انطلاق عملية انتقاء المجندين للخدمة العسكرية بالمغرب ابتداءً من فاتح شتنبر    الجمارك تحجز بضائع مهربة بقيمة 284 مليون درهم خلال 2024 وتواجه تراجعًا في السلع المقلدة    في حصيلة ثقيلة.. طرق المملكة تحصد 27 روحًا و2719 إصابة خلال أسبوع    مضامين لقاء برادة وجمعيات الأولياء    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 .. مدغشقر تتأهل إلى النهائي بعد تغلبها على السودان (1-0)    اليابان توجه صفعة قوية للبوليساريو وتؤكد عزلتها الدولية    إسرائيل تزعم أنها استهدفت "كاميرا حماس" في ضربتين قتلتا 5 صحافيين        محمد السادس... شمس لا يحجبها غيم لوموند    25 دولة تعلق إرسال الطرود لأمريكا    بورصة الدار البيضاء تتدثر بالأخضر    الملك يعزي أسرة محمد حسن الوالي    المترجي يعود إلى الوداد بعقد مدته ثلاث سنوات    ذكرى ميلاد سمو الأميرة للا مريم.. التزام راسخ من أجل النهوض بحقوق المرأة وحماية الطفولة    انطلاق اللقاءات التشاورية بالدار البيضاء لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي يؤكد على دور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس    ارتفاع ليالي المبيت السياحي بالحوز    وسط إقبال كبير على اقتناء تذاكر مباراة المغرب-النيجر.. الجامعة تحذر الجماهير المغربية من السوق السوداء    شاطئ طرفاية يتحول الى لوحة فنية من إبداع علي سالم يارا    "البيجيدي" يسلم الداخلية مذكرته الخاصة بالمنظومة العامة للانتخابات التشريعية لسنة 2026    حكم يقضي ب1095 ساعة خدمة عامة وغرامة 500 درهم عوض سنة حبس    غزة.. الحصار يرفع حصيلة المجاعة إلى 303 شهداء    الرباط.. مستجدات قضية "زنا المحارم"    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    شاطئ الحسيمة يلفظ جثة في حالة متقدمة من التحلل    موقوف يفارق الحياة بمستشفى فاس    القطيع الوطني للماشية: إحصاء أزيد من 32,8 مليون رأس (وزارة)    بريطانيا تعزز مكافحة "جرائم الشرف"    الاحتقان يرافق الدخول الجامعي بالمغرب .. احتجاجات وإضرابات وطنية    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    جامعة الأخوين أول عضو دولي في "تحالف LearningWell"    المغرب، فاعل رئيسي في صناعة السيارات العالمية (صحيفة إسبانية)    عائلة الشهيدين الدريدي وبلهواري تطالبان الدولة بالكشف عن الحقيقة كاملة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    المغرب يبحث عن لقبه الثالث في مواجهة نارية مع السنغال    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد        باكيتا يعود لقائمة المنتخب البرازيلي واستبعاد نيمار وفينسيوس ورودريجو    "الشان".. "الكاف" يعين الجنوب أفريقي شافاني حكما لمباراة المغرب والسنغال    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله        بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬                وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطيات الغربية تضع إستراتيجيات الإرهاب في مختبر التحليل

إن الديمقراطيات الغربية اهتزت أعماقها بسبب الأعمال العنيفة التي ضربتها، ورعب المشاهد الدامية التي تدور حلقاتها على الشبكة العنكبوتية، وأَنهكها جعلها تعاني من الضربات القوية لظاهرة الإرهاب الإسلامي.. يبدو الغربيون اليوم عاجزين، وعلى استعداد للتشكيك في القيم ذاتها التي تكمن وراء هذه الأنظمة الديمقراطية، والتي تفرض تعزيز النضال، الذي يبدو أنه بالفعل قد تعثر، من أجل حمايتها.
مدريد، باريس، بروكسل، برلين، لندن، ستوكهولم.. والسؤال المؤلم: ما هي العاصمة المقبلة، ما المدينة التالية في قائمة هذه الجنازة؟ ويعزز طعم العجز فقدان السيطرة على التأثير الحقيقي على المجتمع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن "الإرهاب" ليس ظاهرة جديدة، بعيدا عن هذا، إذا نظرنا إلى الوراء، إلى العصور القديمة، في القرن الأول من عصرنا، عندما هاجم المتطرفون في فلسطين الرومان وذبحوهم في الشوارع والأسواق. وبرزت الإشارة إلى "الإرهاب" خلال الثورة الفرنسية عام 1794.
