مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مجلس جماعة أولاد بوبكر يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي وغياب الأطر الطبية أبرز النقاط المثارة    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    الجيش الملكي يُخرج بركان من كأس العرش    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحاكمة عن بعد بين القبول والرفض
نشر في هسبريس يوم 06 - 06 - 2020


المقدمة:
مما لا شك فيه، أن مرحلة المحاكمة الجنائية بالنسبة للمتهم تعتبر من أهم مراحل الخصومة الجنائية، والتي تأتي بعد مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي.
ولعل هذه المرحلة قد ينتظرها المتهم بفارغ الصبر وخاصة إذا كان معتقلا، عاقدا الأمل على إنصافه بعدما ينتابه إحساس بأن المرحلتين السابقتين قد يكون تخللهما خرق مسطري، ولم يتم إنصافه رغم تمسكه ودفاعه بذلك الخرق وبطلان ذلك الإجراء المخالف للقانون.
والمتهم خلال مرحلة المحاكمة قد يكون متأكدا أنه سوف يتمتع بضمانات المحاكمة العادلة، وبحقوقه التي يكفلها له الدستور، وقانون المسطرة الجنائية، والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب في مجال ضمانات المحاكمة العادلة، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، مهما كانت الظروف والزمن التي توجد فيه الدولة، سواء كان في ظرف وزمن السلم، أو الحرب، أو حالة الطوارئ الصحية...
إن مرحلة المحاكمة هي مرحلة البحث عن الحقيقة الواقعية للتهمة المنسوبة للمتهم ومدى مطابقتها للحقيقة القانونية والقضائية، وذلك من خلال تكوين القاضي لقناعته الوجدانية واقتناعه الصميم بناء على وثائق الملف والمناقشات الحضورية، والشفهية، والعلنية للقضية أمام الهيئة القضائية، وذلك من أجل الوصول إلى حكم أو قرار عادل بالبراءة أو الإعفاء من العقوبة، أو الإدانة.
ولن يتأتى ما سبق ذكره إلا من خلال توفير جميع ضمانات المحاكمة العادلة، وتمتيع المتهم بجميع حقوقه، وخاصة الحضور المادي أمام المحكمة خلال المحاكمة المباشرة التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية.
وبناء على الظرف الطارئ المتعلق بالانتشار العالمي لوباء كورونا ووصوله للمغرب.
وبناء على إصدار الحكومة لمرسومين الأول رقمه 292-20-2 بتاريخ 23-3-2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم الثاني رقم 293-20-2 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر إرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19.
وبناء على البلاغ المشترك لرئيس المجلس الأعلى لمحكمة النقض وبصفته الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير العدل بتعليق الجلسات وتأخير الملفات على الحالة باستثناء قضايا المعتقلين والقضايا الاستعجالية.
وبناء على بلاغ مديرية السجون بعدم نقل السجناء إلى المحاكم تفاديا لتفشي وباء كورونا وانتقال ونقل العدوى من وإلى السجن والمحاكم.
بدأت المحاكم المغربية في تطبيق تقنية المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين الجنائية والجنحية، دون إحضار المتهمين المعتقلين إلى مقرات المحاكم، وتعويض الحضور المادي بالتواصل مع المتهمين عن بعد بالمؤِسسات السجنية.
ولما كان لهذا الإجراء ارتباط بشكل المحاكمة، فقد أثار نقاشا واسعا حول شرعيته وقانونيته ومدى ملائمته مع ضمانات المحاكمة العادلة، وتوفير كامل الحقوق التي يتمتع بها المتهم خلال المحاكمة المباشرة.
أثار هذا الشكل من المحاكمة جدلا بين مؤيد لاستعمال هذه التقنية في المحكمات الجنائية والجنحية، التي يكون فيها المتهم معتقلا وبين رافض لاستعمال هذه التقنية، ولكل اتجاه مبرراته وأسبابه وحيثياته مما يؤدي إلى طرح التساؤل التالي: ما هي المبررات والأسباب التي يرتكز عليها الاتجاه المؤيد والداعم لاستعمال تقنية المحاكمة عن بعد والاتجاه الرافض لاستعمال هذه التقنية؟
وهو ما نحاول الإجابة عنه من خلال تقسيم الموضوع إلى مبحثين كما يلي: المبحث الأول: مبررات وأسباب الاتجاه المؤيد للمحاكمة عن بعد.
