مستشارو الملك يجتمعون بزعماء الأحزاب لمناقشة تحيين مبادرة الحكم الذاتي    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    زيارة وزير الخارجية السنغالي للمغرب تفتح آفاقاً جديدة للشراكة الثنائية    مئات المغاربة يجوبون شوارع باريس احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ
نشر في هسبريس يوم 17 - 08 - 2020

هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ، لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ساهمت بداية الأسبوع الجاري بمعية خمسين من الكفاءات الاكاديمية والسياسية والحقوقية والاقتصادية في مؤتمر "المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي: الإشكالية والحل"، الذي نظمه منتدى الفكر العربي عبر الاتصال المرئي على مدى ثلاثة أيام.
وقد كان عنوان مداخلتي التي شكل مضمونها إحدى أهم توصيات ما أصبح يعرف ب"إعلان عمان" هو المصالحةُ/ المصالحاتُ التاريخيةُ مبتدأُ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ. أو هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ومما جاء في مداخلتي ما يلي:
غني عن القول أن أيةَ رغبةٍ لَبلورةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المشرقِ العربيِّ قائمٌ على أُسُسِ ومبادئِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، والكرامةِ الإنسانيةِ وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحفظِ حقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ والمكوّناتِ المجتمعيةِ على مختلفِ المستوياتِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها والمشتركاتِ الحضاريةِ، والبحثِ عنْ إثراءِ نقاطِ التلاقِي والالتقاءِ خدمةً لاستشرافِ الحُلولِ للتحدّياتِ، يستوجبُ، وبالضرورةِ، التفكيرَ العميقَ لإبداعِ خطةٍ / منهجيةٍ سياسيةٍ حقوقيةٍ ترسمُ الطريقَ الدائمَ والمستديمَ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانتْ، وما زالت تُعانِي منها كثيرٌ من مجتمعاتِ المشرقِ العربيِّ على أساسِ الهويةِ، وهي صراعاتٌ – كما جاء في الورقةِ التقديميةِ - أنتجتْ مظاهرَ متعددةَ الأَشكالِ من العنفِ والتطرفِ، مما يُهددُ المستقبلَ بِمزيدٍ من التفَتتِ والانقسَاماتِ. ويُشتِّتُ الطاقاتِ الضروريةَ لبناءِ هذا المستقبلِ بأيدي أبناءِ الأمةِ ومقدراتها.
إنّ الوصولَ إلى تحقيقِ هُويةٍ وطنيةٍ جامعةٍ تُمثِّلُ الانتماءَ الحقيقيَّ للمجموعِ الوطنيِ، الذي يَكفُلُ الحقوقَ المدنيةَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والثقافيةَ والاقتصاديةَ، ويعترفُ بجميعِ المواطنينَ ضمنَ مُكوّناتهِ، تترتبُ عليهم واجباتٌ ومسؤولياتٌ تُجاهَ الصالحِ العامِّ، وتكونُ مُواطَنَتُهُم بموجبِ التشريعاتِ مكفولةَ الحقوقِ. هو سيرورةٌ طويلةٌ وصَعبةٌ وعّقدةٌ، لكنَّهَا غيرُ مستحيلةٍ، بل هي بالعكسِ، سهلةٌ، خاصةً عندما نتسلحُ بالذَّكاءِ الجمَاعِيِّ وبرغبةِ جُلِّ الأطْرافِ، خاصةً المؤثرةَ منها والتي لاَ يَسكُنها الوهمُ، ونُوفِّرُ منهجيةً حقوقيةً – سياسيةً أي رزنامة من التدابيرِ السياسيةِ والحقوقيةِ والاجتماعيةِ لتحقيقِ الاِنتقالِ إلى عالَمٍ يتسعُ للجميعِ.
