لم يكن حواراً عادياً يجريهِ الملك الرّاحل الحسن الثّاني الذي دأب على استقبالِ صحافيين فرنسيين داخل قصرهِ بالرّباط. هذه المرّة، الأمر يتعلّق بصحافي مغربي سيجلسُ أمام العاهل المغربي ليسأله حولَ حُكمهِ وطريقة تدبيره للسّلطة وعلاقاتهِ بالجيران ومستقبل البلاد والصّحراء. هو الصّحافي المغربي حميد برادة، الذي كانَ يتعاون مع مجلّة "جون أفريك" الفرنسية. كانت المرّة الأولى التي يتحدث فيها الحسن الثّاني إلى صحافي مغربي. جرت المقابلة بعد ظهر يوم الاثنين 26 غشت 1985 في قصر الصخيرات قرب الرباط. قبل حوالي ساعتين من المقابلة، وصلَ فريق المجلّة إلى قاعة العرش الضّخمة لإجراء الاستعدادات الفنية المطلوبة، يحكي برادة أنّه قبل ولوج القاعة طلبَ منه بعض أفراد المخزن بأن يخلع حذاءه، كان الجو حارًا جدًا! ثمّ بعد ذلك ظهر الملك الرّاحل الحسن الثّاني الذي استقبلَ ضيوفه في الفناء المغطّى بالستائر والمطل على المحيط. كان نحو عشرين من كبار الشخصيات والأقارب إلى جانب الملك الذي تحدّث بنبرة مبهجة: "يمكنكم الحضور معنا طالما أننا لا نسمعكم! كان مستشار الملك، أحمد رضا اكديرة يسعل: "أنت تدخّن كثيرًا!" قال له الحسن الثّاني. هل نزاع الصّحراء صراعٌ محلّي أم إقليمي أم دولي؟ كان هذا أوّل سؤال يطرحه الصّحافي المغربي حميد برادة على الملك الرّاحل، فأجابه الأخير: "سأقدم لك منظورًا جيو-استراتيجيًا. خذ سواحل إفريقيا. ربما لاحظت أن هناك مشاكل في كل مكان! هناك سواحل طويلة: الصومال وأنغولا وحتى المغرب مع الصحراء. عادة، بمجرد وجود آلاف الأميال من الساحل، تكون هناك مشاكل". وأضاف الحسن الثّاني: "قضية الصحراء واضحة للغاية لدرجة أنه بالنسبة للخصم كانت تتعلق بتقويض المسار المغربي بالكذب والتضليل. لكن في الوقت الحاضر، أصبح الرأي العام، مع ظهور الصحافة السمعية والبصرية والصحافة المكتوبة، أكثر حساسية حيال هذه القضيّة". وشدّد الملك الرّاحل على أنّ "المغرب، في جميع الأوقات، لم يكن يطالب بأكثر مما يخصه. لذلك كانت تندوف، على سبيل المثال، جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المغربية حتى بداية الخمسينات من القرن الماضي". مضيفاً: "الصحراء كانت مرتبطة دائمًا بالمغرب من خلال روابط الولاء". وزاد: "لقد عرضنا القضية على الأممالمتحدة بعد استقلالنا. في ذلك الوقت، لم تكن هناك الجزائر ولا موريتانيا، وفي وقت لاحق ظهر مفهوم (الطرف المعني) أو (المهتم)". المغرب واسترجاع تندوف؟ في هذه النّقطة، قال الملك الرّاحل الحسن الثاني إنّ المغرب لم يكن يطالب بأكثر مما يخصه؛ "لذلك كانت تندوف، على سبيل المثال، جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المغربية حتى بداية الخمسينات من القرن الماضي، حيث رأيت خلال احتفالات العيد الكبير والعيد الصغير باشا هذه المدينة بأم عيني يأتي ليعلن الولاء لوالدي. لكن عندما ذهبنا إلى المنفى في 20 غشت 1953، نُقلت تندوف إلى الجزائر". وشدّد الملك الرّاحل في الحوار ذاته على أنّه "لا توجد مدينة، مغربية أو جزائرية، تستحق الحرب. سأخبرك بشيء وهو جديد تمامًا: لم أوقف الجنرال إدريس