الملايين من الجزائريين الذين يخرجون كل جمعة في حراك متواصل يطالبون جميعهم بتغيير النظام؛ لكن ماذا يعنون بتغيير النظام؟ هل هو ذهاب الأشخاص الذين يمثلون النظام؟. نقول: نعم، يطالبون برحيل الأشخاص المستفيدين من النظام؟. فهل هم يطالبون بتغيير طبيعة النظام الاقتصادي؟. نعم، لأن النظام الاقتصادي الحالي يستفيد منه فقط بعض رجال الأعمال وبعض القادة النقابيين؟. وهل هم يطالبون بتغيير النظام السياسي؟ نعم، لأن النظام السياسي الحالي هو في خدمة أحزاب الموالاة فقط. هل هم يطالبون بتغيير النظام الدستوري؟ نعم، لأن الدستور الحالي ومنذ 1962 تستخدمه السلطة التنفيذية لصالحها فقط. إذن، نحن الشعب نطالب بتغيير النظام الذي هو في صالح بعض المجموعات الموالية لمن بيده السلطة، وليس في صالح جميع الجزائريين؛ ولكن ماذا نقصد بالنظام بالضبط؟ إذ أردنا تعبيرا أقرب إلى الواقع لوصف النظام الذي يطالب الجزائريون كل يوم وكل جمعة بتغييره، فلا بد من الاستعارة والتشبيه. وهنا وجدنا من المناسب استعارة مصطلحات كرة القدم لوصف ما يدور في عقول الجزائريين المطالبين برحيل النظام. الجزائريون يجدون متعة كبيرة عند مشاهدة مباريات الكلاسيكو الإسباني. والسبب هو أن قواعد مباريات الكلاسيكو هي قواعد متفق عليها من قبل الجميع واضحة وبسيطة ومفهومة للجميع، وتكون نتائج مقابلات الكلاسيكو مرتبطة بأداء الفرق المتنافسة، وهناك دائما حكم عادل يشرف على احترام قواعد اللعبة ويعاقب المخالفين ويفصل في شرعية التصرفات الكروية وشرعية الأهداف في المقابلات التي يشاهدها الجميع. إذن، قواعد لعبة كرة القدم هي النظام الذي تقوم عليه مباريات الكلاسيكو ويشرف الحكام على احترامه. ولهذا، الجزائريون يتمتعون بالكلاسيكو ولا يطالبون بتغيير نظام الكلاسيكو؛ لأنهم يفهمون نظام لعبة كرة القدم، ويقبلون النتائج المترتبة عنه.. في حين يطالبون بتغيير النظام عندنا؛ لأن قواعده غير محايدة، والنتائج فيه دائما متحيزة ومغشوشة ومزورة لصالح بعض الفرق المشاركة المعروفة مسبقا. إذن، النظام الجزائري الحالي الذي يطالب جميع الجزائريين بتغييره هو نظام يقوم على قواعد لعبة وطنية (لعبة سياسية ولعبة اقتصادية...) تمتاز بأنها قواعد غير واضحة وغير مستقرة ومتغيرة ومتحيزة تسمح فقط لبعض الفرق السياسية والاقتصادية الموالية لمن بيده السلطة بالفوز بالفرص السياسية والاقتصادية بدون أي أداء جيد؛ بل بالعكس على الرغم من الأداء المتردي فإنهم يفوزون دائما ويتم إقصاء الفرق الأخرى من المشاركة والغش والتزوير لصالح فرق الولاء السياسي والاقتصادي والثقافي لمن يملك السلطة الفعلية. وفي هذا النظام للعبة الوطنية، يكون من يضع قواعد اللعبة هو المستفيد من نتائجها. وأفضل استعارة شعبية تعبر عن طبيعة النظام الجزائري بصفته نظاما للعب السياسي والاقتصادي هو ذلك التعبير القديم الذي يقول إن الحكم (الرشام) واللاعب (اللعاب) هما نفس الشخص (حميدة): "اللعاب حميدة والرشام حميدة". الحراك الوطني في هذا الاتجاه هو حركة تطالب بتغير قواعد المشاركة في اللعبة الوطنية (قوانين تشريعات وأوامر وتعليمات مكتوبة وتعليمات شفوية وإيمائية) في الميادين الاقتصادي والسياسي والجمعوي، حيث إن