وهكذا فإن "الإرهاب" يمكن أن يكون شكلا لممارسة السلطة أو وسيلة لمقاومتها..هذه الظاهرة ليست ذات طابع حصري، جغرافيا، سياسيا ودينيا..لقد عانت المملكة المتحدة لعقود عديدة من الهجمات الإرهابية للجيش الجمهوري الإيرلندي، وعانت فرنسا وإسبانيا من هجمات منظمة إيتا (المنظمة المسلحة للمطالبين باستقلال إقليم الباسك).. دون أن ننسى الاعتداءات المتتالية التي ضربت فرنسا عام 1995، بتوقيع الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، والتي أدت إلى وضع خطة vigipirate*، التي فرضت على المواطنين أن يعتادوا على عبور الجيش في الشوارع العامة. (*vigipirate "فيجيبيرات": هي خطة أمنية أعدتها فرنسا لمكافحة الإرهاب تم إحياؤها في منتصف التسعينيات إثر الاعتداءات الإرهابية المتتالية التي شنتها الجماعة الإسلامية الجزائرية. تشمل الخطة مجال اليقظة، الوقاية والحماية من الأنشطة الإرهابية في جميع المجالات الرئيسية لنشاط المجتمع (النقل، الصحة، الغذاء، شبكات الطاقة، وأمن نظم المعلومات...)) المترجم.
ولكن ما هي أسباب تفاقم خطورة هذا الجرح الذي أصاب الديمقراطيات اليوم، التي تجعلنا نجرؤ على الحديث عن زعزعة استقرارها، وعلى الصعوبة الكبرى التي تكتنف القضاء على عمل الخلايا المسلحة؟ من أجل محاربة ظاهرة الإرهاب يجب علينا أن نحددها أولا.. على سبيل المثال، التعريف الذي اقترحه كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة عام 2004: "الإرهاب هو كل عمل يستهدف القتل أو يتسبب في إصابات جسدية جسيمة للمدنيين أو غير المقاتلين، حيث يكون الغرض من هذا الفعل، بحكم طبيعته أو سياقه، زرع الرعب في السكان، أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على اتخاذ أي إجراء أو الامتناع عن القيام به".
ألا تعتبر هذه المقاربة اختزالية عندما تتجاهل التطرف، أي التنشئة الدينية على العنف؟ وهذه هي نقطة انطلاق ظاهرة الإرهاب، التي بدأت مع الوعظ في المدارس القرآنية والمساجد، قبل استخدام وسائل الاتصال الحديثة، حتى التجنيد داخل زنازين السجون التي تضم عددا من أفراد المجتمع المحلي الذين هاجروا إلى العقائد الدينية المتطرفة، وإقناعهم بالقتال في سوريا في صفوف "داعش" أو بتفجير أنفسهم في قطارات المترو.
إن التطرف الديني ليس طارئا وسيتطلب بدون شك سنوات للقضاء عليه، ليس فقط لأن من الصعب تحديد المروجين له، ولكن أيضا لأن الأسس الديمقراطية لهذه الدول توفر الحماية لحرية نشر كل الأفكار، وأن الحدود بين المسموح به وغير المسموح به في الكثير من الأحيان جد واهية.
من الملح إدراج التطرف في المجال الجنائي والسماح بالمتابعات القضائية للمتهمين به وتوقيع العقاب الذي يستحقونه. ومن جهة أخرى، فإن فهم الإرهاب على نحو أفضل، ومكافحته أيضا، تفرض علينا أن نتساءل عن سبيل الاستعجال عن مصادر تمويله. ففي أعقاب تفجيرات مدريد عام 2004 حث الاتحاد الأوربي الدول الأعضاء على اتخاذ كافة الإجراءات لمكافحة الإرهاب من خلال التشديد على طريقة تمويله. وقد انبثق هذا من رسالة اللجنة الأوربية إلى المجلس والبرلمان الأوربي المؤرخة في 20 أكتوبر 2004 (منع ومكافحة تمويل الإرهاب من خلال تدابير تستهدف تطوير تبادل المعلومات، الشفافية وإمكانية تتبع المعاملات المالية).
هكذا، أوصت الرسالة بإتباع ثلاث زوايا لمقاربة الظاهرة: تحسين سبل تبادل المعلومات، شفافية أقوى للكيانات القانونية، وإمكانية رصد وتتبع المعاملات المالية. لكن - للأسف - لم يكن لهذه التوصية الأوروبية تأثير يذكر، ومع ذلك فمن الواضح أنه إذا كانت الطرق التقليدية لتحريات الشرطة تسعى إلى التعرف على أعضاء الخلايا المسلحة (عبر التنصت، الإغراء والاختراق...)، فإن البحث عن منافذ تمويل الإرهاب سيشل الحركات المتطرفة ويحد من انتشارها، ويؤدي إلى ضبط الجهات الراعية لها. من يمول الإرهاب إذن؟
الإرهابيون أنفسهم، من خلال ارتكاب الجرائم الكلاسيكية مثل الاتجار بالمخدرات. وفي هذا الصدد، يؤكد أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، الذي يتخذ من فيينا مقرا له، في حوار مع "إكسبريس": "لقد حصلنا على أدلة بأن هناك رافدين لتدفق المخدرات غير المشروعة- الهيروين في شرق إفريقيا والكوكايين في الغرب- يلتقيان الآن في الصحراء عبر خلق مسارات جديدة لعبور المخدرات الصلبة عبر تشاد والنيجر ومالي. هذه الحركة لا تغذي الجريمة المنظمة فحسب، ففي منطقة الساحل، يعتمد الإرهابيون والقوات المناهضة للحكومات القائمة على موارد تجارة المخدرات لتمويل عملياتهم.. شراء المعدات ودفع رواتب عناصر قواتهم. وعلاوة على ذلك، تتخذ حركة العبور هذه بعدا جديدا. فنحن اليوم، لا نضبط مجرد كيلوغرامات ولكن طنا من الكوكايين! وبدلا من أن يتم ذلك عبر قوافل الجمال، فقد أصبح نقل المخدرات أسرع وأكثر تطورا كما يتضح من حطام طائرة بوينغ 727 التي وجدت في 2 نونبر في غاو بمالي، وهي منطقة متأثرة بالتمرد والإرهاب. من المحتمل أنه كان على متن هذه الطائرة، التي أُحرقت بعد تفريغها، عشرة أطنان من الكوكايين". هذا ما يبدو وكأنه جريمة أكثر كلاسيكية.
