الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة .. أو الما بعد التَّثبيت
نشر في هسبريس يوم 10 - 10 - 2018

لم تعرف الفلسفة احتفاء عموميا، رسميا ومعلنا أمام مواطني العالم إلا عندما حجزت لها منظمة اليونسكو في تاريخ مشهود يوما، وفيه تم تعميد الاحتفاء على مرأى ومسمع بني الإنسان من مختلف الأجناس والألوان وفي مختلف الجغرافيات. وما ذلك إلا ترسيخ لتقليد طال انتظاره من كل المشتغلين بحقل الفلسفة. وقد اشتهر هذا اليوم اشتهار الألعاب الأولمبية، التي تقام في جبل أولمب تحت حماية آلهة اليونان. وكان الاحتفاء به أول مرة في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نونبر من سنة خمسة وألفين بعد ميلاد المسيح. إن هذا التقليد الذي عملت اليونسكو على مأسسته وتسخير الإمكانات له، على مستوى المنظمة، يعترف ضمنيا كأن الزمن السالف على هذا التوقيت بالضبط لم تكن فيه الفلسفة في حاجة إلى احتفاء أو تنزيلها في يوم عالمي؛ من نافلة الاعتراف لها والاشهاد لمجهودها في خدمة المجتمع والفكر والانسان ومساهمتها في تأسيس قيم الحوار والانفتاح والنقد. رغم أن كثيرا من الحقول الأدبية والعلمية والفنية والفكرية، وحتى مجالات البحث العلمي استفادت منها في تخصيب أفكارها؛ إن على المستوى النظري أو المنهجي. كما ساعدت في تبديد كثير من المشكلات المعرفية والنظرية وحل بعض التناقضات التي ألغزت على العلماء؛ إنها أطاريح نشأت في سياق بناء التفسيرات العلمية أو البراديغمات النظرية لمختلف الثورات العلمية التي استلهمت أصولها المفاهيمية من القاموس الفلسفي، سواء تعلق الأمر بالعلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية.
ترديد أسماء فلاسفة فقط !
طيلة هذه السِّنين، التي تعد بمثابة تاريخ الفلسفة، لم يهتم أحد أن يُحتفى بالفلسفة! رغم أن تاريخ الفلسفة العريق، تمتد جذوره الفكرية غربا وشرقا على حد سواء، وهو أمر لا يجحده أحد من جماعة العقلاء. فأعظم المفكرين اهتموا بالفلسفة وتمرسوا بمختلف العلوم الأخرى. هذا أفلاطون كتب قديما على باب الأكاديمية: لا يدخلها إلا من كان رياضيا. فولج المشتغلون بالفلسفة أبوابها الفسيحة وخلَّدهم الفكر الفلسفي وحفظ أسماؤهم بين دفتيه واحتواهم؛ مازجين في وصفة بين ذاتهم والفلسفة. وهو لعمري ما باعد عنها فكرة الاحتفاء - هذا الواقع نبحث أن نفسِّره لا أن نبرره -. إننا نحتفي دوما بالفلاسفة حين نذكر أعمالهم وهو في آن تمجيد للفلسفة. لا تسعفنا الحيلة أن نفصل بالمبضع بين الفلسفة(الموضوع) والفيلسوف (الذات) للحد الذي يلتحمان فيه ليصبحا شيئا واحدا معا. فاستعاضت الفلسفة أداة للفيلسوف لتقديم ذاته وعبرها فلسفته؛ طبعا لأن الفلسفة هي قبل كل شيء ممارسة فردية وذاتية؛ تمزج بين سؤال "الأنا "و "النحن" الذي يبدو فيها الشكل المعماري لفلسفة architecture كل فيلسوف.
