التوفيق: المذهب المالكي يقي من الجهل والغلو ويلبي حاجات العصر    الكاتب الأول للحزب ، إدريس لشكر، في افتتاح أشغال الدورة الأولى للمجلس الوطني . .قيم الأسرة الاتحادية مكنتنا بالفعل من الاطمئنان إلى ما أنجزناه جميعا    أولاريو: مواجهة المغرب الرديف قوية وسنلعب بطموح العبور إلى نهائي كأس العرب    المغرب يوقّع على سابقة غير مسبوقة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    تقرير: نصف المجتمعات المحلية فقط مطلعة على أداء المدارس رغم تقدم تنظيم التعليم بالمغرب    تونس.. فيلم "فلسطين 36" للمخرجة آن ماري جاسر يفتتح أيام قرطاج السينمائية    أكادير تحتفي بعشرين سنة من تيميتار: دورة إفريقية بامتياز تسبق كأس أمم إفريقيا وتجمع الموسيقى الأمازيغية بالعالم    توقيف مشتبه به في حادث جامعة براون    من شفشاون إلى الرباط: ميلاد مشروع حول الصناعة التاريخية    تطبيق "يالا" يربك الصحافيين والمشجعين قبل صافرة انطلاق "كان المغرب 2025"    أوجار من الناظور: الإنجازات الحكومية تتجاوز الوعود والمغاربة سيؤكدون ثقتهم في "الأحرار" عام 2026    عشرة قتلى على الأقل إثر إطلاق نار عند شاطئ بونداي بأستراليا خلال احتفال بعيد يهودي    آيت بودلال: قميص المنتخب شرف كبير    قبل أيام من انطلاق الكان... لقجع يؤكد الإنجازات التي حققتها الكرة المغربية    ائتلاف يدعو إلى وقف تهميش المناطق الجبلية وإقرار تدابير حقيقية للنهوض بأوضاع الساكنة    شغب رياضي يتحول إلى عنف خطير بالدار البيضاء    بعد فاجعة فاس... لفتيت يحرك آلية جرد المباني الآيلة للسقوط    دعم 22 مشروعًا نسويًا بالمضيق-الفنيدق بتمويل من المبادرة الوطنية    تمديد فترة الترشيح للاستفادة من الدورة الثانية من برنامج "صانع ألعاب الفيديو" إلى 21 دجنبر الجاري    احتفال يهودي بأستراليا ينتهي بإطلاق النار ومصرع 10 أشخاص    أمن مولاي رشيد يوقف 14 مشاغبا اعتدوا على الأمن وألحقوا خسائر بسيارات عمومية    الجيش الموريتاني يوقف تحركات مشبوهة لعناصر من ميليشيات البوليساريو    إقبال كبير على حملة التبرع بالدم بدوار الزاوية إقليم تيزنيت.    مجلس النواب والجمعية الوطنية لمالاوي يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني    استقالات جماعية تهز نقابة umt بتارودانت وتكشف عن شرخ تنظيمي.    إسرائيل تندد ب"هجوم مروع على اليهود"    طلبة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأكادير يعلنون تصعيد الإضراب والمقاطعة احتجاجاً على اختلالات بيداغوجية وتنظيمية    قتيلان في إطلاق نار بجامعة أميركية    مباراة المغرب-البرازيل بمونديال 2026 الثانية من حيث الإقبال على طلب التذاكر    كرة القدم.. إستوديانتس يتوج بلقب المرحلة الختامية للدوري الأرجنتيني    زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    ألمانيا: توقيف خمسة رجال للاشتباه بتخطيطهم لهجوم بسوق عيد الميلاد    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    أخنوش من الناظور: أوفينا بالتزاماتنا التي قدمناها في 2021    مسؤول ينفي "تهجير" كتب بتطوان    افتتاح وكالة اسفار ltiné Rêve إضافة نوعية لتنشيط السياحة بالجديدة    إطلاق قطب الجودة الغذائية باللوكوس... لبنة جديدة لتعزيز التنمية الفلاحية والصناعية بإقليم العرائش        البنك الإفريقي للتنمية يدعم مشروع توسعة مطار طنجة    إسرائيل تعلن قتل قيادي عسكري في حماس بضربة في غزة    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    محمد رمضان يحل بمراكش لتصوير الأغنية الرسمية لكأس إفريقيا 2025    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    تعاون غير مسبوق بين لارتيست ونج وبيني آدم وخديجة تاعيالت في "هداك الزين"    من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة            المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    تشيوانتشو: إرث ابن بطوطة في صلب التبادلات الثقافية الصينية-المغربية    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ
نشر في هسبريس يوم 17 - 08 - 2020

هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ، لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ساهمت بداية الأسبوع الجاري بمعية خمسين من الكفاءات الاكاديمية والسياسية والحقوقية والاقتصادية في مؤتمر "المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي: الإشكالية والحل"، الذي نظمه منتدى الفكر العربي عبر الاتصال المرئي على مدى ثلاثة أيام.
