منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" في الرياض بمشاركة المغرب    ارتفاع حصيلة ضحايا التصعيد العسكري بين الهند وباكستان إلى 53 قتيلا    حكم قضائي يجمّد خطط ترامب لتسريح جماعي لموظفين حكوميين    قادة أوروبيون يصلون إلى كييف للمشاركة في قمة ل"تحالف الراغبين" دعما لأوكرانيا    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    ثلاثة فرق تضمن مباشرة أو عن طريق مباريات السد الصعود إلى دوري الأضواء    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    العراق يعيد 500 عسكري من باكستان    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب العاصمة الباكستانية    بينما تسامحت مع زيارة نتنياهو لأوروبا.. 20 دولة أوروبية تنشئ محكمة خاصة لمحاكمة بوتين    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية اليوم السبت    أسعار النفط ترتفع    فاجعة انهيار مبنى بفاس تعيد ملف السكن الآيل للسقوط إلى الواجهة وتكشف غياب المنتخبين    مرصد يساءل تعثر التربية الدامجة في منظومة التربية والتكوين بالمغرب    أجواء ممطرة في توقعات طقس السبت    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    سيدي بوزيد. استمرار إغلاق مسجد الحاج سليمان يثير استياء الساكنة    بوزنيقة تستقبل زوار الصيف بالأزبال.. ومطالب للداخلية بصفقة النظافة    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    البعوض يسرح ويمرح في طنجة.. والجماعة تبحث عن بخّاخ مفقود!    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    الزفزافي يلتقي والده خارج أسوار السجن    تحليل اقتصادي: لماذا تستثمر الصين مليارات الدولارات في المصانع المغربية؟    الملك محمد السادس يهنئ البابا الجديد: المغرب والكرسي البابوي شريكان في بناء السلام العالمي    أخنوش يصدر منشورا لتفعيل الاتفاقات الاجتماعية والحث على انتظام الحوارات القطاعية    النجم المصري محمد صلاح يتوج بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة في مسيرته    رئيس موريتانيا يستقبل راشيد العلمي    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    تراجع عجز السيولة البنكية ب 9,28 في المائة من 1 إلى 7 ماي    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المزالق الإعلامية في قضية الصحافي توفيق بوعشرين
نشر في هسبريس يوم 15 - 06 - 2018

لا يجادل أحد بأن قضية اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين وعرضه أمام القضاء بتهم ثقيلة، تعتبر قضية القرن في المغرب بدون منازع، وشكلت اختبارا وتمرينا مهما لكل المتدخلين بدء بالنيابة العامة ومرورا بهيئة المحكمة والدفاع ورجال الاعلام والحقوقيين وختاما بالمثقفين والعديد من الفعاليات المدنية.
وكطبيعة أي اختبار، ففيه الناجحون والراسبون، المتفوقون والمخفقون، فيه من استطاع أن يرفع من علو كعبه ويبرز ثبات مبادئه ويدافع عنها وعن تنزيلها، وهناك من هوى إلى أسفل سافلين بانخراطه في أعمال وأفعال وسخة لا تمت بصلة إلى قيم المجتمع ومواثيقه.
وحيث أنه لا نملك أحقية تقييم أداء القضاء في هذا الملف الذي لا زالت أطواره مستمرة، ليس بسبب كونه سلطة مستقلة، فاستقلاليته مرتبطة بعلاقته مع باقي السلط التشريعية والتنفيذية وما يمكن أن ينتج عنها من تأثير وتدخل، بل اعتبارا لسلطة المجتمع ورقابته وهي قائمة شكلا وموضوعا في إطار حرية التعبير والإرادة والفكر، والتي لا يمكن لجمها بأسلوب سادي كما يصرح بعض محاميي هذا الملف، والذين للأسف، ارتبط قولهم هذا بمصالحهم الذاتية ومصالح موكليهم فجعلوا ذلك منصة لقصف من يريدون.
لذا سأتجاهل العديد من الأطراف التي أعتقد جازما في قرارات نفسي بأنها أخطأت في تعاملها مع الملف، لكوني لا أملك الخبرة والموقع الأمثل لتقييم أدائها، وسأقتصر على الجانب الإعلامي في هذه القضية والذي أعتبره من أحلك الزوايا ظلمة وقتامة.
لقد قام الإعلام بمختلف أشكاله بكل ما يمكن أن يتصور في هذه القضية، واعتبر نفسه مخولا لإطلاق الأحكام ومحاكمة النوايا، بل وأصبح جزء كبير منه قناة لتصريف مواقف عجزت عن توضيحها جهات في الدولة أصبحت تنتحل صفة « مصدر قضائي »، و « باحث أكاديمي »، جهات بطبيعة الحال تلعب على الوجهين، الاغتيال الرمزي للصحافي توفيق بوعشرين، بغض النظر عن الاتهامات الموجهة إليه، وإرهاب كل منبر صحافي لم ينخرط في حملة التشهير والإساءة.
