قد يبدو للوهلة الأولى أن مستوى دخل الفرد الشهري في سويسرا مرتفع إذا ما قورن بالدخل الشهري في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا أو فرنسا، إلا أن لمحة أولية على مداخيل ونفقات أسرة بمدينة زوريخ ستجعلنا ندرك تماما أن الدخول في سويسرا ليست مرتفعة بالشكل الذي كنا نعتقده. تعتبر تكاليف المعيشة في زوريخ من بين أعلى المعدلات الموجودة في العالم، ولاستيعاب الظروف المحيطة بالدخل الشهري بهذه المدينة، يجدر بِنَا وضع ميزانية شهرية لأسرة متكونة من أربعة أفراد، دخلها الشهري يقدر ب8500 آلاف فرنك سويسري (ما يعادل 79050 درهما مغربيا)، منها 4500 فرنك سويسري كدخل شهري للرجل و4000 فرنك للمرأة. وقد يعتقد من لا يعرف واقع تكلفة المعيشة في زوريخ أن دخل هذه الأسرة مرتفع جدا. السيد جمال يعمل مستخدما في إحدى الشركات للمواد الغذائية، وهو يحصل على راتب متوسط في حدود 4500 فرنك سويسري (41850 درهما مغربيا). وقد يختلف الدخل من مدينة إلى أخرى، إذ توجد فوارق كبيرة في الدخل في هذه الوظيفة. أما بالنسبة إلى زوجة السيد جمال فتتقاضى نهاية كل شهر مبلغ 4000 فرنك (ما يعادل 37200 درهم مغربي ). الضريبة على الدخل والتقاعد والإيجار يتم نهاية كل شهر خصم نسبة من الراتب الإجمالي للسيد جمال بشكل أوتوماتيكي لحساب تأمين الشيخوخة، وتأمين البطالة، وتأمين الحوادث خارج العمل، وكذلك لصندوق التقاعد، أي ما يساوي تقريباً 450 فرنكا سويسريا. كما يجب عليه دفع مبلغ 750 فرنكا سويسريا كضريبة على الدخل، إضافة إلى نفقات أخرى مثل الكهرباء والتدفئة والمياه ورسوم النفايات المنزلية، والتي قد تصل إلى 150 فرنكا سويسريا. ناهيك عن الإيجار، إذ يبلغ متوسط إيجار شقة غير مفروشة بزوريخ تتضمن غرفتي نوم وحمام حوالي 1800 فرنك سويسري شهريا (ما يعادل 16740 درهما مغربيا). أما بالنسبة إلى الزوجة فنفقاتها لا تختلف كثيرا عن نفقات زوجها، خصوصا فيما يخص الاقتطاعات المتعلقة بالتأمين على الشيخوخة والبطالة وصندوق التقاعد إلخ. تأمينات إجبارية يعتبر التأمين الصحي إجباريا ومن النفقات الشهرية الضرورية، الأمر الذي يشكل عبئا ثقيلا على نفقات الأسرة، التي تكون ملزمة بدفع اشتراك شهري يقدر بحوالي 800 فرنك سويسري للزوج والزوجة، ومبلغ 100 فرنك سويسري شهرياً على الأقل لكل ابنٍ قاصر. وعليه، فإن اشتراكات التأمين الصحي بالنسبة إلى أسرة جمال تصل شهرياً إلى 1000 فرنك سويسري. وإضافة إلى النفقات الإجبارية هناك نفقات أخرى كالاشتراك الخاص بالهاتف النقال، والإنترنت التي تزيد عن 150 فرنكا سويسريا، ورسوم خاصة بخدمات استقبال البث الإذاعي والتليفزيوني أو وصلات الكابل التليفزيوني أو استقبال القنوات الفضائية، والتي تقدر بحوالي 150 فرنكا سويسريا شهرياً. مصاريف إضافية وبعد أن تؤدي الأسرة النفقات الضرورية والإجبارية، يتوجب عليها أداء مصاريف ضرورية أخرى لا يمكن الاستغناء عنها، وتتعلق بنفقات المواصلات والاشتراكات الشهرية في وسائل النقل العمومي ومصاريف امتلاك سيارة، حيث يجب على الأسرة دفع تكاليف التأمين، والضريبة الخاصة بالمقاطعة، ورخصة موقف السيارة، والوقود بشكلٍ شهري، والتي تقدر بحوالي 600 فرنك سويسري. التسوق والمواد الغذائية تعتبر المواد الاستهلاكية مرتفعة الثمن في مدينة زوريخ، فأسرة جمال تضطر إلى تخصيص مبلغ 800 فرنك سويسري على الأقل شهريا للأكل والشرب. ويختلف هذا المبلغ من أسرة إلى أخرى. وتتميز زوريخ بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بها، فعلى سبيل المثال يساوي سعر كيلو غرام من اللحم 20 فرنكا سويسريا، وسعر كيلو غرام من الطماطم 2,5 فرنك سويسري. أما إذا كانت الأسرة تتناول الطعام خارج البيت من حين إلى آخر، فإن نفقاتها ستتضاعف بشكل كبير، إذ تبلغ فاتورة عشاء في مطعم متوسط، يقدم بيتزا ومشروبات غازية لأربعة أفراد، كما هو حال أسرة جمال، حوالي 130 فرنكا سويسريا. أمام هذه النفقات المتعددة، تجد أسرة جمال نفسها مجبرة على تدبير نفقاتها بشكل معقلن، حتى يتسنى لها توفير قليل من المال لمواجهة نوائب الظهر من جهة، وادخار جزء من الدخل للعطلة الصيفية واقتناء بيت بالمغرب. وبالرغم من أن زوريخ تحتل دائماً أعلى الرتب كأفضل مدينة في العالم، بفضل تألقها وتنوّعها الثقافي والطبيعي وديناميتها الاقتصادية واستقرارها وأمنها وجودة شبكة المواصلات وطبيعتها الخلابة، فإنها تبقى من بين أغلى المدن في العالم من حيث المعيشة.