وقد كان عنوان مداخلتي التي شكل مضمونها إحدى أهم توصيات ما أصبح يعرف ب"إعلان عمان" هو المصالحةُ/ المصالحاتُ التاريخيةُ مبتدأُ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوُّعِ. أو هل يمكن تكييفُ العدالةِ الانتقاليةِ لقيامِ مصالحاتٍ تاريخيةٍ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانَى منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهُويةِ بُغيةَ تحقيقِ المواطنةِ الحاضنةِ للتَّنوعِ؟
ومما جاء في مداخلتي ما يلي:
غني عن القول أن أيةَ رغبةٍ لَبلورةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المشرقِ العربيِّ قائمٌ على أُسُسِ ومبادئِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، والكرامةِ الإنسانيةِ وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحفظِ حقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ والمكوّناتِ المجتمعيةِ على مختلفِ المستوياتِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها والمشتركاتِ الحضاريةِ، والبحثِ عنْ إثراءِ نقاطِ التلاقِي والالتقاءِ خدمةً لاستشرافِ الحُلولِ للتحدّياتِ، يستوجبُ، وبالضرورةِ، التفكيرَ العميقَ لإبداعِ خطةٍ / منهجيةٍ سياسيةٍ حقوقيةٍ ترسمُ الطريقَ الدائمَ والمستديمَ لإنهاءِ الصراعاتِ التي عانتْ، وما زالت تُعانِي منها كثيرٌ من مجتمعاتِ المشرقِ العربيِّ على أساسِ الهويةِ، وهي صراعاتٌ – كما جاء في الورقةِ التقديميةِ - أنتجتْ مظاهرَ متعددةَ الأَشكالِ من العنفِ والتطرفِ، مما يُهددُ المستقبلَ بِمزيدٍ من التفَتتِ والانقسَاماتِ. ويُشتِّتُ الطاقاتِ الضروريةَ لبناءِ هذا المستقبلِ بأيدي أبناءِ الأمةِ ومقدراتها.
إنّ الوصولَ إلى تحقيقِ هُويةٍ وطنيةٍ جامعةٍ تُمثِّلُ الانتماءَ الحقيقيَّ للمجموعِ الوطنيِ، الذي يَكفُلُ الحقوقَ المدنيةَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والثقافيةَ والاقتصاديةَ، ويعترفُ بجميعِ المواطنينَ ضمنَ مُكوّناتهِ، تترتبُ عليهم واجباتٌ ومسؤولياتٌ تُجاهَ الصالحِ العامِّ، وتكونُ مُواطَنَتُهُم بموجبِ التشريعاتِ مكفولةَ الحقوقِ. هو سيرورةٌ طويلةٌ وصَعبةٌ وعّقدةٌ، لكنَّهَا غيرُ مستحيلةٍ، بل هي بالعكسِ، سهلةٌ، خاصةً عندما نتسلحُ بالذَّكاءِ الجمَاعِيِّ وبرغبةِ جُلِّ الأطْرافِ، خاصةً المؤثرةَ منها والتي لاَ يَسكُنها الوهمُ، ونُوفِّرُ منهجيةً حقوقيةً – سياسيةً أي رزنامة من التدابيرِ السياسيةِ والحقوقيةِ والاجتماعيةِ لتحقيقِ الاِنتقالِ إلى عالَمٍ يتسعُ للجميعِ.
