منذ فترة ما قبل الحماية وصولا إلى عام استقلال المغرب، تتبّع الإعلاميّ والباحث المغربيّ الرّاحل محمد العربي المساري في ورقة بحثيّة تاريخ الحركة الوطنية من خلال ما نشرته الصّحافة المغربية. ويذكر المسّاري أنّ الصحافة الوطنية لم تعمّر في عهد الحماية إلّا وقتا قليلا في المنطقة السّلطانية الخاضعة لفرنسا، وعمّرت لوقت أطول شيئا ما في المنطقة الخليفية الخاضعة لإسبانيا. ويزيد متحدّثا عن الصّحف التي صدرت بالعربية عن غير الوطنيّين، والتي يتفرّع عنها "نوع من الصّحافة الصّفراء التي جُعِلَت للتّشويش بشكل فجّ على العمل الوطنيّ، وهي قليلة العدد وعديمة التّأثير". ويقول محمد العربي المساري إنّ أُولى الجرائد الصّادرة فوق أرض المغرب كانت باللغة لإسبانية، وقدّم مثالا ب"الليبيرال آفريكانو" التي صدرت في سبتة سنة 1920، والجرائد التي صدرت بطنجة ابتداء من سنة 1883. ويضيف: كانت أولى الجرائد الصادرة باللغة العربية فوق أرض المغرب بسبتة، بعنوان "طنين سبتة"، وعلى الرغم من عدم معرفة تاريخ بدءِ صدورها، فإنّ عددها الحادي والعشرين مؤرّخ ب 15 يوليوز 1883، كما أنّ جريدة "المغرب" صدرت باللغة العربية في طنجة بتاريخ 15 ماي 1889. ومن بين النّماذج التي أرّخ لها المساري صحف كانت تصدر بالإسبانية وتحضر فيها أعمدة باللغة العربية؛ من بينها على سبيل المثال لا الحصر: جريدة "تيليغراما ديل ريف" التي صدرت في مليلية ابتداء من فاتح مارس 1902، وكان بها ركن بالعربية يتضمّن أحيانا مقالا أو عمودا، أشرف عليه كل من محمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد طحطح. بعد ذلك، يزيد المساري، أخذت تظهر جرائد مكتوبة كلّيّة بالعربية، كان أهمّها وأطولها عمرا جريدة "السّعادة" ابتداء من سنة 1904، التي لم تتوقّف إلا في سنة 1956، سنة استقلال المغرب، وهو ما انتقده علال الفاسي الذي قال إنّه "كان حريا أن تستمرّ مثلما حصل مع "الأهرام" المصريّة، التي كانت بوقا للفرنسيّين وتطوّرت مع الأحوال". ويذكر المساري أنّه خلال الحماية "طرأت ظروف جديدة، جعلت وسائل التّعبير محاصرة"، وحتى عندما كان يتاحُ إصدارُها "كانت تتعرّض لعقوبات بالتّوقيف عن الصّدور، والحكم بغرامات فوق طاقة النّاشرين، ممّا كان يؤدّي إلى التّوقّف"، وهي أحكامٌ "غالبا ما كانت بلا دفاع". ويسترسل المساري موضّحا: "طيلة 44 سنة من الاحتلال، لم تسمح الظّروف بإصدار الوطنيّين جرائد ناطقة باسمهم إلا لمدّة أقلّ من 15 سنة، ولم تسمح السلطات الاستعمارية بالمغرب في الشّمال كما في الجنوب بأن يُصدِر الوطنيّون المغاربة صحفا ناطقة باسمهم. ولهذا، كان هؤلاء يُشارِكون في الصّحف الجزائريّة والتّونسيّة، ويستعملونها لنشر أخبار أنشطتهم الفكريّة والفني". وتطرّق الباحث إلى نشر "النخبة المغربيّة" في نشرات كانت ترعاها إدارة الحماية، قائلا إنّ هذه النخبة كانت تتشاور فيما بينها في شأن النشر في هذه الصّحف.. وهكذا، نشرت جريدة "السّعادة" نصوصا لعلّال الفاسي وأحمد معنينو، ونوّهت بأحمد بلافريج وبالنّخبة الصّاعدة، قبل سنة 1930 التي ظهر فيها "أنّ لتلك النّخبة أجندتها الخاصّة". ويسجّل محمد العربي المساري أنّ هذه الجريدة، التي كان يشرف عليها ضابط فرنسيّ، كانت تتصدّر أعمدتها أخبار التّعيينات والتنقّلات والمناسبات الاجتماعيّة. ويزيد الباحث: "أبدى الوطنيون في الشّمال نفس التّردّد في المشاركة في مجلّة "الإصلاح" التي كانت تصدرها الإدارة الإسبانية في تطوان، فتشاور عبد الله كنون مع جماعة تطوان حول النّشر في هذا المنبر، وقرّروا اختبار النّوايا بتوجيه النّصوص إلى لبنانيّ كان يشرف على المجلّة سياسيّا". ومن بين التّجارب الشيقة، التي يبسط محمد العربي المساري تفاصيلها، مجلة "مغرب"، التي تعاون الوطنيون في الشّمال والجنوب سنة 1932 على إصدارها، ونفعت في ترويج وجهة النّظر الوطنيّة في قضايا الساعة آنذاك، وإقامة حوار نزيه وخلّاق بين النّخبة الوطنيّة المغربيّة والقوى الديمقراطية في فرنسا. ويذكر الباحث أنّ المنابر الصّحافيّة التي أنشأها الوطنيّون المغاربة كانت بمثابة مختبرات لصياغة برنامجِهم السّياسيّ، علما أنّ الوطنيّين لم تسمح لهم