المبحث الأول: مبررات وأسباب الاتجاه المؤيد للمحاكمة عن بعد
لقد انتصر المدافعون عن المحاكمة عن بعد للمبررات والتعليلات والأسباب التالية:
أولا: ضمان استمرارية المرفق القضائي وخاصة في قضايا المعتقلين للبت في قضاياهم وخاصة الجاهزة التي لا تحتمل التأخير أو تأخير الملفات غير الجاهزة.
ثانيا: تطبيق الدورية المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل وذلك بالعمل بتقنية المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين دون إحضارهم إلى مقرات المحاكم ودون مثولهم المادي أمام هيئات الحكم والتواصل المباشر معهم عن بعد ومن المؤسسات السجنية عبر تقنية "الفيديو كونفرونس" وذلك تنفيذا لمرسومي بقانون رقم 2-20—292 بتاريخ 23-3-2020، المنشورين بالجريدة الرسمية عدد 6867 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ورقم 2-20-293 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا-كوفيد 19.
ثالثا: تطبيق المحاكم لهذه التقنية حماية لانتشار وباء كورونا بين السجناء، وحماية لأسرة العدالة من قضاة، ومحامين، وجميع الموظفين والعاملين بقطاع العدل، من التقاط فيروس كورونا.
رابعا: اعتبار المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين محطة لتدبير مرحلة استثنائية تتعلق بانتشار وباء كورونا في المغرب، شأنه شأن باقي دول العالم، وذلك تنفيذا للفقرة الثانية من المادة الثالثة مرسوم رقم 292-20- 2 بتاريخ 23-3-2020 التي تنص على ما يلي: "لا تحول التدابير المتخذة المذكورة في المرسوم دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.
خامسا: إن استعمال تقنية المحاكمة عن بعد تستمد مرجعيتها، وأساسها القانوني ،وشرعيتها من المادة3من المرسوم رقم 2 -20-292 المتعلق بسن مقتضيات حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب، والتي جاء فيها ما يلي: "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوطنية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم".
ولا تحول التدابير، المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتقديم الخدمات للمرتفقين.
سادسا: اعتبار هذه المحاكمة عن بعد ليست وليدة اليوم ولقد سبقتها تجربة سنة 2016، كما أن هذه التقنية تعد صورة من صور المحكمة الرقمية التي تطرق إليها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، في أحد توصياته والتي تأخر تنزيلها على أرض الواقع.
سابعا: اعتبار هذه المحاكمة عن بعد ضامنة لحقوق المتهم لمحاكمة العادلة، كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية والدستور، وقانون المسطرة الجنائية، وليس هناك أي فرق بالمحاكمة العادية، إلا بالحضور المادي للمعتقل أمام الهيئة القضائية.
وهذه التقنية تتيح التواصل بين مختلف المتدخلين في المحاكمة من قضاء الحكم، ونيابة عامة، ومتهم، وضحية، وشهود، ومحامين، وكذا الترجمان عند الاقتضاء، وذلك عن طريق الصوت والصورة.
وأن قاعة السجن المتواجد بها المعتقل تعد امتدادا لقاعة المحكمةّ. ومادام المتهم يشاهد قاعة المحكمة وخاصة هيئة المحكمة واستنطاقه من طرف رئيس الهيئة وجوابه عن التهمة المنسوبة إليه والتي أحيط بها من طرف رئيس الهيئة. وكذا جوابه عن أسئلة النيابة العامة أو دفاع المتهم أو دفاع الضحية وسماعه لتصريحات الشهود والضحية، وكذا حضور دفاع المتهم بالجلسة وتناوله الكلمة بالترافع عنه، وإعطاء الكلمة الأخيرة للمتهم وبعد التداول، النطق بالحكم، وسماع الحكم من طرف المتهم بنفس التقنية، وكل هذه الإجراءات التي أنجزت في هذه المحاكم، تتوافر فيها المناقشة الحضورية والشفوية تطبيقا للمادة 287 من قانون المسطرة الجنائية، وبذلك تكون ضمانات المحاكمة متوفرة للمتهم في المحاكمة عن بعد.
