تعيينات في مناصب عليا بالمغرب    إيطاليا تغر م شركة "آبل" أزيد من 98 مليون أورو لخرقها قواعد المنافسة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة من الثلاثاء إلى الأربعاء    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        "المعلومات المالية" تقدم التقرير السنوي    منصة رقمية للطلبات والسحب عند الرشد .. تفاصيل الإعانة الخاصة لليتامى    فتح تحقيق مع 8 أشخاص متورطين في المضاربة في تذاكر الكان    الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    "أكديطال" تستحوذ على مجموعة تونسية    إحباط محاولة لتهريب المخدرات بورزازات    تشجيعات المغاربة لمنتخب "الفراعنة" تحظى بإشادة كبيرة في مصر    إطلاق برنامج "كان 2025" لفائدة النزلاء    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    لنساهم جميعا في إنجاح العرس الإفريقي!    وزارة العدل الأميركية تنشر 8 آلاف وثيقة جديدة في قضية "إبستين"    قناة كندية تصنّف المغرب ضمن "سبع وجهات الأحلام" للسياح الكنديين نهاية العام    مدرب زيمبابوي : الخسارة في الدقائق الأخيرة تترك الكثير من الحسرة    كأس إفريقيا .. برنامج مباريات الثلاثاء    كأس إفريقيا للأمم فرصة ذهبية لتعزيز التنمية المندمجة    اليوم العالميّ للغة الضّاد    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    "البيجيدي" ينبه إلى الأزمة الأخلاقية والتحكمية في قطاع الصحافة ويحذر من مخاطر الاختراق الصهيوني    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض        بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    ارتفاع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    النفط يتراجع مع تقييم الأسواق للمخاطر الجيوسياسية مقابل عوامل سلبية        قناة كندية تصنف المغرب ضمن "سبع وجهات أحلام" للسياحة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    لفتيت: المخطط الوطني لمواجهة موجة البرد يستهدف 833 ألف نسمة    بستة أصوات مقابل خمسة.. مجلس المستشارين يمرّر مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وسط انتقادات لغياب البرلمانيين    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تعالج ملفات الترقي والأقدمية والحراسة بالمستشفيات    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مواصلة التصعيد ويطالب الحكومة بإصدار مراسيم الحركة الانتقالية وباقي نقاط اتفاق يوليوز 2024    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي ‬المنجرة ‬.. عالم المستقبليات الذي ‬يراد ‬له ‬أن ‬يصبح ‬ماضيا
نشر في هسبريس يوم 24 - 04 - 2013

