شاب يحمل رضيعا يلتفت ويسأل زوجته التي تجلس بشرفة منزلها الراقي بلغة فرنسية قائلا: "هل حضروا اليوم لتفريغ الحفرة الصحية"، فتجيبه بلغة موليير نافية ذلك. يلتفت هذا الشاب إلى حارس تجزئة مفتاح الخير 1 و2، فيطرح عليه سؤالا آخر بلغة المغاربة العامية، "متى تحضر شاحنة الوكالة المستقلة للماء والكهرباء، لتفريع ما تحتويه هذه الحفرة من مياه عادمة؟"، فيتلقى جوابا: "هذه الأيام كثفوا من الحضور لكن ليس لهم وقت محدد". حفرة لا صحية يتقدم الشاب مصطفى عروشي من طاقم هسبريس، ويشير إلى حفرة توجد على بعد أمتار قليلة من منزله، قائلا: "هنا يتم تجميع المياه القذرة لحوالي 130 وحدة سكنية راقية، حرمت لأكثر من خمس سنوات من ربطها بالشبكة المركزية للصرف الصحي". وخلال جولة لطاقم هسبريس بهذا التجمع السكني الذي يوجد بجماعة واحة سيدي إبراهيم ضواحي مدينة مراكش، قال مروان كيري، رئيس ودادية تجزئة مفتاح الخير: "نوجد على بعد عشرات الأمتار من منتجعات سياحية راقية، لكن مياهنا العادمة تتدفق من حفرة صحية خصصت لتجميعها وتخزينها، بسبب عدم ربط حينا بقناة الصرف الصحي الرئيسية". روائح كريهة وحشرات محمد أبو الطائف، أحد سكان التجزئة، قال من جهته: "اشتريت هذا المنزل بملايين الدراهم، بحي سكني قانوني من أجل أن أوفر لأسرتي العيش الكريم الذي يحث ملك البلاد على توفيره للمواطنين بمناطق عشوائية ودواوير قروية؛ لكن حالنا لا يختلف عن حال سكان البناء العشوائي، لأن التجزئة التي أقطنها لم تربط بقنوات الصرف الصحي، التي لا تبعد عنا سوى بحوالي 300 متر". وواصل المواطن المتضرر: "فهذه التجزئة، التي تضم منازل يقطنها أطر عليا وصيادلة وأطباء وتجار، تحولت إلى جحيم يؤرقنا بسبب المخاطر البيئية والإيكولوجية العديدة؛ كانتشار مجاري للمياه القذرة التي تشكل بؤرا لانتشار أمراض خطيرة ومعدية، كالكوليرا والتيفوئيد". عبد المجيد بن جعكيك رجل في الخمسينات من عمره أوضح، من جهته، "أن سكان هذا التجمع، الذي يوجد على مقربة من أفخم الفنادق التي تشكل محجا ومقاما للعديد من الوفود الإقليمية والعالمية التي تحضر مؤتمرات دولية، يشكون من التماطل والإهمال؛ لأن كل شكاياتهم لم تلق آذانا صاغية من المسؤولين". وأورد المتحدث نفسه: "نجاور مجموعة من المنتجعات السياحية ومياهها العادمة تتدفق في الأرجاء وعلى الطريق الرئيسية، ما يعرقل مرور الساكنة والمركبات ومرور تلاميذ المدارس المجاورة، دون الحديث عن الروائح الكريهة المنبعثة من مجاري هذه المياه القذرة". خذلنا مرتين "هذا الحي، الذي تم اقتناء منازله بمبالغ أفنينا عليها عمرنا، تحول نتيجة إهمال المسؤولين وتخاذلهم في أداء واجبهم كما يحثهم على ذلك ملك البلاد، تحول إلى برك مقززة، بسبب تدفق مياه الصرف الصحي"، تقول تصريحات متطابقة لهسبريس لمجموعة من السكان الذين حضروا توثيق معاناتهم. وأكدوا أن "حي مفتاح الخير أصبح عنوانا للبؤس والحرمان، لأن برك المياه القذرة وسيولها تعيق تحرك السكان، بسبب انتشار الروائح المقززة التي سدت أنوفنا"، على حد قولهم. وبينما طاقم هسبريس منهمك في تسجيل تصريحات بعض سكان الحي