ثامنا: الحضور الافتراضي للمتهم المعتقل عوض، فقط الحضور الفعلي للمتهم، لتجنب خطر تهديد حياة السجين أو باقي المتدخلين في المحاكمة، وباقي السجناء، وذلك لأن الحق في الحياة حق مقدس وأولى وأسبق من باقي الحقوق، أي أن الدولة تضمن حق الحياة بالقانون، وتتدخل السلطات العمومية لضمان هذا الحق، وهو ما أكده الفصل 20 من الدستور الذي جاء فيه ما يلي: "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق". وكذا الفصل 21 منه الذي جاء فيه في فقرته الثانية ما يلي" تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع".
وتطبيقا للمادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي مفادها أن هناك رخصة دولية من القوانين الدولية تسمح للدول في حالة الطوارئ والتي تهدد حياة الإنسان وبعد إعلام منظمة الأمم المتحدة بعدم احترام بعض الحقوق التي سيحرم منها المتهمون في حالة الطوارئ، ومن أهمها الحق في محاكمة حضورية.
تاسعا: إن توظيف تقنية المحاكمة عن بعد، يحقق تفاعلا بين مخاطبين اثنين متباعدين في المكان فقط، وهما الطرف الأول، من مكونات المحاكمة الحاضرين فعليا في الجلسة من هيئة قضائية ونيابة عامة ودفاع وشهود وضحية، ومن جهة أخرى، الطرف الثاني، وهو المتهم المتواجد بقاعة السجن، حيث يتم ضم حيزه المكاني الذي هو بقاعة السجن إلى حيز قاعة المحكمة التي تنعقد فيها الجلسة.
عاشرا: استناد الاتجاه المدافع عن المحاكمة عن بعد قياسا على إمكانية محاكمة المتهم دون حضوره وهو ما سمته المسطرة الجنائية بالمسطرة الغيابية في الجنايات، في الحالات المشار إليها في المادة 314 من ق.م.ج، وذلك إذا تعذر إلقاء القبض على المتهم بعد الإحالة، أو إذا لاذ بالفرار بعد القبض عليه، أو إذا كان في حالة الإفراج المؤقت، آو الوضع تحت المراقبة القضائية، ولم يستحب إلى الاستدعاء بالمثول أمام المحكمة المسلم إليه. وبالتالي يتم محاكمته بعد مرور ثمانية أيام الموالية لإعلان الأمر بإجراء المسطرة الغيابية ابعد إذاعته ثلاث مرات بواسطة الإذاعة الوطنية.
كما أنه يمكن للمحكمة أن تواصل مناقشة القضية في غيبة المتهم المعتقل الموجود بمقر المحكمة الذي رفض الحضور، وبعد انتهاء المناقشات يتعين على كاتب الجلسة أن يتلو عليه محضر المناقشات وملتمسات النيابة العامة والأحكام والقرارات التمهيدية الصادرة في غيبته، وينقل المتهم من جديد إلى الجلسة عند انتهاء المناقشات حيث يصدر القرار بحضوره، وإذا تعذر حضوره تعين على كاتب الضبط أن يتلو عليه منطوق القرار.
المبحث الثاني: مبررات وأسباب الاتجاه الرافض للمحاكمة عن بعد
لقد ركز الاتجاه الرافض للمحاكمة الجنائية عن بعد انتقاداتهم لها على أنها مضرة بالعدالة، وخرق القوانين المنظمة للمحاكمات الجنائية، ولحقوق الدفاع، وحقوق المتهم وتتجاهل المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليا من طرف المغرب، كما أنها تفتقد إلى الشرعية.
وفي هذا الإطار يدعم هذا الاتجاه رفضه لهذا النوع من المحاكمة بالمبررات التالية:
أولا: انعدام الإطار القانوني والتشريعي لتقنية المحاكمة عن بعد.
