أعادت القضايا المفتوحة بمدينة طنجة، والتي يتابع فيها عدد من صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي بتهم تتصل بالاتجار بالبشر، تسليط الضوء على الإطار القانوني الصارم الذي اعتمده المغرب في مواجهة هذا النوع من الجرائم، وذلك بموجب القانون رقم 27.14 الذي دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة البرلمان عليه سنة 2016. ويستند هذا القانون إلى إدراج فرع خاص بالاتجار بالبشر ضمن القانون الجنائي، في خطوة اعتبرت حينها تحولا نوعيا في السياسة الزجرية، بالنظر إلى اتساع رقعة الجرائم المرتبطة بالاستغلال، خاصة في الفضاء الرقمي، حيث لم يعد الاتجار بالبشر مقتصرا على الأشكال التقليدية المرتبطة بالسخرة والدعارة، بل شمل كذلك الاستغلال عبر وسائل الاتصال الحديثة. ويعرف التشريع المغربي الاتجار بالبشر بأنه كل تجنيد أو نقل أو إيواء أو استدراج للأشخاص باستعمال التهديد أو العنف أو الاحتيال أو استغلال الضعف، بهدف إخضاعهم للاستغلال، سواء تعلق الأمر بالاستغلال الجنسي أو التسول أو السخرة أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء أو توظيف الأشخاص في أعمال إجرامية، كما يشمل إنتاج ونشر المواد الإباحية عبر المنصات الرقمية. ويتعامل القانون مع القاصرين بمنطق صارم، إذ يعتبرهم ضحايا اتجار بمجرد ثبوت نية الاستغلال، حتى في غياب وسائل الإكراه، في مقاربة تهدف إلى حماية الفئات الأكثر هشاشة، خصوصا في القضايا التي تكون شبكات التواصل الاجتماعي أحد مداخلها الأساسية. وينص القانون على عقوبات تبدأ بالسجن من خمس إلى عشر سنوات في صورتها العادية، وترتفع إلى عشرين سنة إذا اقترنت الجريمة بظروف مشددة من قبيل استعمال العنف أو التهديد أو تعدد الجناة أو استغلال الوظيفة العمومية، كما تعاقب الحالات التي تحدث عاهات دائمة أو أضرارا نفسية خطيرة للضحايا بعقوبات مشددة. أما إذا كانت الضحية قاصرا أو في وضعية هشاشة أو امرأة حاملا أو تحت سلطة الجاني أو تجمعها به علاقة أسرية مباشرة، فإن العقوبة قد تصل إلى السجن ما بين عشرين وثلاثين سنة، بينما يفتح القانون الباب للحكم بالسجن المؤبد إذا ثبت أن الجريمة ارتكبت في إطار عابر للحدود أو أفضت إلى وفاة الضحية أو اقترنت بالتعذيب أو المعاملة الوحشية. ولا تقتصر المتابعة الجنائية على المنفذين فقط، بل تمتد إلى كل من علم بوقوع الجريمة ولم يبلغ عنها، وكل من حاول التأثير على الشهود أو عرقلة مسار العدالة، إضافة إلى كل من استفاد من خدمات الضحية مع علمه بكونها ناتجة عن جريمة اتجار بالبشر، مع إلزام القضاء بمصادرة الأموال والممتلكات المستعملة في الجريمة. وبموازاة الجانب الزجري، ينص القانون على إجراءات حمائية لفائدة الضحايا، أبرزها عدم مساءلتهم عن الأفعال التي ارتكبت تحت الإكراه، ومنع الاتصال بهم من طرف المتهمين، والسماح للضحايا الأجانب بالبقاء فوق التراب المغربي إلى حين انتهاء مسطرة المحاكمة، فضلا عن إعفائهم من الرسوم القضائية عند رفع دعاوى التعويض. كما تلزم المقتضيات القانونية الدولة بتوفير الرعاية الصحية والدعم النفسي والإيواء المؤقت والمساعدة القانونية للضحايا، إلى جانب تسهيل إدماجهم الاجتماعي أو عودتهم الطوعية إلى بلدانهم الأصلية، في حال تعلق الأمر بأجانب. وتتم متابعة هذه الملفات في سياق مؤسساتي تؤطره لجنة وطنية استشارية لدى رئيس الحكومة، مكلفة باقتراح السياسات العمومية لمكافحة الاتجار بالبشر، وتجميع المعطيات، وإعداد تقرير وطني سنوي بشأن هذه الجرائم، فضلا عن تنسيق التعاون مع الهيئات الدولية ودعم منظمات المجتمع المدني. وتعكس القضايا الجارية بطنجة توجها قضائيا متزايدا نحو إدراج بعض الممارسات الرقمية ضمن خانة الاتجار بالبشر، ما يؤشر على تشديد الرقابة القانونية على المحتوى المنشور عبر المنصات الاجتماعية، ويضع صناع المحتوى أمام مسؤولية جنائية تتجاوز قوانين النشر التقليدية.