المذكور حول هذه المعضلة، أوضح علي مروان كيري، رئيس ودادية تجزئة مفتاح الخير، أن القاطنين بهذا الحي "متذمرون بسبب الوضع البيئي المتردي". وتابع قائلا: "أبناؤنا أصبحوا بين أنياب القذارة ومخالب الأمراض، ناهيك عن انتشار رهيب لأسراب البعوض التي زادت من معاناتنا، وبالرغم من كل هذا فلا حياة لمن تنادي". وزاد: "هذا الوضع نغص علينا حياتنا وقض مضاجع سكان الحي، وجعلهم يتخبطون بين هواجس الإصابة بمرض الكوليرا وغيره من الأمراض الناجمة عن بحيرات المياه القذرة". تماطل إداري "لقاء وراء لقاء والمياه القذرة تتدفق والروائح الكريهة تملأ سماء التجمع السكني مفتاح الخير، والحشرات تغزو المنازل، ولا حل ولا هم يحزنون"، يقول رئيس ودادية تجزئة مفتاح الخير. وأضاف: "بعد توجيه مجموعة من المراسلات إلى الجهات المسؤولة، كالسلطة المحلية بواحة سيدي إبراهيم وولاية جهة مراكش والوكالة المستقلة للماء والكهرباء بمراكش، تلقينا وعودا كثيرة لربط الحي بالصرف الصحي كان آخرها في شهر يوليوز الماضي". وأورد مروان كيري: "مرت أعوام وشهور وما زالت هذه الوعود لم تتحقق. وبعد شروع عمال الوكالة المذكورة في ربط حينا ظهر رفض من المديرية الإقليمية لوزارة التجهيز، التي أوقفت مخطط ربط الحي بالقناة الرئيسية للصرف الصحي". شكاية أخيرة ولما بلغ اليأس بسكان تجزئة مفتاح الخير مبلغه من سياسة التهميش وإدارة الظهر لمشاكلهم وهواجسهم، التي تضمنتها شكايات وجهت إلى الجهات المختصة لرفع الضرر، وجهت مؤخرا شكاية إلى والي جهة مراكش أسفي تتوفر عليها هسبريس. وحسب هذه الوثيقة: "يبقى الحل الذي تقدمه الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بتفريغ الحفرة الصحية في كل مرة غير كاف، كما أن العيش الكريم وصحة المواطنين تبقى فوق كل اعتبار وحقا من حقوقنا التي سندافع عنها بكل الطرق التي يخولها لنا القانون". اللقاء الأخير عقدت السلطة المحلية، بأمر من السلطة الإقليمية، اجتماعا لمناقشة معضلة سكان هذا الحي السكني، حضره ممثلون عن كل المصالح المعنية بمشكل الصرف الصحي لتجزئة مفتاح الخير. وللوقوف على مخرجات هذا الاجتماع، ربطت هسبريس الاتصال بكل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والمديرية الإقليمية للتجهيز بمراكش. وبهذا الخصوص، أوضح مصطفى الأطرش، المدير الإقليمي لوزارة الجهيز، أنه "تقرر، خلال اللجنة المختلطة التي اجتمعت يوم الجمعة، إعداد تصميم لمسار قنوات الصرف الصحي المحاذية لمقطع طريق الجعفرية بهدف المحافظة ما امكن على بنية الطريق". أما مصدر مسؤول من الوكالة المستقلة للماء والكهرباء، طلب من هسبريس عدم الكشف من هويته، فقد بشر "القاطنين بتجزئة مفتاح الخير خيرا"، وحين ألح عليه مراسل الجريدة الإلكترونية لتحديد سقف هذا الحل، كان جوابه: "سنضع حدا نهائيا لمعضلتهم في غضون أسبوعين على الأكثر"، حسب تعبيره. حلول تنشد في الوقت الذي تغرق فيه أحياء ودواوير بمراكش في الروائح المنبعثة من مخارج مياه الصرف الصحي، تدور عجلات 36٪ من باصات النقل الداخلي في العاصمة السويدية ستوكهولم بوقود منتج من مياه الصرف الصحي.