قضى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي معظم فترة ولايته الأولى في وضع الأساس لتحويل الهند إلى دولة جاذبة للمستثمرين الدوليين ودولة هندوسية بصورة واضحة. ويبدو أن مودي يضاعف جهوده الآن من أجل تحقيق هذه الأهداف. الخارج والداخل زار مودي نحو عشر دول منذ فوزه الساحق في الانتخابات التي أجريت في ماي الماضي، حيث سعى إلى اجتذاب الاستثمارات من الشرق الأوسط، والتقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تكساس، واستقبل الرئيس الصيني شي جين بينج في منتجع ساحلي. كما اصطدم مودي مع ماليزيا وتركيا بسبب قراره المفاجئ إلغاء الوضع الخاص بولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، حسبما ذكرته وكالة بلومبرغ للأنباء. وفي الداخل، كانت خطوة إلغاء الوضع الخاص بكشمير من ضمن عدة خطوات أثارت قلق المسلمين، الذين يشكلون نحو 15% من تعداد سكان الهند. وقد قاد حزب بهاراتيا جاناتا، الذي ينتمي إليه مودي، ويترأسه أقرب معاونيه أميت شاه، عدة تغيرات على قوانين طلاق المسلمين، كما قام بتحديث نظام تسجيل من شأنه تجريد نحو مليوني مواطن من المواطنة، بينهم الكثير من المسلمين. ويسعى مودي وشاه أيضا إلى بناء معبد في مدينة أيوديا، موطن الإله رام. ويقود حزب بهاراتيا جاناتا منذ عقود معركة لبناء المعبد في نفس المكان الذي قامت فيه مجموعات هندوسية بإحراق مسجد يعود للقرن السادس عشر عام 1992، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 2000 مواطن، معظمهم من المسلمين. ويبدو أن تبنى مودي لتوجه أكثر صرامة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بالإضافة إلى الخطوات التي يتخذها لاسترضاء الأغلبية الهندوسية، أمور تصرف نظر قاعدته عن المخاوف المتعلقة بأسوأ تباطؤ اقتصادي تشهده البلاد منذ ستة أعوام؛ ولكن قدرته على الإبقاء على استمرار الدعم ربما تكون مشروطة بتمرير إصلاحات صعبة من شأنها إطلاق الاقتصاد وإيجاد وظائف في ثالث رابع اقتصاد في آسيا. الرخاء والنمو الاقتصادي ويقول أيان هول، الأستاذ بجامعة غريفيث الأسترالية ومؤلف كتاب "مودي وتجديد السياسة الخارجية الهندية": "من الممكن أن يقول مودي وشاه إن لديهما التفويض للقيام بهذه الأعمال، على خلفية فوزهما في الانتخابات، وبالتأكيد هما يواجهان معارضة فعالة محدودة في البرلمان"، مضيفا: "مع ذلك، المسألة تتعلق بما إذا كانا سوف يحققان أيضا النمو وفرص العمل والإصلاحات الاقتصادية اللازمة لدعمهما". وأوضحت بلومبرغ أن قائمة الأعمال التي يتعين على مودي وشاه تنفيذ ما تتضمنه طويلة؛ فالنظام المصرفي مثقل بالديون المعدومة، ومن الصعب الاستحواذ على الأراضي من أجل الاستثمارات العامة، وقوانين العمل تجعل من الصعب على الشركات فصل العاملين، ما يدفع أغلبية من يحتاجون العمل إلى التوجه للقطاع غير الرسمي. كما أن الضرائب التي تم فرضها على السلع والخدمات، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2017، أخفقت في أن تجلب الإيرادات المتوقعة بسبب سلسلة من الاستثناءات، بالإضافة إلى أن الاتجاهات الحمائية حرمت قطاعات رئيسية من المنافسة الأجنبية. ويقول جوبال كريشنا اجاروال، المتحدث باسم الحزب الحاكم للشؤون الاقتصادية، إن الحزب يتبنى دائما سياسة "يمين الوسط"، ويهدف إلى التركيز على البنية التحتية والانضباط الضريبي وتنفيذ العقود لتعزيز النمو، وأضاف أنه في الوقت نفسه سوف يدفع الحزب إلى تطبيق عملية تسجيل مواطنين في أنحاء البلاد وقانون مدني موحد، وهي إجراءات تعرضت لمقاومة من جانب الأقليات في الماضي، وأوضح: "نحن نعتقد أيضا أن النزعة القومية والنمو الاقتصادي ليسا متعارضين مع بعضهما البعض، فتحقيق