قال محمد شرقاوي، أستاذ تسوية الصراعات الدولية في جامعة جورج ميسن بواشنطن، إن "العالم يعيش مرحلة ازدهار اليمين المتطرف، لا سيما بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم، حيث قامت حركات سياسية يمينية تعزز وصول اليمين إلى مراكز القرار"، موردا أن النمسا وبولندا تنحوان نحو هذا المنحى، وأن فرنسا بدورها غازلتها في وقت من الأوقات هذه الحركات "حينما كانت مارين لوبين مرشحة بقوة، لكن لحسن الحظ فاز ماكرون بالانتخابات". الدكتور شرقاوي الذي كان يتحدث خلال ندوة بعنوان "الترامبية كفلسفة سياسية وتأثيرها على العلاقات الدولية المعاصرة" بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق بالدار البيضاء، عشية الخميس، قال إن "العالم يعيش العصر الذهبي المتوحش لليمين، وقد يتحول إلى ما لا يحمد عقباه في المستقبل"، معتبرا أن "الترامْبية (نسبة إلى ترامب) والبانُونية (نسبة إلى ستيف بانون، مستشار ترامب السابق) خطان متوازيان". وأكد عضو لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة سابقا أن "ترامب كلّما تقوى إلا ويريد القفز على الدستور، لأنه يعتبر نفسه زعيماً فوق الدستور واللباقة السياسية، بينما يرى المخابرات والداخلية والكونغرس أقل شأنا منه، مما يجعله يريد إلغاء تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل ويهدد ركنا أساسيا في الفلسفة السياسية الأمريكية، وهي فكرة الاستثناء". "خرجت أمريكا من الحروب الدينية، واستطاعت بناء مجتمع يحمل قيما جديدة تطورت تدريجيا نحو التميز مع مرور الزمن، ففي بداية القرن العشرين ظهرت الأفكار ال 14 للرئيس ويلسون، مما مهد الأرضية لتحول اليسار نحو المجتمع الدولي (العصبة الدولية)، ثم نهاية الحرب العالمية الثانية التي نتج عنها إحداث الأممالمتحدة، لتصير بذلك قائدة الحركة الإيجابية ليس في حقوق الإنسان فقط، بل أيضا في الزعامة الدولية"، يورد الأكاديمي المغربي. وشدد الأستاذ الجامعي على أن "أمريكا أصيبت ببلوى الترامبية، ما يجعلنا نتساءل: هل يستحق ترامب وضعه ضمن الرؤساء الذين لهم فلسفات سياسية مثل أبراهام لينكولن وويلسون، أو قرب كينيدي وريغان؟"، ليجيب بالقول: "ليس من طينتهم، لكن يجب تفكيك ميكانيزمات تفكيره، لأنه يعيش في حيرة، إذ يقارب اليمنى بشيء واليسرى بشيء آخر، من خلال فسخ اتفاقيات معينة وإعادة تركيب الاتفاقية نفسها بمسمى آخر فقط". وأبرز المتحدث أن "ترامب يريد إدارة أزمة بافتعال أزمة أخرى، لأنه حريص على محو تركة سلفه باراك أوباما، ومن ثمة إلغاء ما يسمى بالأوبامية، ما تجلى في تعامله مع إيران وتركيا وسوريا وغيرها وتسبب له في صراع مفتوح مع المؤسسة السياسية، لأنه يقوم بتضخيم قدراته في صنع القرار، لكنه بدأ يفقد زخمه السياسي وتغيرت موازين القوى داخل الكونغرس". وأشار الباحث الجامعي إلى أن "ترامب لا يفقه في ميكانيزمات العمل الدبلوماسي الدولي، ما يجعل الترامبية كمشروع لفلسفة سياسية تختلف تماما عمّا شهدناه من تطور في الفكر السياسي بالنظام الرئاسي، إلى درجة أن علماء السياسة بأمريكا لا يعتبرونه ضمن نادي العظماء، لأنه يميل إلى تسطيح وتجويف المنظومة السياسية، وكذلك استصغار الفاعلين السياسيين الداخليين". ولفت الدكتور شرقاوي الانتباه إلى كون "الرئيس الأمريكي يعتد بالشفافية والعفوية، لكنه يسقط في فخ الارتجالية، حيث انسحب من روسيا رغم وجود 2000 جندي أمريكي، بفعل جهله لتعقيدات الوضع السياسي التي تبقى خارج رادار الرئيس، ما دفعه إلى التراجع نتيجة سجالات جنرالات البنتاغون"، معتبرا أن "من اللحظات التاريخية في حقبة ما بعد 11 سبتمبر 2001، هو إلقاء أوباما لخطابيه الشهيرين في القاهرة وتركيا، بغية التصالح بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي، لكن ترامب أول ما فعله هو حظر دخول مواطني سبع دول إلى الأراضي الأمريكية بجرة قلم، إثر ما سماه الإرهاب الإسلامي الراديكالي". واستغرب المصدر نفسه الربط غير المفهوم بين الإرهاب والإسلام، "علما أن ترامب أول رئيس يربط بين المفهومين، إلى جانب محاربة المهاجرين، وهما سرديتان تعتبران محور الترامبية، مقابل هدمه لحوار الأديان والثقافات، ثم اتخاذه لقرارات مصيرية وحاسمة في تاريخ الحكومات، في الوقت الذي لا يفرق فيه بين باكستان وأفغانستان، العراق وسوريا، ليبيا والتشاد، من خلال تصريحاته السياسية"، يقول شرقاوي. ترامب الذي يجمع بين مذهبي التدخل والانعزالية، وهما موقفان متناقضان يرقص بينهما الرئيس الأمريكي، ساق بشأنهما أستاذ تسوية الصراعات الدولية مثال فنزويلا، قائلا إنه "يتحمس لإرسال كتيبة جيش ولا يريد صرف أي دولار في الأزمات الخارجية، بينما يريد التبرع بعشرين مليار دولار لزعيم المعارضة الفنزويلية، اعتقادا منه أنه زعيم البراغماتية الواعدة، ما يجعله أبعد ما يكون عن حماية الاستثناء الأمريكي". وأورد الأستاذ في جامعة جورج ميسن بواشنطن أن "ما يمكن اعتباره فلسفة سياسية ترامبية يرتكز على أضلاع نظرية عديدة، من بينها العدمية ومعاداة النخبوية، من قبيل قوله: النخب الحاكمة على باطل والشعب على حق، بغرض استغلال الجهور إيديولوجيا ونفسيا، مقابل رفضه للمساءلة والمحاسبة". واعتبر شرقاوي أن ذلك "يفسر علاقته (ترامب) الحرجة مع وسائل الإعلام، إضافة إلى الشعبوية كمدخل للعمق الأمريكي، إذ يستخدم لغة بسيطة لا تعلو فوق تضاريس الشارع، بفعل محدودية ثقافته السياسية ومستواه الدراسي، لأنه ينتمي لما يسمى بجيل الأنا الذي ظهر في خمسينات وستينات القرن الماضي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى جانب الانعزالية والحمائية الاقتصادية، بوصفها عبارة عن وعود للأمريكيين للخلاص من الأزمات المالية وغيرها.