إسبانيا تسجل أشد موجة حر في تاريخها.. أكثر من ألف وفاة وحرائق تأتي على مئات آلاف الهكتارات    توقيف تركي مبحوث عنه دولياً في قضايا الكوكايين    ترقيم البيض مطلب عاجل لتطويق الفوضى في الأسواق    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    إسرائيل تقصف الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة غزة، وارتفاع حصيلة القتلى قرب مراكز المساعدات إلى ألفين    نيجيريا: سلاح الجو ينقذ 76 مخطوفا وسقوط طفل في العملية    لمسة مغربية تصنع فوز ريال مدريد بثلاثية نظيفة    المنتخب المغربي يتوجه إلى أوغندا لخوض نصف نهائي "الشان"    أمرابط على أعتاب "الكالتشيو" من جديد    افتتاح الدورة 82 لمعهد القانون الدولي بالرباط برئاسة مغربية    الأمم المتحدة تحذر من من خروقات البوليساريو في الصحراء    أمن مطار محمد الخامس يوقف تركيا مطلوبا لدى الأنتربول    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    هام للمغاربة.. تحديد موعد وعدد أيام عطلة عيد المولد النبوي    شقيق شيرين عبد الوهاب يثير الجدل برسالة غامضة عن "لوسي"    "مهرجان الشواطئ اتصالات المغرب" يضيء سماء المدن الساحلية في دورته ال21    الصحة النفسية: كيف يمكن أن يقودنا التهويل والتفكير السلبي إلى عوالم مظلمة؟    تحت شعار "ذكاء المرافق".. الرياض تحتضن أكبر حدث دولي في إدارة المرافق    الشرقاوي: الملك يهتم بأجيال فلسطين    "أسيست دياز" يسهم في فوز الريال    توقيف مختل عقلي بالبيضاء جراء نشره فيديو يهدد فيه بارتكاب جنايات ضد الأشخاص بمسجد الأندلس بمنطقة أناسي    الخارجية الفرنسية تستدعي السفير الأمريكي بسبب اتهامات معاداة السامية    تجارب علمية تبعث الأمل في علاج نهائي لمرض السكري من النوع الأول    رحيل الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المناضل عزيز المنبهي    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    "أسود البطولة" يتوجهون إلى أوغندا لمواجهة السنغال في نصف نهائي "الشان"    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى زيلينسكي    السلطات المغربية تطرد ناشطتين أجنبيتين من مدينة العيون    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    موجة حر استثنائية تضرب إسبانيا وتتسبب في أكثر من ألف وفاة خلال غشت    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    تبون خارج اللعبة .. أنباء الاغتيال والإقامة الجبرية تهز الجزائر    الجنرال حرمو يؤشر على حركة انتقالية واسعة في صفوف قيادات الدرك الملكي بجهتي الناظور وطنجة    قال إن "لديه خبرة وغيرة لا توجد لدى منافسيه".. أسامة العمراني ينضاف لقائمة نخب تطوان الداعمة للحاج أبرون    قتيلان بغارات إسرائيلية على اليمن    السدود المغربية تفقد 792 مليون متر مكعب بسبب الحرارة وتزايد الطلب    أزمة القمح العالمية تدق ناقوس الخطر والمغرب أمام تحديات صعبة لتأمين خبزه اليومي            المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    جاكوب زوما: محاولة فصل المغرب عن صحرائه هو استهداف لوحدة إفريقيا وزمن البلقنة انتهى    موجة غلاء جديدة.. لحم العجل خارج متناول فئات واسعة    ناشطات FEMEN يقفن عاريات أمام سفارة المغرب في برلين تضامنا مع ابتسام لشكر    الصحافة الكويتية تسلط الضوء على المبادرة الإنسانية السامية للملك محمد السادس لإغاثة سكان غزة    الجديدة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان اليقطين احتفاء ب''ڭرعة دكالة''    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"هكذا نموت" .. كتاب يروي أسرارا مثيرة عن الاحتضار ومغادرة الحياة
نشر في هسبريس يوم 22 - 01 - 2019

لا مفر من الوفاة؛ ولكن المجتمعات الحديثة تتهرب في الغالب من ذكر الموت، بل وتتجاهله.
تناول الصحافي الألماني رولاند شولتس، في كتابه "هكذا نموت"، هذه القضية التي نادرا ما تحظى بما تستحق من اهتمام. وقد تعامل معها من وجوه كثيرة، وبحثها بشكل مستفيض؛ فهو يمنح مساحة في كتابه للأطباء ومتعهدي دفن الموتى ومقدمي الرعاية الروحية وأهل المتوفى، بل والمحتضرين أنفسهم، وما يساورهم من مشاعر، بشكل مرهف وموضوعي.
في البداية، يشرح شولتس ما هي الآليات الجسمانية التي تسبق الموت الحقيقي، وبينها أن الدم لا يكاد يصل إلى الأصابع أو أطراف القدمين، "حيث يصبح هذا الدم ضروريا في مكان آخر، في الرأس، في قلب جسمك، حيث تقع الرئة والقلب والكبد". تبرد القدمان، يصبح التنفس ثقيلا، تتلاشى الحواس "ويبدأ جسمك يودع الحياة".
وأحيانا يتعرض المشرفون على الموت لضغط من قبل الأصحاء، حيث يرى المحيطون بالمحتضر أنه لا تزال هناك إمكانية لمداواته إذا بُذِلت جهود مناسبة، وهو ما يراه شولتس علامة على مدى تجاهل الموت "فهي ظاهرة متناقضة، حيث إن الموت لا يزال حاضرا في كل الأرجاء، حتى في العصر الحديث، نراه كل يوم في الصحيفة، وكل مساء في التلفاز، وعلى مدار اليوم في الإنترنت؛ ولكننا لا نكاد نبصره في حياتنا اليومية".