نجد في مجلة فكر ونقد في عددها 48 مقالا يطرح بكثير من الاستغراب والحسرة، قلة حيلة أمر القائمين على الشأن الثقافي الدولي والوطني عن تخصيص يوم عالمي للفلسفة. ففي ثنايا المقال يطرح عبد الغني التازي1 سؤالا استنكاريا :"فهل كل أيام السنة محجوزة؟ بالتالي لا مكان للاحتفال بالفلسفة؟ ألم يحن الوقت للإعلان عن اليوم العالمي للفلسفة؟"2
في رمزية الاحتفال بالفلسفة
ما معنى أن نحتفل بالفلسفة؟ إن الفلسفة هنا ليست شخصا أو فردا أو جماعة أو مكانا جغرافيا على موقع الخريطة، قد نسمها بالغرب أو المركز أو الهامش، بل هي الحياة والإنسان. فهلا احتفلنا بهما ؟ وأن نحتفل بها (الفلسفة)، معناه أن يعترف لها الجميع بالأدوار التي اضطلعت بها على مر التاريخ في تشييد المجتمعات والحضارات والثقافات من أجل نبذ التعصب والتهميش والإقصاء وتفكيك الأنساق الجامدة والمغلقة. فالفلسفة في بداياتها الأولى احتضنت كل الحقول المعرفية، التي متحت منها، إن على مستوى المفاهيم أو المنهج.
إن طرح هذا الموضوع يدخل في باب مساءلة المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والفكرية والمحافل الأدبية التي تهتم بقضايا الثقافة والعلم بخصوص ما بذلوه ردا لجميل الفلسفة.
يتوارد هذا السؤال في مثل هذه الأيام خاصة وأننا نقترب من يوم الفلسفة العالمي، الذي تستعد فيه المؤسسات والمحافل الدولية والوطنية والجهوية والإقليمية لتنظيمه بحسب ما تَوفَّر لهم من الإمكانات والوُجد.
فالخميس الثالث من تشرين الأول / نونبر من كل سنة يُعد علامة ورمزا، يفصح عن دلالات عديدة، تستوقف المتتبع للشأن الفلسفي والثقافي. أولا يرمز إلى عرفان دولي وتقدير لمكانة الفلسفة وقيمتها في الرقي بالإنسان وتفكيره، كما تعكس تثمينا للإرث الفلسفي والمؤلَّف، ودعوة فحواها الاستمرار في خدمة الفكر الإنساني عبر بوابة الفلسفة التي تزخر بالتحف الفكرية التي تدعو إلى استكناه مضامينها ونفض الغبار عنها وتجديد قراءتها.
أن نحتفل بالفلسفة معناه أن ننزع طابع الخاص فيها، ونكتفي بإضفاء طابع الوحدة والكلية عليها. فالفلسفة لا وجود فيها لفلسفات مركزية وأخرى هامشية؛ بل إن الفلسفة الحقة هي التي تُقرب من الحكمة. فالجميع يملك الحق في التفلسف، التي تلقنه هي(الفلسفة) في أول درس في قبول أخلاق الاختلاف والحوار، فالفلسفة تحيل بالفعل على ممارسة الحرية3 . بعيدا عن الطقوس الفلكلورية التي تَختص بها الاحتفالات الأخرى بمعناه العامي والوصفي للكلمة. بل يقع الاحتفال باختيار موضوع ذي طابع إشكالي لإعادة الاعتبار للفلسفة عبره. الحقًّ، الحقًّ أن اليونسكو كانت دوما تعمد إلى تنظيم أيام دراسية دولية أو ندوات أو حلقات أو مؤتمرات تعنى بدراسة مواضيع، في نطاق محدود بين الجماعة العلمية تبقى ذات طابع حصري وموجَّه إلى أهل الاختصاص من الفلسفة. وفي هذا إقصاء للغير من تذوق الثِّمارالفلسفية. لذلك يرميها إنسان كل يومٍ أنها نشاط نُخبوي. نسوق في هذا الصدد مثالا حول المطلب المُلِّح لدَمقرطة الفعل الفلسفي، مُتجسدا في إعلان باريس إبان شباط/ فبراير من سنة 1995 ، الذي اختار موضوع التداول حول مسألة الفلسفة والديمقراطية في العالم. حيث يرى Roger Pol Droit أن مكانة الفلسفة في ثقافات اليوم هي تكوين الفكر الحر لدى المواطنين4.
