التقدم والاشتراكية: نستنكر ما يجري بشكل خطير في الفضاء الصحفي... والحكومة تتحمل المسؤولية    اعتزال صادم للحكمة الدولية بشرى كربوبي التي ترمي الصافرة.    هيئة محامي الرباط تندّد ب"إهانة الدفاع"    بعد 25 سنة من التألق... الحكمة بشرى كربوبي ترمي الصافرة وتكشف أسرار "الاعتزال القسري"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    إطلاق الحملة الوطنية "مانسكتوش على العنف" للمجلس الوطني لحقوق الإنسان    الجزائر ‬و ‬بريتوريا ‬تفشلان ‬في ‬إقحام ‬ملف ‬الصحراء ‬في ‬مداولات ‬قمة ‬قادة ‬مجموعة ‬العشرين ‬بجوهانسبورغ    بلجيكا.. زكرياء الوحيدي يتوج أفضل لاعب مغاربي في الدوري البلجيكي الممتاز    عمدة نيويورك الجديد يفاجئ الجميع بإعجابه الكبير بالأسد المغربي مروان الشماخ    بنك المغرب : إصدار 654 مليون ورقة نقدية جديدة برسم 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    فرنسا.. ساركوزي أمام القضاء مجددا في قضية "بيغماليون" المرتبطة بحملته للانتخابات الرئاسية 2012        حزب اخنوش يفوز بمقعد بمجلس المستشارين في انتخابات جزئية بين غرف بني ملال والرباط والدار البيضاء                علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    375 درهم عن كل طفل..أخنوش يعلن دعماً جديداً للأطفال اليتامى والمتخلى عنهم    دوري الأبطال.. أوسيمين يتصدر قائمة الهدافين بعد مباريات الثلاثاء    أداء إيجابي يفتتح بورصة الدار البيضاء    الحكومة لا تعتزم رفع سعر قنينة غاز البوتان وتعلن زيارة في الدعم الاجتماعي    وسائل إعلام فرنسية تدعو إلى إطلاق سراح الصحافي كريستوف غليز المسجون في الجزائر    مكافحة الاحتباس الحراري: التزام دول البريكس وانسحاب الولايات المتحدة !            المخرج محمد الإبراهيم: فيلم الغموض والتشويق القطري "سَعّود وينه؟"    فيلم " كوميديا إلهية " بمهرجان الدوحة السينمائي الرقابة السينمائية في إيران لا تنتهي...!    مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ترفع رقم معاملاتها إلى أكثر من 84,36 مليار درهم متم شتنبر    سفير روسيا: ندعم تسوية ملف الصحراء.. والعلاقات مع المغرب عميقة الجذور    سعيّد يستدعي سفير الاتحاد الأوروبي    شركة عائلة نيمار تستحوذ على العلامة التجارية للأسطورة بيليه    اسبانيا.. العثور على جثث أربعة أفراد من أسرة مغربية داخل منزل    وزارة التربية تفاقم الخصاص بعد إقصاء "المُختصين" من مباريات التوظيف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    بركة يبرز من أنغولا الرؤية الملكية حول الهجرة في قمة الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على سرديات مؤثرة من المنطقة    أخنوش يستقبل رئيس مجلس النواب بجمهورية كازاخستان    الجيش الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية    نصائح ذهبية للتسوق الآمن باستخدام الذكاء الاصطناعي    عصبة الرباط سلا القنيطرة تطلق موسماً استثنائياً باطلاق أربعة مراكز للتكوين في مجال التحكيم    دوري أبطال أوروبا.. تشلسي يثأر من برشلونة وليفركوزن يصدم مانشستر سيتي    الأمن المغربي يستعرض الجاهزية لمكافحة الجريمة أمام الجمهور الدولي    اليوسفية تحتفي بالمواهب الشابة في أول مهرجان للهواة السينمائي    الدواء .. هو السبب الأول لصداع الدولة والمواطن ؟    الاستجابة العالمية ضد الإيدز تواجه "أكبر انتكاسة منذ عقود" وفقا للأمم المتحدة    وفاة الفنانة بيونة إحدى رموز السينما في الجزائر    مهرجان "أزاما آرت" يعود في دورته الثالثة بأزمور تحت شعار الثقافة والفن    ليلةُ الاستقلالِ والمَسيرةِ فى تونس... حين التقت الضفتان على نغمة واحدة    مسرح رياض السلطان يجمع النمساوية سيبا كايان والسوري عروة صالح في عرض يدمج الموسيقى الالكترونية بالروحانية الصوفية    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    دراسة: التدخين من وقت لآخر يسبب أضرارا خطيرة للقلب    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوصوف يسائل "منتدى دافوس" وإرهاصات النظام الأوروبي الجديد
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2019

تأثر المنتدى الاقتصادي العالمي، المنعقد في منتجع دافوس بسويسرا في طبعته ال49 بين 22 و25 يناير الحالي، بواقع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية، وهو ما برر اعتذار زعماء دول قوية اقتصاديا ومؤثرة سياسيا، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذا الرئيس الصيني شي جين بينغ، بالإضافة إلى الرئيس الهندي، وكذا الروسي بوتين.