بعد ‬مسار ‬مليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة ‬المهدي ‬المنجرة ‬وخوفه ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، ‬يعيش ‬الرجل ‬اليوم ‬طريح ‬الفراش. ‬أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه. ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.‬
في ‬سنة ‬1924 ‬كان ‬الطيار ‬امحمد ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬المؤسسين ‬لأول ‬نادي ‬للطيران ‬في ‬المغرب، ‬بل ‬في ‬العالم ‬العربي. ‬بعدها ‬بتسع ‬سنوات ‬قرر ‬المغرب ‬إجراء ‬أول ‬رحلة ‬جوية ‬في ‬اتجاه ‬الجارة ‬الجزائر، ‬لكن ‬الطيار ‬امحمد ‬اعتذر ‬عن ‬المشاركة ‬في ‬هذه ‬الرحلة ‬لأن ‬زوجته ‬حامل ‬على ‬وشك ‬الوضع. ‬هكذا ‬تخلف ‬عن ‬هذه ‬الرحلة ‬التي ‬شارك ‬فيها ‬صديقه ‬الطيار ‬المهدي ‬الصقلي ‬الذي ‬كان ‬من ‬أبرز ‬الوطنيين ‬آنذاك. ‬على ‬الساعة ‬السادسة ‬صباحا ‬طرق ‬ساعي ‬البريد ‬بالرباط ‬بيت ‬المنجرة ‬ليسلمه ‬برقية ‬وجد ‬فيها: ‬‮"‬لقد ‬وصلنا ‬بخير ‬والرحلة ‬مرت ‬على ‬أحسن ‬وجه.. ‬تحيات ‬المهدي ‬الصقلي‮"‬، ‬وفي ‬الصباح ‬ذاته ‬من ‬سنة ‬1933 ‬وضعت ‬زوجة ‬الطيار ‬المنجرة ‬مولودا ‬ذكرا ‬قرر ‬والده ‬أن ‬يسميه ‬المهدي ‬تيمنا ‬بصديقه ‬المهدي ‬الصقلي.‬
ابن ‬الطيار
إنه ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬الذي ‬درس ‬بمدرسة ديكارت ‬بالعاصمة ‬الإدارية ‬الرباط، ‬وهي ‬من ‬أعرق ‬المدارس ‬الفرنسية ‬بالمغرب. ‬كما ‬تلقى ‬دراسته ‬الجامعية ‬بالولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬بجامعة ‬كورنيل. ‬حصل ‬على ‬الإجازة ‬في ‬البيولوجيا ‬والعلوم ‬السياسية ‬ثم ‬تابع ‬دراسته ‬بإنجلترا ‬وحصل ‬هناك ‬على ‬الدكتوراه ‬في ‬الاقتصاد. ‬كل ‬هذا ‬المسار ‬العلمي ‬للمنجرة ‬ساعده ‬في ‬أن ‬يتقن ‬علم ‬المستقبليات، ‬المجال ‬الذي ‬ألف ‬فيه ‬عددا ‬كبيرا ‬من ‬الكتب، ‬بل ‬وحاضر ‬فيه ‬في ‬العديد ‬من ‬الدول، ‬لكنه ‬بالمقابل ‬منع ‬أزيد ‬من ‬عشر ‬مرات ‬من ‬المحاضرة ‬بمدن ‬مغربية ‬من ‬طرف ‬السلطات.‬
سنة ‬1958 ‬كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬الأساتذة ‬الأوائل ‬الذين ‬قاموا ‬بالتدريس ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس. ‬وقبلها ‬بأربع ‬سنوات ‬فقط ‬كان ‬قد ‬شد ‬الرحال ‬إلى ‬لندن ‬لتحضير ‬الدكتوراه ‬في ‬موضوع ‬حول ‬الجامعة ‬العربية، ‬وفي ‬السنة ‬الموالية ‬أي ‬1955 ‬حصل ‬على ‬منحة ‬من ‬مؤسسة ‬روكفلر ‬مكنته ‬من ‬السفر ‬إلى ‬مصر ‬للالتقاء ‬ببعض ‬المسؤولين ‬في ‬الجامعة ‬العربية. ‬وهناك ‬في ‬بلاد ‬الفراعنة ‬التقى ‬بأسد ‬الريف ‬المجاهد ‬امحمد ‬بن ‬عبد ‬الكريم ‬الخطابي. ‬كما ‬حظي ‬باستقبال ‬من ‬الراحل ‬محمد ‬الخامس ‬بباريس ‬وهو ‬في ‬طريق ‬عودته ‬من ‬المنفى ‬إلى ‬أرض ‬الوطن ‬قبيل ‬الاستقلال. ‬ليلتقيه ‬للمرة ‬الثانية ‬سنة ‬1959، ‬إذ ‬استقبله ‬الراحل ‬كأول ‬أستاذ ‬مغربي ‬بكلية ‬الحقوق، ‬وأصغر ‬الأساتذة ‬سنا ‬بها ‬وعينه ‬مديرا ‬للإذاعة ‬والتلفزة ‬المغربية ‬خلفا ‬لقاسم ‬الزهيري.‬