فكيف يمكن أن تتقاسم الفلسفة ثمارها ديمقراطيا مع عموم الجمهور؟
لقد جعل اليوم العالمي للفلسفة شعارا له: الفلسفة للجميع. خاصة بعد أن تم الانتقال من المجال المغلق والخاص والمحدود، في إطار اللقاءات والندوات والمؤتمرات، إلى يوم عالمي، أي أن يتحمل الكل مسؤوليته تجاه الفلسفة أفرادا وجماعات ومؤسسات دولية أو وطنية أو جهوية أو إقليمية. بعد أن كانت قبل هذا دردشات بين جماعة الفلسفة. وهو ما استدعى آليات جديدة لإشاعة التفلسف. لاقت هذه الفكرة ترحيبا كبيرا من طرف المدافعين أن تتبوّأ الفلسفة مكانة مرموقة في هرم النسق الثقافي. كيف لا؟ وهي التي تجعل من الانسان ركيزة، تهتم به في بعده الوجودي والأخلاقي والمعرفي والأكسيولوجي؟
الاحتفاء بالفلسفة مغربية الطرح!
تعترف اليونسكو في قرار 171 م ت/15 بناء على طلب مقدم من قبل المملكة المغربية في جدول أعمال الدورة الحادية والسبعين بعد المئة في المجلس التنفيذي لليونيسكو بندا يرمي إلى المصادقة على إعلان بيوم عالمي للفلسفة. وقد وافق هذا الطلب الدورة الثالثة والثلاثين للمؤتمر العام، حيث اُتخذ القرار بالإيجاب بعد دراسة الجدوى التي أعدتها الأمانة في هذا الشأن. وكانت بداية فعلية لهذا الاحتفال الذي عُمِّم على بلدان العالم.فكان الحدث البارز ثقافيا في سنة 2005.
إن دلالة هذا الحدث بالنسبة لبلد كالمغرب معناه تتويج المجهودات التي يبذلها مفكرو و فلاسفة هذا البلد في سبيل الفلسفة كما أنه اعتراف بجهودهم وتثمين لإسهاماتهم الفكرية. خاصة إذا علمنا أن العلاقة بين الفلسفة وجهاز الدولة السياسي ، كانت تتسم بالحيطة والحذرو التربص أحيانا فلا استقلالية أو حياد، فقد كانت حبلى بالتوترات خاصة خلال ما يعرف بسنوات الرصاص. فقد عرفت هذه الحقبة مدا وجزرا في علاقة الدولة بالفلسفة. في تلك الفترة عرف موقف الدولة منها تهميشا صريحا. وفي المقابل إعلاء من شأن قوى أخرى. بل الأمر بلغ حد الفصل بين الفلسفة والفكر الإسلامي5. والتنبيه بالاكتفاء بجانب علم الكلام دون غيره. ناهيك عن إسناد تدريس الفلسفة لغير ذوي الاختصاص من الأساتذة.
إن دعوة، من أعلى هرم وزارة الثقافة بالمغرب، حول توجيه رسالة لمحفل دولي في مثل هيئة اليونسكو لطلب نقل الاحتفاء من الصالونات والمجموعات النخبوية الضيقة إلى أوسع نطاق. له يكتسي في حد ذاته اعترافا ضمنيا بدور الفلسفة في المجتمع وبالمكانة التي تضطلع بها في نشر قيم الحرية وحقوق الانسان و روح التسامح و الاختلاف. بعد أن كان يتسم وضعها بالقطيعة والعداء الذي لازال يرخي بظلاله على تدريسية الفلسفة، وتتمظهر مقاومته في الواقع الفلسفي خوفا من الرِّدة على الطمأنينة التي تخلقها اليقينيات الساذجة.