لذا فإن الإِسْهامَ في بَلْوَرَةِ رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبلِ المَشرقِ العربيِّ بالخصوصِ، يَقومُ على المواطنةِ الحاضنةِ للتنوّعِ، وعلى أساسٍ من الكرامةِ الإنسانيةِ، وأخلاقياتِ التضامنِ الإنسانيِّ، وحِفظِ حُقوقِ المجموعاتِ الثقافيةِ وسائرِ أشكالِ التنوّعِ، وتعزيزِ الحوارِ بينها بتعزيزِ الحُرياتِ والتركيزِ على المُشتركاتِ الحضاريةِ، يتطلبُ إقناعُ الفاعلينَ السياسيينَ والحقوقيينَ والنقابيينَ والأكاديميينَ في دُولِ المنطقةِ المؤهَّلةِ، لِيَخْتارُوا في ما بينهم صِيغَ مَنهجيةِ الانتقالِ، وهي متعددةٌ، لكنْ وفي اعتقادنَا أنَّ أَجْودَ منهجيةٍ أَبْدَعَتْهَا الإنسانيةَ إلى اليومِ في مجالِ المصالحاتِ هيَ مَنهجيةُ العدالةِ الانتقاليةِ. التِّي خاضَتْهَا أكثرُ منْ دولةٍ في شمالِ إفريقيا، ونجحتْ فيهَا، ولاَ سِيمَا بلدي وبلدُكُم الثاني المغرب والتي ينتظرها عملٌ طويلٌ خاصةً وأنَّ العدالةَ الانتقاليةَ هي صيرورةٌ طويلةٌ. ذلك أنَّهُ مِنَ المستحيلِ – خاصةً في المشرقِ- المرورُ إلى دولةِ الحقِّ، دُونَ الاِحتكامِ – وبالضرورةِ بحثاً عن الاستدامةِ وعدمِ تَكْرَاِر الِانْتِهاكاتِ والعودةِ إلى نقطةِ الصِّفرِ - إلى العدالةِ الانتقاليةِ التي هي مَسارٌ مُتكاملٌ مِنَ الآلياتِ والوَسائلِ، المعتمَدَةِ لِفهمِ ومُعالجةِ مَاضِي انتهاكاتِ حُقوقِ الإنسانِ، بِكشفِ حَقيقتِهَا وَمُحاسبةِ المسؤولينَ عنها وجَبْرِ ضَرَرِ الضَّحايَا وردِّ الاِعْتِبَارِ لهم، بما يُحقّقُ المصالحةَ الوطنيةَ ويحفظَ الذاكرةَ الجماعيةَ ويوثقَهَا ويرسي ضَماناتِ عدم ِالتَّكرارِ والانتقالِ من حالةِ الاستبدادِ إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ يُساهمُ في تكريسِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ ويعملَ على تعميمِ منظومةِ حقوقِ الإِنْسانِ وثقافتهَا.
وبما أن الصراعاتِ التي عانتْ منها بعضُ المجتمعاتِ العربيةِ على أساسِ الهويةِ في المشرقِ بالخصوصِ تَجاوزتِ الحدودَ الوطنيةَ، وأصبحتْ تَكْتَسِي طابعَ ملفاتٍ عالقةٍ بين أكثر من دولةٍ وأَنتجتْ بدورها انتهاكاتٍ جسيمةً لحقوقِ الإنسانِ، وأوقفتْ مسارَ تقدمِ دول المنطقةِ إلى مصافِّ الدولِ المواطنةِ الحاضنةِ للتنوعِ، فإن الأمرَ سيُحِيلُنَا هنا مباشرةً إلى الاجتهادِ الذي قمنا به في مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ و السِّلمِ، والمُعَنْوَنِ بميثاقُ المركزِ: العدالةُ الانتقاليةُ بينَ الدولِ – مقاربةٌ منهَجيةٌ.
وبناءً على المحورِ الذي حَددتُم تَنَاُوَلَهُ من قَبْلِنَا، سأُفصِّلُ الكلامَ في ما سبق قولُهُ في هذه الورقة، وسأقدمُ الخطوطَ العريضةَ لميثاقِ المركز: العدالةُ الانتقاليةُ بين الدولُ – مقاربةٌ منهجيةٌ قصدَ مُناقشتِه، والتفكيرِ في ما إذا كان صالحاً لمعالجةِ القضايا الحقوقيةِ الخاصةِ بمواطنينَ ينتمونَ إلى نفسِ المجموعةِ العِرْقيةِ والثقافيةِ واللغويةِ والعاداتِ والتقاليدِ وهم مُوَزَّعُونَ على أكثر من دولة.
وبما أن الممارسة السياسية فعل تراكمي تستحضر كل الأفكار الإيجابية التي بنيت من خلال اعتماد الذكاء الجماعي، فمن الضروري جدا استحضار هنا تجربتنا في المغرب الأمازيغي – العربي، وهي التجربة التي كثفها خطاب جلالة الملك محمدنا السادس في خطاب اجدير التاريخي خطاب أجدير التاريخي الذي ألقاه جلالته بتاريخ 17 بتاريخ أكتوبر2001 ، والذي اعتبر تصورا جديدا بخصوص الهوية المغربية، حيث وضح جلالته أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية، وأن النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين مسؤولية جماعية وذلك من خلال اعتبار الأمازيغية ملكا لكل المغاربة.