لذا فإن الإِسْهامَ في بَلْوَرَةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المَشرقِ العربيِّ بالخصوصِ، يَقومُ على المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، وعلى أساسٍ من الكرامةِ الإنسانيةِ، وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحِفظِ حُقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ وسائرِ أشكالِ التنوّعِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها بتعزيزِ الحُرياتِ والتركيزِ على المُشتركاتِ الحضاريةِ، يتطلبُ إقناعُ الفاعلينَ السياسيينَ والحقوقيينَ والنقابيينَ والأكاديميينَ في دُولِ المنطقةِ المؤهَّلةِ، لِيَخْتارُوا في ما بينهم صِيغَ مَنهجيةِ الانتقالِ، وهي متعددةٌ، لكنْ وفي اعتقادنَا أنَّ أَجْودَ منهجيةٍ أَبْدَعَتْهَا الإنسانيةَ إلى اليومِ في مجالِ المصالحاتِ هيَ مَنهجيةُ العدالةِ الانتقاليةِ. التِّي خاضَتْهَا أكثرُ منْ دولةٍ في شمالِ إفريقيا، ونجحتْ فيهَا، ولاَ سِيمَا بلدي وبلدُكُم الثاني المغرب والتي ينتظرها عملٌ طويلٌ خاصةً وأنَّ العدالةَ الانتقاليةَ هي صيرورةٌ طويلةٌ. ذلك أنَّهُ مِنَ المستحيلِ – خاصةً في المشرقِ- المرورُ إلى دولةِ الحقِّ، دُونَ الاِحتكامِ – وبالضرورةِ بحثاً عن الاستدامةِ وعدمِ تَكْرَاِر الِانْتِهاكاتِ والعودةِ إلى نقطةِ الصِّفرِ - إلى العدالةِ الانتقاليةِ التي هي مَسارٌ مُتكاملٌ مِنَ الآلياتِ والوَسائلِ، المعتمَدَةِ لِفهمِ ومُعالجةِ مَاضِي انتهاكاتِ حُقوقِ الإنسانِ، بِكشفِ حَقيقتِهَا وَمُحاسبةِ المسؤولينَ عنها وجَبْرِ ضَرَرِ الضَّحايَا وردِّ الاِعْتِبَارِ لهم، بما يُحقّقُ المصالحةَ الوطنيةَ ويحفظَ الذاكرةَ الجماعيةَ ويوثقَهَا ويرسي ضَماناتِ عدم ِالتَّكرارِ والانتقالِ من حالةِ الاستبدادِ إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ يُساهمُ في تكريسِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ ويعملَ على تعميمِ منظومةِ حقوقِ الإِنْسانِ وثقافتهَا.
وبما أن الصراعاتِ التي عانتْ منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهويةِ في المشرقِ بالخصوصِ تَجاوزتِ الحدودَ الوطنيةَ، وأصبحتْ تَكْتَسِي طابعَ ملفاتٍ عالقةٍ بين أكثر من دولةٍ وأَنتجتْ بدورها انتهاكاتٍ جسيمةً لحقوقِ الإنسانِ، وأوقفتْ مسارَ تقدمِ دول المنطقةِ إلى مصافِّ الدولِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ، فإن الأمرَ سيُحِيلُنَا هنا مباشرةً إلى الاجتهادِ الذي قمنا به في مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ و السِّلمِ، والمُعَنْوَنِ بميثاقُ المركزِ: العدالةُ الانتقاليةُ بينَ الدولِ – مقاربةٌ منهَجيةٌ.
وبناءً على المحورِ الذي حَددتُم تَنَاُوَلَهُ من قَبْلِنَا، سأُفصِّلُ الكلامَ في ما سبق قولُهُ في هذه الورقة، وسأقدمُ الخطوطَ العريضةَ لميثاقِ المركز: العدالةُ الانتقاليةُ بين الدولُ – مقاربةٌ منهجيةٌ قصدَ مُناقشتِه، والتفكيرِ في ما إذا كان صالحاً لمعالجةِ القضايا الحقوقيةِ الخاصةِ بمواطنينَ ينتمونَ إلى نفسِ المجموعةِ العِرْقيةِ والثقافيةِ واللغويةِ والعاداتِ والتقاليدِ وهم مُوَزَّعُونَ على أكثر من دولة.
وبما أن الممارسة السياسية فعل تراكمي تستحضر كل الأفكار الإيجابية التي بنيت من خلال اعتماد الذكاء الجماعي، فمن الضروري جدا استحضار هنا تجربتنا في المغرب الأمازيغي – العربي، وهي التجربة التي كثفها خطاب جلالة الملك محمدنا السادس في خطاب اجدير التاريخي خطاب أجدير التاريخي الذي ألقاه جلالته بتاريخ 17 بتاريخ أكتوبر2001 ، والذي اعتبر تصورا جديدا بخصوص الهوية المغربية، حيث وضح جلالته أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية، وأن النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين مسؤولية جماعية وذلك من خلال اعتبار الأمازيغية ملكا لكل المغاربة.