وقد أثر هذا الغياب في مناقشة ملفات ساخنة مطروحة على أكبر منصة اقتصادية ومالية في العالم، مثل ملفات العولمة والثورة الصناعية الرابعة والتغيير المناخي والقرصنة الرقمية والحرب التجارية والشعبوية… فغياب أكثر من رئيس بسبب أزمات داخلية هو عنوان كبير لما يعيشه النظام العالمي من مخاض سياسي واقتصادي وبيئي، ولمرحلة انتقالية تشبه حالة القطيعة مع الماضي، وبداية البحث عن أجوبة لأسئلة جديدة.
وتتجلى صعوبة الظرفية الراهنة في أحداث مهمة قلبت توازنات أقوى الدول العالمية، من أزمة "الإقفال الحكومي" الأطول في تاريخ أمريكا، عقب رفض ترامب التوقيع على الميزانية الفيدرالية ما لم تُخصص أموال كافية لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، مرورا برفض البرلمان البريطاني المصادقة على خطة تيريزا ماي لمغادرة الاتحاد الأوروبي (البريكسيت)، إلى أزمة السترات الصفراء الفرنسية، التي دفعت ماكرون إلى فتح حوار وطني كبير لتجاوز الأزمة الداخلية العاصفة، وصولا الى ركود الاقتصاد الصيني، والتحضير للانتخابات في الهند وغيرها…
ورغم صعوبة السياق الدولي، فقد انعقد ملتقى دافوس 2019، بحضور حوالي 3000 مشارك من 100 دولة. كما عرف حضور وجوه جديدة كالرئيس البرازيلي الجديد بُولسُونارُو، وأخرى أصبحت معتادة مثل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وأمير موناكو، بالإضافة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي حظيت باستقبال كبير، وبتغطية إعلامية مهمة تعبيرا عن قيمة ميركل السياسية، وبالنظر إلى قوة ألمانيا اقتصاديا وسياسيا، بخلاف بعض القادة الذين حضروا في قاعة شبه فارغة.
وفي كلمتها خلال منتدى دافوس، انتقدت ميركل صعود التيارات الشعبوية، ودافعت عن هندسة العولمة والنظام متعدد الأقطاب. كما تحدثت عن علاقة بلادها بأمريكا والصين، وعن غاز روسيا، وعن إفريقيا التي سيصل عدد سكانها إلى مليارين بحلول سنة 2050، وعن حلف الناتو وانتخابات ماي 2019، وعن جي 20، وكذا السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، عرفت ممرات قاعة الاجتماعات بدافوس العديد من اللقاءات الثنائية، كان من أبرزها لقاء ميركل بكُونتي رئيس الحكومة الإيطالية، حيث تبادل الطرفان الحديث عن الهجرة والموانئ المغلقة، والمشاركة في "عمليات صوفيا"، والتحالفات الحزبية في أفق انتخابات ماي 2019.
أنجيلا ميركل وإن كانت تمثل تيارا أوروبيا وحدويا، فإن تدخل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عبر فيديو مسجل، تموقع في الضفة المقابلة لميركل عندما تحدث عن رياح جديدة تهب على العالم، وتطرح أسئلة لم تطرح من قبل، مشيدا في الوقت نفسه بتجارب البرازيل وحركة "خمسة نجوم" وكذا "البريكسيت" ببريطانيا، معتبرا إياها إشارات لقطيعة إيجابية.