الملاحظ أن المحاكم ماضية في تنظيم جلسات القضايا الجنائية للمعتقلين بواسطة تقنية المحاكمة عن بعد دون إحضار المعتقلين من السجن، وتعويض الحضور بالتواصل المباشر معهم ومن المؤسسة السجنية عبر تقنية الاتصال عن بعد، تنفيذا للتدابير الاحترازية في غياب النص التشريعي أو السند القانوني الذي يمكن الاستناد إليه لتبرير اللجوء إلى هذا الإجراء، مع العلم أن مشروع استعمال الوسائط الإلكترونية في المسطرة المدنية والجنائية ما زال لم يتم مناقشته والمصادقة عليه.
ثانيا: تطبيق إجراء المحاكمة عن بعد بدون سند تشريعي يعد تعديا على اختصاص السلطة التشريعية.
لعل لجوء السلطة القضائية بواسطة المحاكم إلى تطبيق إجراء المحاكمة عن بعد دون الارتكاز على أي سند قانوني أو نص تشريعي يعد تعديا على اختصاص السلطة التشريعية، لأنه لا يمكن القيام بأي إجراء ضد المتهم أو تطبيق أي إجراء من إجراءات المحاكمة ما لم يكن منصوصا عليه في قانون المسطرة الجنائية، وبالتالي لا يمكن للسلطة القضائية تطبيق إجراءات تتعلق بالمسطرة الجنائية ما لم يكن منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية، وأن المشرع هوا لمختص وحده بوضع قواعد قانون المسطرة الجنائية، والسلطة القضائية مختصة بتطبيق القانون والسلطة التنفيذية، مختصة بإصدار مراسيم لتنفيذ القوانين في مبدأ الفصل بين السلط واستقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية المنصوص عليه في الفصل107 من الدستور.
ثالثا: استثناء اتخاذ التدابير القضائية من طرف السلطة التنفيذية وفقا للمادة الخامسة من مرسوم رقم 292-20-2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ.
الملاحظ أن المادة الخامسة من المرسوم أعلاه التي فوضت للحكومة في حالة الضرورة القصوى اتخاذ أي إجراء يكتسي طابعا اقتصاديا أو ماليا أو اجتماعيا أو بيئيا، والذي من شأنه الإسهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية، لم تتحدث عن التدابير القضائية واستثنتها من اتخاذ الحكومة لأي قرار له طابع قضائي.
رابعا: غياب بعض ضمانات المحاكمة العادلة، والإخلال بحقوق الدفاع، وحقوق المتهم منها الحق في الحضور المادي للمتهم والشفوية المباشرة للإجراءات وعلنية الجلسات.
مما لا شك فيه أن مرحلة المحاكمة تعد من أهم مراحل الخصومة الجنائية، من أجل التثبت من صحة الأفعال والتهم المنسوبة للمتهم من عدمها، وهي مرحلة ينتظرها هذا الأخير بفارغ الصبر بعد أن يكون قد عانى في المراحل السابقة، من هضم بعض حقوقه، ويأمل يقينا بأن مرحلة المحاكمة ستعوضه وتضمن له جميع حقوقه في الضمانات الدستورية والقانونية والحقوقية.
وهنا يطرح التساؤل عن استعمال تقنية المحاكمة عن بعد التي شرعت محاكم المغرب في تطبيقها بسبب انتشار وباء كورونا، ومدى تقيدها بضمانات المحاكمة العادلة التي يتمتع بها المتهم خلال هذه المرحلة؟
لنفترض أنفسنا كدفاع للمتهم في المحاكمة عن بعد ونشخص المحاكمة.
المحامي يلج قاعة الجلسات، يجلس بالمنصة المخصصة للدفاع، ينتظر دخول الهيئة القضائية، الملاحظ أن القاعة فارغة بسبب منع الجهور والمرتفقين الولوج إليها وذلك في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار وباء كورونا.