قواعد اللعبة الحالية لا تسمح لجميع الجزائريين باللعب والفوز بالفرص والموارد وإنما هي قواعد صممت ليفوز بها فقط بعض اللاعبين الدستوريين (رئاسة الجمهورية) وبعض اللاعبين السياسيين (أحزاب الموالاة) وبعض اللاعبين الاقتصاديين (20 في المائة من منظمة الافسيو التي يرأسها حداد) وبعض اللاعبين الجمعويين (جمعيات موالية، زوايا موالية، سلفيون موالون...) وإقصاء لاعبين آخرين (أحزاب المعارضة، النشطاء المستقلون، والشخصيات المستقلة، رجال أعمال مستقلون: أسعد ربراب وسليم عثماني وغيرهم من المقاولين الرياديين، فاعلون ثقافيون مستقلون...). الحراك، إذن، هو مطالبة بتغير قواعد المشاركة في اللعبة الوطنية حتى تسمح لجميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والجمعويين باللعب والفوز والخسارة فوق قواعد تنافسية وليست احتكارية.. يريد الجميع المشاركة في لعبة مفتوحة وليست مغلقة مجهولة النتائج وغير معروفة ومحدد مسبقا من قبل من يمسك بالسلطة (حميدة حسب التعبير الشعبي). يريد الجزائريون من خلال المشاركة الأسبوعية واليومية في المسيرات المطالبة بتغيير النظام أن يتمكنوا من مراجعة قواعد اللعبة الوطنية حتى تسمح قواعد اللعبة بمشاركة أكبر للجزائريين في اللعبة الوطنية والفوز أو الخسارة حسب الأداء في اللعب وفق حسب قواعد واضحة للجميع ومتفق عليها من قبل الجميع وأن يكون هناك حكم للعبة في حالة مخالفة بعض اللاعبين للقواعد؛ وهم القضاة المستقلون الذين يطبقون القانون... وأن تكون الشرطة القضائية التابعة للأمن الوطني والدرك والأمن الداخلي وغيرهم من الأمنيين تحت سلطتهم وليس العكس. المرحلة المقبلة هي مرحلة مراجعة قواعد اللعبة الوطنية الحالية التي تم فرضها من قبل المكتب السياسي لحزب الافلان الذي تشكل في تلمسان بقيادة بن بلة، بومدين في صيف 1962 وأحبطت محاولة مراجعتها بعد أول حراك شعبي مطالب بتغيير النظام في 1988. مراجعة قواعد اللعبة الوطنية تعني مراجعة الأطر المؤسساتية الدستورية والتشريعية والقانونية والتعليماتية (المكتوبة والشفوية والإيحائية) التي تكبح مشاركة أغلبية الجزائريين وتقصيهم لصالح بعض الجزائريين فقط.. في الختام، لا بد أن نتذكر الشباب الحراقة؛ لأنهم أكبر ضحايا الإقصاء من الاستفادة من اللعبة الوطنية، ونضيف إليهم الكوادر الجزائرية المهاجرة والمنفية التي حرمت من المشاركة في تطوير بلدها والكوادر الجزائرية المقيمة المكبلة بالقيود الحالية والمحبطة والتي انضمت أخيرا إلى حراك الشعب الذي بادر به فئة المهمشين "الزوالية" رواد الملاعب الذين يحبون كرة القدم ومباريات الكلاسيكو وغامروا بخروجهم يوم 22 فبراير ولحقنا بهم جميعا في الجمعات الموالية. الحراك هو حركة السير كل يوم وكل جمعة للمطالبة السلمية بتغيير قواعد المشاركة في اللعبة الوطنية؛ حتى يسمح لجميع الجزائريين بتجريب حظهم والاستفادة من مواهبهم ومواردهم، من أجل تحقيق أهدافهم وطموحاتهم وآمالهم لخدمة أسرهم وبلدهم وهم يعرفون أن النتائج غير مضمونه مثل نتائج مباراة كرة قدم، إنهم يقولون دوما في المسيرات ويكررون: "الرزق على الله"، بمعنى أن الرزق ليس على من بيدهم السلطة. *مدير معهد هايك للتفكير الاقتصادي الجزائر