ويقول شولتس إن بعض الناس لا يرون أول جثة في حياتهم إلا في سن 50 أو 60 عاما.
ووفقا للأطباء، يجب أن يتسم التعامل مع المحتضرين باستكانة واحترام، ولكن تعاملنا مع المشرفين على الموت لا يتميز بهاتين الصفتين، في أكثر الأحيان. يمكن للمحتضر أن يتجنب فكرة: ما حدث لتوه الآن حدث لآخر مرة: آخر مرة أمام البحر، وآخر مرة في الجبال، وفي العمل، وفي قيادة السيارة، وآخر مرة ينام فيها مع الإنسان الذي يحبه، وآخر ثلوج رآها، وآخر مرة دفع فيها فاتورة في مطعم".
ويتساءل شولتس: في أي مكان تتجه إليه عين المقبل على الموت - بصرف النظر عما يقوم به- فإن الموت يخيم على جميع أفعاله "وهو ما يظهر جمال الحياة".
ويبدأ عالم المشرف على الموت في التلاشي، وتصبح وتيرة أنشطته أصغر فأصغر، وبتباعد الناس عن الأماكن القريبة منه، يصبحون بعيدا عن متناوله "فأنت تودع الأماكن، تودع الأشخاص، ثم في النهاية تودع نفسك".
ويقول المؤلف: بعض المقبلين على الموت يبحثون عن عزاء في حقيقة أنهم ليسوا آخر من مات "فهم يموتون كما مات آباؤهم، وأجدادهم وآباء أجدادهم، إلى آخر عضو في سلسلة القرابة".
ويرى المؤلف أن تاريخ البشر يعود إلى نحو 8000 جيل، ويعتقد خبراء الإحصاء الذين قدروا هذه الأعداد أن الآدميين الذين عاشوا وماتوا على الأرض وصلوا إلى نحو 200 مليار إنسان.
ويوضح شولتس سبب خطأ من يتصور النهاية كما لو كانت في آلة بسيطة ينكسر فيها جزء مهم، ويقول إن جسم الإنسان أكثر تعقيدا من ذلك، بما فيه من أكثر من 200 عظمة وأكثر من 600 عضلة، وقلب يدق أكثر من 100 ضربة في الدقيقة، ورئة تتنفس آلاف المرات يوميا، ومخ به نحو ثلاثة أرطال من الأنسجة، "فأنت تتكون من مليارات من الأجزاء بالغة الأهمية المكونة في جسمك، بعضها يصلح نفسه بنفسه على مدار الحياة، وبعضها يوجد بشكل مزدوج، مثل الرئتين، والكليتين، وقناة فالوب والخصيتين، فأنت لست آلة بسيطة، بل نظام صمم ليتعطل يوما ما، إنه أكثر تعقيدا من أي مفاعل".
يمكن للمشرف على الموت، وفقا للمؤلف، أن يأسف على أشياء لم يكن يعي أهميتها، حيث يبدأ في إدراك عدد الأحلام التي لم يستطع تحقيقها، بل أسوأ من ذلك، أنه لم يعش أبدا. ولكنه نادرا ما يخاف من الآلام غير المحتملة؛ "فالألم هو الشيء الذي يجيده الموتى من بين جميع جوانب الموت".
ويتناول شولتس بشكل ناقد فكرة المسارعة، قبل الموت، في التصالح مع الأهل، تلك الفكرة الشائعة "وكأن الساعات تكون قادرة على أن توحد ما فصلته السنون".
ويرى المؤلف أن مثل هذه اللحظات الحماسية تنبع من تصور الإنسان أن الموت يمكن أن يمثل إحدى نقاط الذروة في الحياة، ختاما متوجا للحياة، ذروته وفاة طيبة جميلة "فمثل هذه الأفكار لا يبوح بها سوى الناس وهم في صحتهم".
ويعتقد شولتس أن "الموت ليس جميلا... إنه أصعب ما يلاقيه الإنسان في حياته، قاس ومؤلم، ورغم ذلك فهو جزء من الحياة... من الصعب الاعتراف بذلك، سواء بالنسبة إلى المحتضر أو الأصحاء".
إلى جانب ذلك، يقدم الكتاب اقتراحات ملموسة عن كيفية تهدئة الشعور بضيق التنفس من خلال الشهيق، وأنه يجب عدم استخدام المحاليل الطبية ضد الشعور بالعطش، بل يفضل بدلا من ذلك وضع مكعب شاي مجمد على اللسان.
كما يوضح مؤلف كتاب "هكذا نموت" أن الزجاجات الرشاشة فكرة طيبة، بالمياه والعصير والخمر، كل بحسب ما يحب.
ويرى شولتس أن شهادة الوفاة هي أهم وثيقة في عالم الموتى "أهم من بطاقة الهوية في حياة الأحياء".
ويقول في ختام كتابه: "تمنيت لو أني وفقت لشرح أكثر جوانب الموت حزنا في حياتنا، بشكل أكبر من ذلك... انتابني شعور في بعض الأحيان بأن لهذا الكتاب تأثير مبالغ في الدفء ومبالغ في اللطف، مقارنة بالظروف التي يموت الإنسان، ويدفن، فيها".
إن كتاب "هكذا نموت" كتاب مؤثر، صيغ بشكل مميز، ويخاطب القارئ في جميع صفحاته بصيغة "أنت" البسيطة، ويعرض له حقائق مثيرة للغاية. إنه يقدم عزاء لقارئه، وتوعية واقتراحات عملية، وغير ذلك الكثير. كتاب موفق جدا، عن موضوع الموت الذي قلما نذكره.
*د. ب. أ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.