عود على بدء: نظّم مركزُ الذاكرةِ المشتركةِ من أجلِ الديمقراطيةِ والسلم يومي 18و19 فبراير 2011 بمدينة طنجة، ندوةً حقوقيةً سياسيةً، حضَرها مجموعةٌ من الأكاديميينَ والباحثينَ مُتَعَدِّدِي التخصصاتِ، ومن الفاعلينَ الحقوقيينَ والجمعويينَ، ومن الشخصياتِ الفكريةِ والسياسيةِ، للتداولِ في مشروعِ ميثاقٍ أعدَّهُ المركزُ بناءً على تجربةِ أكثر من أربعِ سنواتٍ، لِتَكْييفِ وتأصيلِ فلسفةِ وروح ِالعدالةِ الانتقاليةِ، مفهوماً وتنظيراً وممارسةً، لتطبيقها بين الدولِ التي لها تاريخٌ مُشتَرَكٌ ما زالت بعضُ قضاياهُ عالقةً، تُؤزمُ العلاقاتِ في ما بينها، وتَرهَنُ مصلحةَ شعوبِهَا المشتركةِ، وتَحُولُ دون بناءِ علاقاتٍ خاليةٍ من النزاعاتِ وبُؤرِ التوترِ، وتُعرقلُ وتيرةَ تنميةِ قيمِ الحريةِ والديمقراطيةِ والسلمِ وحقوقِ الإنسانِ .
وبعد نقاشٍ عميقٍ بين المدعوينَ وأعضاءِ المكتبِ الإداريِ للمركزِ ولجنتهِ العلميةِ، تمَّ الإجماعُ على ضرورة تبنِّي مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ لهذه المنهجيةِ الإجرائيةِ، الأولى من نوعها في المغرب وفي العالم، لمعالجةِ العلاقاتِ بين الدولِ التي لها تاريخٌ مشتركٌ ومشحونٌ بالصراعِ، وتحويلِها إلى أداةٍ ذاتِ بُعدٍ حقوقيٍ وإنسانيٍ وحضاريٍ من أدوات الحكامةِ الدوليةِ في التدبيرِ الأمثلِ للخلافاتِ، مع الاعترافِ بالأخطاءِ وفهمها، والعملِ الجماعيِ على رفعِ الحيفِ وجبرِ الضررِ، خدمةً للبناءِ الديمقراطيِ وتوطيدِ دولةِ الحقِ و القانونِ، باعتبارها:
1- تنطلق، في واقع الأمرِ، من ديناميةِ ما راكمتهُ الحركةُ الحقوقيةُ بالمغربِ عبر نضالاتِها لإِعمالِ العدالةِ الانتقاليةِ، وعبرَ المكاسبِ التي حَقَقْتهَا، والمتجليةُ في توصياتِ هيأةِ الإنصافِ والمصالحةِ، لتنقلَ روحَ وفلسفةَ هذه ِالدِينَاميةِ، إلى معالجةِ القضايا العالقةِ بين الدولِ التي تعاني من إرثٍ تاريخيٍّ مُتأزِّم، يُؤثرُ سلباً على علاقاتِها الراهنَةِ، خاصةً علاقاتِ المغربِ بدول محيطهِ الجيوسياسي، أي فرنسا وإسبانيا اللتين استعمرتاه، والجزائر وموريتانيا التي تأثرت علاقاتهما بالمغرب نتيجةَ الإرثِ الاستعماري.