الفلسفة من المنهاج إلى الحياة
إن المشروع الذي تراهن عليه الفلسفة اليوم في تدريسيتها هو جودة مخرجات النظام التعليمي، ويتمثل في غرس كفايات التفلسف وأيضا ترسيخ الوعي بالدور المركزي للفلسفة في النظام التعليمي. خاصة بعد توالي التغييرات التي لحقت المقررات والمناهج الدراسية من 1966 إلى سنة 2007 مرورا بمنهاج 1996. فقد حفظت الذاكرة في مجال التأليف عدة تجارب، كانت أولى الكتب المدرسية تلك التي ألفها كل من محمد عابد الجابري وأحمد السطاتي ومصطفى العمري، تحت عنوان دروس في الفلسفة لطلاب الباكالوريا. مع ما واكب هذا المقرر من تعديلات وتغييرات في فترات عصيبة من بعض التجارب المصرية في التأليف، التي احتفظت بالتسمية ذاتها مع بعض التوضيبات التي مست جزء من المواضيع وطرق التقديم؛ وقد استمر ذلك إلى غاية متم سنة 1991 ، حيث سيعرف مقرر الفلسفة تسمية جديدة تربط بين مكونين: الفكر الاسلامي والفلسفة ، مع أن منهاج 1996 كان نسخة متطورة عرفت استفادة من الأبحاث العلمية التي حصلت في مجال علوم التربية والديداكتيك، إبان تلك الفترة. ولم تختف هذه التسمية إلا مع تجربة تعددية الكتاب المدرسي، الذي انمحى معها مكون الفكر الإسلامي، وعَدِّه مكونا واحدا أو جزء لا يتجزأ من الفلسفة عامة، ولا جدة ترجى من تخصيصه دون غيره، مادامت الفلسفة هي إرث إنساني مشترك. إن منهاج 1991 ارتكز على المقاربة التيماتية Thématique والمقاربة الإشكالية والمقاربة المفهوميةnotionnelle 6. كما شمل هذا المقرر ثلاث حقول بؤرية: الانثروبولوجيا، الابستمولوجيا والأكسيولوجيا. تعتمد الالتقاء مع الفلاسفة عبر نصوصهم لبسط القضايا التي تناولوها. وهو نفس الخط البيداغوجي الذي استمر عليه منهاج 1996 في مقاربته للمفاهيم notions ، مع تغيير وترتيب في مفاهيمه وتخصيص وتقسيم أكثر للغلاف الزمني، ليتناسب مع الطموح الذي يراهن على تغيير موقع المتعلم من التلقي إلى الفاعلية.
طبعا إن تجربة تعميم الفلسفة لسنة 2004 في الثانوي التأهيلي، وما تلاها من منهاج سنة 2007 قد حافظ على القضايا والاشكالات الفلسفية من زاوية المفاهيم، كما هو الشأن لمنهاج 1996. غير أنه تميز بإضافة هندسة بيداغوجية جديدة، تمثلت في: نظام المجزوءات واعتماد البناء الحلوزني في صياغته للمنهاج التربوي، الذي يفصح عن وحدة البرامج وتماسكها. مما يعزز من فاعلية المتعلم ودوره المركزي في بناء المعارف ويَحُد من هيمنة المنهاج الضمني. كما أن هذه التجربة في التأليف المدرسي، انفتحت على تجارب جديدة وفاعلين تربويين كثر جمعتهم لحمة تعدد التأليف المدرسي. ولا يحكمها إلا احترام دفتر التحملات، الذي ينطلق من ركائز الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 1999 والكتاب الأبيض في حزيران /يونيو 2002.
بعد بسط علاقة المنهاج بمكانة التلميذ في المنهاج، بدءا من الإصلاحات الأولى لسنة 1961 إلى سنة 2007؛ نجد أنه يرتقي بدور المتعلم ويعزز موقعه في المنهاج الحالي(2007). ما يجعلنا نطمح إلى مناقشة الفكرة الثانية من الغاية من الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة. أي أن الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي يعطي مشروعية أكثر للاهتمام بمادة الفلسفة وجعلها ضمن دائرة اهتمام التلميذ ومحيطه7، خصوصا أنها أنشطة تدخل بالدرجة الأولى في الحياة المدرسية التي يحظى فيها المتعلم/ مواطن الغد، بالمشاركة في نقاشات تربطه بالحياة السياسية والممارسة الديمقراطية والتفكير النقدي وسيادة قيم الحوار الإيجابي. كما أن الانتقال بالممارسة الفلسفية من ممارسة داخل جدران الفصل إلى دائرة أرحب، إما في صالات أو مقرات لمؤسسات ثقافية أو عمومية لالتقاء التلميذ مع غيره، هي خطوة مهمة ونوعية ستعمل لا محالة على رأب الصدع بين الفلسفة والانسان العادي، كما ستدفع للتصدي لبعض أنصار فكرة إلغاء الفلسفة -ظنًّا منهم عدم جدواها-كما أنها خطوة في سبيل تخليص الفلسفة مما عَلق بها من وصم stigmatisation المجتمع المحيط للمشتغلين بالفلسفة، بصفات الزندقة والهرطقة والكفر والزيغ والضلال التي رميت بها الفلسفة قديما وحديثا.