الكلب ‬والسفر ‬إلى ‬أمريكا
كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬سنة ‬1948 ‬بأحد ‬المسابح ‬بمدينة ‬إفران، ‬حيث ‬كان ‬في ‬المسبح ‬عدد ‬من ‬المغاربة ‬والفرنسيين. ‬بينما ‬هو ‬هناك، ‬اقترب ‬كلب ‬من ‬المسبح ‬وبدأ ‬يشرب ‬من ‬مياهه، ‬الأمر ‬الذي ‬أثار ‬حفيظة ‬إحدى ‬النساء ‬التي ‬طالبت ‬بإبعاده. ‬لكن ‬أحد ‬الفرنسيين ‬خاطبها ‬قائلا: ‬‮"‬إذا ‬كان ‬العرب ‬يسبحون ‬في ‬المسبح ‬فلماذا ‬نمنع ‬الكلاب ‬من ‬ذلك‮"‬ ‬وهي ‬العبارة ‬العنصرية ‬التي ‬أغضبت ‬الشاب ‬المهدي ‬المنجرة ‬لينخرط ‬في ‬مشادات ‬كلامية ‬مع ‬هذا ‬الفرنسي. ‬لكن ‬لسوء ‬حظ ‬المنجرة ‬كان ‬هذا ‬الفرنسي ‬رئيس ‬فرقة ‬الأمن ‬الإقليمي ‬بإفران، ‬لذلك ‬لم ‬يتردد ‬في ‬اعتقاله ‬مدة ‬عشرة ‬أيام. ‬بعد ‬خروجه ‬من ‬الاحتجاز ‬أرسله ‬والده ‬إلى ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬لمتابعة ‬دراسته ‬هناك.‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬العم ‬سام ‬أسس ‬النادي ‬العربي، ‬وعمل ‬مديرا ‬للمجلس ‬الدولي ‬للطلبة. ‬كما ‬كان ‬أحد ‬مؤسسي ‬النادي ‬الشرقي ‬وعضوا ‬في ‬جمعية ‬من ‬أجل ‬عالم ‬جديد. ‬كل ‬هذه ‬الدينامية ‬والحيوية ‬كانت ‬توحي ‬بأن ‬المهدي ‬المنجرة ‬سيكون ‬له ‬شأن ‬عظيم ‬في ‬المستقبل.‬
في ‬سنة ‬1954 ‬حيث ‬كان ‬المنجرة ‬مازال ‬يتابع ‬دراسته ‬في ‬أمريكا، ‬نشبت ‬حرب ‬مع ‬كوريا ‬فطلب ‬من ‬الطالب ‬المهدي ‬التجنيد ‬لأنه ‬يتوفر ‬على ‬البطاقة ‬الخضراء ‬لكنه ‬رفض. ‬أما ‬هجرته ‬إلى ‬اليابان ‬فجاءت ‬بعد ‬منعه ‬من ‬إلقاء ‬محاضرة ‬بمدينة ‬فاس.‬
السؤال ‬المؤرق
إن ‬السؤال ‬الذي ‬يؤرق ‬عالم ‬المستقبليات ‬هو: ‬إلى ‬أين ‬نسير؟ ‬خصوصا ‬وهو ‬يلاحظ ‬غياب ‬رؤية ‬مستقبلية ‬لدى ‬القائمين ‬على ‬الأمور ‬في ‬البلاد. ‬لذلك ‬لا ‬يتردد ‬في ‬القول ‬كلما ‬سمحت ‬له ‬الفرصة ‬لذلك: ‬‮"‬أتحدى ‬أي ‬شخص ‬أن ‬يعطي ‬رؤية ‬شاملة ‬حول ‬مستقبل ‬المغرب، ‬للأسف ‬الكل ‬مشغول ‬بالآنية ‬وما ‬يسمى ‬بالانتقال، ‬وأنا ‬أتساءل ‬الانتقال ‬إلى ‬أين؟‮"‬ ‬هكذا ‬ظلت ‬هذه ‬الأسئلة ‬تؤرق ‬بال ‬المنجرة ‬الذي ‬يؤكد ‬أن: ‬‮"‬علم ‬المستقبليات ‬ليس ‬تنبؤا ‬لأنه ‬موجود ‬عند ‬البشر، ‬والتنبؤ ‬كان ‬لخاتم ‬الرسل ‬محمد ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم‮"‬ ‬وما ‬يزيد ‬من ‬قلق ‬المهدي ‬المنجرة ‬على ‬الوضع، ‬ليس ‬فقط ‬انشغال ‬السياسيين ‬بالآني، ‬بل ‬حتى ‬صمت ‬المؤرخين ‬وانكبابهم ‬فقط ‬على ‬تاريخ ‬القرون ‬الوسطى ‬متناسين ‬الحاضر ‬وغافلين ‬كليا ‬عن ‬المستقبل. ‬