وسأكتفي بسرد بعض مظاهر التناول الإعلامي الفج والذي لم يستثن كل أطراف القضية:
1- الإدانة السريعة للصحافي بوعشرين بشكل يؤكد أن هناك من كان ينتظر هذه القضية بأحر من الجمر لكي ينفث سمومه ويخرج سلاحه، وكما فاجأني أحد الصحفيين بقوله على الهواء مباشرة في أحد البرامج التلفزية : « نحن ندينه أخلاقيا لما اقترفه بحق زميلاته »، هكذا فجأة تحولت بعض منابر الإعلام بدء بالإعلام العمومي الرسمي الذي واكب حملة تواصلية غير مسبوقة للنيابة العامة من أجل التأكيد على لصق صفة المتهم بالصحافي بوعشرين، إلى سلطة اتهام واشتباه وإدانة ومحاكمة، لم تكتف بما وجهته النيابة العامة من صك الاتهام فقط، بل أخذت تنهش في عرض الرجل طولا وعرضا، إمعانا في التشفي وتحريضا على التنكيل به.
2- التشهير بالمشتكيات والمصرحات والشاهدات والمطالبات بالحق المدني في هذه القضية: ولعمري هذه من أكبر الجرائم الإعلامية التي تمارس ولا زالت أحداثها مستمرة، بكشف أسمائهن كاملة وترديدها حتى يحفظها الشارع المغربي، والخوض في حياتهم الخاصة، وعرض صورهم بدون إذن عبر أخذها من شبكات التواصل الاجتماعي، وإلصاق تهم خطيرة بهن مثل امتهان البغاء والدعارة، والابتزاز.. أو وصفهن بضعيفات الأداء وناقصات الخبرة في مجال عملهن…..
3- اتهام بعض المخالفين بأبشع الاتهامات، خصوصا أولئك الذين لم يتبنوا رواية الاتهام، وآمنوا بعدم المس بقرينة البراءة باعتبارها أحد شروط المحاكمة العادلة، وآمنوا بأنه حتى لو كان هناك مقدار شك، فإنه يفسر لصالح المتهم كما تقول القاعدة القانونية، حيث وصف هؤلاء بالانقلابيين والمرتزقة وخونة الوطن ومغتصبي النساء …… مما يدل بشكل واضح على أداء ممنهج يستهدف كل من أراد أن يناقش هذا الملف من زاوية أخرى تخالف ما قدم في صك اتهام الصحافي توفيق بوعشرين، من أجل نزع المصداقية عن أقوالهم والتأثير على الرأي العام باعتماد ونشر رواية رسمية واحدة فقط.
4- استغلال اهتمام عدد من المغاربة بالروايات الجنسية، والعمل على تناقل مضامين الفيديوهات « الجنسية » التي تم عرضها داخل أسوار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بشكل سري، من أجل تحويل القضية من مسار جدي يقتضي التعامل مع طبيعة الاتهامات باحتياط وروية، إلى تمييع لمجريات الأحداث وجعلها مجالا للتهكم والسخرية وتخيل الممارسات الجنسية التي تم تفريغها في محاضر الفرقة الوطنية، وللأسف هذا يتم نقلا عن بعض رجال مهنة المحاماة الذين لم يراعوا إلا ولا ذمة في استباحة جسد بوعشرين، ولا بعض المشتكيات.
5- استعمال بعض صور الصحافي توفيق بوعشرين والتي أخذها في بعض أسفاره وإجازات عمله ببعض الأماكن والمواقع السياحية، وترويجها رفقة عدد من المقالات الصحافية التي تحاول إلصاق التهم به عنوة ، حتى يتم اللعب على مخيلة القارئ والمشاهد، ويتصور « توفيق بوعشرين » كنجم من نجوم هوليود أو مجلة « playboy » أو في بعض الأحيان استعمال صورة له داخل نشاط لحزب العدالة والتنمية أو شبيبته لتصويره كأنه أحد أعضاء وقيادات الحزب « الإسلامي ».
6- وآخر المزالق المتعمدة تمثل في نعت لجنة الحقيقة والعدالة في قضية بوعشرين، بأسماء مبتكرة ذات حمولة أخرى مخالفة لسياق تأسيسها، كإسم « لجنة الدفاع عن بوعشرين »، أو « جبهة نصرة بوعشرين »، أو لجنة « الدعم لبوعشرين ». والهدف الضمني هو نزع صفة الحيادية عن اللجنة بالتأثير على القارئ بكونها لجنة تناصر الاغتصاب والتحرش ولا تهتم بحال المشتكيات ولا تود الاستماع إليهن.
وغير ما ذكرنا كثير، لكني اقتصرت على السالف ذكره، كما لم أرد أن أسوق في مقالي أمثلة نصية مرفقة بمراجع مقالات نشرها، حتى لا أحرج منبرا دون آخر، لأنه قد يكون خطأ وقع سهوا، وقد يكون إصرارا عن سوء نية، وإن كان يدل هذا على شيئ، فإنما يدل على أن قضية توفيق بوعشرين كانت امتحانا سقطت فيه المعايير المهنية التي خطها كبار الصحفيين ودرسوها في معاهد الاعلام، بل وانكشف القناع حتى عن هؤلاء الذين تواروا إلى الوراء تاركين ابن مهنتهم يصارع التهم الموجهة إليه من داخل سجنه ويخضع لمحاكمتين، محاكمة القضاء ومحاكمة الإعلام، وبعد أن كنا نقول، إن الثورة تأكل أبناءها، لا يسعنا إلا أن نقول الآن، « إن الصحافة تأكل أبناءها ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.