عود على بدء: نظّم مركزُ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ والسلم يومي 18و19 فبراير 2011 بمدينة طنجة، ندوةً حقوقيةً سياسيةً، حضَرها مجموعةٌ من الأكاديميينَ والباحثينَ مُتَعَدِّدِي التخصصاتِ، ومن الفاعلينَ الحقوقيينَ والجمعويينَ، ومن الشخصياتِ الفكريةِ والسياسيةِ، للتداولِ في مشروعِ ميثاقٍ أعدَّهُ المركزُ بناءً على تجربةِ أكثر من أربعِ سنواتٍ، لِتَكْييفِ وتأصيلِ فلسفةِ وروح ِالعدالةِ الانتقاليةِ، مفهوماً وتنظيراً وممارسةً، لتطبيقها بين الدولِ التي لها تاريخٌ مُشتَرَكٌ ما زالت بعضُ قضاياهُ عالقةً، تُؤزمُ العلاقاتِ في ما بينها، وتَرهَنُ مصلحةَ شعوبِهَا المشتركةِ، وتَحُولُ دون بناءِ علاقاتٍ خاليةٍ من النزاعاتِ وبُؤرِ التوترِ، وتُعرقلُ وتيرةَ تنميةِ قيمِ الحريةِ والديمقراطيةِ والسلمِ وحقوقِ الإنسانِ .
وبعد نقاشٍ عميقٍ بين المدعوينَ وأعضاءِ المكتبِ الإداريِ للمركزِ ولجنتهِ العلميةِ، تمَّ الإجماعُ على ضرورة تبنِّي مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ لهذه المنهجيةِ الإجرائيةِ، الأولى من نوعها في المغرب وفي العالم، لمعالجةِ العلاقاتِ بين الدولِ التي لها تاريخٌ مشتركٌ ومشحونٌ بالصراعِ، وتحويلِها إلى أداةٍ ذاتِ بُعدٍ حقوقيٍ وإنسانيٍ وحضاريٍ من أدوات الحكامةِ الدوليةِ في التدبيرِ الأمثلِ للخلافاتِ، مع الاعترافِ بالأخطاءِ وفهمها، والعملِ الجماعيِ على رفعِ الحيفِ وجبرِ الضررِ، خدمةً للبناءِ الديمقراطيِ وتوطيدِ دولةِ الحقِ و القانونِ، باعتبارها:
1- تنطلق، في واقع الأمرِ، من ديناميةِ ما راكمتهُ الحركةُ الحقوقيةُ بالمغربِ عبر نضالاتِها لإِعمالِ العدالةِ الانتقاليةِ، وعبرَ المكاسبِ التي حَقَقْتهَا، والمتجليةُ في توصياتِ هيأةِ الإنصافِ والمصالحةِ، لتنقلَ روحَ وفلسفةَ هذه ِالدِينَاميةِ، إلى معالجةِ القضايا العالقةِ بين الدولِ التي تعاني من إرثٍ تاريخيٍّ مُتأزِّم، يُؤثرُ سلباً على علاقاتِها الراهنَةِ، خاصةً علاقاتِ المغربِ بدول محيطهِ الجيوسياسي، أي فرنسا وإسبانيا اللتين استعمرتاه، والجزائر وموريتانيا التي تأثرت علاقاتهما بالمغرب نتيجةَ الإرثِ الاستعماري.