تفتقت ‬عبقرية ‬المنجرة ‬منذ ‬ريعان ‬شبابه ‬فقد ‬طرد ‬من ‬ثانوية ‬ليوطي ‬سنة ‬1948 ‬لأسباب ‬سياسية ‬محضة. ‬لقد ‬كان ‬يواجه ‬الأساتذة ‬الفرنسيين ‬ويناقشهم ‬بحدة ‬فيما ‬يخص ‬موضوع ‬الاستعمار ‬الفرنسي ‬للمغرب. ‬في ‬سنة ‬1954 ‬حصل ‬على ‬جائزة ‬الإمبراطور ‬الياباني ‬عن ‬بحث ‬بخصوص ‬أهمية ‬النموذج ‬الياباني ‬بالنسبة ‬للعالم ‬الثالث.‬
سابق ‬لعصره
‮"‬التغيير ‬آت ‬أحب ‬من ‬أحب ‬وكره ‬من ‬كره. ‬السؤال ‬الوحيد ‬الذي ‬يجب ‬أن ‬نفكر ‬فيه ‬هو ‬ثمن ‬هذا ‬التغيير، ‬فكل ‬تأخير ‬سيدفع ‬عنه ‬الثمن‮"‬ ‬هذه ‬العبارة ‬قالها ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬قبل ‬الربيع ‬العربي ‬بكثير، ‬وهي ‬العبارة ‬التي ‬تلقتها ‬العديد ‬من ‬الآذان ‬باعتبارها ‬ترفا ‬فكريا ‬لا ‬غير. ‬لكن ‬أحداث ‬الربيع ‬العربي ‬التي ‬افتتحتها ‬ولاعة ‬البوعزيزي ‬أكدت ‬أن ‬كلام ‬الرجل ‬علم ‬مدروس ‬بدقة. ‬كما ‬تأكد ‬كلامه ‬الذي ‬قسم ‬فيه ‬الزمن ‬إلى ‬ما ‬قبل ‬التغيير ‬وما ‬بعد ‬التغيير‮"‬ ‬في ‬عهد ‬ما ‬قبل ‬العهد ‬الجديد، ‬فالتغيير ‬هو ‬مفهوم ‬منظومي ‬يأتي ‬بصورة ‬شمولية، ‬إذ ‬عندما ‬يحدث ‬يطال ‬جميع ‬الميادين‮…‬ ‬والتغيير ‬الوحيد ‬الذي ‬لاحظناه ‬هو ‬تغيير ‬الذين ‬أتوا ‬بقصد ‬التغيير ‬دون ‬أن ‬نلمس ‬أي ‬تغيير‮"‬. ‬أما ‬ثمن ‬التغيير ‬الذي ‬طالما ‬حذر ‬منه ‬فإنه ‬جاء ‬غاليا.‬
‮"‬يكتب ‬لفترة ‬لا ‬يعتقد ‬أنه ‬سيعيشها، ‬أي ‬أنه ‬لا ‬يكتب ‬من ‬أجل ‬مصالحه ‬اللحظية ‬والقصيرة ‬المدى‮"‬ ‬هذا ‬هو ‬علم ‬المستقبليات ‬بتعبير ‬المهدي ‬المنجرة. ‬يقول ‬في ‬كتابه ‬‮"‬الإهانة ‬في ‬عهد ‬الميغا ‬إمبريالية‮"‬: ‬الرفض ‬أن ‬تقول: ‬‮"‬لا…لا ‬للاستبداد ‬لا ‬للظلم ‬لا ‬للقمع‮…‬ ‬هذا ‬الرفض ‬كله ‬بلا ‬عنف، ‬وبلا ‬انتفاضة ‬حجر، ‬وبلا ‬رصاص، ‬فقط ‬بقوة ‬لا‮"‬ ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬تماما ‬في ‬ثورات ‬الربيع ‬العربي، ‬إذ ‬خرج ‬المتظاهرون ‬بصدور ‬عارية ‬وتمكنوا ‬من ‬الإطاحة ‬بالأنظمة.‬
رجل ‬الكرامة
رغم ‬أنه ‬أهين ‬في ‬العديد ‬من ‬المرات ‬في ‬بلده ‬المغرب، ‬حيث ‬منعت ‬محاضراته ‬في ‬مدن ‬مغربية ‬دون ‬أن ‬تخبره ‬السلطات ‬عن ‬سبب ‬المنع، ‬إلا ‬أنه ‬ما ‬فتئ ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة ‬الإنسانية ‬كلما ‬سنحت ‬له ‬الفرصة ‬بذلك. ‬لم ‬يتوقف ‬أثناء ‬نضاله ‬من ‬أجل ‬الكرامة ‬عند ‬حد ‬الكلام ‬والكتابة ‬والمحاضرات. ‬بل ‬إنه ‬خصص ‬من ‬ريع ‬كتبه ‬جائزة ‬لذلك.‬
