أمين أحرشيون لم يكن افتتاح كأس الأمم الإفريقية في العاصمة الملكية للمملكة المغربية مجرد حدث رياضي عابر، بل شكل محطة رمزية عميقة الدلالات، حملت رسائل سياسية وحضارية واضحة، تجاوزت حدود المستطيل الأخضر، ووصل صداها إلى الضفة الشمالية للمتوسط. فالمغرب، من خلال هذا الافتتاح التاريخي، أكد مرة أخرى انتماءه العميق للقارة الإفريقية، واعتزازه بهويته الإفريقية كخيار استراتيجي ثابت، وليس كشعار ظرفي. افتتاح ملكي، بحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وفي أجواء جسدت تلاحم الشعب مع مؤسسته الملكية، بعث برسالة مفادها أن المغرب ينظر إلى إفريقيا كشريك في المستقبل، لا كمجرد امتداد جغرافي. هذه الرمزية الإفريقية والملكية لم تمر دون إثارة ردود فعل متباينة، خاصة لدى أطراف اعتادت النظر إلى المغرب من زاوية ضيقة، أو ترى في صعوده الإقليمي تهديداً لمشاريعها السياسية. في هذا السياق، عاد خطاب اليمين المتطرف الإسباني إلى الواجهة، محمّلاً بنبرة عدائية تجاه المغرب، لا يمكن فصلها عن خلفيات إقليمية أوسع. اليمين المتطرف في إسبانيا، الذي يقوده خطاب يقوم على الخوف من الآخر ورفض التعدد، وجد في الحضور المغربي المتزايد، قارياً ودولياً، مادة جديدة لتغذية أطروحاته. غير أن هذا العداء لا ينطلق فقط من حسابات داخلية إسبانية، بل يتقاطع بشكل واضح مع سرديات يروج لها النظام العسكري الجزائري، الذي جعل من معاداة المغرب محوراً ثابتاً في سياسته الخارجية. النظام العسكري الجزائري، الذي يعاني من أزمات داخلية مزمنة، يسعى إلى تصدير توتره نحو الخارج، مستثمراً في كل فرصة يمكن أن تُضعف صورة المغرب أو تُشكك في أدواره الإقليمية. ويُلاحظ أن كثيراً من مواقف اليمين المتطرف الإسباني، سواء بخصوص الصحراء المغربية أو العلاقات الثنائية أو قضايا الهجرة، تتقاطع مع الخطاب الجزائري، في انسجام يثير أكثر من علامة استفهام. افتتاح كأس الأمم الإفريقية، بما حمله من نجاح تنظيمي، وحضور جماهيري، ورسائل وحدة إفريقية، شكّل في حد ذاته رداً عملياً على هذه الخطابات. فقد أظهر مغرباً واثقاً من خياراته، منفتحاً على محيطه، وقادراً على الجمع بين البعد الرياضي، والعمق الحضاري، والرؤية الاستراتيجية بين إفريقيا وأوروبا. إن العداء الذي تبديه بعض التيارات المتطرفة، سواء في إسبانيا أو خارجها، لا يعكس حقيقة العلاقات التاريخية بين المغرب وإسبانيا، ولا واقع التعايش الذي يجمع بين الشعبين، ولا الدور الإيجابي الذي تلعبه الجالية المغربية داخل المجتمع الإسباني. وفي نهاية المطاف، يبقى افتتاح كأس الأمم الإفريقية مناسبة لتأكيد حقيقة أساسية: المغرب اختار طريق التعاون، والانفتاح، وبناء الجسور بين القارات، بينما يظل الخاسر الوحيد هو من يراهن على خطاب الإقصاء، ويبحث عن خصوم بدل البحث عن شراكات.