ولد الرشيد يفتتح أشغال الندوة الوطنية "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية"    معدل البطالة بالمغرب يتراجع إلى 3ر13 بالمائة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التهراوي يترأس مراسيم استقبال أعضاء البعثة الصحية للحج برسم موسم الحج 1446 / 2025    وزير الصحة يستقبل المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    ولاية أمن طنجة تكشف زيف فيديو اختطاف الأطفال وتوقف ناشرته    نحو ابتكار نظام معلوماتي لتثمين ممتلكات الجماعات الترابية المغربية.. مؤلف جديد للدكتور محمد لكيحال    ولد الرشيد: المقاربة الدبلوماسية المغربية انتقلت إلى منطق المبادرة والاستباق مرتكزة على شرعية تاريخية    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    الرباط.. استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج 1446ه/2025م    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مسؤولة حكومية تقر بمنح زميل لها من "الأحرار" مليار و 100 مليون سنتيم لتربية الرخويات    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    آلاف يتظاهرون في مكناس والدار البيضاء دعما لغزة ورفضا لتهجير الفلسطينيين    باريس.. الوجه الآخر    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    غنيمة حزبية في هيئة دعم عمومي    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوعلي يدافع عن "تعريب نزار بركة" ويبطل صناعة "تسويق الوهم"
نشر في هسبريس يوم 19 - 02 - 2019

طبيعي أن تتعرض التصريحات الأخيرة للسيد نزار بركة للنقد من طرف جيوش ووكلاء اللوبي الفرنكفوني، وأن تنبري العديد من النخب السياسية والثقافية والمنابر الإعلامية، الممولة جزئيا أو كليا من هذا الطيف الاقتصادي والسياسي، لمواجهته ومن خلاله مواجهة ما يمثله، فالرجل إضافة إلى قيادته لحزب وطني كبير وصاحب شرعية تاريخية ووطنية غير قابلة للجدال، هو شخص تدرج في دواليب الاقتصاد والتقنية وقاد مؤسسات وطنية.
ولأن حديثه عن القانون الإطار ولغة التدريس تحمل البعدين معا (البعد السياسي والبعد المعرفي) فمن الصعب على النخبة التي تتبجح بالعلمية أن تقبل به، كما يعسر عليها القبول بالشعبية التي لاقتها عباراته في مواقع التواصل الاجتماعي، فحولت النقاش إلى نقاش شخصي، وحركت جنودها للرد، وكأنه حديث الجميع. لذا لا بد من الرد على بعض الأوهام المثارة، ليس دفاعا عن الرجل الذي له من الرصيد ما يرد به على خصومه الحزبيين قبل الإيديولوجيين، بقدر ما هو تفنيد لما يتكرر ويجتر في النقاشات الشعبوية من الأوهام.
بين لغة التدريس وتدريس اللغات خلط وهمي يحاول من خلاله خصوم العربية ربط رفض تدريس العلوم باللغة الفرنسية بأنه موقف من اللغات الأجنبية، وهو خلط سياسي مؤدلج يراد منه قصدا أو عن غير قصد ربط التنمية باللغة الأجنبية؛ إذ لا أحد يعارض تعلم اللغات الأجنبية والانفتاح على الثقافات، لكن اختيار لغة التدريس له أبعاد ثقافية ومصلحية ترتبط بكون اللغة في جوهرها هي منظومة قيمية.
هدف دعاة اعتماد اللغة الفرنسية هو ترسيخ الهرمية الاجتماعية المبنية على الاستفادة من العلاقة بالمركز الاستعماري. وهذه الاستفادة مادية واجتماعية. فالعلاقة مع النموذج الفرنسي ليست انتماء إيديولوجيا فقط وإنما تجنى من ورائه منافع مادية تتجلى في المكاسب التي تربحها النخبة الفرنكوفونية من فرض الثقافة الفرنسية في الاقتصاد والتعليم والإعلام.
تسويق الوهم بأن الدفاع المبدئي عن العربية والنضال من أجلها مرتبط بالقرارات الذاتية والتفاعل الشخصي معها، وهو الموقف نفسه الذي بسطته جريدة "لوموند أفريك" في 2016 حين تحدثت عن مفارقة متمثلة في كون أغلب مؤيدي سياسة التعريب بالمغرب، وصانعي القرار والمسؤولين، يعمدون إلى تسجيل أبنائهم في مدارس فرنسية داخل المغرب، باعتبارها النخبة المغربية التي تتوجه بعد ذلك نحو جامعات مرموقة ومدارس عليا بكل من فرنسا وكندا وأمريكا.
وهذا الوهم الذي يصادفنا في العديد من الندوات، والذي عملت الآلة الإعلامية الفرنكوفونية على ترسيخه في المخيال الجماعي، بل ونجد من المثقفين من يتبناه دون تمحيص، يمكن تفنيده بالقول إن المبادئ والقرارات الثابتة لا علاقة لها بالأشخاص، فهل نتهم الإنسان في عقيدته ودينه لمجرد أنه لا يمارس طقوس الإسلام أو يتخلق بأخلاقه فنخرجه من دائرته، مما يدعونا إلى التكفير والتعصب؟
فالمبادئ يحكمها منطق القناعات الذاتية، وهو غير منطق السلوك المرتبط بالتداخلات الاجتماعية والشروط التاريخية. صحيح أن الصورة المثالية هي النموذج المراد، لكننا لا يمكننا تحميل الأفراد أخطاء الدولة. فالدولة التي كرست عبر الفرنسة التمييز الطبقي وربطت سوق الشغل والاقتصاد والشأن العام بالمركز الفرنسي، وأجبرت المغاربة على ازدواجية هوياتية ولغوية.