كان ‬المنجرة ‬قد ‬أحدث ‬جائزة ‬‮"‬الحوار ‬الثقافي ‬شمال-‬جنوب‮"‬ ‬عقب ‬صدور ‬كتابه ‬‮"‬ ‬الحرب ‬الحضارية ‬الأولى. ‬وهي ‬الجائزة ‬التي ‬تمنح ‬منذ ‬1992، ‬يوم ‬17يناير ‬من ‬كل ‬سنة، ‬وهو ‬اليوم ‬الذي ‬يصادف ‬ذكرى ‬اندلاع ‬حرب ‬الخليج ‬الأولى. ‬هذه ‬الجائزة ‬حولها ‬المنجرة ‬إلى ‬جائزة ‬الكرامة، ‬ينالها ‬كل ‬من ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة.‬
بعد ‬هذا ‬المسار ‬المليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة ‬المهدي ‬المنجرة ‬وخوفه ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، ‬بل ‬مستقبل ‬البشرية ‬جمعاء. ‬بعد ‬كل ‬هذا ‬يعيش ‬المهدي ‬المنجرة ‬اليوم ‬طريح ‬الفراش. ‬أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه. ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم. ‬الزلة ‬الوحيدة ‬التي ‬ارتكبها ‬المهدي ‬المنجرة ‬هو ‬أنه ‬ولد ‬في ‬وطن ‬عاق، ‬لا ‬يعترف ‬بالجميل ‬الذي ‬يقدمه ‬له ‬بعض ‬أبنائه. ‬لكن ‬رغم ‬كل ‬ذلك ‬غيرة ‬على ‬وطنه ‬المهدي ‬المنجرة ‬مازالت ‬متقدة.‬ ‬
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته
الحياة ‬الشخصية ‬والاجتماعية ‬للأستاذ ‬المهدي ‬المنجرة ‬تظهر ‬من ‬خلال، ‬زيارة ‬منزله. ‬فالداخل ‬إليه ‬سيجد ‬‮"‬صالونا ‬بلديا‮"‬ ‬وآخر ‬غربيا. ‬والمنزل ‬كله ‬عبارة ‬عن ‬مكتبة، ‬وأينما ‬تجولت ‬في ‬أرجاء ‬المنزل ‬ستجد ‬كتبا ‬أو ‬مجلات، ‬ما ‬يعكس ‬تعلقه ‬بالقراءة ‬والكتابة. ‬المنجرة ‬إنسان ‬منفتح ‬على ‬الحداثة، ‬لكنه ‬مغربي ‬أصيل ‬لا ‬يتنكر ‬لمغربيته. ‬بل ‬يعتز ‬بها ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬يزايد ‬عليه ‬أحد ‬في ‬ذلك. ‬رغم ‬أن ‬تكوينه ‬الأكاديمي ‬كان ‬بإنجلترا ‬إلا ‬أنه ‬يبقى ‬المهدي ‬المنجرة ‬المغربي ‬البسيط، ‬الذي ‬يعيش ‬الطقوس ‬والعادات ‬المغربية ‬بنوع ‬من ‬الاعتزاز. ‬أما ‬التهميش ‬الذي ‬يتعرض ‬له ‬المنجرة ‬فإنه ‬ليس ‬تهميشا ‬لذاته ‬كشخص، ‬وإنما ‬تهميش ‬لمنظومة ‬الحداثة ‬والتغيير ‬في ‬زمن ‬الرداءة. ‬فليس ‬المنجرة ‬وحده ‬من ‬تعرض ‬للتهميش، ‬فهناك ‬العديد ‬من ‬المفكرين ‬طالهم ‬التهميش. ‬لكن ‬المنجرة ‬كان ‬أكثر ‬تهميشا، ‬بل ‬إنه ‬تعرض ‬للمنع ‬من ‬المحاضرة ‬بجامعات ‬مغربية ‬رغم ‬أنه ‬كان ‬أول ‬أستاذ ‬مغربي ‬درس ‬بالجامعة ‬المغربية ‬وأصغر ‬أستاذ ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس.‬المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته ‬إنه ‬منظومة ‬وبنيان، ‬لقد ‬نظر ‬لقيم ‬عالمية ‬تجاوزت ‬ما ‬هو ‬ذاتي.‬
* من العدد ال6 لمجلة هسبريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.