2 - تنطلق من سؤال ضمني بسيطٍ خاصٍ بالشعوبِ المعنيةِ مُؤدَّاه: ما ذنبُ الشعبَينِ الإسباني والمغربي، مثلا، في تَحَمُّلِ وزْرِ إرثٍ استعماريٍ، أو حتى من الماضي ما قبلَ الاستعمار، لم يكن لهما يدٌ فيه، خاصةً وأنهُما اليومَ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى نزعِ فتيلِ التوتُّراتِ لبناءِ علاقاتٍ ديمقراطيةٍ سليمةٍ، متكافئةٍ ومتضامنةٍ، تخدُمُ مصالحهُمَا المشتركَة، وتُحِلُّ السَّلامَ والأمنَ في منطقةٍ استراتيجيةٍ من حوضِ الأبيضِ المتوسطِ؟. وما ذنبُ الشَّعْبَينِ الجزائري والمغربي، وهما إخوةٌ أشِقَّاء، لتحمُّلِ وزرِ إرثٍ استعماريٍّ لا ذنبَ لهما فيه، وهُمْ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى تكثيفِ جُهودِهِمَا لِرفْعِ رِهاناتِ التَّحديثِ والدمقرطة وللعملِ لانطلاقِ مسلسلِ البناءِ المغاربي المُعطَّل؟
3- تعِي أن المعالجةَ التي تتمُّ بها العلاقاتُ بين الدولِ التي تعاني من أثرِ الماضي الذي لا يريد أن يمضي، وهو تعريفُ المركزِ لمفهومِ الذاكرةِ المشتركةِ، بما في ذلك علاقاتُ المغربِ بدولِ محيطِهِ الجيوسياسي، خاصةً العلاقاتِ المغربيةَ - الإسبانية والمغربية - الجزائرية، تتم ضمنَ مقاربةٍ أمنيةٍ وجزئيةٍ، وضمنَ ردودِ أفعالٍ ظرفيةٍ، غالبا ما تكون مُتَشَنِّجَةً، وهي في واقع الأمرِ، وليدةُ هذا "الماضي الذي لا يريد أن يمضي" تنتعشُ منه وتُغذِّيه في آن.
4- تعتمد، على العكس من ذلك، على مقاربةٍ جديدةٍ شموليةٍ ومندمجةٍ تُمَوْقِعُ التعاملَ مع العلاقاتِ بين الدول، التي لها ذاكرةٌ مشتركةٌ، في أُفُقِ إحْلالِ السِّلم، ونزعِ فَتيلِ التَّوتُّرِ، وعدمِ الاستقرارِ، ومُراعاةِ مصلحةِ الشعوبِ أولا وأخيرا. فهي تفتح مشروعا كبيرا وَطَمُوحا، يكون الفاعلون فيه، ليس الحكوماتِ وحدها، وإنما مجموعُ مُكوِّناتِ المجتمعاتِ المَعنيةِ، من حكوماتٍ وأحزابٍ ونقاباتٍ ومفكرينَ وأكاديميينَ وفاعلينَ حقوقيينَ ونشطاء جمعويينَ واقتصاديين...
5- تجيب بشكل نظريٍّ وعمليٍّ على ما أصبح يُتداولُ اليومَ بالمغربِ حول الدبلوماسية المُوازيةِ، وَتُفنِّدُ بالملموسِ التصوُّرَ الاختزاليَّ السائدَ حول هذا المصطلحِ الذي يَجمعُ في شكلٍ مِيكانيكيٍّ بين الدبلوماسية الرسميةِ والدبلوماسية الموازية، في غيابِ أَيٍّ تصورٍ شُموليٍ مندمِجٍ لمعالجةِ علاقاتِ المغربِ بدولِ محيطهِ الجيوسياسي.
6- تضع أمام شعوبِ دول البحرِ المتوسطِ خاصةً شعوبَ ضِفتهِ الجَنوبيةِ، التي استفاقت لتتحكم في مصيرها في إطار أنظمةٍ مدنيةٍ وديمقراطيةٍ، مقاربةً لبناءِ علاقاتٍ جديدةٍ متساويةٍ ومتضامنةٍ تؤمن أمنها واستقرارها وتؤمن السلام في هذا الفضاء الاستراتيجي.
وانطلاقا من تقييم أوليٍ لعملِ مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ والمستقبلِ منذ تأسيسه.
ختاما نعتقد أن بإمكاننا تَكْييفَ هذا المقترح ِللاشتغالِ عليه قصدَ أن يصبحَ المواطنُ مشاركا في العمليةِ السياسيةِ، ويمارسَ حُريّاتِه بوعيٍ ومسؤوليةٍ بوصفهِ جزءا من المجتمعِ، وهذا التكييفُ سيتطلب بطبيعةِ الحالِ مجهوداتٍ فكريةً وتنظيريةً منا جميعا خاصةً من الحالمينَ بعالَمٍ يتسع للجميع، ونضعُ المركزَ وجميعَ اجتهاداتِهِ رَهْنَ إشارَتِكُم لتعميقِ النظرِ في ما تَفضَّلْنا بقوله.
*رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.