2 - تنطلق من سؤال ضمني بسيطٍ خاصٍ بالشعوبِ المعنيةِ مُؤدَّاه: ما ذنبُ الشعبَينِ الإسباني والمغربي، مثلا، في تَحَمُّلِ وزْرِ إرثٍ استعماريٍ، أو حتى من الماضي ما قبلَ الاستعمار، لم يكن لهما يدٌ فيه، خاصةً وأنهُما اليومَ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى نزعِ فتيلِ التوتُّراتِ لبناءِ علاقاتٍ ديمقراطيةٍ سليمةٍ، متكافئةٍ ومتضامنةٍ، تخدُمُ مصالحهُمَا المشتركَة، وتُحِلُّ السَّلامَ والأمنَ في منطقةٍ استراتيجيةٍ من حوضِ الأبيضِ المتوسطِ؟. وما ذنبُ الشَّعْبَينِ الجزائري والمغربي، وهما إخوةٌ أشِقَّاء، لتحمُّلِ وزرِ إرثٍ استعماريٍّ لا ذنبَ لهما فيه، وهُمْ في أَمَسِّ الحاجةِ إلى تكثيفِ جُهودِهِمَا لِرفْعِ رِهاناتِ التَّحديثِ والدمقرطة وللعملِ لانطلاقِ مسلسلِ البناءِ المغاربي المُعطَّل؟
3- تعِي أن المعالجةَ التي تتمُّ بها العلاقاتُ بين الدولِ التي تعاني من أثرِ الماضي الذي لا يريد أن يمضي، وهو تعريفُ المركزِ لمفهومِ الذاكرةِ المشتركةِ، بما في ذلك علاقاتُ المغربِ بدولِ محيطِهِ الجيوسياسي، خاصةً العلاقاتِ المغربيةَ - الإسبانية والمغربية - الجزائرية، تتم ضمنَ مقاربةٍ أمنيةٍ وجزئيةٍ، وضمنَ ردودِ أفعالٍ ظرفيةٍ، غالبا ما تكون مُتَشَنِّجَةً، وهي في واقع الأمرِ، وليدةُ هذا "الماضي الذي لا يريد أن يمضي" تنتعشُ منه وتُغذِّيه في آن.
4- تعتمد، على العكس من ذلك، على مقاربةٍ جديدةٍ شموليةٍ ومندمجةٍ تُمَوْقِعُ التعاملَ مع العلاقاتِ بين الدول، التي لها ذاكرةٌ مشتركةٌ، في أُفُقِ إحْلالِ السِّلم، ونزعِ فَتيلِ التَّوتُّرِ، وعدمِ الاستقرارِ، ومُراعاةِ مصلحةِ الشعوبِ أولا وأخيرا. فهي تفتح مشروعا كبيرا وَطَمُوحا، يكون الفاعلون فيه، ليس الحكوماتِ وحدها، وإنما مجموعُ مُكوِّناتِ المجتمعاتِ المَعنيةِ، من حكوماتٍ وأحزابٍ ونقاباتٍ ومفكرينَ وأكاديميينَ وفاعلينَ حقوقيينَ ونشطاء جمعويينَ واقتصاديين...
5- تجيب بشكل نظريٍّ وعمليٍّ على ما أصبح يُتداولُ اليومَ بالمغربِ حول الدبلوماسية المُوازيةِ، وَتُفنِّدُ بالملموسِ التصوُّرَ الاختزاليَّ السائدَ حول هذا المصطلحِ الذي يَجمعُ في شكلٍ مِيكانيكيٍّ بين الدبلوماسية الرسميةِ والدبلوماسية الموازية، في غيابِ أَيٍّ تصورٍ شُموليٍ مندمِجٍ لمعالجةِ علاقاتِ المغربِ بدولِ محيطهِ الجيوسياسي.
6- تضع أمام شعوبِ دول البحرِ المتوسطِ خاصةً شعوبَ ضِفتهِ الجَنوبيةِ، التي استفاقت لتتحكم في مصيرها في إطار أنظمةٍ مدنيةٍ وديمقراطيةٍ، مقاربةً لبناءِ علاقاتٍ جديدةٍ متساويةٍ ومتضامنةٍ تؤمن أمنها واستقرارها وتؤمن السلام في هذا الفضاء الاستراتيجي.
وانطلاقا من تقييم أوليٍ لعملِ مركزِ الذاكرةِ المشتركةِ والمستقبلِ منذ تأسيسه.
ختاما نعتقد أن بإمكاننا تَكْييفَ هذا المقترح ِللاشتغالِ عليه قصدَ أن يصبحَ المواطنُ مشاركا في العمليةِ السياسيةِ، ويمارسَ حُريّاتِه بوعيٍ ومسؤوليةٍ بوصفهِ جزءا من المجتمعِ، وهذا التكييفُ سيتطلب بطبيعةِ الحالِ مجهوداتٍ فكريةً وتنظيريةً منا جميعا خاصةً من الحالمينَ بعالَمٍ يتسع للجميع، ونضعُ المركزَ وجميعَ اجتهاداتِهِ رَهْنَ إشارَتِكُم لتعميقِ النظرِ في ما تَفضَّلْنا بقوله.
*رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.