الأولى وطنية والأخرى براغماتية، حين أعطت للغة موليير وظيفة العيش مقابل العربية لغة الدين والوجدان، في تناقض إجرائي وواقعي، بالرغم من المواثيق والنصوص المدبجة، هي الدولة المسؤولة عن إيقاف مسار التعريب وخلق حالة التشكيك التي وصلت الآن مداها من خلال التناقض الصارخ بين المسالك والمستويات التعليمية، وهي التي فرضت اللغة الفرنسية في كل الإدارات الاقتصادية والمالية والشركات والبنوك ومحال التسوق.
ولكي نفهم خطورة الحالة يمكن أن نستعرض الوضع التفضيلي للباكالوريا "الفرنسية" في المدرسة المغربية. ففي جل الحالات لا تفرض على الآباء الاختيارات بشكل مباشر، بل من خلال انتقاء أجود الأساتذة وأجود المقررات والمؤسسات حتى لا يبقى أمامهم إلا الإذعان للواقع المر، والابتعاد ما أمكن عن الباكالوريا المعربة التي تركت على الهامش.
فلِمَ نُحَمِّل الأفراد أخطاء الدولة؟ فلو قامت هذه الأخير بأدوارها في حماية السيادة اللغوية للوطن والأمن الهوياتي للمواطن وفرضت اللغة الرسمية في الميادين الاستعمالية، لأمكننا آنذاك محاسبة الناس على أفعالهم، أما وأن الدولة تفرض عليك أسلوبا معينا في الترقي الاجتماعي وبعد ذلك تحاسبك، فهذا الخطل بعينه.
الوهم الثالث وهم العلاقة بين التدريس باللغة الأجنبية والكفاءة اللغوية؛ إذ لا تمل الدراسات الصادرة من التأكيد على ضعف الكفاءة اللغوية للتلاميذ وخريجي المدارس المغربية. وقد سبق للمرصد الوطني للتنمية البشرية أن تحدث عن كون أساتذة اللغة الفرنسية بالمغرب لا يتقنون اللغة الفرنسية، كما أنه بسبب تداخل اللهجات العربية والفرنسية، أصبحت اللغة الفرنسية ركيكة، والعربية ضائعة.
وهذا العامل يطرح في كل مسارات النقاش العمومي لتثبيت لغة باريس في التعليم والتدريس، وكأن تملك الكفاءة اللغوية رهين بتدريس العلوم باللغة الأجنبية، مع العلم، كما قال أحد أساتذة الطب، أن "نِسبة المُصطَلحات العلمية في الكُتب والمقالات العلميَّة حوالي 3% في المتوسط من مجموع الكلمات، أما 97% الباقية فهي لغة أدبية عادية، وثانيا أن جُل المصطلحات العلمية التي قد يحتاجها المتعلم من المستوى الابتدائي إلى الجامعي متوفرة باللغة العربية"، مما يعني أن قضية اللغة غير مطروحة في الجانب العلمي بالشكل المتوهم حاليا لدى بعض السياسيين الذين يخططون لمستقبل المغرب دون وعي بأهمية وجوهر الموضوع؛ فالكفاءة اللغوية أو تملك اللغات يتم من خلال تدريسها لا التدريس بها، لأن العملية التعليمية لها مقاييس ومعايير أخرى.
التعليم باللغة الفرنسية جريمة؛ فهو زيادة على أنه خرق للدستور والقوانين المعمول به، يطرح إشكالات تحدثنا عنها سابقا: أولا الفرنسية ليست لغة العلم وقد جاءت فرنسا في المركز خارج 20 دولة في تقرير "بيزا" العالمي الذي يقوم بتقييم جودة التعليم. فما هي الجريمة إن لم تكن رهن مستقبل أجيال بلغة فقدت وتفقد مساحات كبيرة في ميادين المعرفة والعلم؟ وما هي الجريمة إذن إن لم تكن قتل أحلام أبناء المغاربة في عيش كريم ومستقبل واعد كما يرسم الآن في كواليس وزارة أمزازي ومجلس عزيمان؟ وما هي الجريمة إذن إن لم يكن جعل المدرسة المغربية قناة لنخب تستفيد منها فرنسا بأموال دافعي الضرائب المغاربة؟
منذ شروع المغرب في التعريب والحرب قائمة عليه بمختلف العناوين والأوهام؛ تارة تحت يافطة القدرة اللغوية للعربية وأخرى باسم القضاء على الأمازيغية وأخرى بمحاربة الحداثة... لذا ستجد الخصوم يكررون الأسطوانة القديمة نفسها، بل ولن تعدم مدافعا عن الأمازيغية يعتبر الفرنسية لغة علم وتقدم (مع أن أبناءها يشككون في ذلك)، ومنافحا عن العامية يعتبر لغة موليير حلا للتعليم...
يختلفون في العناوين ويتفقون على حرب العربية، والاصطفاف نفسه ينعكس داخل الأحزاب، خاصة الإدارية منها، لكن لا أحد من هؤلاء توقف لبرهة ليسائل الدولة عن سبب إفشال التعريب وعدم استكماله، وعن المسؤول عن غياب الرؤية الحقيقية للنهوض بالمدرسة المغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.