وتشاء الصدف أن يتزامن افتتاح منتدى دافوس يوم 22 يناير مع توقيع ماكرون وميركل "اتفاقية أكْويسغْرانا"، التي تتضمن تعاونا وتكاملا اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا بين فرنسا وألمانيا، وهي اتفاق تكميلي ل"اتفاقية الإليزيه" ليوم 22 يناير 1963.
ولم يكن اختيار مكان التوقيع على "اتفاقية أكويسغرانا " محض صدفة، فمنطقة أكويسغرانا أولا هي منطقة حدودية بين أكثر من دولة أوروبية (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا وهولندا)، مما يفسح المجال لانضمامها مستقبلا لهذه الاتفاقية؛ وثانيا، فالمنطقة هي مكان لحدث تاريخي، حيث تم فيها تعيين شارلمان أو شارل الثالث إمبراطورا للإمبراطورية الرومانية المقدسة، بمباركة بابا الفاتيكان ليو الثالث، وكانت العاصمة هي آخن وليست روما الإيطالية.
هذا التعاون بين ألمانيا وفرنسا ستسعى من خلاله باريس إلى طلب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لألمانيا، وهو ما يعارضه ضمنيا الإيطالي كونتي، الذي يرى بأن المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي يجب أن يكون من نصيب الاتحاد الأوروبي وليس برلين وحدها.
ولعل ما يدفع إلى التأمل في هذه الاتفاقية بشكل دقيق هو عزم بريطانيا، بعد التصويت على "البريكسيت"، الاعتماد على محور دول الكومونويلث والولايات المتحدة، وبالتالي فقدان الاتحاد الأوروبي دولة لها مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، وبقاء فرنسا ممثلة وحيدة لأوروبا في مجلس الأمن.
وقد لمح العديد من المراقبين إلى أن "اتفاقية أكْويسغرانا" الجديدة ستكون إما مقبرة للاتحاد الأوروبي أو ستخلق اتحادا بسرعتيْن مختلفتيْن، خاصة إذا عرفنا أن الاقتصادين الفرنسي والألماني يشكلان 50 بالمائة من ناتج منطقة الاتحاد الأوروبي، كما أن ألمانيا هي أول شريك تجاري لفرنسا، وثاني أكبر مستثمر أجنبي في فرنسا بحوالي 4000 مقاولة، وتوفر أكثر من 300 ألف منصب شغل، برقم معاملات يصل إلى 140 مليار يورو؛ في حين أن فرنسا هي ثاني شريك تجاري لألمانيا بعد أمريكا. كما توجد حوالي 2700 مقاولة فرنسية بألمانيا، وتخلق أكثر من 360 ألف منصب شغل.
أما على المستوى التنسيق السياسي، فإن ميركل وماكرون عبرا في أكثر من مناسبة عن تمسكهما بنظام الاتحاد الأوروبي وسياسة التضامن والتعاون الاقتصادي، مما يجعلهما في مواجهة تيار اليمين المتطرف وكذا تيار الشعبوية والحمائية الوطنية.
وإذا كانت أشغال منتدى دافوس قد طبعتها الانقسامات السياسية والحرب التجارية والاختلاف في تدبير مشاكل التغير المناخي والعولمة والشعبوية، فهل "اتفاقية أكويسغرانا"، الموقعة بين ألمانيا وفرنسا في يوم افتتاح منتدى دافوس، تعني، مثلا، التوقف عن توسيع رقعة الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن اعتبارها طريقة للالتفاف على مطالب تغيير اتفاقيات الاتحاد الأوروبي كماستريخت ودبلن؟ وهل هي إجراء احتياطي قبل انتخابات ماي 2019 واحتمال وصول اليمين المتطرف والتيار الشعبوي إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟ وهل ستكون هذه الاتفاقية السقف الآمن في حالة انهيار الاتحاد الأوروبي؟ وهل تم دفن الاتحاد الأوروبي يوم توقيع الاتفاقية في مكان ميلاد الإمبراطورية الرومانية المقدسة؟
لا يتعلق الأمر هنا بقراءة فنجان العلاقات الدولية، وإنما هي مجرد تساؤلات كتمرين فكري يسائل المعطيات السياسية على ضوء الوقائع التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.