة ونعمة ورحمة وسعة من حياتهم خارج أسوار المؤسسة السجنية.
ففي زيارة وزير عدل سابق للسجن المحلي لعين البرجة بالدار البيضاء، قدم له أقدم نزيل بالسجون المغربية، فطلب منه الوزير ان يحدثه عن خلاصة تجربته في السجن، فأجابه جوابا شهيرا حينما قال:"اعلم يا سيدي الوزير، ان ما ينفق علينا في السجن، لو أنه منح لنا خارجه، لوجدت السجن فارغا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.