الظّروف بنشر صحف ناطقة باسمهم فوق الأرض المغربيّة إلا بعد 21 سنة من الحماية، حيث صدرت جريدة "أكسيون دو بوبل" بالفرنسية في اليوم الثّالث من شهر غشت سنة 1933، وكان يشرف عليها محمد حسن الوزاني مع أنّ رخصتها كانت باسم مواطن فرنسيّ، ثم بعدها أصدر محمد داود في أكتوبر من السنة نفسها مجلة "السلام" التي كانت أوّل صحيفة بالعربية سمح بها في المغرب؛ فصارت على الفور منبرا ثقافيّا للشّباب الوطنيّ في الشّمال والجنوب، كما تمكّن عبد الخالق الطريس من إصدار جريدة "الحياة" الأسبوعية، بعد ثلاث سنوات من إعلان الجمهورية في إسبانيا، وكانت منبرا للوطنيّين في الشّمال والجنوب. ومن المجلات التي توالى صدورها في الثلاثينيات، حَسَب المصدر ذاته، "المغرب الثقافي"، و"السلام". ومع منع إدارة الحماية إنشاء أيّ جرائد بعيدة عن رقابتها، أنشأ سعيد حجّي مجلّة "الوداد". وعلى غرارها، أنشأ علال الفاسي "أمّ البنين". كما أدّت العراقيل التي وضعتها إدارة الحماية في وجه الحركة الوطنية إلى استعمال أساليب اتّصال متنوّعة؛ أهمّها المنشور السري والاتصال الشّفويّ. ويذكر بحث محمد العربي المساري أنّ حياة الجريدتين الوطنيّتين بالعربية في الشمال كانت متقطّعة بسبب الغرامات والتّوقيفات، ومعهما "لا أونيداد ماروكي" الناطقة بالإسبانية، ثم يعرج على منح نظام فرانكو حرية إصدار الصّحف للوطنيّين، وحرية تأسيس الأحزاب السياسية ودعم المخطّطات التعليمية، قبل أن يتطرّق للموادّ القوية التي كتبت في كلّ من "الحرية" و"الريف" و"الوحدة المغربية"، للتّصدّي لمحاولة إسبانيا احتلال طنجة وضمّها إلى التّراب الإسبانيّ، مثل سبتة ومليلية. كما تتبّعت صحافة تطوان، وفق محمد العربي المساري، سائر أطوار الحرب العالميّة الثانية، حيث كان الطريس يتابع شخصيّا هذه التطورات يوما بيوم في عمود منتظِم كان يوقّعه بالمهدي. كما يذكر أنّ الجرائد الوطنية قد تضمّنت أصداء الاعتقالات التي كانت تتمّ في صفوف الأنصار في مختلف الجهات، ثم يسلّط الضّوء على ما تعرّضت له الصحافة في الشّمال مِن عقاب، بسبب العديد من الموادّ التي اعتبرت السلطات الإسبانية إحداها قذفا في حقّ المقيم العام الفرنسي نوغيس، وأخرى اعتبرتها قذفا في حقّ الماريشال بيتان، واعتبرت مادة لتقي الدين الهلالي مسّا بالملك محمد الخامس. ويتحدّث المساري عن نشأة مجموعة من الصحف مثل "العلم" التي "غطّت مرحلة مهمّة من النّضال من أجل الاستقلال"، بدءا من رحلة محمد الخامس إلى طنجة في سنة 1947، والتحرك الدولي في سبيل القضية الوطنية في المشرق وفرنسا وتدويل النّزاع بدعم من البلدان العربية، وطرح الملفّ المغربيّ على الأممالمتحدة. كما يتطرّق الباحث المغربيّ إلى نشأة جريدة "الرأي العامّ" الناطقة باسم حزب الشورى والاستقلال، مقدّما أمثلة على ما نشرته، من قبيل: ميثاق الأطلسي الذي حذفت بنده الثالث الرقابة، لنصّه على "إقرار الحق في السيادة وتقرير المصير، بالنسبة لمن حرموا منهما بالقوّة"، وتغطيتها أنشطة السلطان بإجلال، وإبرازها مواقف الحزب، من الأوضاع بالبلاد العربية وانتقادها عاهل شرقي الأردن الملك عبد الله لإجرائه اتصالات مع الصهيونيين، إضافة إلى مواقفها حول الوضع في جامعة القرويين، وضدّ جامع الفنا بمراكش، وضدّ إقامة ساحة لمصارعة الثّيران بطنجة. ويقول المساري إنّه عند منع الصحف الوطنية في المنطقة السلطانية عمل حزب الإصلاح الوطني على إصدار جريدة "الأمة" بتطوان، التي تابعت الصدور طيلة أزمة ما بعد نفي محمد الخامس، ويتطرّق في السياق ذاته للجرائد الموالية للإدارة أو المحايدة الصادرة في المنطقة السلطانية، مثل "التقدّم" بسلا، و"العزيمة" بالدار البيضاء، و"الوداد" التي كانت تجاهر بمناهضتها للوطنيّين. كما يذكر الباحث أنّ شمال المغرب في الخمسينيات قد عرف صدور صحف لا غنى عنها لتتبّع نشاط الحركة الوطنية في ذاك الزمن؛ ومن بينها جرائد ومجلّات بالعربية لم تكن لسانا للحركة مثل "الأخبار" و"النهار"، و"الشهاب"، ومجلات ثقافية مثل "الأنوار" و"الأنيس" و"لسان الدين" و"المعرفة"، "لا يخلو الاطلاع عليها من فائدة للتّعرّف على نبض الحياة الثّقافية والسياسية في عهد الحماية".