بن عمر فقط، بل الجنرال الكتاني أيضًا، قال لي: (إذا أراد جلالتك الصلاة في وهران يوم الجمعة المقبل، فسنكون هناك). أجبته لا، ليس علينا ذلك، لأننا لا نستطيع البقاء هناك!". وهنا طرح برادة سؤالاً مباغتاً: "إذا كان الرّئيس الجزائري (هواري بومدين آنذاك) في وضع مشابه وكان الجيش الجزائري على بوابة وجدة مثلاً، هل سيعطي الأمر نفسه لجنرالاته بالتّراجع؟". وأجاب الحسن الثّاني: "ما يمكنني قوله هو أن السلطات الجزائرية تجرأت على طرد خمسة وأربعين ألف مغربي من الجزائر عام 1975 في ظروف مروعة. هذا ما فعله الجزائريون على الصعيد المدني. عسكريا، لا أعرف". وعاد الملك إلى أكتوبر 1974، خلال القمة العربية في الرباط، حيث برزت قضية الصحراء إلى الواجهة، وكان الرئيس بومدين قد أعلن نيابة عن بلاده: (بالنسبة لي، لا توجد مشكلة في الصحراء. الجزائر تعتبر هذه القضية مغربية-موريتانية بحتة لا أكثر ولا أقل). لكن بعد ذلك، أطلق القادة الجزائريون أطروحة تقرير المصير، وقالوا إن "الصحراويين هم جيراننا. لا يمكننا الحديث عن حق تقرير المصير للشعب الفيتنامي الذي يبعد عشرة آلاف كيلومتر ولا ندافع عنه عند حدودنا. بدأ كل شيء من هناك. هذه خدعة القرن!". الصحراء والنّوازع النّفسية سأل الصّحافي المغربي حميد برادة الملك الرّاحل الحسن الثّاني: "هل للصّحراء أسس نفسية"؟ وأجاب الملك: "إذا كان الأمر كذلك، فسيثبت أن جيراننا لم يصلوا بعد إلى النضج المطلوب. إذا كانت مسألة نفسية، فستكون درامية ومقلقة للغاية بالنسبة لنا". وأضاف الملك: "لقد عاش المغاربة والجزائريون معًا حتى الآن وفقًا لقوانين الطبيعة والتاريخ. بدون زيادة. من ناحية، كانت هناك دولة مغربية ومن ناحية أخرى كانت الجزائر تحت وصاية الباب العالي ثم وقعت بعد ذلك تحت الاحتلال الفرنسي. كان الشعب الجزائري يميل بطبيعة الحال إلى الاقتراب من المغرب. اليوم لم نعد نتعامل مع الشعب الجزائري بل مع السلطات الجزائرية. الأشياء تتغير". وعاد الملك إلى مارس 1973، حيث تسلّل كوماندوس من الجزائر إلى مولاي بوعزة في الأطلس المتوسط. كان لا بد من إرسال قوات كبيرة ضدهم. اتضح فيما بعد أن بعض الأطراف الجزائرية خططت ونفذت كل شيء، وكانت تهدف إلى ضرب الاستقرار ونشر الفوضى. وقارن بين هذه العملية وعملية أخرى وقعت في يوليوز عام 1985؛ "الفارق الكبير بين العمليتين هو أنه في عام 1973 كان هدف الكوماندوس خلق اضطرابات معروفة: كنا نعرف من الذي سيطلق النار على من. بينما هذه المرة كان الإرهاب بأبشع صوره. ضع قنبلة في كيس ورقي، بجهاز تحكم عن بعد، نفجره على الشاطئ، أو في ملعب ألعاب القوى أو ملعب كرة القدم، أو حتى في السينما، ثم نهرب مثل الجبان، مخلفين عشرات الضحايا". وزاد الحسن الثاني: "الرئيس الشاذلي يحب المغاربة. لم تكن لدينا مشكلة معه، حتى عندما كانت الأمور سيئة بين الجزائروالرباط. لذلك آمل أن يتصرف الرئيس بن جديد على هذا النّحو حتى لا تتكرر مثل هذه الأشياء مرة أخرى. وإلا فسنضطر إلى إعادة الكرة إلى الجزائر. يمكننا القيام بذلك بسهولة، لا ينقصنا التوظيف، لكني لا أريد أن ألعب التنس في هذا المجال!".