دخلت الهيئة القضائية والقاعة ظلت فارغة، وأعلن رئيس الهيئة من افتتاح الجلسة موضحا أن المحاكمة ستجري بواسطة تقنية الاتصال عن بعد بالصوت والصورة بدون إحضار وحضور المتهمين المعتقلين.
آنذاك لاحظنا شاشة موضوعة قرب كاتب الجلسة وكذا بعض الوسائل الضرورية لاستعمال هذه التقنية. وكذا حاسوب وشاشة أمام رئيس الهيئة القضائية.
وشرع رئيس الهيئة في المناداة على رقم القضية والمتهم القابع في السجن وقبل الدخول في إجراءات البحث والمناقشة، تدخل ملتمس إثارة بعض الدفوع الشكلية الأولية التي يتعبن إثارتها قبل كل دفع أو دفاع، وفقا للمادتين 323 و324 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تصب في إطار خرق حقوق الدفاع وحقوق المتهم وتمتعيه بضمانات المحاكمة العادلة، مع الإشهاد بتسجيلها بمحضر الجلسة كما يلي:
1-خرق الحق في محاكمة علنية وفقا للفصل 125 من الدستور والمواد 300-364-366-370-439 من قانون المسطرة الجنائية، والفقرة الأولى من المادة 14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي هذا الإطار يتعين على الدفاع التماس تسجيل الإشهاد بعدم علنية الجلسة وبطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها.
2-خرق الحق في حضور المتهم للجلسة وشفوية إجراءات البحث والمناقشة وفقا للمواد287-423-424-427-433-434-435 من ق .م ج وفي هذا الإطار لا يمكن أن يتحقق مبدأ المواجهة بين أطراف الخصومة الجنائية في غياب المتهم وأطراف الدعوى العمومية والمطالب الحق المدني والمسؤول عن الحقوق المدنية وكذا المواجهة مع الشهود، وعرض وسائل الاقتناع على المتهم.
وفي هذا الصدد جاءت المادة 287 من ق.ج لتنص على ما يلي: "لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها،" وما يؤكد أيضا أهمية حضر المتهم وشفوية الإجراءات ما نصت عليه المادة 337 من ق.م.ج في فقرتها الأولى"يؤدي الشاهد شهادته شفهيا.....".
وبناء عليه فغياب المتهم أمام الهيئة لجوابه عن التهمة الموجهة إليه، ومواجهته مباشرة مع الضحية وشهود الإثبات وشهود النفي وعرض وسائل الاقتناع عليه، يجعل إجراءات البحث والمناقشات باطلة. وغياب مبدأ الحضورية لأطراف الدعوى الجنائية يترتب عنه بطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها، وخصوصا أن الفصل 751 من.ق.م.ج بنص على أن أي إجراء يأمر به هذا القانون(ق.م.ج)، ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني، يعد كأن لم ينجز، ولو تم قبول المحاكمة عن بعد من طرف المتهم المعتقل.
خامسا: إجراءات قانون المسطرة الجنائية تعتبر من النظام العام ولا يجوز مخالفتها لارتباطها بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
مما لا شك فيه أن هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفق للنمط المتعارف عليه عالميا، واحترام حقوق الأفراد وصون حرياته من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة أخرى، كانت هي المرتكزات التي يهدف إليها مشرع قانون المسطرة الجنائية، الذي يتضمن مجموعة من الدعائم التي تضمن سير إجراءات الدعوى العمومية بصفة سليمة وصحيحة.
وأن المشرع المغربي أولى أهمية فائقة للقواعد الإجرائية المتعلقة بممارسة الدعوى العمومية من خلال تطويق الخصومة الزجرية بنصوص لا يمكن الاتفاق على مخالفتها، باعتبارها من النظام العام.
ومخالفة هذه القواعد الإجرائية، يترتب عنه بطلان المحاكمة والحكم الصادر بشأنها.
سادسا: تأثير تقنية المحاكمة عن بعد على قناعة القاضي، والسلطة التقديرية له وكذا الاقتناع الصميم الذي تشترطه المادة 286 من.ق.م.ج. "... يحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم، ويجب أن يتضمن الحكم ما يبرر اقتناع القاضي...".
