شكل إنزال طاقم الفيلم الروسي "خوطابيتش" بمعداته الثقيلة وسط مدينة شفشاون العتيقة خلال نونبر الجاري، اختبارا ميدانيا للقدرة الاستيعابية للنسيج الحضري الضيق في "الجوهرة الزرقاء"، كاشفا عن إمكانات المدينة اللوجستية وحدود بنيتها التحتية أمام ضغط الإنتاجات السينمائية الدولية. ووضعت متطلبات الإنتاج الضخم البنية التقليدية للمدينة، التي نجحت في كسب الرهان السياحي بفضل معمارها الفريد وشهرتها العالمية، أمام "امتحان ضغط" حقيقي، تجلى في تنفيذ تدخلات تقنية سريعة شملت إعادة صباغة 14 واجهة بمحيط ساحة "الهوطة" وتهيئة ثلاثة أزقة متفرعة عنها، بالتزامن مع تثبيت أكثر من 20 وحدة إضاءة عالية الكثافة في حيز مكاني لا يتجاوز عشرات الأمتار. مناورة لوجستية معقدة وتحولت الأزقة الضيقة والملتوية إلى ساحة مناورة معقدة لخمس شاحنات معدات وثلاث مركبات تقنية، مانحة مؤشرات ميدانية دقيقة حول الحدود القصوى للطاقة الاستيعابية للمدينة عند التعامل مع آليات ثقيلة. وتوزع نحو 35 تقنيا داخل فضاء العمل المحدود، مما استدعى تنسيقا دقيقا لتفادي اختناق الحركة في النقاط الحيوية. واستدعت العملية تعبئة الموارد الإيوائية المحلية بشكل مكثف، حيث استغل ما بين 12 و15 "رياضا" ودور ضيافة داخل المدينة العتيقة لضمان إقامة الطاقم، فيما انخرط ما بين 40 و60 من السكان المحليين في أداء أدوار ثانوية. من السياحة إلى السينما وتشير المعطيات المستخلصة من هذا الإنزال السينمائي إلى أن تجربة "خوطابيتش" تتجاوز بعدها الفني، لتشكل "محكا عمليا" يقيس جاهزية شفشاون للانتقال من مجرد وجهة سياحية ناجحة إلى موقع تصوير احترافي قادر على استقبال مشاريع عالمية ذات متطلبات صارمة، رغم غياب أرقام رسمية حول الأثر الاقتصادي المباشر لهذه العملية. وقدمت التجربة لصناع القرار تصورا واضحا حول مدى ملاءمة العمران القديم للمدينة وتضاريسها الصعبة لاستضافة صناعة سينمائية ثقيلة، بعيدا عن مجرد الجاذبية البصرية للصورة السياحية التي رسخت مكانة المدينة على الخريطة العالمية.