دفعت ساحة المسرح الروماني ومنصة مصلبة الترتبيل، في مدينة تدمر الآثرية (سوريا) ثمن الغزو الثاني لجهاديو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذين تركوا بصمة كراهيتهم على مدينة تدمر التاريخية -المدرجة على قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، قبل مغادرتها في الثاني من مارس الجاري. وبعد خمسة أيام من تحريرها، أصبحت الطرق المؤدية للمواقع الآثرية الرئيسية خالية من المتفجرات والألغام حيث اقترب بعض الجنود الروس منها لالتقاط الصور التذكارية بالمسرح الروماني الذي دمرت العناصر الجهادية واجهته. وكانت السلطات الروسية الموالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد قد نظمت حفلا موسيقيا في ماي 2016 بمناسبة استعادة المدينة من قبضة "داعش". ولكن بعد سبعة أشهر من الحفل الموسيقي الروسي، في دجنبر الماضي وبينما كانت قوات الجيش السوري وحلفاؤه الروسيون يركزون كافة جهودهم في حملة هجومية ضد جماعات المعارضة المسلحة في حلب (شمال)، فرض الجهاديون بشكل مباغت سيطرتهم مجددا على مدينة تدمر. وكان داعش قد تمكن من السيطرة لأول مرة على المدينة في ماي عام 2015 إلى أن طردته القوات السورية الحكومية منها بعد ثمانية أشهر من احتلالها، لكن التنظيم الإرهابي عاد مرة أخرى إلى المدينة في دجنبر الماضي. وكانت الضربة الكبرى المخجلة للجهاديين، رغم إلحاقهم أكبر قدر من الأضرار في احتلالهم الأول للمدينة، حينما دمروا في المرة الثانية لاحتلالهم تدمر قوس النصر، أحد أهم الرموز التاريخية بسوريا الذي كان يعد مدخلا للتجار إلى الطريق الرئيسي بالمدينة الممتد على مساحة 1.3 كلم وعلى جانبيه يوجد 750 عمود أثري. وتتراكم حاليا أحجار قوس النصر بعد تدميره لتعرقل مدخل الطريق الرئيسي بالمدينة. وعانى أيضا كل من معبد بل وبعل شمين والمقابر على شكل البرج المشيدة في محيط المدينة الأثرية، من كراهية الجهاديين خلال فترة الاحتلال الأولى للمدينة. ورغم تعرضها مجددا للتدمير، الذي شوهد أيضا في القلعة المشيدة من العصور الوسطة، حيث يمكن من هناك رؤية مشهد بانورامي للمدينة، والتي أدى سقوط جزء من جدرانها إلى منع الوصول لمدخلها، إلا أن السلطات الأثرية تشعر بالارتياح لأنها كانت تخشى من أوضاع أسوأ بكثير. إلا أنهم لا يعتقدون بأن الوقت مناسب لإطلاق الأجراس إعلانا عن استعادة الحياة الطبيعية هناك خشية عودة هؤلاء المتطرفين. وهي وجهة النظر التي لا يشاركهم فيها العسكريون، حيث يؤكد العقيد سمير إبراهيم ل(إفي) أن "داعش هذه المرة تعرض لخسارة إلى الأبد". ولايزال الجيش السوري يلاحق الإرهابيين على مسافة 15 كلم من المدينة، في محيط بلدة عمارة، حيث تسقط القذائف التي تطلقها المدفعية من محيط تدمر. وفي العملية الهجومية لتحرير تدمر، شاركت أيضا، إلى جانب الجيش السوري والطيران والقوات الخاصة السورية، ميليشات من حزب الله اللبناني، التي تنشر نقاطا لها في الطريق الذي يربط مدينة حمص المركزية بواحة تدمر. ويستطيع المرء أن يقرأ إلى الآن لافتة "محظور الدخول إلا بإذن من الدولة الإسلامية"، عند مدخل معبد بل، الذي تبدو جدرانه الخارجية على حالها، ولكن في الداخل تظهر صورة قاتمة من الأنقاض المكدسة. وداخل قطاع الآثار السوري يثق المسؤولون أنه بمجرد نهاية النزاع، في خلال خمس سنوات سيكون بالإمكان استعادة وترميم الأطلال المدمرة بالمدينة الأثرية. وعلى أي حال، فهم يحذرون من أن العديد من أجزاء المعابد تضررت كثيرا وأن هناك معابد أخرى لن يمكن ترميم سوى 60 أو 70% مما كانت عليه قبل 20 ماي 2015 عندما سيطر الجهاديون على المدينة للمرة الأولى.