من المعلوم أن الحكم الجنائي يصدر بناء على عدة عناصر وإجراءات،
منها علنية الجلسة وحضور المتهم وباقي أطراف الخصومة الجنائية أمام هيئة المحكمة، وإجراء المناقشات والمواجهة بينهم بحضور دفاعهم.
وفي هذا الإطار يصعب على القاضي تكوين اقتناعه والمتهم لازال بالسجن ويتواصل معه من قاعة المحكمة دون المعاينة المباشرة للمتهم لطريقة تفاعله مع استجواب الهيئة القضائية وأسئلة الدفاع والنيابة العامة، ومواجهته مباشرة بالشهود وما يصرح به كل شاهد بالجلسة، وعدم تمكن القاضي من قراءة تقاسيم وتعبيرات وجه المتهم وحركاته ونبرة صوته خلال مناقشة الملف، لأن الشاشة أو الصورة قد لا تعبر عن حقيقة تلك الحركات، لأنه في بعض الحالات قد ينفي المتهم في سائر مراحل الأفعال المنسوبة إليه، وحين حضوره أمام هيئة المحكمة وبعد محاصرته بالأسئلة، تتغير نبرة صوته وتظهر من تقاسيم وجهه أنه يخفي كلاما لازال لم يصرح به، وبعد إصرار القاضي على المتهم أن يقول الحقيقة، تفاجأ الهيئة القضائية بالمتهم يجهر بالحقيقة. وهو الذي يصعب الوصول إليه في المحاكمة عن بعد، ويعرقل تكوين قناعته، ويصبح ملزما باعتماد محاضر الضابطة القضائية ومناقشات قاضي التحقيق، وخاصة أن تصريحات المتهم من السجن عبر هذه التقنية قد تكون غامضة ومبهمة، وفي بعض الحالات حين يكون صبيب الانترنيت ضعيفا، لا تسمع المحكمة تصريحات المتهم، والشيء نفسه بالنسبة للمتهم إذ لا يسمع ولا يفهم كلام رئيس الهيئة، وفي بعض الحالات قد نشاهد حركات الفم تتحرك دون الصوت.
ومن الصعوبات التي قد تعرقل اقتناع القاضي عدم إمكانية عرض وسائل الاقتناع مباشرة على المتهم كالمسروقات والسلاح كمحجوزات حجزت لديه، وفي جرائم التزوير المادي يصعب عرض التوقيع المزور على المتهم قبل إجراء الخبرة.
كما أنه يصعب على القاضي مواجهته بتوقيعه على محضر الضابطة القضائية إذا نازع المتهم في التوقيع، لأنه يصعب على المتهم الاطلاع على محضر تصريحه وتوقيعه على المحضر.
وفي هذا الإطار فإن القاضي سوف يتعامل مع هذه التقنية وفي قرارة نفسه أن اقتناعه المِؤسس للحكم الجنائي قد يكون ناقصا في بعض الملفات، كما أن سلطته التقديرية التي خولها له المشرع والتي تتخللها مشاعر وأحاسيس وحدس القاضي الذي راكم تجربة في القضاء الجنائي، تتقاسمها معه تقنية التواصل عن بعد. وعندما تنتهي مناقشة القضية لمن تكون الكلمة الأخيرة؟ للمتهم الغائب عن الجلسة المباشرة أم للتقنية.
سابعا: مخالفة تقنية المحاكمة عن بعد للمواثيق الدولية وخاصة المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
انطلاقا من الفقرة الثالثة من تصدير الدستور الذي يعد جزءا من الدستور، فإن المملكة المغربية تعتبر عضوا عاملا ونشيطا في المنظمات الدولية وتتعهد بالتزام ما تقتضيها مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
وبالرغم مما جاء في ديباجة الدستور فإن المحاكم المغربية طبقت تقنية المحاكمة عن بعد مخالفة بذلك ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة مبادئ علنية الجلسات وغياب المتهم عن الجلسة وتعويض حضوره بتقنية التواصل معه بمعتقله بالمؤسسة السجنية، وغياب المناقشة الشفوية الحضورية والتواجهية المباشرة للمتهم في المحاكمة يعد مخلفا للمواثيق الدولية وخاصة المادة 14 من العهد لدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ثامنا: وجود صعوبة واقعية وتقنية في استعمال تقنية المحكمة عن بعد لنقل المحاكمة بجميع المتدخلين فيها بشكل جماعي وفي زمن واحد.