ويجمل بنا القول، إن تجربة الفلسفة وانفتاحها على الفضاء العمومي بدل اقتصارها على الجماعة الفلسفية؛ تماثل فعل من يخرج سمكة من وسط خاص وضيق ( الحوض /النهر) إلى أفق لا محدود( البحر/ المحيط). كما أن الاحتفاء بها في جو علني وبدون قيود، هو لا شك، سيغني الممارسة الفلسفية بأشكال جديدة. وبَيِّن أن بروز الفلسفة في مناسبة وطنية وجهوية وإقليمية سيساهم في خلق قيم الحداثة والمواطنة وغرس مبادئ حقوق الانسان. لكن وجب التنبيه إلى ضرورة التفكير الجدي في إرساء الموارد المادية اللازمة في سبيل هذه الغاية النبيلة وتسخير التجهيزات واللوجيستيك من قبل الساهرين على الشأن الثقافي، قصد تمويل الاشراف على هذه الأيام، وما يفرضه تحدي تنظيم الاحتفاء بالفلسفة في عيدها. فهل ستتمكن الفلسفة أن تمارس أثرها الصيدلاني لتصبح علاجا للمرضى8 أخيرا؟ أو تصير حسب أبو حيان التوحيدي فلسفة لطب الأصحاء. وشتان بين مُدبِّر المرض ومُدبِّر الصِّحة".9
1- مفتش تربوي لمادة الفلسفة له إسهامات في مجال التأليف المدرسي في تجربة تحرير وتعددية تأليف الكتاب المدرسي.
2- عبد الغني التازي،الترسيخ الوجودي للدرس الفلسفي.مجلة فكر ونقد عدد 48 أبريل 2002 ص 54
3- كويشيرو ما تسورا، 2009 ، الفلسفة مدرسة الحرية، منشورات اليونسكو الطبعة الأولى باريس ص 9
4 -Roger Pol Droit, 1995 ; Démocratie et philosophie dans le monde.Paris ; livre de poche ; P15
5 ليست أزدري هنا مكون الفكر الإسلامي الذي يحتل في التاريخ العربي الإسلامي مكانة هامة. بل إنني أطرح جدوى الاقتصار عليه وحده دون غيره. خاصة وأن الفكر الإسلامي جزء لا يتجزأ من مكونات الفلسفة.
6- المملكة المغربية وزاراة التربية الوطنية، مديرية التعليم الثانوي ، قسم البرامج. البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الفكر الإسلامي والفلسفة1991 .
7- هذا على الأقل ما نلمسه في الوثائق التربوية المؤطرة لتدريس مادة الفلسفة والنصوص التنظيمية ولا ندعي القول أن الممارسة الفلسفية تخلصت من المقاومات وتبوأت مكانتها في المجتمع وأصبحت هما و شأنا مجتمعيا.
8- جاك دريدا،1998،صيدلية أفلاطون،ترجمة كاظم جهاد،دار الجنوب للنشر، تونس، ص 21
9- فتح الله خلف،1981 ،المدخل إلى الفلسفة، دار الجامعات المصرية الإسكندرية ص 42
لمزيد إيضاح يرجى العودة لكتاب الإمتاع والمؤانسة الجزء الثاني حول الموقف الذي يبرر فيه التوحيدي موقف الفلسفة طب الأصحاء والشريعة طب المرضى.
*مفتش تربوي لمادة الفلسفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.