أهداف الرعاية الاجتماعية لا يمكن أن يتم بدون مال. النمو الاقتصادي هو الذي يجلب الرخاء- الذي يمكن بعد ذلك فقط توزيعه". تجدر الإشارة إلى أن مودي شهد حدوث بعض الأمور الإيجابية؛ فقد قفزت الهند 14 مركزا لتشغل المركز 63 في التصنيف السنوي للبنك الدولي المتعلق بسهولة أداء الأعمال، الذي صدر مؤخرا، كما أعلنت حكومته خفض ضرائب الشركات بقيمة 20 مليار دولار وخفض الرسوم على الأموال الأجنبية. كما ضخت الحكومة 10 مليارات دولار في البنوك المتعثرة وخففت من القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التعدين وقطاعات أخرى. ولكن هذه الخطوات قد تستغرق وقتا لتظهر نتائجها؛ فقد أعلن البنك المركزي الهندي في وقت سابق خفض توقعاته بالنسبة لنمو الاقتصاد العام الجاري إلى 1،6%، حيث سوف تعد هذه النسبة الأقل التي يتم تسجيلها منذ سبعة أعوام. كما أن خفض ضرائب الشركات ربما يزيد من انخفاض الإيرادات التي تترنح بسبب الضرائب المفروضة على السلع والخدمات. وأدى ارتفاع الدين الاتحادي إلى انكماش مساحة الاقتراض بالنسبة للحكومات المحلية، كما أن حزمة التحفيز الأخيرة ربما تؤدي إلى ارتفاع نسبة العجز النقدي إلى 5،7%؛ فيما تعد أعلى نسبة عجز يتم تسجيلها منذ ثمانية أعوام. وعلاوة على ذلك فإن الحكومة الاتحادية أغضبت بعض مسؤولي الولايات بمبادراتها المتعلقة بالرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، وهي القطاعات التي عادة ما تكون ضمن صلاحية الحكومات المحلية في الولاياتالهندية ال29. وسعى مودي إلى مراقبة جمع القمامة وبناء البنية التحتية عبر تطبيقات على "الموبايل"، كما أن نظامه للرعاية الصحية مستقل عن الأطر الرسمية الحالية. فخ النتائج العكسية وقال نيلانجان سيركار، وهو أستاذ مساعد بجامعة اشوكا، قام بدراسة بشأن نتائج انتخابات الولاياتالهندية: "تعد المركزية الاستثنائية للسلطة سمة الحكومة الجديدة"، وأضاف: "على الرغم من أن تعزيز مودي لسلطته يمكن أن يساعد صنع السياسة الاقتصادية في دولة معقدة مثل الهند، فإنها من الممكن أن تأتي بنتيجة عكسية أيضا إذا قمعت الحكومة الأصوات الناقدة"، وزاد: "هذا هو الفخ الذي وقعت فيه الحكومات، وأعتقد أننا في هذا الحال بالفعل". وقد تبنت الحكومة بالفعل توجها متشددا تجاه انتقادات سياستها الخارجية والتجارية. وكان مودي ألغى زيارة إلى أنقرة عقب أن انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرار الهند إلغاء الوضع الخاص بجامو وكشمير خلال خطاب أمام الأممالمتحدة. كما اتجه تجار زيت النخيل الهنود إلى إندونيسيا لاستيراد الزيت، بسبب مخاوف من احتمال أن يكبح مودي الواردات من ماليزيا عقب أن قال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد إن الهند "غزت واحتلت" كشمير. ويشار إلى أنه بعد مرور فترة على إعلان أميت شاه، الذي يشغل أيضا منصب وزير الداخلية، إلغاء الوضع الخاص بكشمير، مازالت خدمة الإنترنت متوقفة في المنطقة، كما أن هناك قيودا على حركة المواطنين. وربما يعد صعود شاه التغيير الأكثر أهمية خلال ولاية مودي الثانية. فشاه مثل مودي، يعد عضوا بمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج القومية منذ دراسته بالجامعة؛ وتسيطر وزارة الداخلية التي يترأسها على قوات الشرطة في كشمير ومناطق أخرى. ويقول راهور فيرما، الباحث بمركز الأبحاث السياسية ومقره دلهي، وكان قد ألف كتابا حول الهوية في السياسات الهندية: "خلال الأعوام المقبلة نتوقع أن يقوم مودي بدور مختلف للغاية، دور رجل دولة دولي وأكبر نفوذا"، مضيفا: "في حين سوف يقوم أميت بدور الشخصية صاحبة التوجيه المحلي، حيث سوف يدفع إلى تنفيذ المشروعات الإيديولوجية".