ولعل من سلبيات تقنية المحاكمة عن بعد، عدم توافر نظام دعائم وبرنامج تقني إلكتروني يوفر نقل الصور والصوت من مؤسسة السجن لهيئة المحكمة وأطراف الخصومة الجنائية بشكل جماعي ومشترك، يسمح لكل طرف في الدعوى الجنائية بأن يتتبع مباشرة وفي زمن واحد إجراءات المحاكمة.
الخاتمة:
ونخلص في النهاية إلى أنه مهما كانت المبررات لاستعمال تقنية المحاكمة عن بعد، رغم الانتقادات الموجهة إليها فإن وزارة العدل تراخت في تفعيل أحد توصيات ميثاق الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، ويتعلق الأمر، بتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها، وتقوية البنية التحتية التكنولوجية، للإدارة القضائية، والأنظمة المعلوماتية الآمنة، والبرامج المعلوماتية لها، وكيفية التدبير المعقلن والآمن للوسائط الإلكترونية في إجراءات التقاضي في المساطر وخاصة المدنية والجنائية، وتأهيل الموارد البشرية في المجال الرقمي لضمان النجاعة القضائية الرقمية، في أفق تنزيل المحكمة الرقمية والتي تعد المحاكمة عن بعد أحد صورها، والتي تم تطبيقها من طرف المحاكم، في إطار التدابير الاحترازية الناجمة عن إعلان حالة الطوارئ الصحية بسبب وباء كورونا، واستحضارا للأمن الصحي لكل مكونات العدالة والمتدخلين في المحاكمة عن بعد.
وقد أصدرت المحاكم عددا من الأحكام الجنائية والتلبسيه للمعتقلين في إطار استعمال تقنية المحاكمة عن بعد يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية:
ما هو الإطار التشريعي والقانوني المعتمد عليه في استعمال إجراء تقنية المحاكمة عن بعد؟
- وما مدى تلاؤم هذه المحاكمة مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية في مجال المحاكمات؟
- وهل هذه المحاكمات وفرت للمتهمين المعتقلين ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة الحق في علنية الجلسة والحق في الحضور المادي للجلسة، والحق في الشفوية المباشرة للمناقشات وسماع مرافعات الدفاع والنيابة العامة وتصريحات الشهود والمواجهة المباشرة مع الشهود؟
- وهل هذه المحاكمات عن بعد تضمنت الموافقة القبلية والصريحة للمتهمين ودفاعهم؟
- وما مدى تأثير تقنية استعمال المحاكمة عن بعد على السلطة التقديرية للقاضي واقتناعه الصميم؟
ولعل المشرع يلتقط هذه التساؤلات وغيرها من الكتابات في هذا المجال، لمراعاتها أثناء مناقشة مشروع استعمال الوسائط الإلكترونية في إجراءات التقاضي في المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية. واعتماد المقاربة التشاركية من أجل توفير النص المناسب، والشروط التقنية الكافية، ولعل هذه التساؤلات يمكن استثمارها في صياغة أسباب الطعن بالنقض في الأحكام والقرارات الصادرة في إطار المحاكمة عن بعد. باعتبار محكمة النقض مسؤولة عن ضمان التطبيق السليم للقانون طبقا للمادة 518 من قانون المسطرة الجنائية والفصل العاشر من الدستور الذي يلزم القضاة بالتطبيق العادل للقانون والفصل 117 من الدستور الذي أوكل للقضاء مسؤولية حماية حقوق الأشخاص والجماعات، وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون. (القرار 06-20391 الصادر بتاريخ 6-4-2008 يؤكد في حيثياته على منع استعمال تقنية الفيديو كونفرونس في المراكز المخصصة للحراسة النظرية أو من السجن).
*محام بهيئة بني ملال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.