هل سيكون الإرهابيون مجرد "بلطجية" وتجار مخدرات؟ يقدم تنظيم "داعش" مثالا صارخا: الاتجار بالقطع الأثرية المسروقة في المواقع الأركيولوجية، الابتزاز وتهريب البشر والاتجار بهم، مبيعات النفط... إنها أصول خاصة متعددة الجنسيات قُدرت عائداتها في عام 2015 ب2250 مليار أورو. ألا يفرض هذا الأمر أهمية البحث عن عملاء هذه المقاولة الإجرامية؟ هناك نوع من النفاق يسود على المستوى الدولي حول هذه النقطة، للنظر في ارتفاع معدل احتمال تورط بعض الدول في المساهمة سريا لتعزيز توسع دولة الخلافة، وتنمية وتدريب الخلايا الإرهابية في أوروبا.. هل دخل الإرهاب بقدميه في عالم الجريمة المالية، من خلال أهمية الظاهرة العالمية التي أصبحت تهدد زعزعة استقرار الدول (انظر مثلا، الانعكاسات الاقتصادية للهجوم على السياح في تونس) والتنظيم الإجرامي لتمويلها؟.
تنشر الأصولية مخالبها مثل أخطبوط، وتطور أسلحة جديدة.. كيف تحاول إقحام الشريعة في النظم القضائية الأوروبية، متذرعة بالمبادئ الديمقراطية للأغلبية؟ يجب التذكير بتصريحات أنجم تشودريAnjem Choudry في بريطانيا، التي تبشر بأن "راية الشريعة" سترفرف في 10 شارع داونينج Downing Street عام 2020، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سيكون هناك 500 تحويل مالي في اليوم الواحد في انجلترا، قواعد تتسرب داخل القانون الإيجابي للدول الغربية.
هكذا قضت محكمة هامبورغ في 21 يناير 2009 بأن "للمسلمين فهما مختلفا للاغتصاب يجب أخذه بعين الاعتبار". في بريطانيا العظمى، تعطي بعض المجالس الشرعية آراء استشارية خاصة في الشؤون الأسرية.. هذه المحاكم، التي تعقد جلساتها أساسا في المساجد، وتسوي النزاعات المالية والأسرية على أساس المبادئ الدينية، تصدر قرارات يمكن تنفيذها بالكامل إذا أقرتها المحاكم الوطنية. وقد ذهب اللورد نيكولاس فيليبسLord Nicholas Phillips ، رئيس السلطة القضائية في إنجلترا وويلز، إلى حد اقتراح قبول القانون الإسلامي في إجراءات المصالحة، حين صرح بأنه "لا توجد هناك أسباب معقولة تمنع اعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية، أو أي قانون ديني آخر، لتكون أساس الوساطة أو أي أشكال أخرى بديلة لحل النزاعات". ولكن مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا فشلت الشريعة الإسلامية في تحقيق الوساطة "فستكون العقوبات من قوانين إنجلترا وويلز".
من المهم أن نتذكر دوما هذا التمييز المأساوي بين أولئك الذين يطورون الأفكار النابعة من الإسلام التنويري ومريدي الحقد والكراهية الذين يُحوّرون الدين عن أهدافه السامية. ماذا سيحدث عندما سيشكل متزعمو الأفعال الإجرامية "كوماندو"، ليس بهدف التفجير الانتحاري، ولكن ليستخدم أفراده شبكة النيت كسلاح فتاك؟ تحويل طائرة تحلق في السماء، انطلاقا من حاسوب بسيط أو جهاز لوحي، تدمير النظم المصرفية، اختراق جميع الاتصالات... تعيش الديمقراطيات سباقا حقيقيا ضد عقارب الساعة. ويبدو التحدي ذا شقين: الاحترام والتمسك بالقيم الديمقراطية للتنوير، والحفاظ في نفس المعركة على الإسلام المتسامح الذي يدعو إلى الحب والأخوة العالمية.
* قاضي التحقيق المالي بالمحكمة الابتدائية لبروكسل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.